شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
كان أبي يمنعنا من مشاهدة الأفلام التي فيها قبلات… فنشاهدها سرّاً

كان أبي يمنعنا من مشاهدة الأفلام التي فيها قبلات… فنشاهدها سرّاً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والحريات الشخصية

الجمعة 2 سبتمبر 202204:45 م

تنظر أختي الكبرى إلى باب المنزل باستمرار وتراقب لحظة وصول أبي، بينما نشاهد أحد الأفلام الرومانسية في صمت وسرية تامة. تضحك شقيقتي الوسطى وتقول: "الفيلم خالي من القبلات، ولكن بعد قليل سيكون هناك مشهد عاطفي ووقتها سيصل أبي". نضحك وننتظر، ثم يأتي أبي فجأة ونغلق شاشة التلفزيون.

مشاهدة الأفلام الرومانسية ليست بالأمر اليسير الذي يمكن أن يتم بسهولة أمام بعض الآباء، فدائماً هناك جمل اعتراضية كثيرة: "هذه الأفلام فارغة. أنتم تضيعون وقتكم. هناك مشاهد لا يصح مشاهدتها لمن هم في سنكم"، وهكذا. ومع الوقت، اكتشفت أن الأمر ليس له علاقة بفارق السن بيننا، فدائماً هناك هذا الشعور المتبادل بالحرج بيننا وبين أبي بسبب هذه المشاهد. وحتى الآن، لم نكف نحن عن الخجل وهو لم يسمح لنا بمشاهدتها رغم كبر أعمارنا.

"هل القبلات عيب؟" سألتْ شقيقتي الوسطى بصوت منخفض ولم تتلق إجابة واضحة، بينما ردت شقيقتي الكبرى: "طبعاً عيب"

القبلات ولحظة الصفر

"هل القبلات عيب؟" سألتْ شقيقتي الوسطى بصوت منخفض ولم تتلق إجابة واضحة، بينما ردت شقيقتي الكبرى: "طبعاً عيب".

ثم قلت لهما: "لا أعتقد، أظن أن أبي يُقبل أمي وكذلك كل المتزوجين يفعلون ذلك".

مع الوقت، اتضح لي أن البعض يرى أن التقبيل يجب أن يتم داخل الغرف المغلقة فقط، بينما هذه القبلات التي يقوم بها الممثلون على الشاشة "عيب"، بل تفتح أعين البنات والشباب على ممارسة "الرذيلة". ولذلك كان أبي يمنعنا من مشاهدة هذه الأفلام، فكنا نشاهدها سراً. وعندما يأتي فجأة ويكتشف ما نفعله كنا نسمع منه جمل التوبيخ المستمرة. وقد يصل الأمر لمهاجمته والدتي لأنها سمحت لنا بمشاهدة هذه الأفلام. كنا نؤكد له أن الأفلام لا تحوي أي مشاهد "مخلة"، ولكنه كان يأتي في تلك اللحظات التي تؤكد له العكس.

"لا أعرف لماذا لا يأتي أبي إلا في لحظة عرض هذه المشاهد فقط". كانت شقيقتي تتساءل. والحقيقة أنا لم أعرف يوماً ما السر. كان من الممكن أن يكون الفيلم "خالياً" تماماً، ولا يحوي إلا قبلة واحدة. ويأتي أبي أثناء مشهد القبلة فتثور ثائرته، ويغلق شاشة التلفزيون، ويطالبنا بأن نقوم للصلاة ونمتنع عن مشاهدة هذه الأعمال "القبيحة".

"لا أعرف لماذا لا يأتي أبي إلا في لحظة عرض هذه المشاهد فقط". كانت شقيقتي تتساءل. والحقيقة أنا لم أعرف يوماً ما السر

لم يكن أبي يحب المغني المصري عبد الحليم حافظ، وكنت أنا وشقيقاتي نعشقه ونحب مشاهدة كل أفلامه. وفي كل مرة يعرض له فيلم يقول أبي: "هذا المطرب من جعل الشباب يهتمون بالحب والكلام الفارغ. أنا لا أحبه". وكنت أغضب كثيراً من هجومه المستمر على حافظ، رغم أنه يحب المغني فريد الأطرش. وكان يقول باستمرار: "الأطرش فنان حقيقي وأفلامه جيدة". مرة كان هناك فيلم للأطرش، به الكثير من القبلات، وأسعدني في ذلك التوقيت أن أقول لأبي: "أنظر إلى فريد الأطرش وإلى أفلامه"، ولكنه استمر في الدفاع عنه.

هل "العيب" له معيار واحد للجميع أم يختلف باختلاف السن والظروف؟

ذات مرة، كنا نشاهد فيلم "الخطايا" لعبد الحليم حافظ، وكانت والدتي تشاهده معنا. وكنا نحب هذا الفيلم لأن به الكثير من الأغاني الممتعة، كما أنني أحب الممثلة المصرية نادية لطفي. وقتذاك، كان أبي نائماً في غرفته ودعونا الله أن يستمر نومه حتى ينتهي الفيلم، ولكن بعد دقائق، استيقظ. وعندما شاهد عبد الحليم اعترض على ما نسمعه، وأغلق شاشة التلفزيون. كنت وقتها في الرابعة عشرة من عمري. ورغم أن الموقف مر عليه سنوات طويلة ما زلت أتذكر غضبي الشديد بسبب موقف أبي الغريب.

كنت أتساءل باستمرار: ما الذي يجعل أبي يرفض أن نشاهد هذه المشاهد والأفلام؟ هل حقًا يخشى علينا من "الفجور" وحتى لا تتفتح أعيننا ونحن في سن صغيرة أم أن هذه عادات فقط يحب كل الآباء أن يمارسوها دون تفكير مسبق؟

تصرفات تسبغ عليهم صفة الأبوة والالتزام الكاذب الذي يظهرون به. تصرفات لا تجعلنا نراهم على حقيقتهم لنعرف أنهم أناس عاديون لا يخجلون من العاطفة، ويمارسون الحب بقوة كما نشاهده على الشاشة.

في كل مرة يعرض له فيلم يقول أبي: "هذا المطرب من جعل الشباب يهتمون بالحب والكلام الفارغ. أنا لا أحبه". وكنت أغضب كثيراً من هجومه المستمر على حافظ، رغم أنه يحب المغني فريد الأطرش

أبي وفيلم "خلي بالك من زوزو"

لم يغضب أبي من فيلم مثل فيلم "خلي بالك من زوزو" – الذي تم إصداره عام 1972 - للفنانة سعاد حسني والفنان حسين فهمي. وكنا نعرف في البيت أن أبي لا يطيق هذا الفيلم ولا يسمح لنا بمشاهدته. وكان بمجرد أن يرى لقطة منه يثور ويقوم على الفور بتغيير القناة رغم أن التلفزيون وقتها لم يكن فيه إلا ثلاث قنوات.

لم يغضب أبي من فيلم مثل فيلم "خلي بالك من زوزو" – الذي تم إصداره عام 1972 - للفنانة سعاد حسني والفنان حسين فهمي. وكنا نعرف في البيت أن أبي لا يطيق هذا الفيلم ولا يسمح لنا بمشاهدته

"هذا هو الفجور بعينه، ويسألون لماذا اختفت الأخلاق، كيف يصورون هذه المشاهد؟". هكذا كان يقول أبي عندما يشاهد فيلم "خلي بالك من زوزو". وأنا وقتذاك، لم أكن أعرف الطريقة التي تجعلني أشاهد هذا الفيلم وخاصة أنني من عشاق سعاد حسني. كانت أختي تمزح قائلة: "يمكن أن نضع لأبي منوم". ولكن، هذا الفيلم ظل من الممنوعات، وأظن أنه لو سمح والدي لنا بمشاهدته وقتها لم يكن ليتكون لدينا مثل هذا الفضول الكبير نحوه.

ذات مرة، كانت ابنة عمتي في زيارة لنا وتحدثت معها عن الفيلم، فقالت وهي تتنهد: "يا جمال سعاد حسني دلعها ورومنسيتها. بس عمي بيكرهه ليه دا فيه قبلات بس". ثم ضحكت وقالت: "تلاقي عمي بيشوفه لوحده في مرة كان والدي يغلق التلفزيون على فيلم واكتشفت بعدها أنه يشاهده وحده ونحن غير موجودين".

هل من الممكن أنهم لا يسمحون لنا بمشاهدة هذه الأفلام ويشاهدونها هم؟ 

فكرت في هذا الكلام لمدة طويلة وأخذته على محمل الجد. هل من الممكن أنهم لا يسمحون لنا بمشاهدة هذه الأفلام ويشاهدونها هم؟ هل يرفضونها حقاً أم أنهم يحاولون فقط أن يمارسوا أبوتهم بمثل تلك التصرفات غير المنطقية؟ هل "العيب" له معيار واحد للجميع أم يختلف باختلاف السن والظروف؟

اليوم أنا في الخامسة والثلاثين. كنت في زيارة لأبي وأمي، وكانت شقيقتي الكبرى تمسك "الريموت"، فوقع اختيارها على فيلم "خلي بالك من زوزو". وكان أبي يجلس بيننا. نظرت أختي إليّ ثم قامت بتغيير القناة دون أن يتكلم أبي. نحن كبرنا وربما شاهدنا الفيلم أكثر من 20 مرة، بل شاهدنا أفلاماً تفوقه جرأة، ولكننا ما زلنا مكبلين بهذه العادات. نخجل من العاطفة، هكذا اعتدنا نحن، وهكذا اعتاد غيرنا.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image