شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
هل يحبّ الربّ معايير الجمال البشرية؟ وهل كلّ الأنبياء وسيمون؟

هل يحبّ الربّ معايير الجمال البشرية؟ وهل كلّ الأنبياء وسيمون؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 5 أبريل 202304:05 م

في كل حدث عنفي طائفي حيال الأقباط في مصر، يظهر شهداء جدد، ويتجدد احتفاء الأقباط بهم على مواقع التواصل الاجتماعي، بطريقة لا تخلو من تفضيل وانتقائية، خاصة "الشهيد الوسيم" الذي يحوز تعاطفاً أكبر، وتسلط عليه أضواء أكثر من الشهداء الآخرين.

في عشية عيد ميلاد عام 2011، أذكر واقعة إطلاق نار بالقرب من كنيسة نجع حمادي في محافظة قنا، خلفت سبعة شهداء، لم يُر منهم سوى "أبانوب"، الشاب الوسيم، الذي ظهرت صورته في التغطيات الإعلامية، وتداولتها وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى قصائده، وحوارات صحافية مع عائلته.

لماذا؟ وأين البقية؟

وفي تفجير كنيسة القديسين في محافظة الإسكندرية الذي خلّف أكثر من 23 ضحية قبطي، تعلّق الناس بالشهيدة الشابة الجميلة مريم فكري دون البقية، 31 ديسمبر/ كانون الأول 2011.

وكذلك في تفجير كنيسة محافطة طنطا إبريل/ نيسان 2017، برز في المقام الأول الشهيد بيشوي القمص دانيال، الشاب، المتعلم، الوسيم ذو الصلة بالكهنوت، وقد شهدت الآونة الأخيرة الترويج لمعجزاته ومواهبه، علماً بأن له صفحات ومجموعات فيسبوكية عديدة.

"من الأكثر جمالاً سيدنا محمد أم سيدنا يوسف؟"، "لم يبعث الله نبياً إلا حسن الصوت، حسن الوجه، وكان نبيكم... أحسنهم وجهاً، وأحسنهم صوتاً"َ، ما معنى هذا الكلام؟ وما تأثيره على إحساسنا بالجمال البشري مسلمين وأقباطاً؟

وهكذا، في حادث شهداء ليبيا الـ21 عام 2015، لم يظهر إلا الشهيد عصام بسبب ملامحه الكاريزماتية الحادة.

في الأفلام القبطية التي تستعرض حياة القديسين والقديسات، يعتمد اختيار الممثلات على الجمال الأوروبي الفريد لتقديم دور أي قديسة، وتحديداً السيدة العذراء مريم، التي اقترنت صورتها الدرامية في خيال المشاهد القبطي بممثلة بيضاء وعينين خضراوين، ونرى القديسين دائماً أقوياء البنية، وطوال القامة، وذوي ملامح وسيمة، وصوتهم هادئ.

هل الجميل مقدس؟

في تحولات وتقاطعات الجميل والمقدس، ظهرت سياقات جعلت جماعات المؤمنين بالإطار البصري والقالب الفني للمقدسات ربما عنصرياً أو تهميشياً لسياقات ودلالات أخرى، توارت عن المشهد أو جعلت عملية الانتقائية غير عادلة.

وعلى الرغم أن الجميل والمقدس متداخلان، فإن لكل منهما صفة الإجلال، إلا أن الجميل "الفن" وجد نفسه مطالباً بتبرير وجوده بتندماجه مع الدين ورموزه، كي يظهر في النهاية بعباءة مباركة.

والتعلق بالجمال كمكمل لصورة القداسة لا يتوقف عند الأقباط، لكن المؤمنين بشكل عام يميلون لنفس الفكرة، نجد مثلاً في السردية الإسلامية نقاشات وأسئلة جادة عديدة مثل: "من الأكثر جمالاً سيدنا محمد أم سيدنا يوسف؟".

وفي نفس السياق، غزيرة هي الكتابات والمأثورات المتمحورة حول جمال النبي من حيث الصفات الشكلية، وردت أبرزها في كتاب "الشمائل المحمدية" للترميذي: "لم يبعث الله نبياً إلا حسن الصوت، حسن الوجه، وكان نبيكم صلى الله عليه وسلم أحسنهم وجهاً، وأحسنهم صوتاً"َ. ونقرأ فيه عن أوصاف محمد أنه كان "يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر".

وفي سياق آخر، نقرأ في التراث الإسلامي أثراً لمحمد: "أول زمرة يدخلون الجنة من أمتي على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد نجم في السماء إضاءة، ثم هم بعد ذلك منازل".

سردية القديسين

إذاً، فإن الأمر يتعلق بالأديان بشكل عام وليس بالأقباط فقط.

أعدت النظر في صور القديسين والقديسات، فوجدت وجوههم نورانية، وألوانهم جميلة، وتذكرت المزمور 45: "أنت أبرع جمالاً من بني البشر".

وقرأت كتاب "السنكسار"، وهو يحوي قصص القديسين، فعثرت فيه على تيمات قبطية متكررة تُشدد على الإشارة للملامح الشكلية للقديسين بمعايير جمالية واضحة، مثل مديح مار جرجس– أمير الشهداء في المسيحية– وفيه: "على وجهك النعمة، جميلاً في شخصك، تضيء مثل النجمة. ما رأيت مثلك إنساناً، بحق يسوع ربك تخبرني يا إنسان عن أبيك وجدك، كان وزيراً أو سلطاناً".

وكذلك في قصص معظم القديسات، كلهن تقريباً أشار إليهن "السنكسار" باعتبارهن جميلات جداً حتى وصف بعضهن أن جمالهن خارق وأصلهن ملوكي، وأن جمالهن سبب لمجد اسم الله، وهو جزء من قداستهن، وتتكرر تيمة واحدة عنهن، تشدد على كونهن من شدة جمالهن أراد الملوك والأمراء الزواج منهن.

كانت قصة الشهيدة الطفلة أجنس إحدى هذه القصص، فقد قيل إن جمالها كان ساحراً لدرجة أنها أوقعت ابن حاكم روما في حبها ومات تحت قدميها.

ولوسيه، عذراء الإسكندرية التي ذُكر أنها كانت فاتنة الحسن، وطاردها شاب مفتون بجمالها، وقال لها: "عيناك فتنتاني، وإذا أبصرتك لا يهدأ قلبي"، فردت لوسيه بأن اقتلعت عينيها.

وكذلك الشهيدات الأكثر شهرة، ومنهن القديسة مارينا ساحقة الشيطان.

أما الشهيدة الأشهر في كل القصص العجائيبة للأقباط فهي فيلومينا، التي يُنسب رفاتها لكنيسة روما بحسب الحكاية الشعبية، ولكنها غير مدرجة بسبب تشكك علماء الكنيسة في حكايتها، واعتبارها مجرد كذبة اختلقتها راهبة إيطالية، إلا أن الجميع أحبها بسبب اللوحة التي صورتها على شكل فتاة رائعة الجمال، ووجها ملائكي، متجاهلين إشكالية وجودها من الأساس.

وأخيراً وليس آخراً صورة المسيح.

عينا يسوع الزرقاوان

لم يكن أوروبياً بعينين زرقاوين، كان شاباً ثائراً من الناصرة الفلسطينية، اغتاله الرومان في خضم ظروف سياسية واجتماعية، واكتسب مثل غيره ملامح شكلية سائدة في ذلك الزمان، تحدثت عنها بعض الدراسات مثل اللون الخمري، والشعر والعينين الداكنتين، والقامة المتوسطة، أي ملامح شرق أوسطية بامتياز، ويشبهنا إلى حد كبير.

وعلى الرغم من ذلك لم يذكر الكتاب المقدس أي وصف شكلي للسيد المسيح، ولا توجد أي لوحات رسمت له في حياته، إنما كانت الأيقونات والصور فيما بعد مستوحاة من عدد من المصادر، في البداية كانت على شكل رموز وشعارات متمثلة في "الصليب" أو الحروف الأولى لاسم المسيح باليونانية، ثم تأثر الفنانون بالفنون الوثنية في التعبير عن يسوع، وتحديداً بالطابع الهلنستي، وتمثل ذلك في لوحتي أورفيوس "نزول الجحيم"، و"الراعي الصالح". ثم بعد مرور فترة من الزمن أستوحى الفنانون شكل المسيح من قصص العهد الجديد، مرتكزين على تعاليمه، ومحبته، وثورته.

أثرت الصورة الجميلة ذات الملامح الغربية ليسوع والقديسين على المخيلة الجمعية لأقباط مصر، فبعد كل حادث إرهابي يخلف شهداء تنتشر فقط صور شخصية لهؤلاء الأكثر وسامة، وكذلك نتخيل قديسونا وملهمونا رجالاً ونساءً، ولا عزاء لمن لا يملكون هذه الملامح

ظهرت للمسيح أيقونات ولوحات متعددة ومختلفة، أشهرها لوحات دافنشي، ومايكل أنجلو، التي جسدت المسيح بعينين زرقاوين وبشرة بيضاء وشعر طويل أصفر منسدل على كتفيه.

وظهرت لوحات أخرى تستند إلى مصادر غير مؤكدة أو متاحة، مثل منديل فيرونيكا، والرسائل المتبادلة بين المسيح وملك الرها (المنحولة) وكذلك خطاب بيلاطس الذي يصف المسيح شكلياً.

على كل حال، اختار الأقباط الوقوع في حب السمات الشكلية الأوروبية للمسيح من منطلق أنها المعايير العالمية للجمال والمسيح أبرع جمالاً من بني البشر، وبالتالي أقل ما وصف به هو أنه أبيض ناصع كالثلج وزرقة عينيه كالبحر الصافي وشعره طويل أصفر كالحرير الذهبي، ولا يميلون إلى أي من اللوحات التي يظهر فيها كأنه يشبه العامة من البشر في منطقتنا. واستخدمت أوروبا هذه الملامح الشكلية للمسيح لتحقير السود بكل الطرق كأنهم في مرتبة أدنى وغير جديرين بأن يكونوا على صورة الله المقدسة. الأمر الذي جعلهم فيما بعد يرسمون مسيحاً أسمر يشبههم. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image