شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
في زمن الحرب... كيف نستمر بوضع أحمر شفاه لن يتسنى للرجال رؤيته على شفاهنا؟

في زمن الحرب... كيف نستمر بوضع أحمر شفاه لن يتسنى للرجال رؤيته على شفاهنا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء

الأربعاء 5 أبريل 202308:48 ص

أفلامٌ كثيرة أنتجت عن الحروب. حروبٌ في بلدان كثيرة، بين أعداء كثر. حروبٌ وقودها الرجال قبل أن يصبحوا رجالاً أحياناً، وأحياناً أصبحوا رجالاً خلال الحروب، لكن من فئة المهزومين.

Full Metal Jacket (ستانلي كيوبريك – 1987) و The Thin Red Line (تيرانس ماليك 1998) فيلمان يختصران كل وأحلى أفلام الحروب بكل مرارتهما ومرارتها. شعرٌ خالصٌ، قصيدة طويلة، لكن ليس عن الحروب إنما عن رجالها. الرجال الذين تقبّلنا فكرة أن يحاربوا عنَّا، وأن يعودوا منتصرين كي يكملوا دورهم معنا كأن حروباً لم تكن. يذهب الرجال إلى الحرب، ولا يعودون منها أبداً.

في الحروب يموت الرجال. رجالنا الذين نقبل أن يذهبوا إلى الحرب يموتون وهم يحاربون. يموتون دون أن يصبحوا أبطالاً عندما يعودون إن عادوا، أو عندما ينتصرون إن انتصروا. الأنظمة والدول والأمم والجيوش تنتصر، أما الرجال فيهزمون ويموتون حتى عندما يعودون.

يُهزم الرجال في الحرب، كل الرجال. يخسرون هياكلهم التي تسندهم، ويتحولون لكائنات سائلة. يسيل لعابهم ودموعهم وانكسارهم وإنسانيتهم وشهواتهم ورغباتهم وأحلامهم ودماء كوابيسهم

الرجال مجبرون على القتال. يتوقعون حروباً، وينتظرون أن يشاركوا فيها. نودعهم، ننتظرهم، ونعيش حياتنا بينما هم يَقتلون ويُقتلون، نخوض الحياة فيما هم يخوضون الحروب ويتعلمون البكاء ويكتشفون قدرتهم على الخوف. في الحرب يتعرف الرجال على معاني الأمور المهمة فعلاً، كحقهم برغبة أن يبقوا أحياء، وأن يعودوا إلى الحياة التي تركوها كي يعيشوها هذه المرة وفق اكتشافاتهم الجديدة التي لا تتضمن حروب وانتصارات... ولكنهم لا يعودون.

كيف لنا ألا نحب الرجال كفاية لنحميهم من هذا الموت؟

قرارات الحروب تؤخذ، والحروب تُشن لأن العالم يتوقع من الرجال أن يحاربوا. هذا هو الدور الذي رُسم للرجال. رجالٌ رسموه، ورجالٌ لعبوه. وعود الانتصار والبطولة ترسل الرجال إلى جحيم الحرب لتأكيد إضافي على رجولتهم ودورهم. في زمن الحرب، يُؤمرُ الرجال بخوض الحرب، ويؤمرون أن يكرهوا رجالاً آخرون لا يعرفونهم، وأن يقتلوهم قبل أن يُقتلوا. وبين الكره والقتل يُهزم الرجال.

يُهزم الرجال في الحرب، كل الرجال. رجال الفريق المنتصر ورجال الفريق الخاسر؛ كلهم يهزمون. يخسرون هياكلهم التي تسندهم، ويتحولون لكائنات سائلة. يسيل لعابهم ودموعهم وانكسارهم وإنسانيتهم وشهواتهم ورغباتهم وأحلامهم ودماء كوابيسهم.

لكنهم يؤجلون سيلانهم، استمرار الحرب يؤجل هذا السيلان. فيكتشفون الشوق الصامت المكبوت. يشتاقون لوجبة ساخنة، لجوارب نظيفة، ليوم عاديٍّ خالٍ من الخوف، لحبيبة، لعائلة، لكرسي هزاز على شرفة، لزجاجة بيرة، ليد أسفل الظهر، لمستقبل كانوا يخططون له، ليس عظيماً بالضرورة، ولكنه حكماً لا يتضمن أشلاء ودماء رفاق لهم.

في جحيم الحرب يتخلى الرجال عن أدوار البطولة ويصبح كل ما يتمنونه أن يعيشوا أدواراً جديدة قرب النساء، بعيداً عن ساحات المعارك والبطولة، أدوار لا تتضمن أشلاء

الحروب تقتل الرجال. حتى أولئك الذين يعودون، لا يعودون فعلاً. لا أحد يعود من الحرب. أقصد لا رجال تعود من الحرب. لأن لا نساء في الحرب.

في جحيم الحرب يتخلى الرجال عن أدوار البطولة ويصبح كل ما يتمنونه أن يعيشوا أدواراً جديدة قرب النساء، بعيداً عن ساحات المعارك والبطولة، أدوار لا تتضمن أشلاء. كل ما يريدون لعبه هو دور البقاء في البيت في أحضان النساء وبأقل كلمات ودماء ممكنة. 

كيف لنا ألا نحب الرجال كفاية لنحميهم من هذا الموت؟ كيف لا نخطفهم قبل أن يُرسلوا للحرب؟ كيف لا نفهمهم غباء ما سيرتكبون، ونجنبهم حرقة ستكون آخر ما سيعيشون؟ نخبئهم في قلوبنا، وفي أجسامنا، نرتديهم، نحبسهم، نحميهم من دورٍ سيبكيهم ويكسر قلوبهم ويذبل أرواحهم ويذيب أحلامهم ويشوه قاماتهم وصدورهم الجميلة التي نحب أن نلقي برؤوسنا عليها... نحميهم من دورٍ يبعدهم عنّا ويجعلنا -نحن النساء اللواتي يحببن الرجال ولا يبالين بالانتصارات- وحيدات وغير قادرات على الفرح ولا الابتسام، وغير راغبات بالاستمرار بدونهم.

كيف لا نفعل أي وكل شيء كي نحميهم من أنفسهم ونحمي أنفسنا من فراقهم لنا؟ كيف نستمر بوضع أحمر شفاه لن يتسنى لهم رؤيته على شفاهنا؟

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard