شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
الجنرال المغربي أحمد الدليمي... نهاية غامضة لأقوى رجالات نظام الحسن الثاني

الجنرال المغربي أحمد الدليمي... نهاية غامضة لأقوى رجالات نظام الحسن الثاني

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 7 فبراير 201903:51 م

مساء الـ25 من يناير 1983، أعلن التلفزيون المغربي وفاة الجنرال أحمد الدليمي (52 سنة)، الرجل الثاني في نظام الملك الراحل الحسن الثاني، في حادث سير بعدما اصطدمت سيارته بشاحنة. نزل الخبر على الرأي العام مثل قطعة ثلج باردة، بالنظر إلى المكانة التي كان يحظى بها الدليمي في مغرب الستينيات والسبعينيات ومطلع ثمانينيات القرن الماضي، وأُسدلت الستائر على مسيرة الجنرال المغربي الشهير الذي ارتبط اسمه بالقوة والنفوذ، وأيضاً بانتهاكات حقوق الإنسان. حينذاك، شكك كثيرون من المغاربة في الرواية الرسمية، لكن فقط في أحاديثهم السرية، بالنظر إلى الخوف الذي كان سائداً في المملكة إبان فترة الثمانينيات، آخر عقود الحقبة التي تُعرف بـ"سنوات الجمر والرصاص"، وهي حقبة امتدّت من بداية حكم الحسن الثاني عام 1961 حتى عام 1991، وكان النظام خلالها يمارس الاعتقال التعسفي والتعذيب والاغتيال كأساليب لمواجهة معارضيه.


ولكنّ صحيفة "لوموند" الفرنسية نشرت في الثاني من فبراير 1983 مقالاً على صفحتها الأولى تبنّى رواية مغايرة تماماً للرواية المغربية الرسمية، وتحدث عن اغتيال مُدبّر. جاء فيه أن "بعض الشهود سمعوا انفجاراً، فهرعوا إلى المكان ووجدوا سيارة الجنرال محترقة، بينما كان يُسمع دوي انفجارات أخرى، كما رأوا في نفس الوقت شاحنة تفرّ هاربة بسرعة جنونية"، ما تسبب في طرد مراسل الجريدة، رونالد ديلكور، من المغرب بعد يومين قضاهما تحت "الحراسة النظرية" (في الحجز الاحتياطي).

"عملية اغتيال مدبرة"؟

بالتزامن مع مرور 36 سنة على الحادث، يروي هشام الدليمي، ابن أخ الجنرال أحمد الدليمي لرصيف22، تفاصيل جديدة حول ما جرى في تلك الليلة التي قُتل فيها عمه. يقول إن الرواية التي قدّمتها الدولة للإعلان عن وفاة الجنرال الدليمي "لا تقنع سوى الأشخاص الصم والبكم والسذّج"، لأن ما حدث كان "عملية اغتيال تم الإعداد لها بعناية، ونُفّذت بطريقة بربرية". يلفت هشام إلى أنه استقى معلوماته من والده ومن أبحاث قام بها للوصول إلى حقيقة أسباب وفاة عمّه. لا يتردد في اتهام كل من وزيري الداخلية والتشريفات الملكية السابقين، إدريس البصري ومولاي حفيظ العلوي، بالإضافة إلى الحارس الشخصي للحسن الثاني، محمد المديوري، بالوقوف وراء التخطيط لعملية التخلص من الجنرال الدليمي، بعدما أصبح هذا الأخير يهدد امتيازاتهم ومواقعهم بسبب العلاقة التي تربطه بالملك. ويقول: "العلاقة بين الملك الحسن والدليمي تعود إلى فجر الاستقلال... كانت علاقتهما قوية جداً، بل إن القرب الذي كان بينهما لم يحظَ به أي أحد قبله أو بعد وفاته، ما جعل منه شخصية مؤثرة في الدولة".

انقلاب الدليمي... حقيقة أم خدعة؟

تعرّض الملك الحسن الثاني لمحاولتين انقلابيتين فاشلتين عامي 1971 و1972، وكانتا من إعداد أشخاص مقرّبين منه، ما جعله يفقد ثقته في محيطه ويمنح حظوة أكبر للجنرال الدليمي الذي كان حاضراً إلى جانبه لحظة وقوع المحاولتين. لكنّ روايات عديدة تحدثت عن تخطيط الدليمي للقيام بانقلاب عسكري، وعن وصول تقرير مفصّل إلى الحسن الثاني يتضمّن تفاصيل خطة الجنرال، الأمر الذي عجّل باتخاذ قرار "التخلص منه"، بعدما صار يشكل خطراً على الملكية. على ذلك، يعلّق هشام: "إنها مجرد أكاذيب يقف وراءها البصري والمديوري اللذان عملا على إقناع الملك بأن أحمد الدليمي يخطط لمحاولة انقلابية... لكن الدليمي لم يكن بحاجة للقيام بأي انقلاب لأنه كان يملك نفوذاً قوياً وكان يصنع القرارات المهمة"، مؤكداً لرصيف22 أن الحسن الثاني تسلم تقريراً مغلوطاً يتهم الجنرال بالتخطيط لمحاولة انقلابية.

الملك الحسن الثاني خلال مؤتمر صحافي، وإلى يمينه يظهر الجنرال الدليمي


لكن بحسب روايات عدّة، فإن العلاقة بين الملك والجنرال أصبحت متوترة بعض الشيء، بل إن الدليمي وصل إلى درجة تحدي الحسن الثاني، كما يقول مساعده المحجوب الطوبجي، وهو قائد سابق في القوات البرية الملكية، ويعيش في فرنسا منذ عقود، وصاحب كتاب "ضباط صاحب الجلالة" الممنوع في المغرب. حكى الطوبجي كيف أنه في إحدى الليالي التي سبقت مقتل الجنرال، وكان يقيم سهرة بحضور "الشيخات" (فرقة راقصات يؤدين عروضاً شعبية)، ورفض مقابلة الملك بالرغم من محاولة كاتبة الحسن الثاني وزوجة الطوبجي إقناعه بالعدول عن رأيه. في ذلك الوقت، يحكي الطوبجي، لم تكن هناك هواتف نقالة، ولكي يتسنى للدليمي الحديث مع الملك كان يلزمه الخروج من المكان الذي كان فيه وأن يمشي حوالي 50 متراً، لكنه لم يفعل ذلك واختار الاستمتاع بمشاهدة "الشيخات" ومتابعة السهرة وكأن شيئاً لم يحدث. وكتب: "أظن أن الحسن الثاني اتخذ قراره الحاسم في تلك الليلة. لقد تجاوز الدليمي الحدود وكان فخوراً بنفسه. لم يكن الدليمي يعرف كيف يقي نفسه مما يحدق به من مخاطر". كما حكى الصديق معنينو، مدير الإعلام السابق وأحد نجوم التلفزيون المغربي إبان فترة السبعينيات في الجزء الرابع من كتاب مذكراته "أيام زمان"، كيف أن الدليمي تحدث بسوء عن الحسن الثاني في سابقة كانت الأولى من نوعها. يقول: "في إحدى المرات، في نهاية سهرة حضرتها مع صديقي عبد الجليل فنجيرو (مدير وكالة الأنباء المغربية وسفير المغرب في لبنان سابقاً)، قال لي الدليمي: ‘أنا الجنرال العربي الوحيد الذي تمت دعوته لحضور تجمع للجنرالات سيعقد في النمسا... لا يحضر هذا اللقاء إلا كبار الضباط الذين حققوا نجاحات ميدانية’، كان مزهواً بنفسه إلى أقصى الحدود، وأضاف: ‘في الخارج يحترمونني، وفي الداخل أعيش في هذا البيت البسيط Le gourbi، بينما هو (في إشارة إلى الملك) يعيش وسط عشرات الهكتارات’. لقد كان الدليمي في حالة سكر، مادياً ومعنوياً، يشعر بنار ملتهبة في داخله وهو الذي لعب دوراً مهماً في إخماد الكثير من الحرائق".

نقل جنرال فرنسي تصريحات ثقيلة قالها له الجنرال المغربي أحمد الدليمي، جاء فيها: "كيف يمكننا أن ننتصر في حرب الصحراء في الوقت الذي ينام فيه قائد القوات المسلحة حتى الظهرية؟!"، في إشارة إلى الملك الحسن الثاني
في إحدى الليالي قبل مقتله، كان الجنرال المغربي أحمد الدليمي يقيم سهرة بحضور فرقة راقصات، فناداه الملك الحسن الثاني فرفض الذهاب إليه مفضلاً الاستمتاع بمشاهدة الراقصات...
بدوره، حكى المناضل الاتحادي الذي عاش لسنوات في المنفى الباريسي محمد أيت قدور عن أنه في بداية الثمانينيات، في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، نقل جنرال فرنسي متقاعد كان للتو قد عاد من مهمة مراقبة في الصحراء، تصريحات ثقيلة قالها له الدليمي، كان من أبرز ما جاء فيها: "كيف يمكننا أن ننتصر في حرب الصحراء في الوقت الذي ينام فيه قائد القوات المسلحة حتى الظهرية؟!"، في إشارة إلى الملك الحسن الثاني. ويحيل مصطلح "حرب الصحراء" على الصراع المسلح بين المغرب وبين جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر حول الصحراء الغربية، وهو صراع أوقف إطلاق النار فيه سنة 1991، دون أن يتم إيجاد حل له حتى اللحظة.

الدليمي وسنوات الرصاص

ارتبط اسم الدليمي بمرحلة سنوات الرصاص التي عاشها المغرب منذ مطلع الستينيات، إلى أن وجد نفسه متورطاً في عملية اغتيال زعيم المعارضة المغربية، المهدي بنبركة، في العاصمة الفرنسية باريس يوم 29 أكتوبر 1965. ولكن هشام الدليمي يشير إلى أن عمه لم يكن موجوداً في باريس يوم الاختطاف، وذهب إلى العاصمة الفرنسية غداة علمه بمقتل بن بركة لاحتواء الأزمة. يقول لرصيف22: "في 29 أكتوبر 1965، كان عمي أحمد الدليمي متواجداً في الجزائر العاصمة من أجل ترتيب نشاط كان سيشارك فيه الملك الحسن الثاني، إلى أن علم بأن الأمور ليست على ما يرام في باريس، فوصل في الثلاثين من أكتوبر، ليجد أن بن بركة توفي بالخطأ على يد أحد القتلة الفرنسيين". برّأ القضاء الفرنسي الدليمي من تهمة الضلوع في عملية اختطاف واغتيال بن بركة، لكنّ ذلك لم يقنع عدداً من المؤرخين والمتتبعين الذين يتهمون بتصفية الزعيم المغربي كل من الدليمي والجنرال محمد أوفقير، وزير الدفاع المغربي "الدموي" الذي توفي (انتحر أو قُتل) بعد فشل محاولة انقلاب على الملك قام بها في 16 أغسطس 1972.

ويحكي مدحت بوريكات الذي عاش برفقة أخويه علي وبايزيد محنة سجن "تازمامارت" الرهيب، في سلسلة حوارات أجرتها معه جريدة "المساء" المغربية سنة 2014، كيف أن الدليمي كان يقتل المعتقلين بالمسدس وهو يصرخ ويبكي. والإخوة بوريكات كانوا مقرّبين من الأسرة الملكية المغربية، واعتُقلوا لأسباب غامضة سنة 1973، وتعرضوا للتعذيب في مركز PF3 بالرباط، قبل أن يتم نقلهم إلى سجن تازمامارت في بداية الثمانينيات، وبقوا هناك حتى عام 1991. أما سجن تازمامارت، فقد كان أفظع معتقل سري في المغرب، ويقع في الصحراء الشرقية، وتوفي فيه العشرات من المعتقلين بسبب الإهمال والأمراض والبرد القارص. ويقول مدحت بوريكات: "جاء الدليمي خصيصاً للتخلص، بشكل شخصي، من بعض المعتقلين في معتقل PF3 بالرباط، أما الذي رأيته بأم عيني، فهو أنه بينما كان الدليمي يهم بتصفية أحد المعتقلين، وكان قد صفى قبله اثنين آخرين، باغته الجنرال حسني بنسليمان (قائد الدرك الملكي السابق)، ثم حمله، وفيما رجلاه مرفوعتان في الهواء كان يصرخ في بنسليمان ليتركه... لقد كان يصرخ ويبكي، ومن الوارد جداً أنه كان ثملاً لحظتها". لكن اليوم، وبعد مرور أكثر من 35 سنة على رحيل الجنرال الذي كان أبرز مهندسي حرب الصحراء، لم تظهر بعد أية حجة أو معلومات دامغة تعزز فرضية تعرّضه لعملية اغتيال مدبرة كما يقول هشام الدليمي، إلا أن هذا الأخير كشف لرصيف22 أنه سينشر كتاباً سيتضمن "أسرار دولة" وتفاصيل مثيرة بخصوص الأدوار التي لعبها عمه في مغرب الحسن الثاني، والتي جعلت منه "ملكاً غير متوج"، على حد تعبير الصحافة الفرنسية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image