شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
الإمارات وتركيا وإسرائيل ملاذ لـ

الإمارات وتركيا وإسرائيل ملاذ لـ"الأوليغارش" الروس... ماذا ستفعل المليارات؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 30 مارس 202212:36 م

بعد بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، رصدت المواقع التي تتعقب الرحلات الجوية ازدياداً في عدد رحلات الطائرات الخاصة المتوجهة من روسيا إلى كل من تركيا وإسرائيل والإمارات، ما أثار توقعات بتحوّل البلدان الثلاثة إلى ملاذات لأموال الأغنياء الروس الهاربين من العقوبات الغربية.

تشير التقارير الغربية إلى أن أكثر دولة تتجه إليها أنظار الروس، خصوصاً الأثرياء المهاجرين مع أموالهم بعيداً عن العقوبات الغربية، هي دولة الإمارات التي تمّ وضعها في "القائمة الرمادية" بسبب انتشار غسيل الأموال والشركات الوهمية على أراضيها.

وفي رأي عدد من المحللين، فإن بعض البلدان، مثل تركيا، قد تُصبح في الفترة المقبلة، وكيل أعمال تجاري لروسيا للتعامل مع العالم الخارجي في المجالات المفروضة عليها عقوبات ونقل رؤوس الأموال، ما يساعد أنقرة في تحسين وضعها الاقتصادي.

الملاذ الإماراتي

لطالما كانت الإمارات منذ فترة طويلة ملاذاً مالياً للفارين من عدم الاستقرار، سواء أكانوا عرباً أو أجانب من جنسيات مختلفة، كونها وجهةً سياحيةً واستثماريةً، وغالباً ما ترسو اليخوت الفاخرة التي يملكها "الأوليغارش" الروس في موانئ مدينة دبي.

رصدت المواقع التي تتعقب الرحلات الجوية ازدياداً في عدد رحلات الطائرات الخاصة المتوجهة من روسيا إلى كل من تركيا وإسرائيل والإمارات

ووفقاً لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية، يوجد بالفعل ما يُقدّر بنحو 40 ألف روسي و15 ألف أوكراني في الإمارات، إلى جانب نحو 60 ألف شخص يتحدثون الروسية من دول الاتحاد السوفياتي السابق.

وقال خبراء في مجال النقل وسماسرة ومحامون للصحيفة، إن الروس توافدوا من أجل تأسيس شركات وشراء عقارات في الإمارات في محاولة لتأمين الحصول على الإقامة والرفاهة في منطقة الخليج.

ولاحظت شركة Virtuzone، التي تساعد في تأسيس الأعمال في الإمارات، اهتماماً متزايداً من الروس وحتى من الأوكرانيين والبيلاروس، إذ قالت ماريا فيناهرادافا، التي ترأس الفريق الناطق باللغة الروسية في المؤسسة: "أتلقى 50 استفساراً يومياً. عملنا مزدهر الآن. قبل الأزمة، كنا نحصل على طلب عمل جديد كل يومين".

ولفتت الصحيفة إلى لجوء الروس إلى شراء العقارات في الإمارات، إذ يضمن استثمار 750 ألف درهم (204 آلاف دولار)، في العقارات، الإقامة لمدة ثلاث سنوات، ويمكن للاستثمارات الكبيرة أن تؤمّن لهم "تأشيراتٍ ذهبيةً" طويلة المدى، لذلك شهدت الدولة الخليجية نمواً سريعاً في السوق العقاري خلال هذا العام.

ووفقاً للصحيفة البريطانية، يتجه الروس إلى العملات المشفرة وتبادل الأموال غير الرسمي، ونقلت عن رجل أعمال روسي لم يفصح عن اسمه، قوله: "هناك الكثير من الرجال الذين يمكنهم تسهيل ذلك في جزيرة النخلة في جميرا"، وهي منطقة مزدهرة في إمارة دبي.

وكشفت البيانات أن ما لا يقل عن 38 فرداً من رجال أعمال أو مسؤولين مرتبطين بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يمتلكون عشرات العقارات في دبي التي تقدَّر قيمتها الإجمالية بأكثر من 314 مليون دولار. يخضع ستة من هؤلاء المالكين لعقوبات من قبل الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، ولديهم يخوت راسية بالفعل هناك.

ذكر رجل أعمال عربي أن هناك "طلباً لا يُصدَّق" من الروس منذ الغزو على العقارات في دبي، إذ أخذت عائلة واحدة إيجاراً لأجلٍ غير مسمى عبارة عن شقة من ثلاث غرف نوم مقابل 15،000 دولار شهرياً

وقال رجل أعمال روسي لجأ إلى الإمارات لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، "إن الحصول على جواز سفر روسي أو أموال روسية الآن أمر بالغ السوء. لا أحد يريد أن يقبلك، باستثناء أماكن مثل دبي. لا مشكلة في أن تكون روسياً في دبي".

وذكر رجل أعمال عربي للصحيفة الأمريكية أن هناك "طلباً لا يُصدَّق" من الروس منذ الغزو على العقارات، إذ أخذت عائلة واحدة إيجاراً لأجلٍ غير مسمى عبارة عن شقة من ثلاث غرف نوم مقابل 15،000 دولار شهرياً، وأكثر من 50 فرداً أو عائلةً أخرى تسعى إلى الإقامة.

ووجد مركز الدراسات الدفاعية المتقدمة، وهو منظمة غير ربحية مقرها واشنطن وتجمع بيانات حول النزاعات العالمية، أن حلفاء بوتين يمتلكون 76 عقاراً على الأقل في دبي، إما بشكل مباشر أو من خلال شخص قريب إليهم، وقالوا إنه من المحتمل أن يكون هناك العديد من العقارات الأخرى.

وتشمل القائمة ألكسندر بوروداي، عضو مجلس الدوما الذي عمل كرئيس وزراء لإحدى المقاطعات الأوكرانية في عام 2014، بعدما استولى عليها الانفصاليون المدعومون من روسيا.

يقدّر مجلس الأعمال الروسي، وهو منظمة غير ربحية مقرها دبي وفقاً للصحيفة الأمريكية، أن هناك نحو 3،000 شركة إماراتية مملوكة لروسيا. ويزور نحو مليون روسي كل عام الإمارات. وتمتلك شركة بولدوزر الروسية عشرات المطاعم والنوادي الليلية الراقية في دبي.

ووفقاً للصحيفة، يمكن الحصول على تصريح إقامة وحساب مصرفي في غضون 30 يوماً بعد تسجيل الشركة. ويمكن شراء الإقامة الدائمة بسعر فيلا فاخرة بنحو 1.5 مليون دولار.

الملاذ التركي

تتمتع تركيا بعلاقات تجارية ومالية قوية مع روسيا، وهناك قلق متزايد من أن الشركات الروسية سوف تستخدم الكيانات التركية لمواصلة إدارة أعمالها في الخارج. وزاد هذا القلق بعدما رسى يختان مسجلان بأسماء رجال أعمال روس في موانئ تركيا، وسط جهود دولية لتجميد الأصول المملوكة للمليارديريين الروس الذين لهم صلات بالرئيس الروسي، ما أعاد الجدل حول دور البلاد في التمويل غير المشروع.

يقدّر مجلس الأعمال الروسي، وهو منظمة غير ربحية مقرها دبي، أن هناك نحو 3،000 شركة إماراتية مملوكة لروسيا

وتوقع الأكاديمي والمحلل السياسي المقيم في فرنسا، حسان القبي، لرصيف22، أن تتحول تركيا إلى ملاذ لرؤوس الأموال الروسية ووكيل أعمال للروس في التعامل مع العالم الخارجي، نظراً إلى تاريخ بنوكها في الالتفاف على العقوبات، وكان من أشهرها قضية بنك خلق، كذلك مساعدة إيران في كسر الحصار المالي الأمريكي.

وأعلن وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو، أن بلاده ترحب برجال الأعمال الروس الخاضعين للعقوبات كسياح ومستثمرين، إذ لم يكن الأمر مخالفاً للقانون الدولي. وقال رئيس غرفة تجارة إسطنبول، شكيب أفداجيتش، إن "الخلاف على العملة مع شركات الشحن يسبب مشكلات في تسليم البضائع التي تمر عبر الجمارك، وعليه يجب على تركيا العمل بنشاط لتطوير آلية لتسهيل التجارة مع روسيا بالروبل (العملة الروسية)".

وكشف أن هذه القضية أثيرت خلال مكالمة هاتفية أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع نظيره الروسي، إذ أخبر أردوغان بوتين أنه، بصرف النظر عن اليورو والدولار، يمكن تنفيذ التجارة بين البلدين باستخدام الروبل الروسي واليوان الصيني أو الذهب.

الملاذ الإسرائيلي

في تقرير نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية مؤخراً، أشارت إلى أن هناك قلةً من رجال الأعمال الروس يمكن أن يعيدوا تشكيل الاقتصاد الإسرائيلي، ذاكرةً أسماء مجموعة يهودية مقربة من بوتين، مفروضة عليها عقوبات، تتزاحم للاستفادة من جنسيتهم الإسرائيلية أو حقهم في الحصول على هذه الجنسية بموجب قانون العودة لليهود (الهجرة إلى إسرائيل).

تُعد دبي اليوم مقصداً لغالبية "الأوليغارش" الروس الباحثين عن ملاذ وعن وسيلة للتحايل على العقوبات والتي سيجدونها في الإمارة الصغيرة، كما سيجدونها في تركيا التي تستعد للعب الدور الذي لعبته مع إيران وعقوباتها، كما فعلت دبي أيضاً

وأحصت الصحيفة ثمانية أشخاص أثرياء للغاية، يمكنهم نظرياً استغلال ديانتهم اليهودية للعثور على ملجأ لأنفسهم ولأموالهم في إسرائيل. تبلغ ثروة هؤلاء الثمانية أكثر من 75 مليار دولار، وإذا قرروا الآن جعل إسرائيل وطنهم، فيمكنهم تغيير ميزان القوى في الاقتصاد، حسب تعبيرها.

في وقت سابق، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلية يائير لابيد، أن تل أبيب لن تسمح أن تُستخدم للتهرب من العقوبات الغربية، لكن إسرائيل لم تذكر أنها ستنفذ أو تلتزم بأي إجراءات فرضها الغرب، كذلك لا يوجد في إسرائيل أي قانون يمنع منح الجنسية ليهودي فُرضت عليه عقوبات دولية.

رد الفعل الدولي

لطالما قاومت الإمارات وتركيا العقوبات الأمريكية ضد إيران منذ عام 2006، على الرغم من أن أبو ظبي وطهران وأنقرة في حالة من الخصام شبه الدائم وتتنافس في السياسة الإقليمية، لكن تجمع بين هذه البلدان تجارة ضخمة.

في العام الماضي، أدرجت مجموعة العمل المالي (FATF)، وهي هيئة دولية لمكافحة غسيل الأموال، الإمارات وتركيا في "القائمة الرمادية"، بسبب قلة الرقابة على نقل الأموال وإنشاء الشركات الوهمية في الدولة الأولى، وأكدت أن قطاعي البناء والبنوك في الدولة الثانية يثيران قلقاً خاصاً وكذلك تجار الذهب والأحجار الكريمة المرتبطين بتمويل الإرهاب.

 أدرجت مجموعة العمل المالي (FATF)، وهي هيئة دولية لمكافحة غسيل الأموال، الإمارات وتركيا في "القائمة الرمادية"، بسبب قلة الرقابة على نقل الأموال

وقال الباحث والمحلل السياسي السعودي محمد صفر، لرصيف22، إن "المال الروسي يبحث الآن عن طرق آمنة من أجل دخول منظومة التجارة العالمية وألا يظل مقيّداً داخل روسيا، والدول التي تتخذ موقفاً محايداً وليست مؤيدةً للعقوبات، ترى ذلك فرصةً وهي في حالة تنافس لمرور هذه الأموال عبرها كوسيط كما تؤمن تبادل هذه الأموال سواء عبر بضائع أو منافع أخرى".

وأشار إلى أن "هناك أموالاً روسيةً سيسعى أصحابها إلى إخراجها من الغرب والعودة إلى روسيا"، مؤكداً أن دول الخليج، خاصةً الإمارات، أو تركيا التي تُعدّ الأقدر على لعب هذا الدور، ستكون جميعها وسيطاً لنقلها إلى موسكو، ما يعزز مكانة روسيا لديها ومكانة الوسيط لدى موسكو.

ولفت الباحث السعودي، إلى أن هناك مسألةً أخرى وهي الأموال الغربية الموجودة في روسيا، والتي قد تكون على شكل سيولة أو شركات تخرج من روسيا تبحث عن دول أخرى تستثمر فيها، وتركيا ودول الخليج تعد نفسها فرصةً لجذبها.

وكان بنك غولدمان ساكس من بين البنوك الأمريكية التي أعلنت إغلاق أعمالها في روسيا. وكان لديه نحو 80 موظفاً في موسكو قبل الحرب، نصفهم تقريباً ينتقل الآن إلى دبي. ويقال أيضاً وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، إن بنك روتشيلد الخاص ينقل بعض موظفيه المقيمين في روسيا إلى الإمارات.

برأي صفر، "تركيا تبحث عن هذه الأموال بشغف وتحرص عليها كي تساعدها على حل أزمتها الاقتصادية، كذلك السعودية التي لديها مشروعات كبيرة وأيضاً الإمارات، ولا شك أن هذه الأموال ستعزز مكانة روسيا في دول الخليج، لكن ماذا لو كانت الأموال الغربية التي خرجت من موسكو واتجهت نحو تركيا والإمارات أكبر. سيكون هناك موقف بالتأكيد يدعم الغرب ضد روسيا".

ورجح صفر أن الأموال الروسية إذا كانت ضخمةً ولم يضع الروس شروطاً غير مناسبة لمرورها عبر الخليج أو تركيا، فإن هذه البلدان ستظل متمسكةً بموقف مناهض للعقوبات، وستظهر في موقف المحايد وتعزز علاقاتها بروسيا.

واستبعد وجود رد فعل غربي قوي، مشيراً إلى أن هذه العقوبات تتعلق بتجميد أرصدة وليست إلزاميةً ولا تعرقل التعامل مع الدول الأخرى، فهي تقيد الشركات الغربية وبنوكها، ودول كثيرة لم تتبناها، لذلك لا يمكن معاقبة العالم كله على التعامل مع روسيا، إلا إذا صدرت عقوبات من الأمم المتحدة. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image