شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
حتى لا يُحرق إرثنا الثقافي… الباحثة هالة غنيم تحدث رصيف22 عن مشروعها

حتى لا يُحرق إرثنا الثقافي… الباحثة هالة غنيم تحدث رصيف22 عن مشروعها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 6 أبريل 202306:32 م

حتى لا يُحرَق إرثنا الثقافي، دشّنت عالمة الآثار والباحثة في تاريخ الفن هالة غنيم، مشروعاً لحفظ التراث الثقافي المصري ورقمنته، حتى لا يلقى ما لقيه المجمع العلمي من إهمال أدى إلى إتلاف مقتنياته بالحرق.

تعمل عالمة الآثار المصرية والباحثة المتخصصة في تاريخ الفن الدكتورة هالة هاشم غنيم، على مشروع كبير لحفظ هذا التراث ورقمنته، ومن ثم إتاحته للباحثين والدارسين  وطلاب وطالبات المعرفة. بدأت الدكتورة هالة رحلتها العلمية من الفيوم، ثم حطت برحالها في الولايات المتحدة، ثم حالياً في جمهورية ألمانيا الاتحادية. الطموحات عظيمة والتحديات كبيرة ولكن الكفاح والعمل الشاقّ سيدا الموقف! التقينا بالدكتورة هالة، وتناولنا مشروعها الكبير والضروري.

دكتورة هالة شكراً على هذا اللقاء للحديث حول مشروعك عن حفظ التراث المصري وإتاحته رقمياً. نريد في البداية أن نتعرف إلى الدكتورة هالة وكيف بدأت رحلتها مع التراث الثقافي؟

بدأ اهتمامي بالتراث منذ سن صغيرة، فالتحقت لمدة عام ونصف بكلية الآثار في جامعة القاهرة فرع الفيوم، في تخصص ترميم الآثار، ثم تلقيت منحة من وزارة الخارجية الأمريكية وهيئة الفولبرايت لإكمال دراستي في جامعة روجر وليامز في ولاية رود أيلاند، وتخصصت في تاريخ الفن وحفظ التراث والحمد لله تفوقت في دراستي، وحصلت على منحة أخرى من جامعة هاواي في الولايات المتحدة الأمريكية، لدراسة الماجستير في تاريخ الفن وحفظ التراث اللا مادي.

أحاول بالطرق كافة خلق نوع من التقارب والتفاهم بين الطرفين المصري والألماني، وأن أنحّي المصالح الشخصية جانباً في مقابل إعلاء المصلحة العامة، وأن أجعل المشروع في حيّز الوضوح والشفافية القائمة على الحوار وتبادل الآراء مع الجهات المعنية كافة في الدولة والأطراف المشاركة 

عدت بعدها إلى القاهرة وعملت في مركز إحياء تراث العمارة الإسلامية في القاهرة، وشاركت ضمن فريق في مشاريع عدة منها إعادة تأهيل الدرعية وحي الطريف في المملكة العربية السعودية، ومشروع اليونسكو لترميم قلعة أربيل في العراق الشقيق، ثم مشروع توثيق استراحة الملك فاروق في هضبة الأهرام، وكذلك باب العزب في القلعة، ثم مشروع إعادة تأهيل قصر الدوبارة. بعد ذلك حصلت على منحة مؤسسة يوسف جميل لدراسة الدكتوراه في جمهورية ألمانيا الاتحادية في جامعة ماربورغ، ثم منحة دراسات ما بعد الدكتوراه من أكاديمية ماربورغ للبحوث.

عندما نقول "التراث"، فإن هناك تصوراً معيناً في ذهن كل قارئ بحسب خلفيته عن هذا التراث... عن أي تراث نتحدث؟ وكيف تعملون في مشروعكم على هذا التراث؟

يستهدف المشروع مواد التراث المصري كافة، بما في ذلك التراث المادي والتراث غير المادي. نحاول أن نعمل على جعل هذا التراث متاحاً للجميع من خلال إنشاء بوابات ترويج وإنشاء متاحف رقمية تستهدف الباحثين وعامة الناس بطريقة لا تؤثر على السياحة وتستهدف مبدأ "التراث للجميع".

وكيف انطلقت شرارة الفكرة؟

راودتني فكرة مشروع التراث الثقافي في الفضاء الرقمي منذ الحادث المؤسف لحريق المجمع العلمي في مصر في كانون الأول/ديسمبر 2011. منذ ذلك الحين بدأت تتبلور الفكرة الخاصة بحفظ التراث المعرفي والثقافي المصري، ورقمنته. وفي عام 2018، كنت قد بدأت بالفعل بالتواصل مع الوزارات المصرية المختلفة ومشاركتها الفكرة. أما في الجانب الألماني، فقد أخبرني مشرف الدكتوراه حينها، البروفسور ألبرشت فوس، بأنه سيشرف على المشروع فقط إن استطعت أن أحصل على الدعم المادي من إحدى الهيئات التعليمية الكبرى في ألمانيا. وبالفعل وفقني الله عز وجل، وتم قبول المشروع من هيئة التبادل الأكاديمي الألمانيDAAD وفاز بالتمويل ضمن الشراكة المصرية الألمانية من أجل التطوير بفئتيها طويلة المدى وقصيرته.

بالطبع لا بد من تمويل سخيّ لإنجاز هكذا مشروع كبير... فمن يدعمكم؟

تتشارك في هذا المشروع الضخم مجموعة من الجهات الأكاديمية ومؤسسات المكتبات والمعلومات من كل من جمهورية ألمانيا الاتحادية وجمهورية مصر العربية. من شركاء المشروع على الجانب الألماني، كل من مركز دراسات الشرق الأدنى والأوسط التابع لجامعة فيليبس ماربورغ ومكتبة جامعة فيليبس ماربورغ المركزية ومكتبة الدولة في برلين Staatsbibliothek zu Berlin Preußischer Kulturbesitz ومركز دراسات ثقافة المخطوطات في جامعة هامبورغ وأكاديمية ساكسونيا للعلوم والفنون ضمن مشروع المكتبة العربية بلايبزغ، بالإضافة إلى المكتبة الرقمية القومية الألمانية للشرق الأوسط (MENALib) في جامعة هاله ومكتبة غوته للأبحاث في جامعة إرفورت. أما على الجانب المصري، فنجد دار الكتب والوثائق القومية المصرية، وكلية الآداب في جامعة القاهرة، وكلية الآثار في جامعة عين شمس، وكلية الآثار في جامعة الفيوم.

يتم تمويل المشروع بشكل رئيسي من جانب برنامج الشراكة الألمانية المصرية من أجل التطوير التابع لهيئة التبادل الأكاديمي الألمانية DAAD ومنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو). كما أن ثمة جانباً كبيراً من تمويل المشروع أيضاً يأتي من خلال مساهمات الجامعات والمؤسسات المشاركة في المشروع من الجهة الألمانية سالفة الذكر.

كما أن هناك مشروعين جديدين مرتبطين بالتراث الثقافي المصري والقوى الناعمة سيتم إطلاقهما قريباً.

مشروعكم يبدو مشروعاً ضخماً وواعداً... هل يمكن بلورة الثمرة المراد جنيها؟

كصاحبة المشروع والمنسقة الدولية له، وبصفتي باحثةً في مجالات الاستشراق والقوى الناعمة وحفظ التراث، درست بشكل مكثف دور التراث الثقافي وأهميته في تصحيح التصورات السلبية عن بلادنا، وتعزيز الحوارات الصحّية والحضارية بين الأمم. وعليه، فإن حشد التزام أقوى من جانب الكيانات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني المعنية في مصر وألمانيا تجاه المشاريع الشاملة والمتكاملة للتنمية الثقافية المتمثلة في الحفاظ على التراث الثقافي المادي وغير المادي والترويج له، وكذلك استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وأدوات التكنولوجيا الحديثة في التعليم وحفظ التراث وتشجيع الحوارات الثقافية البنّاءة، وتصحيح الصور والمفاهيم المغلوطة، بالإضافة إلى تدعيم الشراكات الإقليمية والدولية المثمرة في المجالات المتعلقة بالتربية والثقافة والتراث.

يأتي مشروع "التراث الثقافي في الفضاء السيبراني"، كبلورة وتوحيد لجهود التواصل المستمر لسنوات طويلة والتي بذلتها المؤسسات الألمانية المشاركة في المشروع لإقامة تعاون بناء مع مصر بتاريخها الطويل وحضارتها العظيمة. فمن خلال فاعلياته وبرامجه المتعددة، يركز مشروع التراث الثقافي في الفضاء السيبراني على ثلاثة محاور:

أولاً محور التعليم، ويمكننا من خلال هذا المحور إعداد كوادر للمستقبل من الجانبين، اللذين يمكنهما العمل معاً لصون التراث الثقافي وتقديره والحفاظ عليه وتعزيزه بشكل علمي شامل يرسّخ قيم الاستماع إلى الآخر والرقي والتسامح. ويستهدف المشروع تحقيق ذلك المأرب من خلال تطوير المناهج ودعم برامج التدريب والتبادل الأكاديمي وبرامج الدراسات العليا المشتركة ومنها مشروع الماجستير المشترك مع جامعة عين شمس.

ثانياً الحفظ، ويستلزم ذلك دمج أحدث التقنيات وآليات الذكاء الاصطناعي والأدوات التكنولوجية الأكثر تقدماً في مجالات حفظ التراث الثقافي وترميمه وصيانته وكذلك رقمنته وتوثيقه، ومثال ذلك إنشاء مركز للرقمنة وحفظ التراث الأرشيفي في جامعة عين شمس.

دشّنت عالمة الآثار والباحثة في تاريخ الفن هالة غنيم، مشروعاً لحفظ التراث الثقافي المصري ورقمنته، حتى لا يلقى ما لقيه المجمع العلمي من إهمال أدى إلى إتلاف مقتنياته بالحرق.

ثالثاً الإتاحة، ويتضمن ذلك الترويج الفعَّال القائم على البحث العلمي في التراث الثقافي في الفضاء السيبراني، ليس فقط من خلال رقمنة المقتنيات المتحفية والمخطوطات وإنشاء مكتبات ومتاحف إلكترونية، ولكن أيضاً بتدعيم هذه البوابات الرقمية من خلال تعزيز إمكانية الوصول إلى المواد البحثية التي ركَّزت على دراسة تلك المقتنيات، وتم نشرها من قبل الباحثين، ومن ثم تمتين الحوارات الثقافية وتفعيل التواصل الأكاديمي المثمر.

مشروعكم تم تدشينه قبل عامين... ما الذي تحقق إلى الآن؟

تم بالفعل إنجاز عدد كبير من الفاعليات التدريبية والمؤتمرات وورش العمل والتي أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر زيارة الوفد المصري رفيع المستوى بقيادة البروفيسور هشام عزمي، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة لألمانيا بصحبة عدد من عمداء كليات الآثار في مصر عام 2019، وزيارة مماثلة بقيادة وزير الثقافة الأسبق الدكتور ممدوح الدمياطي، وعمداء كليات الآداب والآثار في جامعتي القاهرة والفيوم، في أيار/مايو 2022،

وكذلك تنظيم عدد من ورش العمل في دار الكتب والوثائق المصرية في كانون الأول/ديسمبر 2019، ثم في شباط/فبراير 2020، ثم تنظيم مؤتمر أحجار الزاوية في تشرين الثاني/نوفمبر 2021. كما قمنا بتنظيم مدرسة صيفية في تموز/يوليو 2022، في رحاب مكتبة غوته للأبحاث في ألمانيا. وكذلك وفرنا عدداً من المنح التدريبية في تشرين الثاني/نوفمبر 2022. كما قدمنا دورة تدريبية لطلاب وأعضاء هيئة التدريس في جامعة عين شمس في شباط/فبراير 2023، على كيفية استخدام الماسح الضوئي الحديث الذي أهداه المشروع كنواة لمركز رقمنة التراث في جامعة عين شمس، وأيضاً ليخدم طلبة الماجستير، المشترك بين جامعات ألمانية وجامعة عين شمس الذي والمزمع إطلاقة قريباً.

بطبيعة الحال في المشاريع الكبيرة كهذا لا بد من تحديات... هل يمكن أن تعطينا نبذة عن ذلك؟

أستطيع أن أقول إنه من العظيم أن يكون اتجاه وطننا الغالي وحكومتنا هو التحول الرقمي الدؤوب، وهذا ما شجعني لإطلاق المشروع إيماناً مني بجهود الدولة ورئاسة الجمهورية في هذا الصدد، ولكن من المحزن بل الصادم، غياب الدراية بأهمية الرقمنة في حفظ وترويج التراث الثقافي المصري في بعض مؤسسات الدولة، والتي عمدت إلى تعطيل المشروع أحياناً كثيرةً.

كما تسبب تباطؤ بعض الإجراءات في تعطيل العمل، وإضعاف حماسة بعض الأطراف، وعزوفها عن المشاركة في الفاعليات، وضياع فرص تمويل هائلة كان من الممكن أن تستفيد مصر منها في حفظ الكثير مما لديها من تراث ثقافي متنوع وثري، ورقمنته وإتاحته.

"إخلاص النية في العمل ووضع مصلحة الوطن ومنفعة الناس قبل المصلحة الشخصية، هي أول سبل النجاح، بالإضافة إلى ذلك لا بد من امتلاك أدوات التواصل الفعال وفهم آليات العمل العابرة للثقافات، وأتمنى أن نلقى في المرحلة القادمة للمشروع تجاوباً"

أحاول بالطرق كافة خلق نوع من التقارب والتفاهم بين الطرفين المصري والألماني، وأن أنحّي المصالح الشخصية جانباً في مقابل إعلاء المصلحة العامة، وأن أجعل المشروع في حيز الوضوح والشفافية القائمة على الحوار وتبادل الآراء مع الجهات المعنية كافة في الدولة والأطراف المشاركة.


العالم يغلي: كورونا وحرب وتقليص ميزانيات وتخوف وترقب في كل مكان... كيف أثرت هذه الأجواء عليكم؟

بالطبع كان لتبعيات جائحة كورونا أثر كبير في تعطيل نشاطات المشروع لمدة عام تقريباً، وكذلك فإن الحرب الروسية الأوكرانية قد تسببت في تقليل فرص التمويل الخاصة بالمشروع، لكني مصممة على المضي قدماً وعلى العمل على توسيع شبكة المشروع محلياً، حتى تستفيد الجامعات الإقليمية الأقل حظاً، وكذلك نسعى دولياً، فقد فتحنا منذ وقت قصير مجالاً للتعاون مع جامعة دريسدن التقنية في ألمانيا التي انتقلت للعمل فيها مؤخراً، وهي من أشهر الجامعات المختصة بهذا المجال دولياً، بما تضمه مكتبتها العريقة. وهنا نذكر رئيس مكتبة سكسيشن لانديس بيبليوتيك الدرسدنية الدكتور بورجهارد بورجيمايستر، وهي من أقدم المكتبات العلمية الألمانية الكبرى وأهمها بمحتوياتها القيِّمة، وبشكل خاص مجموعات المخطوطات الثمينة، فقد تم استدعاء بورجيمايستر في عام 1962، ليعمل لمدة عامين خبيراً استشارياً في أعمال إعادة تنظيم مكتبة جامعة القاهرة (حالياً المكتبة المركزية القديمة في جامعة القاهرة)، وتوسيعها. أتطلع الآن إلى تعاون جديد مع جامعة دريسدن كتعاونها القديم مع جامعة القاهرة!

خالص الأمنيات لكم بالتوفيق... هل من كلمة أخيرة في ختام هذا الحوار الممتع؟

إخلاص النية في العمل ووضع مصلحة الوطن ومنفعة الناس قبل المصلحة الشخصية، هي أول سبل النجاح، بالإضافة إلى ذلك لا بد من امتلاك أدوات التواصل الفعال وفهم آليات العمل العابرة للثقافات، وأتمنى أن نلقى في المرحلة القادمة للمشروع تجاوباً على المستويين العربي والإقليمي، بجانب المستوى القومي المصري.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard