عُقد، مساء يوم الاثنين 27 آذار/ مارس 2023، مؤتمر صحافي لمناسبة عودة الفنانة والمصوّرة الفلسطينية فداء كيوان (44 عاماً) إلى حيفا حرّةً، عقب حصولها على عفوٍ من الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد تزامناً مع بداية شهر رمضان، أسقط عنها حكماً بالإعدام في تهم تتعلق بحيازة كمية كبيرة من المخدرات خلال وجودها للعمل في دبي.
مراراً وتكراراً، أنكرت فداء داخل سجنها الإماراتي، وعائلتها التي تنقلت بين فلسطين والإمارات، التّهم الموجّهة إليها. وأصرّت العائلة على متابعة قضية ابنتها حتى تبرئتها. فطعنت على حكم الإعدام ليخفف إلى السجن مدى الحياة قبل صدور العفو الرئاسي.
فداء كيوان ووالدتها عقب المؤتمر الصحافي. تصوير: ميساء منصور.
يوم الاثنين، كانت الفرصة الأولى لفداء للحديث بشكلٍ علنيّ ومباشر مع الصحافة لتوضيح قضيتها وما حدث معها أثناء وجودها في الإمارات. وذلك في حضور مكثّف للصحافة العربية والمحلية، بينما كانت هي برفقة والدتها وفريق دفاعها، المحامية تامي أولمنت والمحامي شادي سروجي، ومدير حملة "الحرية لفداء" عبر الإنترنت والمستشار الاستراتيجي، جبر بصل.
حكم بالإعدام خُفِف إلى السجن مدى الحياة فعفو رئاسي بناءً على طلب شخصي من رئيس دولة إسرائيل… المصوِّرَة الفلسطينية فداء كيوان تروي للمرة الأولى تفاصيل اتهامها المثير بالاتجار بالمخدرات في الإمارات
"عرفت أن أمراً كبيراً يحدث"
في المؤتمر الصحافي، روت فداء تفاصيل رحلتها من فلسطين إلى الإمارات وأسبابها، منذ اللحظة التي قررت فيها السفر حتى حصولها على حريّتها. قالت: "بعد الركود الذي حدث في فترة كورونا في عملي بمنصّة لتنظيم وأرشفة المعلومات، كان عليّ البدء بالبحث عن مستثمرين. بعد عرض دراسة الجدوى على عدة مستثمرين، تم اختيار مستثمر كان أحد شروطه الأساسية للعمل هو تأسيس منصة في دولة الإمارات، لهذا السبب سافرت إلى هناك ووصلت في تاريخ 17 آذار/ مارس 2021".
وأردفت: "لدى وصولي إلى مطار دبي استقبلني أشخاص لإيصالي إلى البيت الذي كان مقرراً أن أقيم فيه. لم أكن أعرفهم ولكن كان هناك تنسيق مسبق مع المستثمر على هذا الاستقبال وعلى استئجار مسكن في منطقة ‘جميرا‘، ونُقِلَ البيت على اسمي وبدأت العمل لتحديد برنامج العمل على المنصة".
فداء كيوان في فلسطين. تصوير: ميساء منصور.
وحين وصلت بالحديث إلى اللحظة التي انقلبت فيها الموازين، سردت فداء: "بعد مرور 16 يوماً على وجودي في دبي، وخلال وجودي في موقف سيارات البيت، جاء خمسة أشخاص للحديث معي معرّفين عن أنفسهم على أنهم من شرطة دبي. طلبوا مني الصعود إلى المنزل. هنا بدأت أشعر بالخوف، لم يعطوني أية معلومات عما حدث أو على ماذا يبحثون، ولكني كنت مضطرة إلى التعامل مع الموقف بسرعة والصعود معهم إلى البيت. بعد تفتيش البيت فور دخولهم، عثروا على حقيبة تابعة للمستثمر كانت موجودة في البيت، وبعد تفتيش الحقيبة وجدوا نصف كيلوغرام من الماريغوانا أو نبات القنب".
وعن ردة فعلها أضافت: "كانت تلك مفاجأة كبيرة بالنسبة لي وعرفت أن أمراً كبيراً يحدث. اصطحبوني في الحال إلى مركز القيادة العامة في دبي، حيث عرضوا عليّ صورة المستثمر الّذي أعمل معه، ليتضح لي أنه متهم هارب، ومتورط في قضيتين - قضية إتجار بالمخدرات وقضية إتجار بالبشر. هنا فهمت جيداً حجم المطب والمشكلة الّتي وقعت فيها".
فداء كيوان: "عاملتني السجّانات بشكل جيّد وكذلك السجينات، خاصةً بعد صدور حكم الإعدام… رئيسة السجن كانت تدعمني وأخبرتني عدة مرات بأنها لن تُسلّمني في حال تقرّر نقلي إلى أبو ظبي لتنفيذ الحكم"
"الضبابية" وحكم الإعدام
وعمّا عايشته خلال فترة سجنها، قبل صدور أي حكم بحقها، قالت فداء إنها مرّت بفترة "الضبابية" الكاملة الّتي كانت تحيط بقضيتها منذ نقلها إلى السجن في انتظار محاكمتها، بسبب عدم قدرتها على الحصول على أية معلومات أو الوصول إلى أي أشخاص يمكنهم إفادتها بمعرفة ماذا عليها أن تفعل.
"بعد أن عرفت ما هي القضية، أخبرت الشرطة بكلّ ما أعرفه عن هذا الشخص وعن نوعية العلاقة التي تربطني به وعن أسباب مجيئي إلى الإمارات. تم اصطحابي لاحقاً من مركز القيادة العامة في دبي إلى سجن البرشة، وهنا بدأت رحلة الضبابية وعدم معرفة أي شيء. أخبرت أهلي وبدأت رحلة سفرهم بين فلسطين والإمارات ووجودهم بشكل شبه كامل طيلة الوقت بجانبي في دبي"، قالت فداء.
الأمر الذي كان يخفّف وطأة التجربة المريرة قليلاً على فداء - حسبما ألمحت - هو لقاؤها بأشخاص كثر محكومين أو ينتظرون صدور الأحكام بحقهم يمرون جميعاً بظروف مشابهة من حيث التعتيم والضبابية وعدم فهم إلى أين ستؤول الأمور.
زادت فداء: "حتى التفاصيل الخاصة بالنيابة لم أفهم أي شيء منها. بعد ثمانية أشهر، بدأ مسار المحاكم، وكانت مفاجأتي وصدمتي الكبيرة الحكم عليّ بالإعدام في نيسان/ أبريل 2022. هنا كان الانهيار التام بالنسبة لي؛ كيف يمكن لأي إنسان أن يحكم بالإعدام وإنهاء حياته مهما كانت تهمته؟ وكيف إذا كان هذا الشخص بريئاً من التهمة؟".
استأنف فريق دفاع فداء على الحكم الذي خُفف بعد شهرين تقريباً من الإعدام إلى السجن مدى الحياة. حاولت أسرتها الطعن على الحكم مرة أخرى، وهي الفرصة الأخيرة التي يُتيحها القانون الإماراتي للاعتراض على الأحكام، لكن الطلب رُفِض في آب/ أغسطس 2022 وأصبح الحكم نهائياً وساري التنفيذ.
"في قوانين إمارة دبي، بعد صدور الحكم بحقّك، عليك حفظ القرآن وهذا ما يساعدك في تخفيف العقوبة وبالتالي الحصول على عفو.
مع ذلك، لم تفقد فداء الأمل لا سيّما بعدما سمعت من الكثيرين عن فكرة العفو الرئاسي الّذي يُمنح للسجناء في الإمارات في عدة مناسبات وطنية ودينية. حصلت بالفعل على العفو الرئاسي لمناسبة قدوم شهر رمضان وبعد طلب شخصي من الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ للشيخ محمد بن زايد للعفو عني وعودتي إلى البلاد". يُذكر أن فداء حاملة لجواز السفر الإسرائيلي.
"تحوّلت إلى مجرّد رقم"
وفي تصريح خاص لرصيف22 الذي حضر المؤتمر الصحافي، تحدّثت فداء عن مشاعرها في تلك اللحظات الصعبة: "كانت فترة صعبة جداً على الصعيد النفسي، لا تملك فيها القدرة على التحكم في أي شيء في حياتك. تنظر إلى كل شيء على أنه النهاية. سُلبت مني حريّتي في الحركة والتنقل والخروج والعيش كإنسانة حرّة. وتحوّلت إلى مجرّد رقم. كانت أكبر مفاجأة لي لحظة إعلان العفو الرئاسي. لم يخبرني أحد مسبقاً بذلك، رغم محاولاتي الحصول على أية معلومات. وبينما كنت أتابع الأخبار في بداية رمضان، ذُكر اسمي ضمن المساجين الحاصلين على عفو رئاسي. لا أتذكّر شيئاً من تلك اللحظات سوى أنني كنت أصرخ وأقفز وأبكي… كانت تلك أكثر لحظة مؤثرة في حياتي".
وتضيف فداء: "في قوانين إمارة دبي، بعد صدور الحكم بحقّك، عليك حفظ القرآن وهذا ما يساعدك في تخفيف العقوبة وبالتالي الحصول على عفو. أما في أبو ظبي، فلا أحد يعرف ما هي الفترة أو الشروط للحصول على عفو رئاسي. عليك الانتظار فقط من أجل الحصول على عفو".
تسترجع فداء المعاملة داخل السجن باعتبارها الأمر الجيّد في التجربة المريرة إذ قالت: "عاملتني السجّانات بشكل جيّد للغاية وكذلك السجينات، خاصةً بعد صدور حكم الإعدام"، عازيةً ذلك إلى "فعاليتي في السجن وتطوّعي في المكتبة وعدد من المرافق الأخرى للسجن".
مع ذلك، ظلّ الخوف من نقلها إلى أبو ظبي ملازماً لها في بداية سجنها "لأن حكم الإعدام كان من غير الممكن تنفيذه في دبي إنما في أبو ظبي فحسب. لكن رئيسة السجن كانت تدعمني وأخبرتني عدة مرات بأنها لن تُسلّمني في حال تقرّر نقلي إلى أبو ظبي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...