شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"عرفت أخيراً أنني مثلية"... عندما يقود الجهل بالجنسانية إلى علاقات غيرية قسرية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والميم-عين

الأربعاء 29 مارس 202312:41 م

تندرج هذه المقالة ضمن "طيف22"، وهو مشروع مخصص لالقاء الضوء على التنوعات والاختلافات الجنسانية والجندرية والجسدية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يشارك فيه صحفيون وصحفيات، ناشطون وناشطات وأفراد من مجتمع الميم-عين أو داعمون لهم/نّ، ليكون مساحة للتعبير بحرية عن مختلف المواضيع المتعلقة بالتوجّهات الجنسية والجندرية والصحّة الجنسية، بغرض كسر التابو والحديث بموضوعية عن هذه المسائل الشائكة.

"أولى علاقاتي الجنسية كانت مع شريكي السابق. أسرتي متديّنة ومحافظة جداً، لذلك تعاملت مع نشاطي الجنسي وكأنه ثورة، في محاولة مني لإعادة امتلاك جسدي، لكن بلا إنذار تسببت علاقتي الجسدية مع شريكي في نوبة اكتئاب وفهمت مصدر عدم ارتياحي في ما بعد، حين عرفت أنني مثلية"؛ هذا ما قالته مريم، وهي امرأة مصرية في الثامنة والعشرين من عمرها تعمل في مجال التعليم.

مثلية بنجمة ذهبية، أو "gold star lesbian" هو مصطلح يطلَق على الشابات المثليات اللواتي لم يسبق لهنّ ممارسة الجنس مع رجل، في إشارة إلى ندرتهنّ وإلى اضطرار كثيرات منهنّ لإقامة علاقة مع رجل أولاً، قبل اكتشاف ميولهن.

في الحقيقة، إن العديد من النساء يستغرقن وقتاً طويلاً ويختبرن بعض العلاقات المغايرة حتى يدركن ميولهنّ الجنسية، وهو حال ليلى (24 عاماً)، التي تعمل في مجال خدمة العملاء: "لم أكن أعرف أن العلاقات مع النساء خيار متاح من الأساس، إذ إن جميع الفتيات من حولي تحدثن عن إعجابهنّ بالجنس الآخر، وظننت أن هذا هو المعيار لما هو عادي في مجتمعنا المصري".

المغايرة الجنسية القسرية

في العام 1980، تم طرح مصطلح المغايرة الجنسية القسرية "comphet" للمرة الأولى، وهي النظرية التي تنطوي على الرأي القائل بأن جميع الأفراد قادرون على تبنّي المغايرة الجنسية بصرف النظر عن ميولهم الجنسية الشخصية، إذ يُروَّج للمغايرة الجنسية على أنها الحالة الطبيعية لكلا الجنسين.

وعليه، فإن المغايرة الجنسية القسرية هي الفكرة المتمثلة في افتراض المجتمع الأبوي امتلاك الجميع توجهاً جنسياً مغايراً، وفرضه على أنه معيار.

في مقال للكاتبة النسوية أدريان ريتش، بعنوان "المغايرة الجنسية القسرية ووجود المثلية الجنسية الأنثوية"، تحدثت عن أن النساء عبر جميع الثقافات والأزمنة تم دفعهنّ مجتمعياً للتصديق بالانجذاب إلى الرجال من دون مساءلة هذا الانجذاب أو تقدير حقيقته، في مقابل تهميش مطلق لإمكانية انجذاب النساء إلى النساء.

"أسرتي متديّنة ومحافظة جداً، لذلك تعاملت مع نشاطي الجنسي وكأنه ثورة، في محاولة مني لإعادة امتلاك جسدي، لكن بلا إنذار تسببت علاقتي الجسدية مع شريكي في نوبة اكتئاب وفهمت مصدر عدم ارتياحي في ما بعد، حين عرفت أنني مثلية"

في العام 2018، نشرت فتاة تُدعى أنجلي لوز (21 عاماً)، مستنداً تتساءل فيه عن دور المجتمع في فرض الميول الغيرية كواقع لا بديل منه، مما يجعل الأشخاص المثليين/ ات في شك مع جنسانيتهم/ نّ وغير سعيدين/ ات في حيواتهم/ نّ العاطفية/ الجنسية. حمل المستند عنوان "هل أنا مثلية؟"، وسعت من خلاله الكاتبة إلى مساعدة النساء في إعادة فهم ميولهنّ وناقشت فيه إشاراتٍ تدل على الغيرية القسرية لا على الانجذاب المغاير والتي منها ألا تجد الفتاة أو المرأة فارقاً بين الصداقات والإعجاب مع الرجال.

بعد انتشار المستند، شاركت نساء كثيرات إدراكهنّ لهذا المصطلح وأبعاده، وكيف ساعدهنّ على إدراك الخيط الرفيع بين الغيرية الطبيعية التي تعبّر عن انجذاب حقيقي إلى الرجال، والمغايرة الجنسية القسرية.

تعليقاً على هذه النقطة، قالت مريم: "خلال فترة الحجر الصحي تعرفت على مفهوم المغايرة الجنسية القسرية. كل الإشارات التي ذكرتها الكاتبة أكدت لي أني لست مزدوجة الميل الجنسي كما ظننت لست سنوات، منها أربع سنوات كنت فيها في علاقة مغايرة. في الخامسة والعشرين من عمري، عرفت أخيراً أني مثلية. احتجت إلى تلك الفترة من العزلة لأواجه نفسي بلا مهرب للتحايل".

وأضافت مريم: "أنا الفتاة الوسطى في أسرتي، ولم أكن محل اهتمام، فحاولت جذب الاهتمام بالمبادرة في تقديم المساعدة على الدوام. في المقابل، أخبرني أبي بأن زوجي المستقبلي سيكون محظوظاً بي. شعرت حينها بأن وجودي كشخص جيّد يعتمد على وجود رجل يقدّر هذا المجهود، ويضع ختم القبول على ما أقدّمه ليصبح ذا قيمة، وهذا هو ما أردته من علاقتي الغيرية".

تقع نساء كثيرات تحت وطأة إثبات أنفسهنّ وتحديد قيمتهنّ في مجتمع أبوي يضع الرجال دائماً في المرتبة الأولى، ويتم تقييم النساء حسب مدى كونهنّ جذابات ومرغوبات في عيون الذكور. يرتبط السعي بالحصول على التقبل من الرجال بالقسرية الغيرية في محاولة جذب انتباه الرجال عوضاً عن التركيز بشكل أساسي على الانجذاب الذي تشعر به المرأة تجاه الرجال.

في هذا الصدد، قالت ليلى: "أحببت الاهتمام الذي حصلت عليه من شريكي حتى لو لم يكن لديّ اهتمام حقيقي لأشاركه في المقابل، لكني بذلت ما في وسعي لأحافظ على هذا الاهتمام في علاقتنا التي دامت لسبع سنوات".

البازغون/ ات متأخراً

البازغون متأخراً، أو الـlate bloomers lesbians هو مصطلح يصف النساء اللواتي يتأخرن في تعريف هويتهنّ الجنسية المثلية، وهو ما تواجهه العديد من المثليات وخصوصاً في العالم العربي.

وهذا ما حدث لالايانا جوي، وهي صانعة محتوى اشتهرت بمحتواها عن مجتمع الميم-عين، إذ حمّلت مقطع فيديو في العام 2020، بعنوان "إلغاء زفافي-إعادة خروج من الخزانة"، أعلنت فيه عن مثليتها بعد تعريف نفسها كمزدوجة الميل الجنسي، وبعد الاستقرار في علاقة غيرية لمدة عشر سنوات: "شعرت بالاختناق حين أُجبرت على الانعزال مع شريكي، وعاودتني نوبات هلع لم أفهم تفسيرها في حينها".

في السياق ذاته، قالت يمنى، وهي مرنة الهوية الجندرية: "كانت الايانا من الأشخاص الذين ساعدوني في إعادة تعريف ميولي بجانب العديد من صانعات المحتوى اللواتي شاركن تجارب مشابهةً. عرفت نفسي كمزدوج/ ة الميل الجنسي منذ سن الثامنة عشر حتى الخامسة والعشرين. في العام 2020، أعدت تعريف نفسي كمثلي/ ة. أنا لم أرتبط سابقاً برجل، لكن لطالما أُعجبت برجال مشاهير وظننت هذا علامةً على غيريتي. الآن حين أفكر في الأمر أجد أنه حتى لو أتتني فرصة خيالية للارتباط بأحدهم، فلن أوافق".

وتابعت: "لطالما أحببت النظر إلى جسد الرجال، وظننت الأمر علامةً على الانجذاب. تصاحبت مع إعادة تعريف ميلي الجنسي إعادة فهم هويتي الجندرية. فهمت حينها أن تعريف نفسي كامرأة لا يناسبني، وأني أميل إلى تعريف نفسي كشخص حر الهوية الجندرية. اكتشفت حينها أن تطلّعي إلى أجساد الرجال لم يكن انجذاباً وإنما غيرة. تمنيت لو كان جسدي أشبه بأجسادهم بسبب الانزعاج الجندري".

ما بعد رحلة الاكتشاف

عن المرحلة التي تلت الاكتشاف الذاتي، قالت مريم التي بدأت بمواعدة النساء: "الأمر صعب في بلد ما زال يجرّم المثلية، ويصعب فيه التصالح مع هذه الميول، لكن في النهاية أفضّل أن أكون وحدي على أن أكون متزوجةً بأطفال وتعيسة".

فيما كشفت ليلى عن وقوعها في الحب لأول مرة منذ عامين: "كانت فتاة وأفزعني الأمر، حاولت التحايل على مشاعري وعدّها مشاعر طبيعيةً في علاقة صداقة مقربة، إذ إن الحب الوحيد الذي أخبرني الجميع عنه ينتهي بالزواج برجل، وتكوين أسرة، وإلا فالوحدة هي المصير".

وأضافت: "لم أستطع الهروب لفترة أطول من مشاعري. شعرت تجاهها بما لم أشعر به تجاه شريكي طوال سبعة أعوام. كنّا على عتبة الزواج قبل أن أنهي الأمر لأكون معها. حين أخبرت صديقاتي عن ميولي لم يصدّقنني وأخبرنني بأن الأمر مجرد وهم، وبأني لم أجد الرجل المناسب بعد. التصالح مع ميولي ليس سهلاً في ظل المحيط المتدين الذي أنتمي إليه وأؤمن بمعتقداته بشكل شخصي".

أما يمنى، فلم ترتبط بأي شخص رسمياً، وفق ما كشفت لرصيف22: "لم أرتبط حتى الآن بأي شخص، رجلاً كان أو امرأةً. أخشى أن يستغل البعض قلقي وعدم شعوري بالارتياح مع جسدي بسبب الانزعاج الجندري، كما أني لم أعلن بعد عن مثليتي فالظروف المحيطة بي ليست مناسبةً، لكني فخورة بالشوط الذي قطعته في اكتشاف نفسي".

"لم أستطع الهروب لفترة أطول من مشاعري. شعرت تجاهها بما لم أشعر به تجاه شريكي طوال سبعة أعوام. كنّا على عتبة الزواج قبل أن أنهي الأمر لأكون معها. حين أخبرت صديقاتي عن ميولي لم يصدّقنني وأخبرنني بأن الأمر مجرد وهم"

قد يؤدي تهميش رغبات النساء وميولهنّ إلى استقرارهنّ في علاقات غيرية غير مرضية عاطفياً وجنسياً، فتمثل علاقاتهنّ سلسلةً من المعاناة تغيب عنهنّ أسبابها الحقيقية، وفق ما ختمت مريم حديثها: "في كل مرة كنت أشعر فيها بعدم الارتياح خلال أي نشاط جنسي مع شريكي السابق، كنت أشعر بأن بي خطباً ما غير مبرر وغير مفهوم. شريكي أخبرني بأني 'معطوبة' إن لم أكن سعيدةً بما يقدّمه لي".

باختصار، لا شك في أن الغيرية القسرية تؤثر سلباً على حيوات النساء والأشخاص من ذوي الهوية الجندرية الحرة، إذ يؤدي الضغط بافتراض هويتهم/ نّ الجنسية إلى خلق توقعات لا تتوافق مع حقيقة شعورهم/ نّ بالضرورة، ويؤدي هذا الفشل في التوافق مع التوقعات إلى خلق صورة سلبية عن النفس. كما يعايش العديد من الأشخاص الاكتئاب أو القلق في علاقتهم/ نّ العاطفية والجنسية بسبب شعورهم/ نّ بعدم الرضا والإشباع النفسي وعدم فهم الأسباب التي تخلّف هذا الشعور بعدم الرضا في ظل محاولاتهم/ نّ التوافق مع المعايير الغيرية المقبولة مجتمعياً، وذلك في محاولة لخلق مساحات بديلة للتعبير عن النفس والتعريف بها، مما يمنح النساء وذوي الجندر الحر فرصةً أكبر للدخول في علاقات وتعريف أنفسهم/ نّ بهوية تتناسب مع حقيقة ميولهم/ نّ الشخصية.  

هذا المشروع بالتعاون مع Outright Action International.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

المجاهرة العنيدة بأفكارنا

ظننا يوماً أنّ تشبثنا بآرائنا في وجه كلّ من ينبذنا، هو الطريق الأقوم لطرد شبح الخوف من الاختلاف.

لكن سرعان ما اتّضح لنا أنّ الصراخ بأعلى صوتٍ قد يبني حواجز بيننا وبين الآخرين، وبتنا نعي أنّ الظفر بالنجاح في أيّ نقاشٍ والسموّ في الحوار، لا يتحقّقان إلا بفهمٍ عميق للناس الذين ينفرون منّا، وملاقاتهم حيث هم الآن.

Website by WhiteBeard
Popup Image