رغم أن الشاعر والمخرج الإيراني، بَكتاش آبتين ( (Baktash Abtin، الذي طالب بالحرية طوال حياته الأدبية والفنية، رثى من قبل شعراء وكتاباً قُتلوا في إيران لنضالهم ودفاعهم عن الحرية، من أمثال محمد مختاري، الذي قُتل في عمليات القتل المتسلسل في تسعينيات القرن الماضي في إيران، إلا أنه اليوم ينعيه الكثير من محبيه ومحبي الحرية في إيران، الشاعر والكاتب والمخرج الإيراني الشهير بانتقاداته للرقابة وتقييد الحرية، والذي توفي بسبب إصابته بفيروس كورونا في المستشفى، وهو رهن الاعتقال، عن عمر يناهز 48 عاماً.
وأعلنت رابطة الكتاب الإيرانيين عن وفاته في يوم السبت 8 كانون الثاني/يناير 2022 في مستشفى ساسان في طهران، بعد أيام من دخوله في غيبوبة، وقالت إن آبتين كرس حياته "لتعزيز حرية التعبير والتنديد بالرقابة في إيران، ونشر العديد من الكتب في التاريخ وعلم الاجتماع والنقد الأدبي".
وأدخلت وفاة بكتاش، الأوساط الفنية والثقافية الإيرانية في حالة حزن شديد، وغضب من السلطات، واتهامها بالإهمال المعتمد في علاجه. وزاد من حدة هذا الحزن والغضب تزامن وفاة بكتاش مع ذكرى إسقاط الطائرة الأوكرانية قرب طهران، والتي لا تُنسى لدى الإيرانيين رغم مضي عامين منها.
رغم أنه لم يُسمح بعرض أفلامه في إيران، إلا أنها عُرضت في مهرجانات دولية، وأصبح هذا الأمر إحدى التهم الموجهة إليه لاحقاً
في الأيام الماضية ومع تدهور حالة بكتاش، كانت قد ازدادت المطالبات بالإفراج عنه وتقديم رعاية طبية أفضل له. وقبل يوم من وفاته، بعثت جمعية القلم الأمريكية و18 من المؤسسات الداعية لحرية التعبير وحقوق الإنسان، رسالة مشتركة إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، أكدوا فيها حالة بكتاش الصحية الحرجة، ودعوا إلى الإفراج الفوري عنه وعن السجناء السياسيين الآخرين.
وأثارت وفاته ردود فعل واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث وصفها كثيرون بأنها "جريمة قتل"، محملين القيادة الإيرانية مسؤولية وفاته.
وفي يوم السبت الماضي قامت القوات الأمنية بتفريق المعزين الذين حضروا لإضاءة الشموع أمام المستشفى الذي توفي فيه بكتاش.
وكان من المقرر أن تقام اليوم الاثنين مراسم تشييع جثمان الشاعر، إلا أنه يوم أمس الأحد تمّ تشييع جثمانه، بعد ضغوظ من الأجهزة الأمنية الإيرانية التي طالبت بإجراء التشييع سريعاً.
وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو من مراسم التشييع تظهر المعزين وهم يرددون هتافات مثل: "السلام لآبتين والموت للظالمين"، و"الموت للنظام القاتل"، و"آبتين سيظلّ حياً ونهجه مستمراً".
وقالت محامية بكتاش في تصريح للصحافة الإيرانية "لو ذهب بكتاش إلى المستشفى عاجلاً لما شهدنا وفاته".
وأعلنت منظمة "مراسلون بلا حدود" في بيان أرفقته بصورة سابقة لبكتاش بلباس السجن، ومكبلاً بسلسلة السجن التي تربطه بسرير في المستشفى: "علمنا بحزن بوفاة بكتاش آبتين. حُكم على الكاتب والصحفي ظلماً بالسجن ستة أعوام ومعتقل في المستشفى، ومرض بكوفيد 19 وحرمانه من الرعاية اللازمة. وتلقي مراسلون بلا حدود باللوم على سلطات النظام العليا بشأن وفاته".
وقالت جمعية "القلم" الأمريكية التي فاز بكتاش بجائزتها العام الماضي، في بيان بعد وفاة آبتين: "تعرض آبتين للإهمال داخل سجن إيفين الإيراني، وكان بالإمكان الحيلولة دون وفاته. كورونا قاتل طبيعي، لكن موت آبتين كان بمساعدة وتحريض من السلطات الإيرانية".
كما قال المدير التنفيذي لمركز حقوق الإنسان في إيران ومقرّه نيويورك، هادي قائمي، إن "بكتاش مات لأن الحكومة الإيرانية أرادت أن تسكته في السجن... إنها مأساة كان بالإمكان تجنبها... يجب أن يخضع رئيس السلطة القضائية الإيرانية للمحاسبة".
بطلاقةٍ
تهرب
من جدران السجون العالية
والأسلاك الشائكة
رائحةُ الحرية العبقةُ!
وكتب موقع إذاعة "راديو فَردا" الفارسية والتي تبث من خارج إيران: "لم يكن معنى هذا السلوك للجمهورية الإسلامية عداءها لشخص واحد فقط، بل أصبح آبتين رمزاً للكتاب الإيرانيين الذين لطالما اعتبرهم النظام الإيراني أعداءه في الحرب الناعمة".
من هو بكتاش آبتين؟
اسمه الحقيقي مهدي كاظمي، لكنه اشتهر باسمه المستعار بكتاش آبتين منذ تسعينيات القرن الماضي.
ونشر بكتاش المولود في مدينة ريْ في محافظة طهران عام 1974، دواوين شعرية، كما أخرج عدة أفلام وثائقية، وقد حصل على جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان "سينما حقيقت" الدولي في إيران.
وفي قصائده، بالإضافة إلى التطرق إلى قضايا كالوحدة والموت، اهتمّ أيضاً بالقضايا الاجتماعية المختلفة كالاحتجاجات. وفي توضيحه لاهتمامه بالموت كان قد قال: "لأن الموت سهل للغاية ورخيص في بلادنا".
كما عمل بكتاش في مجال السينما وأخرج العديد من الأفلام حول مواضيع خاصة مثل الرقابة. ورغم أنه لم يُسمح بعرض أفلامه في إيران، إلا أنها عُرضت في مهرجانات دولية، وأصبح هذا الأمر إحدى التّهم الموجهة إليه لاحقاً، إلى جانب مشاركته في احتجاجات عام 2009 بعد الانتخابات الرئاسية، ومناسبات أخرى.
وفي 15 أيار/مايو 2019، حُكم على بكتاش واثنين من زملائه في رابطة الكتاب الإيرانيين بالسجن خمس سنوات بسبب العضوية في رابطة الكتاب الإيرانيين وزيارة قبور السجناء السياسيين الذين تم إعدامهم بشكل جماعي عام 1988، وبتهمة التجمع غير القانوني والتواطؤ ضد الأمن القومي، وسنة واحدة بتهمة نشر دعاية ضد النظام، وبدأ قضاء عقوبته البالغة 6 سنوات في سجن إيفين بطهران 26 أيلول/سبتمبر 2020.
ورابطة الكتاب الإيرانيين هي منظمة غير حكومية تتكون من كتاب ومترجمين ومحررين وهي جزء من رابطة الكتاب العالميين، وتم تشكيلها عام 1968 بهدف مواجهة الرقابة. وخلال السنوات الماضية واجه أعضاؤها في إيران القمع والسجن والقتل، بسبب نشاطهم وانتقاداتهم للقيود المفروضة على الكتاب الإيرانيين. وكان محمد جعفر بويَندِه ومحمد مختاري من بين أعضاء رابطة الكتاب اللذين قُتلا في عمليات القتل المتسلسل في إيران في تسعينيات القرن الماضي. ومن أبرز اعضائها السابقين كان كلّ من الشاعرين أحمد شاملو، ومحمد علي سِبانلو، والكاتبة سيمين دانشوَر.
في أيلول/سبتمبر 2021، قدمت جمعية القلم الأمريكية بشكل مشترك جائزة "حرية الكتابة" لأعضاء رابطة الكتاب الإيرانيين الثلاثة المسجونين، بكتاش آبتين، ورضا خندان، وكيوان باجن.
تداولت مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو من مراسم التشييع تظهر المعزين وهم يرددون هتافات مثل: "السلام لآبتين والموت للظالمين"
وأصيب بكتاش في السجن بفيروس كورونا، ونقل قبل أشهر إلى المستشفى، وأثارت صورة نشرت له وهو مكبل على سرير المستشفى، ضجةً على مواقع التواصل الاجتماعي وموجة انتقادات واسعة في البلاد، الأمر الذي دفع إدارة السجون الإيرانية للإعلان أنه تم "التعامل مع المسؤولين عن ذلك".
وبعد إصابته للمرة الثانية بفيروس كورونا تمكنت أسرته من الحصول على موافقة السجن ونقله إلى المستشفى يوم 13 كانون الأول/ديسمبر الماضي. لكن صحته تدهورت في بداية الشهر الحالي، وبعد إجراء التحاليل الطبية، قرر الأطباء إدخاله في غيبوبة اصطناعية، وتوفي بعد أسبوع من ذلك.
وأعلنت إدارة السجون بعد وفاته وردّاً على الانتقادات، أنها منحت بكتاش إجازة منذ 35 يوماً لإتاحة الفرصة لأقاربه لنقله إلى مستشفى خاص، نافية أي سوء معاملة معه أو تأخير معتمد في علاجه.
لم يكن بكتاش الوحيد الذي توفي بهذه الظروف، حيث توفي سجناء سياسيون وناشطون آخرون في سجون إيران بسبب الإضراب عن الطعام، أو عدم تلقي العلاج المناسب، وفي الوقت المناسب، أو بسبب الظروف السيئة في السجن أو أسباب أخرى.
وتعد وفاة عادل كيانبور، السجين السياسي في سجن شيبان في الأهواز، والذي قيل إنه توفي نتيجة إضراب عن الطعام قبل أيام، أحدث مثال على تكرار الوضع الراهن في السجون الإيرانية.
وأطلقت السلطات الإيرانية سراح عدد من السجناء مع تفشي جائحة كورونا في البلاد، لكن القرار استثنى المدانين في قضايا سياسية وأمنية.
واتهمت منظمة العفو الدولية في تقرير لها إيرانَ بعدم توفير مجال المساءلة في شأن ما لا يقل عن 72 حالة وفاة في السجون نجمت عن التعرُّض للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة منذ كانون الثاني/يناير 2010 إلى اليوم.
ونشرت مجموعة "عدالة علي" في أب/أغسطس الماضي فيديوهات مسربة من تسجيلات كاميرات مراقبة في سجن إيفين في طهران، تظهر سوء معاملة السجناء.
وحسب مركز حقوق الإنسان في إيران ومقره نيويورك هناك 11 كاتباً على الأقل مسجونون في إيران، أو صدرت بحقهم أحكام بالسجن ينتظرون أن يتم إبلاغهم بها.
بطلاقةٍ
تهرب
من جدران السجون العالية
والأسلاك الشائكة
رائحةُ الحرية العبقةُ!
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومينحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 5 أيامtester.whitebeard@gmail.com