شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
وُلدَت من رحم انتفاضة الدار البيضاء...

وُلدَت من رحم انتفاضة الدار البيضاء... "منظمة 23 مارس"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 23 مارس 202303:10 م

يحتفظ تاريخ المغرب بأحداث موشومة في الذاكرة، على الرغم من محاولات النسيان والطمسِ، كما هو الحال بالنسبة إلى تاريخ 23 آذار/ مارس 1965؛ اليوم الذي شهد انتفاضة الدار البيضاء، وأريقت فيه دماء المواطنين في الشوارع، عقب إضراب تلاميذ الثانويات، الذي كان المحرّك الأول لتأسيس منظمة يسارية، ماركسية لينينية، واجهت النظام المغربي بمواقف جذرية سُمّيت بـ"منظمة 23 مارس".

قبل الانتفاضة، أصدر يوسف بلعباس الذي كان وزيراً للتعليم في حكومة أحمد با حنيني، مذكرةً في 19 شباط/ فبراير من السنة ذاتها، تنص على منع التلاميذ الذين تجاوزت سنّهم الـ16 سنةً، من الالتحاق بالمدارس الثانوية، ما أغضب التلاميذ وذويهم، خاصةً أن المغرب كان قد خرج قبل سنوات من الاستعمار، والعديد ممّن حرموا من التعليم خلاله، كانوا مصرّين على الحصول على حقهم في الحصول على التعليم.

مذكرة ثم شرارة

جاء في المذكرة أنه "من الضروري ألا يتوجه إلى السنة الرابعة من التعليم الثانوي سوى التلاميذ القادرين على متابعة الدراسة في إحدى الشعب المتخصصة في السلك الثاني، وأنه يمكن أن يتوجه إلى السنة الرابعة من الثانوي التلاميذ الذين وُلدوا عام 1948، أما من تبلغ أعمارهم 16 سنةً أو أكثر، فلا يمكنهم الالتحاق بالسلك الثاني من الثانوي والوصول إلى البكالوريا".

كانت المذكرة سبباً في اندلاع مسيرات في يوم 22 آذار/ مارس، ليلتحق بها الآباء وأولياء التلاميذ والطلبة والعاطلون عن العمل، في اليوم الموالي حين ستنطلق شرارة الانتفاضة.


صور من الأرشيف لأحداث 23 مارس 1965

خروجُ التلاميذ من بعض مؤسسات الدار البيضاء إلى الشوارع، سيعقبه خروج آخرين في مدن مغربية، وسيليه شلل واحتجاجات في الشوارع.

لم تكن الشرارة سوى هزّة أخرجت الناس بعد صبر شديد منذ الاستقلال. عمَّ الغضب بين كل الفئات فيما كان رد الدولة على هذه الأحداث القمع وإنزال الجيش لمنع كل مظاهر الغضب الشعبي.

رصاص في صدور الصبيان

خرج التلاميذ من ثانويات الدار البيضاء، وتجمهروا في ثانوية محمد الخامس، لتنطلق المسيرة صوب المندوبية الإقليمية للتعليم، ليجدوا قوات الأمن التي تدخلت بعنف شديد سيخلّف مزيداً من العصيان، فاندلعت المُظاهرات من الدار البيضاء إلى مدن أخرى ليكون أمام القوات العمومية حل واحد هو المواجهة بالسلاح والدبابات والاستعانة بالجيش وهذا ما حدث في شوارع البيضاء.

مع ارتفاع وتيرة الاحتجاجات والاعتقالات تولى الجنرال محمد أوفقير، المعروف بتاريخه الدموي، الإشراف على التدخلات الأمنية في حق المحتجين، وتحكي بعض الروايات أنه كان يشرف على عملية القمع الواسعة من على متن مروحية تجوب شوارع المدينة.

كانت المذكرة سبباً في اندلاع مسيرات في يوم 22 آذار/ مارس، ليلتحق بها الآباء وأولياء التلاميذ والطلبة والعاطلون عن العمل، في اليوم الموالي حين ستنطلق شرارة الانتفاضة

على امتداد ثلاثة أيام، شهدت ساحات الدار البيضاء عنفاً غير مسبوق خلَّف قتلى وجرحى واعتقالات.

ساهم الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، في تأطير الاحتجاجات التي قوبلت بالدبابات العسكرية، وامتدت شرارة الانتفاضة خارج المغرب إلى دولٍ يدرسُ فيها الطلبة المغاربة، حيث قاموا يوم 26 آذار/ مارس نفسه، باقتحام القنصليات المغربية في كل من باريس وبلغراد وموسكو.

الدولة ضد الشَّعب

لنعد سنتين إلى الوراء: في حزيران/ يونيو 1963، أصدر الملك الحسن الثاني ظهيراً يمنع على الاتحاد الوطني لطلبة المغرب تنظيم التلاميذ قبل مؤتمره الثامن المنعقد في الدار البيضاء في آب/ أغسطس، وهو ما دفع "أوطم" لاتخاذ موقف معارض تجاه النظام المغربي. فيما كانت قوى اليسار بمختلف توجهاتها، وأبرزها حينها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، في نزاع مستمر مع النظام الملكي، وتوبع نحو 5 آلاف ناشط من الحزب في محاكمة أُطلق عليها "مؤامرة 26 تموز/ يوليو". كانت هناك شبه قطيعة بين القوى السياسية والنقابية المغربية وبين القصر، ما أجّج الغضب على الضفتين.

كان عمري نحو 15 سنةً. لم أشهد على كل الأحداث. عند هجوم الجنود في الشوارع، هرعنا إلى البيوت وخوف الآباء منعنا من الخروج

بعد أحداث آذار/ مارس 1965، لم تكن الشوارع قد جفّت من الدماء، حتى صدر بلاغ لوزارة الأنباء والسياحة والفنون الجميلة والصناعة التقليدية يتحدث عن "مؤامرة" أوسع، قائلاً: "إن بعض المعلمين المنتمين إلى بعض التنظيمات السياسية والنقابية، قد تقدموا لتحريض تلاميذ المدارس الثانوية على القيام بمظاهرات تكتسي صبغة العنف والتخريب، والتلاميذ توجهوا نحو الشوارع الرئيسية في المدينة، ولوحظ أن عناصر لا تمتّ إلى هذه المدارس بصلة، وتجاوزت سنوات الدراسة، قد أعدت سلفاً للانضمام إلى المظاهرات وقيادتها".


صورة من الأرشيف لأحداث 23 مارس 1965

وفي 26 آذار/ مارس 1965، ألقى الملك الحسن الثاني، اللوم على رجال التعليم، وكانوا في غالبيتهم ينتمون إلى الأحزاب المعارضة، قائلاً: "أتوجه إلى الأساتذة وأقول لهم إنه من عادة الرجال وعادة المثقفين على وجه الخصوص أن تكون لهم الشجاعة الكافية للتعبير عن أفكارهم، لا أن يستغلوا التلاميذ، ولا أن يتستروا وراء الأطفال. أقول لكم: لا خطر على أي دولة من الشبيه بالمثقف، وأنتم أشباه المثقفين وليتكم كنتم جهّالاً".

من انتفاضة تلاميذ إلى تنظيم سرّي

"كان عمري نحو 15 سنةً. لم أشهد على كل الأحداث. عند هجوم الجنود في الشوارع، هرعنا إلى البيوت وخوف الآباء منعنا من الخروج. أتذكر أن الخراب كان كبيراً ولم نعد إلى الثانويات إلا بعد خطاب الملك الذي هدّد من خلاله المعارضة التي قال إنها استعملت التلاميذ للتخفي وراءهم لعدم قدرتها على مواجهته". هذا كان حديث أحمد حبشي، وهو مناضل يساري وفاعل سابق في "حركة 23 مارس" ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي.

بعد 58 سنةً، يتذكر حبشي في تصريح لرصيف22، انتفاضة 23 آذار/ مارس،ويقول: كانت بداية المواجهة بين السلطة والتيارات السياسية، قادها تلاميذ كانوا الفاعل الأساسي انطلاقاً من ثانوية محمد الخامس والأمير مولاي عبد الله وعبد الكريم لحلو والخوارزمي في الدار البيضاء بعد قرار وزير التعليم".

شكلت انتفاضة 1965 في الدار البيضاء شرارة التحول في الفعل السياسي المغربي مع ظهور حركات ثورية من قبيل منظمة 23 مارس

يضيف حبشي: "انتقلت الاحتجاجات إلى مدن كمراكش وغيرها، إلا أن الدار البيضاء كانت استثناءً؛ شهدت تدخلات عنيفةً في حق التلاميذ، واستعملت السلطات الطائرات وغيرها للحد من ثورة الشبيبة التي دامت نحو أسبوع".

كانت انتفاضة الدار البيضاء، بداية تحولات كبيرة في المشهد السياسي المغربي. شهدت السنة نفسها في تشرين الأول/ أكتوبر، اختطاف الزعيم السياسي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية المهدي بن بركة، الذي كان أحد رموز اليسار عبر العالم، وفي الفترة نفسها، بدأت إرهاصات التحول في الفكر السياسي لدى حركة التلاميذ ونقابات الطلاب، وفي أوساط الأحزاب اليسارية، مع بروز الفكر الماركسي اللينيني على الساحة في السنوات التي لحقت هذه الأحداث.

يحكي حبشي أنه بعد الانتفاضة، "اتضح بروز تيارات سياسيّة يسارية إلى جانب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الأبرز آنذاك. وسيتضح أن أغلب قادة 23 آذار/ مارس انتموا في بداياتهم إلى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، لكن بدأت تشب خلافات بينهم وبين الخط السياسي للاتحاد الوطني وقيادته".

القيادة كانت منقسمةً على ذاتها بين من يفضّل اختيار العمل السياسي السلمي ضد السلطة، ومن يتبنّى خيار "الثورة".

وفق حبشي، "سيظهر أفراد ساهموا في بناء تلك المرحلة الجديدة، أبرزهم أحمد حرزني وصلاح الوديع والطاهر المحفوظي وأسماء عديدة ساهمت بشكل فعّال في تأسيس النقابة الوطنية للتلاميذ، وكانت نقابةً وطنيةً ماركسيةً لينينيةً تعمل بشكل سرّي تأسست في 22 نيسان/ أبريل 1972".

هكذا بدأ التأسيس للعمل السياسي داخل الثانويات، وبدأ التوافد إلى هذا التنظيم الذي سيتطور إلى تنظيم أوسع بخلفية إيديولوجية.

تعرضت "23 مارس"، مثل بقية التنظيمات السياسية السرّية، للتضييق، وبعد نقاش طويل خلصت قيادات الحركة إلى ضرورة التحول من العمل السياسي السرّي إلى العلني

من الجذرية إلى الإصلاحية

تاريخ 23 آذار/ مارس، هو ذكرى كذلك للعودة إلى تاريخ منظمة "23 مارس" التي تنهل من المرجعية الماركسية اللينينية التي تأسست سنة 1970.

كانت المنظمة إلى جانب حركة "إلى الأمام" المنشقة بدورها عن حزب التحرر والاشتراكية، أبرز تنظيمين ماركسيين ثوريين في المغرب وكانتا تحلمان بتأسيس حزب ثوري وقيادة ثورة تُسقط النظام. 

تعرضت "23 مارس"، مثل بقية التنظيمات السياسية السرّية، للتضييق، وبعد نقاش طويل خلصت قيادات الحركة إلى ضرورة التحول من العمل السياسي السرّي إلى العلني، ليتم تأسيس حزب "منظمة العمل الديمقراطي الشعبي" في كانون الثاني/ يناير سنة 1983، على يد محمد بن سعيد أيت إيدر، الذي عاد إلى المغرب من المنفى مع مجموعة من قيادات المنظمة. ومن داخل المؤسسة البرلمانية، وعبر صحافة الحزب، ناضل أبناء الحركة في سبيل الانتقال الديمقراطي، إلى جانب أحزاب الكتلة الوطنية، التي تأسست عام 1992.

اتجهت المنظمة في 2002، إلى الاتحاد مع ثلاثة توجهات يسارية، وهي "الحركة من أجل الديمقراطية"، و"الديمقراطيون المستقلون" و"الفعاليات اليسارية المستقلة"، لتأسيس "حزب اليسار الاشتراكي الموحد"، وهو ما يُعرف الآن بالحزب الاشتراكي الموحد الذي ترأسه نبيلة منيب. وبهذا تكون "23 مارس"، قد تحولت من يسار راديكالي يؤمن بالثورة، بعد أحداث دموية واجهت فيها السلطة المواطنين بالقمع، إلى حزب يشتغل داخل البرلمان بتوجه إصلاحي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard