شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
كان طبَق ليلة زفاف المأمون، وتُشبّه به قلوب العشاق… تاريخ الكباب الإيراني

كان طبَق ليلة زفاف المأمون، وتُشبّه به قلوب العشاق… تاريخ الكباب الإيراني

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 12 أبريل 202304:18 م

ذكر المؤرخون أن الخليفة العباسي السابع المأمون عبد الله بن هارون الرشيد، كان قد قدم وجبة الكباب المشوي الإيراني في ليلة زفافه ليتفاخر على ضيوفه بطبق فاخر ولذيذ، هكذا تأتي الحكايات وحتى الأساطير عن شهرة الكباب الإيراني، قصص كما لو كانت مثل ألف ليلة وليلة، لم تنته بعد، فقلما نجد إيرانياً لا يحب الكباب ولا يملك ذكريات جميلة عن إعداده أو شيّه أو تناوله.


حينما تعلم الإنسان بأن يتجنب الطعام النيء، وضع اللحوم على النار وأكل الكباب، هذا كل ما نعرفه عن بداية شواية اللحوم، أما في إيران فمنذ سنة 1891 كان الكباب ضمن قائمة الطعام في المطاعم الإيرانية، لكن تاريخه لا يقتصر على ذلك بل يمتد إلى قرون بعيدة.

يعود تاريخ طريقة إعداد الكباب الإيراني بشكله الحالي إلى فترة ناصر الدين شاه القاجاري في القرن التاسع عشر، فكان يهوى الكباب كثيراً وفي إحدى رحلاته إلى منطقة القوقاز، تعرف على نمط آخر من إعداد الكباب، فجلب معه الطهاة إلى طهران

وإلى جانب شواية أنواع اللحوم، كان كباب السمك وطير الحجل (Partridge)، سائداً قبل 400 عام في عهد الدولة الصفوية، فكان الشاه عباس الصفوي يصطاد طير الحجل عبر الباز، وهو الطائر المفضل لديه.

الكباب محظور

ويبدو أن الصفويين كانوا يمانعون عامة الناس من صيد الحيوانات والطيور وإعداد الكباب من لحومهن، فكانت الدولة تلقي القبض على من يذهب للصيد بحجة الكباب، وتبتر أذنه أو أنفه. ويذكر التاريخ الإيراني أن ملك البلاد كان ينحر الإبل في عيد الأضحى ويوزع اللحوم على الأهالي، حيث يعد ذلك فرصة لإعداد الكباب بالنسبة لسكان البلاد.

يعود تاريخ طريقة إعداد الكباب الإيراني على شكله الحالي إلى فترة ناصر الدين شاه القاجاري في القرن التاسع عشر، فكان يهوى الكباب كثيراً وفي إحدى رحلاته إلى منطقة القوقاز، تعرف على نمط آخر من إعداد الكباب، فجلب معه الطهاة إلى طهران.

لم يتخل ناصر الدين شاه عن الكباب حتى في رحلاته إلى بلدان أوروبا، الذي زارها 3 مرات، وكان مطبخه المتنقل يحرص على نقل أدوات الكباب الإيراني، وحينما اشتهى الكباب فنادى حراسه ليصل الصوت للمطبخ: "أمر بالكباب، أمر بالكباب".

طرد من البلاط فأسس أول مطعم في البازار

وكان حفيده وخليفته مظفر الدين شاه الذي حكم في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين لفترة 10 سنوات يهوى طبق الكباب كثيراً، لكنه ساهم في إنشاء مطاعم الكباب بشكل لا إرادي حينما طلب أن يطرد ميرزا علي أكبر خان، الطاهي الشهير في عهد والده ناصر الدين شاه، من المطبخ الملكي، فقرر الميرزا أن يفتح مطعماً خاصاً بالكباب في بازار طهران الشعبي.

ويعتبر محله أول محل خاص لبيع الكباب في إيران، حيث كان طبق الكباب قبل ذلك يختصر على الملوك والأمراء وبلاط الدولة، وما يتناول الناس العاديون الكباب، وبذلك فقد كان طاهي ناصر الدين شاه، قدوة في رواج فكرة محلات بيع الكباب بعد سنوات من العمل في مطبخ الملك.

كما تؤكد القومية الآذرية أن أول محل بيع الكباب كان في مدينة تبريز شمال غرب البلاد، ويحدثنا التاريخ أن أول مطعم كباب استضاف العوائل الإيرانية، هو مطعم عباس شِمراني في ساحة أمين السلطان بطهران.

عندما غادر أحمد شاه، آخر ملوك السلالة القاجارية، البلادَ باتجاه أوروبا في العقد الثاني من القرن العشرين، فتح الشيف الخاص به، جواد فَريِفته، مطعماً للكباب في باريس، فسجل كأول مطعم كباب إيراني في خارج البلاد.

ذكر المؤرخون أن الخليفة العباسي السابع المأمون عبد الله بن هارون الرشيد، كان قد قدم وجبة الكباب المشوي الإيراني في ليلة زفافه ليتفاخر على ضيوفه بطبق فاخر ولذيذ.

يعد الكباب، أكلة رجالية بامتياز، كان وما زال المطبخ الإيراني يأتي حصيلة فن وذوق المرأة، لكن الكباب يقع خارج هذه القاعدة، فمنذ القدم وحتى اليوم الكباب الإيراني هو في قبضة الطهاة؛ بدءاً من توفير اللحوم وتجهيزها، حتى إعداد النار والشيّ عليها.

وتتميز المطاعم الشعبية التي تقدم وجبة الكباب بمهنة رجولية خاصةٍ تحت عنوان "كباب زن"، أو "سيخ زن"، ويعني الشخص الذي يقوم بوضع عجينة الكباب على السيخ وهي التي تتطلب مهارة خاصة.

الكوبيدة... ملك الكباب الإيراني

وكما أن للكباب سمعة دولية، وتتفنن جميع المطابخ بإعداده، كالكباب الياباني تري ياكي، والكباب الروسي كارسكي والكباب الفرنسي رولت، إلخ، فإن الكباب الإيراني يتنوع ويتعدد حسب عدد الأقاليم الإيرانية، فما تأكلونه من كباب في الشمال ليس كما الجنوب، ولا الكباب في الشرق يشبه الغرب، فالتفاصيل تختلف من محافظة لمحافظة أحياناً.

الرائج كثيراً في المطاعم الإيرانية هو "كباب كوبيده"، فشعبية الكوبيده قد وصلت إلى حد أنها أخذت تحصر كلمة الكباب فيها دون غيرها، فمن يطلب الكوبيده في المطاعم الإيرانية، أحياناً يكتفي بكلمة كباب.

يعتقد صاحب كتاب "حضرة الطاهي من الصفر إلى المئة"، للكاتب والمترجم الإيراني الشهير نجف دريا بندي، أن الكوبيده من أعلى نماذج الإبداع الإيراني في المطبخ وليس له مثيل، حتى تحولت اليوم إلى الأكلة الوطنية الإيرانية.

طريقة العجينة

يجمع لحم الكوبيدة من أحشاء الأغنام واللحوم ذات الدهون العالية، ويمكن أن تكون خليط من لحم الأغنام والعجول، كما ولا بد من تثليجها لثلاثة أيام على الأقل، ثم فرمه مرتين، وكان اللحم يهرس في الماضي القديم، ثم يضاف البصل المبشور دون مياه، والبهارات والملح والزعفران أحياناً.

كان وما زال المطبخ الإيراني يأتي حصيلة فن وذوق المرأة، لكن الكباب يقع خارج هذه القاعدة، فمنذ القدم وحتى اليوم الكباب الإيراني هو في قبضة الطهاة (الرجال)

طريقة وضع عجينة الكوبيدة على السيخ مهمة جداً؛ يجب أن يبقى أثر أصابع اليدين على العجينة عندما تلتف على السيخ، ويفضل الكثير من الإيرانيين شراء الكوبيده بدلاً من إعدادها في المنازل.

إلى جانب الكوبيده، يبدع الإيرانيون بشواية الطماطم والفلفل أيضاً، كما يزين السماق واللبن والريحان والبصل والليمون هذه الوجبةَ، ويتناولها السكان بخبز "السنكَك" الشعبي عادة، كما أن الأرز شاع معها كذلك.

وحدة عد الكباب في اللغة الفارسية هي كلمة "دست"، ويضم الدست، سيخين من الكباب والمخلفات التي ذكرت.

الكباب في الأدب الفارسي

ذُكر الكباب في الأدب الفارسي منذ ألف سنة، من ملحمة "الشاهنامه" للشاعر أبو القاسم الفردوسي، إلى بقية المؤرخين والشعراء، كما أن المعنى الأول لكلمة "كباب"، هو الأكلة الشعبية، ولكنها تأخذ معنى آخر في اللغة الفارسية، لتعبر عن معاناة شخص ما، حتى يقال إن قلوب العشاق في غياب الحبيب، كالكباب.

كانت الأسياخ القديمة تصنع من فروع الأشجار والشجيرات الرقيقة والضيقة، فلا بد أن يحرص الطاهي على ضبط الحرارة وتدوير الأسياخ بعناية كي لا تحرق الأسياخ ولا الكباب، ومن هنا جاء مصطلح "نَه سيخ بِسوزه نه كباب"، في الأدب العامي، وهو دلالة على الاعتدال والقيام بالأمر المعتدل لتجنب حرق أي منهما.

ويطلق الإيرانيون على قطرات الدهن التي تتساقط من الأسياخ عند شيّها "دمعة الكباب"، وأحياناً يستخدم هذا التعبير في الأشعار تلميحاً إلى دمعة المظلوم التي بإمكانها أن تشعل الطغاة كما تشعل دمعة الكباب لهيب النار.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard