خاضت مؤسسة التلفزيون الجزائري المنافسة الرمضانية هذا الموسم بـ"الدامة". وهو عمل درامي من إنتاجها، للمخرج يحيى مزاحم، عن سيناريو سارة برتيمة.
يتحدث مسلسل "الدامة" المستوحى اسمه من أحد الألعاب الشعبية التقليدية الممتعة، عن أحداث اجتماعية وعائلية من الواقع الجزائري في 26 حلقة، جسدت مسائل أثارت جدلاً على مستوى فني واجتماعي وسياسي، بما لم يفعله مسلسل آخر هذه الأيام.
يشارك في المسلسل نجوم اكتشفتهم عبر الشاشة في طفولتي، بينهم مصطفى لعريبي، الذي لفت الأنظار هذا الموسم، وبيونة (باية بوزار) وهي فنانة مسرحية ومغنية وممثلة معروفة محلياً، والممثل القدير بوعلام بناني، والممثلة ريم تاكوشت، المتنوعة الأدوار، والفنان القدير حسان بن زراري، والفنان مراد خان، والممثل والمخرج المسرحي عبد الكريم بريبر.
عصابات الأحياء في قلب الدراما
يتناول المسلسل قصة "رضا"، وهو شاب فقير، وأب حنون يرشده إلى طريق الصواب والتوبة، ووالدته امرأة ضعيفة ومريضة بحاجة للرعاية، ومدمن للمخدرات والمهلوسات عاشق لأغاني شيخ الأغنية الشعبية دحمان الحراشي، صاحب الحنجرة الذهبية.
يقود رضا عصابة لتجارة المخدرات في حيه العتيق في باب الوادي، الحي الشعبي الشهير بالعاصمة الجزائرية، ويخوض معارك ومشاجرات بالسيوف والخناجر، وهي المشاهد التي تجسد واقع المجتمع الجزائري، ومعاناة الأم مع أولادها وعدم قدرتها على حمايتهم من هذا العالم المظلم بعد وفاة زوجها.
شباب عصابات يتعاركون، كل فريق مدجج بالأسلحة البيضاء كالسيوف والخناجر والكلاب المدرب، وأم لا حول لها ولا قوة في حمايتهم، وطفل وامرأة يتم استغلالهم في تجارة المخدرات
في الحلقات الأولى من المسلسل يقربنا المخرج يحيى مزاحم من ظاهرة عصابات الأحياء في لقطات تصوّر محاولة رضا وعصابات أخرى مدججة بالأسلحة البيضاء كالسيوف والخناجر والكلاب المدربة والفيميجان (الشماريخ) السيطرة على الحي، الذي يقع في شارع "روشومبو" وإغراقه بالمخدرات.
وننتقل عبر "الدامة" في ثنايا حي باب الوادي، الذي يعد من أقدم الأحياء الشعبية في العاصمة الجزائرية، بداية من سوق "الدلالة" حيث تحجز خالتي "صليحة شقلالة" لنفسها مكاناً، وهي بائعة الذهب، ومن أكثر النساء المشهورات في السوق، إذ تجلب قطعاً ذهبية تتخاطفها النسوة، لا سيّما الفتيات المقبلات على الزواج بمبالغ يدفعنها فوراً أو يؤجلنها إلى وقت لاحق، مروراً بمتوسطة "علي عمار" حيث يدرس الأطفال الأربعة: إيناس إيزري، وعمار قرمود، وإسلام بعزيز، وميساء بلعروسي، أحدهم يستهدفه تجار المخدرات.
ونرى في المسلسل كيف يتم استغلال النساء في تجارة المخدرات، وهو الدور الذي جسدته هناء منصور في أول ظهور لها على شاشة التلفزيون، وهي شخصية منبوذة وسط حي "روشومبو" لأنها تمتهن التجارة غير المشروعة للمواد المخدرة، برفقتها رضا، الذي تربطه بها علاقة عاطفية غير معلنة.
وبين الحين والآخر، يثبت المخرج الكاميرا على رقصات استعراضية، يؤديها أبناء الحي على الأغاني التي اعتدنا سماعها في مدرجات الملاعب، كأغنية "قصبة سوسطارة وباب الواد الزغارة وولاد سيدي عبد الرحمان" لأنصار مولودية الجزائر، وهو ناد جزائري لكرة القدم مقره الجزائر العاصمة تأسس عام 1921، وأغنية "باب الوادي الشهداء".
طفل يخطف الضوء
وانشغلت مواقع التواصل الاجتماعي بأحداث "الدامة"، وانقسم الجزائريون بين من يؤيدون أحداث مسلسل، ويرون أنها تجسد الواقع، وهو ملاحظ في مشاهد تعكس بيئة الأحياء الشعبية، وما يجري في دهاليزها، وبين من قاطعوه، وطالبوا سلطة الضبط السمعي البصري إيقافه فوراً، لأنه يشجع على العنف في المدارس الابتدائية.
ومن تغريدات المعجبين كان هناك اهتمام كبير بدور الطفل، الذي احترف تجارة المخدرات، وكذلك الممثلة التي جسدت دور الفتاة التي تدرس في المرحلة المتوسطة وتنحدر من عائلة عادية جداً وتحلم بأن تصبح "يوتيوبر"، إذ تراها تدر أموالاً طائلة أكثر مما يحصل عليه الطبيب والمعلم.
كتب أحدهم منشوراً على فيسبوك: "من أصعب أنواع الإخراج وتوجيه الممثل التعامل مع الأطفال، الحلقة الرابعة من "الدامة" مشهد جميل جداً، يجعلونك تصدق تمثيلهم، بكل بساطة لا أحد فيهم يتصنع، يقال إن الفنان هو ذلك الشخص الذي كبر وحافظ على مخيلة طفولته".
"أداء مبهر، وعفوية غير معتادة في إنتاجاتنا"، "مسلسل يضرب القيم الأخلاقية، يشجع الشباب على دخول عالم الموبقات"، تناقض رأي الشارع الجزائري حيال "الدامة"، نستعرض أبرز ملامحه ونقاط الجدل
وغرد آخر: "بعد عدة حلقات من الإنتاجات الرمضانية لهذا العام، نجد الطفل رؤوف في مسلسل الدامة في أداء مبهر، وعفوية غير معتادة في إنتاجاتنا، فهو يذكرنا بالربيع في فيلم كحلة وبيضا (سوداء وبيضاء) ومراد في فيلم امرأتان".
ومن أبرز ما لفت الأنظار المشاهد الأولى من هذا العمل التي تكشف حقيقة العلاقات الأسرية القائمة على العنف، وهذا ما جعله في نظر مشاهدين كثر مسلسلاً واقعياً وغير مزيف، وهو ما ذهب إليه الأكاديمي والكاتب الجزائري لونيس بن علي، الذي يشتغل أستاذاً للنقد الأدبي والأدب المقارن في جامعة بجاية.
كتب الإعلامي الجزائري فيصل شيباني على فيسبوك: "المخرج يحي مزاحم يتكلم لغة الفن، لذلك لن أستغرب نجاح مسلسل الدامة، الذي يعرض عبر قنوات التلفزيون الجزائري. يحيى لا يخاف المغامرة، خاصة أنه يبتعد دائماً عن المكرس والسائد، ويبحث دائماً عن التجديد والتجريب، وبالأخص في المقاربة الفنية والمعالجة الدرامية وقوة انتقاء الممثلين".
"ضرب للقيم الأخلاقية"، فعلاً؟
كان للبعض رأي مخالف، إذ أجمعت مجمل الانتقادات على أن هذا العمل الدرامي يضرب القيم الأخلاقية للمجتمع الجزائري المحافظ، ويوضح كيف يستغل الأطفال القصَّر في ترويج المخدرات. غرد أحدهم: "المسلسل يساعد الأطفال على تقمص الأدوار، وتقليد كل ما شاهدوه".
وغرد آخر رافضاً: "مسلسل يضرب القيم الأخلاقية للمجتمع الجزائري المحافظ، يشجع الشباب المراهق على دخول عالم الموبقات والكبائر، مسلسل يوضح كيف يستعمل الأطفال القصر في ترويج المخدرات ودمج أطفال المدرسة مع أطفال الشارع المفترس في صور لا تمت بصلة لمجتمع جزائري مسلم وفي شهر رمضان".
يعتبر مسلسل "الدامة"، حتى كتابة هذه السطور في 3 إبريل/ نيسان 2023، الوحيد الذي تعرض للمساءلة من قِبل سلطة "ضبط السمعي البصري"، بسبب ظهور رمز حركة انفصالية تطالب بفصل منطقة القبائل، وصُنّفت هذه الحركة كتنظيم إرهابي في 2021.
وجاء في بيان السلطة: "يتعين على التلفزيون الجزائري تقديم توضيحات حول مشهد ورد فيه اسم حركة انفصالية مصنفة كتنظيم إرهابي، في أحد مشاهد الحلقة الأولى من العمل الدرامي، في إشارة إلى عبارة الماك التي كانت مكتوبة على جدران الحي".
وأضاف البيان أن سلطة الضبط ستتخذ "الإجراءات اللازمة على ضوء ما سيقدمه التلفزيون من توضيحات".
وانتقلت موجة الرفض إلى البرلمان، إذ قال النائب عبد الله عماري، في استجواب وجهه إلى وزير الاتصال محمد بوسليماني: "هناك مبالغة كبيرة في استخدام أبطاله للمخدرات، وكلهم من المنحرفين، إضافة إلى كثافة استخدام الأطفال"، معتبراً أن الصورة التي أعطيت للحجاب في المسلسل "مسيئة".
"العمق الجمالي والفكري" في الدراما الجزائرية
مسلسل "الدامة" لفت انتباه المشاهد مع الشروع في عرض أولى حلقاته الخميس الأول من رمضان، وبعد أربع حلقات استطاع تحقيق نسب مشاهدة مرتفعة جداً على اليوتيوب، إذ تخطى حتى كتابة هذه الأسطر، عدد مشاهدات الحلقة الأولى 3.5 مليون مشاهدة في 48 ساعة، أما الحلقة الرابعة فقد تعدت عتبة المليون مشاهدة.
الفنان والناقد السينمائي حبيب بوخليفة يبرر هذا النجاح، قائلاً لرصيف22: "يحتاج الجزائري في هذه اللحظات أن يرى نفسه، فهو لا يميز بين الاتباع والابتداع في الأعمال الفنية"، منتقداً غياب "العمق الجمالي والفكري".
ويضيف بوخليفة موضحاً وجهة نظره: "المقاربات الإخراجية سطحية بحكم أنها تنقل الواقع كما هو. وهذا ليس دور الفن، فالمدرسة الواقعية الاجتماعية ليست نقل الواقع في حوار يومي باهت دون أي عمق جمالي وفكري، عكس التجارب السابقة، مثلاً مصطفى بديع، رحمة الله عليه، في مسلسل دار سبيطار، أعطانا صورة الجودة في تأسيس لفنون المسلسلات رغم الإمكانيات المحدودة في تلك الحقبة من الزمن، وفي نسيج الإنتاج العمومي المركزي".
ويتابع: "ألاحظ منذ عقد من الزمن أن المسلسلات تهتم بمواضيع وإشكاليات جد مهمة من الناحية السوسيوانتروبولوجية، إنما هناك نقص فادح في الشروط المهنية مثل النوع الكوميدي، الذي يتطلب المهارة، والخيال، والإبداع لكي يكون قريباً من المتعة الحقيقية".
وليست هذه هي المرة الأولى التي ترصد فيها الأفلام الجزائرية الوسط الشعبي الفقير والمزري، بحسب الناقد حبيب بوخالفة، فثمة "أعمال بارزة عبرت عن الحياة الشعبية، مثل "الفحام" للمرحوم المخرج محمد بوعماري، و"حسن طاكسي" لغوتي بن ديدوش، و"امرأة لابني" لعلي غانم، و"تجار الأحلام" لمحمد افتيسان، و"عمر قاتلاتو" لمرزاق علواش، و"ليلى وأخواتها"، و"الطاكسي المخفي" للمرحوم بن عمر بختي".
من الناحية الإنتاجية وظروف السوق، يحاجج بوخالفة في تقييم أداء المنتجين، منتقداً ظاهرتين:
1 – المنتجون غير مثقفين
"معظم المنتجين ليس لديهم ثقافة معرفية سمعية بصرية، ولا يعملون من أجل السوق السمعية البصرية. بعبارة أخرى نفتقر إلى السوق الثقافي الذي يحدد ميزة المسلسل".
2 – أعمال مناسباتية
"فكرة المناسبات تخلق معايير خاطئة في الإنتاج السمعي البصري، وحان الوقت لنستثمر في القدرات الإبداعية بعيداً عن الأحكام المسبقة. نحن على مشارف نصف الألفية الثالثة، ويجب تغيير العقليات الريعية والانتقال إلى أعمال فنية بإمكانها أن تسوق في كل الدول العربية والإفريقية".
وينصح بوخطيب بالعودة إلى "الحقبة التي تلت استقلال الجزائر، حيث نالت الأفلام الجزائرية جوائز مهمة في العديد من المهرجانات الأوروبية والعربية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.