"إذا كنت ترغبين في الولد، فسأقر لكِ رقية شرعية تقلب جنس الجنين، وبعد شهر إذهبي إلى طبيبك، وسيخبرك أنك حامل في ذكر". هكذا يتحدث الشيخ هاني (اسم مستعار) إلى ضحاياه، واثقاً كل الثقة فيما يقول، كغيره من الدجالين الكثر في مجتمعاتنا، والذين يقتاتون من الخرافة.
بنت رابعة
تقول أسماء (33 عاماً)، لرصيف22 إنها لجأت لأحد الشيوخ الذي تواصلت معه من خلال الإنترنت، ويدعى الشيخ هاني، بناءً على نصيحة من إحدى الصديقات، لأنها كانت ترغب في إنجاب ذكر، فهي أم لثلاث بنات، وتعاني ضغوطاً اجتماعية كبيرة بسبب زوجها وعائلته، لإنجاب الابن الذي سيحمل "اسم العائلة".
وفي نهاية الشهر الثالث من الحمل، أخبرتها الطبيبة أنها بانتظار بنت رابعة، بعد صدمة وانهيار، بدأت أسماء تبحث عن حلول، ووجدت نفسها فريسة سهلة للدجل، ربما لأنها لا تملك حلولاً أخرى، وتواجه ضغطاً لا يحتمل، لذا قررت أن تخوض التجربة بالرغم من عدم إيمانها الكامل بها وحتى مع اعتقادها بأن الأمر مستحيل، لكنها قررت التجربة على كل حال من منطلق أن ما لن ينفع لن يضر.
دفعت أسماء 500 جنيه مصري للشيخ هاني مقابل رقية شرعية تغير جنس الجنين من بنت إلى ولد، طبعاً لم يتغير شيء، وادّعى هاني أن حسابه تم اختراقه
التواصل مع "هاني" يحدث عن طريق الفيس بوك، ويتم إرسال المال عبر تطبيق فودافون كاش، والرقية هو يقول إنه يقرأها عن بعد، بمعنى أنه يبلغ صاحبة الطلب بأنه سيقرأ الليلة على سبيل المثال ثم يطلب منه الجلوس بمفردها لمدة ساعة مثلاً، ومسبقاً يطلب اسمها واسم الأم وتاريخ الميلاد، ثم يبلغها أن الرقية تمت قرآتها ويمكن أن تذهب للطبيب بعد شهر.
في مقابل هذه الرقية دفعت أسماء 500 جنيه مصري أي نحو 15 دولاراً للشيخ هاني، وعندما سألته كيف سيتم بها الأمر، رفض الإفصاح عن أية تفاصيل وقال: "يا مدام مش شغلك، أنت ليكِ تروحي تكشفي تلاقي عندك ولد بعد شهر".
طبعاً لم يتغير جنس الجنين ولم تنجب أسماء ذكراً، ورفض "هاني" رد الأموال، مدّعياً أنه تم اختراق حسابه وأنه لا يعلم شيئاً عن الأمر.
لا يزال "هاني" حتى اللحظة يمارس الدجل على نساء أخريات، يقعن فريسة الجهل والوصم الاجتماعي لأنهن لم ينجبن البنات، ويعانين من تداعيات الضغوط التي لا تنتهي من مجتمع يعاملهن كمسؤولات عن تحديد جنس ما في أرحامهن.
"كنت عاوزاني أحبلك؟"
رواية أخرى من عبير (37 عاماً) حدث معها مثلما حدث مع أسماء تماماً، لجأت إلى هاني أملاً في التبرك بالرقية، التي يقول إنها عبارة عن قرآن وأدعية، مجربة لتغيير النوع، وعندما تيقنت من كذبه طالبته برد المال الذي حصل عليه أو ستتقدم ببلاغ رسمي ضده، فكان رده جاهزاً: "هتقولي في المحضر إنك كنت عاوزاني أحبلك؟".هدّدت عبير الشيخ هاني بتقديم بلاغ ضده إن لم يرجع لها المال، فكان رده: "هتقولي في المحضر إنك كنت عاوزاني أحبّلك؟"
بالتأكيد لا تعرف أسماء ولا عبير ولا مئات الضحايا غيرهما شكل هاني، ولا حتى اسمه الحقيقي، لذلك يبقى الموضوع في إطار المسكوت عنه، هذا السكوت الذي يدفعه للتمادي، مستغلاً حالة الجهل والرغبة الكبيرة والضغوط التي تعانيها النساء.
هذه الخرافة هي واحدة من عشرات في ثقافتنا العربية والثقافات الأخرى حول موضوع الحمل والولادة، وجنس الجنين وصحة الأم والطفل.
صوّري بطنك وقدميك ومناطق أخرى
قصة الشيخ هاني ليست القصة الوحيدة عن ابتزاز النساء، من خلال بعض الصفحات التي تدّعي تقديم خدمات للأم ومساعدتها في معرفة نوع جنينها في مطلع شهور الحمل، فالبعض يستخدم حسابات مزيفة يزعم أنها لطبيبات أو خبراء مختصين، ويطلب من السيدات تصوير أجزاء من أجسادهن مثل البطن والقدمين والفخذ أحياناً بدعوى تقديم المساعدة مجاناً.تحكي سماح (32 عاماً) لرصيف22 عن قصة تعرضها لمحاولة ابتزاز بعد أن نشرت صورة الـ"سونار" الخاص بحملها في إحدى المجموعات المغلقة، وطلبت من القائمة على المجموعة مساعدتها في معرفة نوع الجنين.
وفي عداد التعليقات على المنشور تعليق لسيدة طلبت منها محادثتها على الخاص لتقديم الدعم لها، وادّعت في البداية أنها طبيبة وطلبت منها تصوير البطن، بدعوى أن شكل البطن يمكن أن يساعد في التعرف على نوع الجنين، ثم تصوير القدمين، ولاحقاً منطقة الفخذ، وهنا بدأت في التشكك، فتحججت بأنها خارج المنزل ولا تستطيع إرسال الصور في الحال.
لكن الحساب الذي يدّعي أنه لطبيبة لم يكتف بهذا القدر وبدأ يتوجيه اسئلة مثل متى مارس زوجك آخر علاقة معكِ؟ هل تشعرين بالمتعة مع زوجك؟ وتفاصيل حول طبيعة العلاقة الحميمية، هنا كان الاستفزاز قد بلغ ذروته فطلبت سماح إنهاء المحادثة وهي على يقين أن هناك شيئاً ما ليس صحيحاً، وبعدها أجرت "بلوك" للحساب.
شاركت سماح صور الـ"سونار" على مجموعة مغلقة لمساعدتها في معرفة جنس المولود، فراسلها حساب طبيبة نسائية طالباً منها تصوير مناطق من جسدها للإجابة على سؤالها، لتصبح صورها مادة لابتزازهاوفوجئت بعد أيام بحساب يحمل نفس الاسم يرسل لها الصور ويطالبها بمبلغ مالي مقابل عدم إرسال الصور لزوجها، ولحسن الحظ كانت سماح قد أخبرت زوجها بالموضوع سابقاً، لذلك لم تكترث بالتهديدات.
خرافات الحمل في مختلف الثقافات
منذ قديم الأزل، ارتبط الحمل بالخرافات والشعوذة والدجل في مختلف الثقافات من مشارق الأرض إلى مغاربها، ففي بعض المناطق في الهند على سبيل المثال، من الضروري أن تشرب الأم الحامل كوباً من الماء قد غرست حماتها الإصبع الكبيرة لقدمها فيه، ظناً أن ذلك يضمن وصول الجنين سليماً ومعافى، أيضاً تتعامل بعض الثقافات الهندية مع الولادة باعتبارها "نجاسة" فترسل بعض القرى الأم أثناء الوضع إلى الحظيرة الخلفية للمنزل، حتى لا تنجس البيت.كذلك يدفن بعض الهنود الحبل السري، والمشيمة التي تنزل أثناء الولادة، ظناً أنها تحمل روحاً حيه.
أما في باكستان، فتنتشر خرافة بين النساء مفادها أن المصافحة والتقبيل قد يتسببان بالحمل، وأن شرب القهوة أثناء الحمل قد يتسبب في إنجاب طفل داكن اللون، والحقيقة هذه الخرافة المتعلقة بالقهوة منتشرة أيضاً لدى الكثير من الدول العربية.
لكن القصة الأغرب في باكستان تقول إن معالجاً روحانياً قد زرع مسماراً في رأس سيدة كي تنجب ذكراً، هذه الواقعة حدثت لأم لديها ثلاث بنات أرادت إنجاب ذكر فذهبت لأحد الدجالين، زرع لها مسماراً في رأسها.
وحول الواقعة يقول حيدر خان الطبيب الذي تولى علاج المرأة في المستشفى، لوكالة "فرانس برس"، إنها "قصدت المستشفى في مدينة بيشاور، شمال غربي باكستان، بعدما حاولت نزع المسمار بنفسها، وتم استخراجه بعدما انغرس نحو خمسة سنتيمترات داخل الجمجمة".
زرع معالج روحي في باكستان مسماراً بعمق 5 سنتمترات في رأس سيدة كي تنجب ذكراً، وتم استخراجه بعملية جراحية
أما الثقافة الصينية، التي تحتل الأرقام مكانة كبيرة فيها، فاعتمدت الحسابات الفلكية لمعرفة نوع الجنين فيما يعرف باسم الجدول الصيني، لكن الأمر لا يخلو من الخرافة أيضاً، فلا تزال النساء في العديد من القرى يعتقدن أن وضع مقص تحت سرير الحامل يحمي جنينها من الشرور والعوالم الخفية.
وفي أفريقيا، بلاد العجائب والغرائب، تتعدد القصص والخرافات حول الحمل والولادة، ومن أغرب عادات الحمل في مالي أنه لا يجوز أن تقترب المرأة الحامل من حقول الأرز، إذ يعتقد أن ذلك سيؤثر على المحصول، أما عند باكاس في الكاميرون، فإن المرأة الحامل تجلب النحس والفأل السيىء أثناء الصيد، كما لا يجوز للمرأة الحامل الخروج في الليل عند بعض قبائل البنين، السنغال ومالي، وذلك لتجنب الأرواح الشريرة التي يمكن، حسب اعتقادات سائدة، أن تحول الجنين إلى وحش في بطن أمه.
المسخوطة وأولادها السبعة
أما في مصر فتؤمن الثقافة الشعبية بالكثير من الموروثات حول الحمل والولادة، مثلاً تتوجه الكثيرات ممن يعانين من صعوبة في الحمل أو في العقم إلى مركز البداري في محافظة أسيوط في صعيد مصر، لزيارة المسخوطة وأولادها السبعة وهي قصة متوارثة عن أمرأة توفي لها سبعة أولاد فاعترضت على قضاء الله، فسخطها حجر، ويعتقد الناس أن الزائرة سوف ترزق بمولود خلال أقل من شهر.موروث آخر تتداوله النساء هو أنه في حالة حدوث الحمل فعلى الحامل أن تتناول الطعام الحار والحامض إذا كانت ترغب في إنجاب ذكر، أو الحلويات إذا كانت ترغب بالأنثى، أيضاً إذا شعرت بالحموضة فسيكون الجنين كثيف الشعر، والبنت تسرق جمال أمها، أما الولد فيزيد أمه نضارة وجمالاً.
تحديد جنس الجنين قبل الحمل وخلاله
يمثل جنس الجنين هاجساً لدى النساء الحوامل وذويهن منذ اليوم الأول من معرفة الحمل، خاصة أن الثقافات الشعبية تفضل إنجاب الذكور على إنجاب الإناث، الأمر الذي يضع الأمهات تحت ضغط شديد، إضافة إلى انتشار الكثير من الخرافات حول معرفة نوع الجنين عن طريق شكل الأم -خاصة البطن والوجه- أو أسلوب التغذية، أو حتى لون البول في بعض الأحيان.مؤخراً انتشرت عشرات الصفحات والمجموعات عبر فيسبوك تدعي معرفة نوع الجنين خلال الشهر الأول من الحمل، وهو ما لم ينجح فيه العلم حتى اللحظة، ببساطة لأن جهاز الجنين التناسلي يكتمل في نهاية الشهر الثالث. وأيضاً تقدم هذه الصفحات خدمات لتحديد نوع الجنين بالاعتماد على الأعشاب والطب البديل، بمقابل قد يتجاوز 1000 جنيه (ما يعادل 33 دولاراً).
وتختلف آراء سيدات تحدثن لرصيف22 حول صدقية هذه الصفحات، ففي حين تقول أحلام (26 عاماً) إنها تابعت حالتها مع إحدى السيدات المختصات بالحمل بتوأم ذكور، من خلال الاعتماد على بعض الأعشاب، وتحديد موعد التبويض الذي يكون غالباً بعد (14 يوماً) من موعد الدورة الشهرية، تنفي منى (38 عاماً) صدقية السيدة نفسها، وتقول إنها تابعت لمدة أربعة شهور قبل الحمل من أجل الحمل بذكر ولم يحدث ذلك وأنجبت أنثى.
أما الدكتور عمرو سعد، استشاري طب النساء والتوليد والمدرس بكلية الطب، فيقول لرصيف22 إن الأمر كله يندرج تحت مسمى الخرافة، ويحدث بهدف التربح، وليس له أي أساس علمي يمكن الاستناد إليه، والوسيلة الوحيدة التي تحدد نوع الجنين هي تزاوج الكروموسومات، وتتم بشكل تلقائي في جسد المرأة عند تلقيح البويضة.
مثلاً، يمكن للحيوانات المنوية أن تحمل الكروموسوم X أو Y، بينما تحتوي بويضة المرأة على كروموسوم X فقط. فإذا كان الحيوان المنوي يحمل الكروموسوم Y يكون المولود ذكراً، أمّا إذا كان يحمل الكروموسوم X فيكون المولود أنثى.
والطريقة الوحيدة التي يحصل بها تحديد جنس الجنين علمياً قبل الحمل، وفق سعد، تتم من خلال عمليات الحقن المجهري التي تحدد جنس الجنين مسبقاً، قبل إعادة البويضة الملقحة معملياً إلى رحم الأم.
الوحام بين الخرافات والعلم
تؤثر الهرمونات التي تتغير بشكل كبير أثناء الحمل، على مزاج الأم، وتفضيلاتها بخصوص بعض الأطعمة، أو النفور من البعض الآخر، كلها أمور تحدث بشكل طبيعي، لكن الموروثات الشعبية كثيراً ما تربطها بأفكار خاطئة حول الجنين ونوعه وسلامته، وسلامة الأم.الطريقة الوحيدة التي يحصل بها تحديد جنس الجنين علمياً قبل الحمل تتم من خلال عمليات الحقن المجهري التي تحدد جنس الجنين مسبقاً، قبل إعادة البويضة الملقحة معملياً إلى رحم الأم
مثلاً تقول الخرافة إن الأم التي تشتهي الموالح تكون حاملاً بذكر، وبالعكس تكون حاملاً أنثى، عدا أن شكل بطن الأم الدائري يعكس حملها بولد والمكور بأنثى، وغيرها من الخرافات، تتعلق بالأكل والنوم وحتى المظهر، وشعر الجسم، وفترة الغثيان صباحاً ومساءً.
إلى ذلك، يؤكد الدكتور سعد أنه لا يوجد أي سند علمي لهذه الخرافات، فبالنسبة لبطن الأم، يتحدد شكله وفق حجم عضلة المرأة وبنيتها ووضع الجنين ووضعية الجسم وكمية الدهون المتراكمة حول بطنها. ويقول إن الغثيان ناتج عن زيادة الهرمونات في جسم المرأة خلال الحمل والتغيرات التي تمر بها، نتيجة الهرمونات، يمكن أن تسبب أثراً سلبية في الصباح أو المساء، غير مرتبطة تماماً بنوع الجنين، لذلك لا يمكن القول إن السيدات يعانين من غثيان الصباح إذا كان المولود أنثى أو العكس.
وينصح سعد السيدات جميعاً بعد الانصياع لمثل هذه الخرافات، ومحاولات الاستغلال أو الابتزاز عبر صفحات الإنترنت، بالتزام متابعة الدورية مع الطبيب، واتباع الإرشادات الصحية، مشيراً إلى أن السيدات غير قادرات مادياً يمكنهن المتابعة من خلال الوحدات الصحية الحكومية مجاناً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...