شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
ضمّ تسعة آلاف قطعة أثرية... حُمّى التطوير العقاري تصيب متحف بورسعيد القومي

ضمّ تسعة آلاف قطعة أثرية... حُمّى التطوير العقاري تصيب متحف بورسعيد القومي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 22 مارس 202302:46 م

وسط تجاهل وسائل الإعلام المحلية في مصر، يخوض أبناء محافظة بورسعيد الواقعة على الرأس الشمالي لقناة السويس حرباً على قرار، تتنصل منه الهيئات الرسمية، ببناء مجموعة من العمارات السكنية الفاخرة على أرض المتحف القومي ببورسعيد، الذي كان يضم نحو تسعة آلاف قطعة أثرية تنتمي لعصور مختلفة، بعضها يعود إلى عصر ما قبل الأسرات، قبل أن يصدُر قرار بهدمه، وتنتقل كل تلك القطع الأثرية إلى المخازن انتظاراً لإعادة البناء، التي يبدو الآن أنها لن تحدث.

قبل بضعة أسابيع  فوجئ أبناء بورسعيد بوضع لافتات إعلانية على أرض المتحف تؤذن بقرب العمل على بناء مشروع سكني سياحي فاخر يحمل اسم "مكسيم" فيما حوت اللافتات شعاري هيئة قناة السويس وإدارة محافظة بورسعيد، وذلك من دون تحديد مساحة المشروع أو توضيح إن كان سوف يقام على مساحة الأرض المملوكة لهيئة القناة، أم سيشمل كامل أرض المتحف المخصصة له بقرار رئاسي.

كان البحث ومعرفة من وراء العقد مع شركة "مكسيم" ومن المتصرف في الأرض في الوقت الحالي أمراً يشوبه الغموض نظراً لغياب المعلومات الشفافية من الأجهزة الرسمية

ومنذ الإعلان عن إقامة المشروع السكني طرق أبناء بورسعيد على كل الأبواب، مقدمين الشكاوى الرسمية، سعياً منهم للحفاظ على أرض المتحف الذي يحتل موقعاً مهماً عند مدخل قناة السويس، في مواجهة كورنيش القناة المعروف باسم "ممشى ديلسبس"، ولقربه من باب الميناء الذي يدخل عبره السائحون القادمون بالبواخر.

قبل بضعة أسابيع  فوجئ أبناء بورسعيد بوضع لافتات إعلانية على أرض المتحف تؤذن بقرب العمل على بناء مشروع سكني سياحي فاخر يحمل اسم "مكسيم"، مصحوبة بشعاري محافظة بورسعيد وهيئة قناة السويس، اللتان تتنصلان الآن من أية مسؤولية عن المشروع

تاريخ المتحف

وفقاً لتقرير أعدته جمعية بورسعيد التاريخية عن المتحف، فإن تاريخه يعود إلى العام 1963 عندما صدر قرار رئيس الجمهورية جمال عبد الناصر رقم 125 لسنة 1963 بشأن تعديل حدود مرفق قناة السويس، وضم منطقة أرض المتحف ببورسعيد المطلة على مدخل المجرى الملاحي لقناة السويس إلى أملاك محافظة بورسعيد، وأعقب ذلك صدور قرار المجلس الشعبي المحلي للمحافظة بتخصيص الأرض لوزارة الآثار بغرض محدد، هو إقامة متحف قومي يضم الآثار التي يُعثَر عليها في أنحاء المحافظة، التي كانت أرضها ممراً مهماً لحملات ملوك مصر القديمة لتأمين الحدود الشرقية للبلاد.

بُدىء العمل في بناء المتحف القومى مباشرةً على مساحة 13 ألف متر مربع، لكنه العمل توقف 13 عاماً مع العدوان الثلاثي 1965، ثم خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي لسيناء الملاصقة لبورسعيد في العام 1967.

واكتمل بناء المتحف وافتتح رسمياً في العيد القومى لبورسعيد في 23 ديسمبر/ كانون الأول من العام 1986، ليضم قرابة تسعة آلاف قطعة أثرية من كل العصور موزعة على ثلاث قاعات، بداية من العصور المصرية القديمة مروراً بالعصر اليوناني والروماني بمرحلتيه (الوثنية والقبطية) والإسلامي وانتهاءً بالعصر الحديث.

منذ الإعلان عن المشروع السكني، بدأ الناشطون في البحث عن سُبل للإيقافه واستعادة أرض المتحف، "حفاظاً على مقدرات المدينة التاريخية والثقافية، ولتنمية مستدامة حقيقية لمستقبلها في أهم موقع في مصر بالبوابة الشمالية للدولة المصرية" حسب بيانهم

وفي العام 2009 خصص قطاع المشروعات بوزارة الثقافة 75 مليون جنيه، لتطوير المتحف، وبعد الانتهاء من إعداد الدراسة الهندسية، قالت الشركة المنفذة إنها اكتشفت عدم جدوى الترميم، فكان القرار بالإزالة حتى سطح الأرض وإعادة بناء المتحف مرة أخرى مع تخصيص 95 مليون جنية لذلك، وتم اعداد التصميمات اللازمة من خلال مكتب المهندس الدكتور الغزالي كسيبة، الاستشاري المعروف الذي صمم متحف الحضارة مؤخراً.

وبالفعل هُدم متحف بورسعيد في العام 2010 لإعادة بنائه وفق التصميم المقترح.

وعقب ثورة 2011 توقف المشروع وتحول المكان إلى أرض جرداء، ومنذ ذلك الحين ينتظر أهالي بورسعيد إعادة بناء المتحف، ليكون مركزاً للجذب الثقافي محلياً وعالمياً، وللإفادة من موقعه المميز، وإمكانيات العرض المتحفي المفتوح للقادمين على متن السفن الزائرة والعابرة لقناة السويس، التي تطل أرض المتحف على مجراها في مواجهة الرصيف السياحي للميناء، والمخصص لركاب السفن السياحية بالمدخل الشمالي لقناة السويس.

بداية التحرك الشعبي

منذ الإعلان عن المشروع السكني، بدأ الناشطون في الحفاظ عى تراث بورسعيد – وهم من أقدم المجموعات الشعبية النشطة في مصر منذ ما قبل ثورة يناير- في البحث عن سُبل للإيقاف هذا المشروع واستعادة أرض المتحف، "حفاظاً على مقدرات المدينة التاريخية والثقافية، ولتنمية مستدامة حقيقية لمستقبلها في أهم موقع في مصر بالبوابة الشمالية للدولة المصرية" بحسب منشوراتهم التي اطلع عليها رصيف22.

من هذا المنطلق، عقد أعضاء جمعية بورسعيد التاريخية المعنية بالحفاظ على التراث المادي والثقافي لبورسعيد، ومعهم عدد من نشطاء المجتمع المدني المعنيين، اجتماعاً الثلاثاء 14 مارس/ آذار مع نواب بورسعيد في مجلسي الشيوخ والنواب بمقر حزب مستقبل وطن صاحب الأغلبية البرلمانية والمعبر عن السلطات المصرية.

رئيس جمعية بورسعيد التاريخية نقل عمّن التقاهم من نواب مجلسي الشيوخ والنواب عن بورسعيد، المنتمين لحزب مستقبل وطن (مقرب من السلطات)، رفضهم التام لإقامة مشروع سكني على أرض المتحف، إلا أنه حتى لحظة نشر هذا التقرير، لم يوجه البرلمان بغرفتيه أية أسئلة إلى الجهات المسؤولة

وأسفر الاجتماع عن "مناشدة" الرئيس عبدالفتاح السيسي، ورئيس الوزراء المهندس مصطفى مدبولي و"الأجهزة السيادية المصرية"، وقف هذا المشروع السكني المزمع إقامته على أرض المتحف، "على أن تكون أرض المتحف للمتحف واستثمارها وفقاً لمخطط يتم اعداده على مستوى عالمي، تماشياً مع ما أعلنه الرئيس أثناء الاحتفال على أرض بورسعيد بعيدها القومي في العام 2017، بضرورة إقامة متحف قومي واستثمار المنطقة سياحياً على المستوى اللائق لجذب السياحة العالمية" وذلك بحسب مخرجات الاجتماع التي اطلع عليها رصيف22.

اللواء أيمن جبر، مؤسس جمعية بورسعيد التاريخية، أوضح لرصيف22 أن الجمعية معنية بالحفاظ على التراث، وأضاف: "هذه أهم قطعة أرض موجودة في العالم، ليس في مصر فقط، أنا أطلق عليها ناصية العالم، فهي المكان الذي يعطي للسفن العابرة انطباعاً عن مصر وثقافتها وتاريخها، فلا يصح أن يكون أول ما يرونه هو أبراج سكنية، رغم أن المكان كان من المنتظر أن يقام فيه مشروع سياحي عالمي ملحق به متحف قومي كبير" بحسب توجيهات الرئيس في 2017.

وأشار جبر إلى أن متحف بورسعيد القومي "هو أول متحف إقليمي من نوعه في مصر [خارج العاصمة] لأنه يتضمن كل العصور والفترات التي مرت بها مصر حتى العصر الحديث"، مضيفاً "عندما اتخذ قرار بهدم المتحف في العام 2009، تم تقديم تصميم جديد له على يد المهندس الغزالي كسيبة، وكان التصميم على شكل سفينة، لكن بعد الثورة تغيرت الأمور، ومنذ ذلك الحين ونحن نحاول إعادة بناء المتحف لأنه نقطة جذب وترويج سياحي بفعل وجوده أمام مرسي السفن السياحية التي تأتي مصر".

الماكيت المقترح للمشروع السكني المقام على أرض المتحف

ولفت إلى أن المتاحف لم تعد أماكن لعرض القطع الأثرية فقط، بل باتت ساحات للفعاليات الثقافية والفنية والحفلات الغنائية والندوات، "وكل هذا يعود بمردود استثماري هذا يحدث تنمية مستدامة وسيفيد البلد أجيال وراء أجيال".

وتابع جبر أن وجود المتحف سيجعل لمحافظة بورسعيد ميزة تنافسية وسياحية، مبيناً أنه من بين القطع التي ضمها المتحف – الذي حوى قطاعاً عن قناة السويس- تأتي العربة الملكية التي استخدمها الخديو إسماعيل في حل افتتاح قناة السويس، علماً بأن أبناء بورسعيد اقترحوا في وقت سابق إقامة عرض محاكاة باستخدام مقتنيات المتحف، لأحداث حفر ثم افتتاح قناة السويس، لكن عدم تفعيل القرار الرئاسي بإعادة افتتاح المتحف جعل اقتراحاتهم بلا صدى.

اللافت أن رئيس جمعية بورسعيد التاريخية نقل عمّن التقاهم من نواب مجلسي الشيوخ والنواب عن بورسعيد، المنتمين لحزب مستقبل وطن (مقرب من السلطات)، رفضهم التام لإقامة مشروع سكني على أرض المتحف، إلا أنه حتى لحظة نشر هذا التقرير، لم يستقبل البرلمان بغرفتيه أية تساؤلات أو مذكرات من النواب موجهة إلى أجهزة الحكم المحلي، أو وزارة الثقافة أو رئاسة هيئة قناة السويس، وهي الجهات الضالعة في الإشراف على المتحف، والتي يقام المشروع السكني تحت رعايتها.

مذكرة برلمانية: المشروع يأتي في إطار أعمال الصندوق الاستثماري لقناة السويس الذي نوه له الرئيس السيسي، على الرغم من أن البرلمان لم يقر بعد التعديلات التي تقدمت بها الحكومة، والتي تتيح للصندوق التصرف في أملاك هيئة القناة على هذا النحو من دون العودة إلى البرلمان

فيما وجه النائب أحمد فرغلي سؤالاً إلى رئيس مجلس الوزراء، حول مخالفة رئيس هيئة قناة السويس للدستور، وأهم ما جاء في سؤاله، الإعلان أن المشروع يأتي في إطار أعمال الصندوق الاستثماري لقناة السويس الذي سبق أن نوه إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي، على الرغم من أن البرلمان لم يقر بعد التعديلات التي تقدمت بها الحكومة، والتي تتيح للصندوق التصرف في أملاك هيئة القناة على هذا النحو من دون العودة إلى البرلمان، كمان أن المشروع يلتهم أراض من أملاك محافظة بورسعيد ليس لهيئة القناة الحق في التصرف فيها.  

أرض المتحف للمتحف

حسام بيومي أمين صندوق جمعية بورسعيد التاريخية، كرر في حديثه مع رصيف22 على أهمية قطعة الأرض المخصصة للمتحف واصفاً إياها بأنها "منطقة عالمية نادرة".

وتابع: "المشكلة بدأت منذ أن قرروا هدم المتحف بدعوى وجود مشكلة هندسية لا يمكن معها الترميم، وتُركت الأرض فارغة بعد نقل الآثار للمخازن، إلى أن فوجئنا بظهور الإعلان عن بناء وحدات سكنية في موقع المتحف، أقل وحدة مساحتها 180 متر خلفية وسعرها 10 مليون جنيه. لكن بعد إعلانهم (يقصد مقاول المشروع)، وجدوا سيلاً من التعليقات من سكان بورسعيد تؤكد أن المكان خاص بالمتحف، معبرين عن استيائهم. ولم يكن هناك تعليقات تخص استفسار حول السعر أو الشراء".

وأضاف بيومي أن هذا الوضع أثار استياء المثقفين والمجتمع المدني لتبدأ حملة "أرض المتحف للمتحف".

وأكد أن التعدي على أرض المتحف هو "اغتصاب للهوية والتاريخ، لذلك كان شعار أرض المتحف للمتحف وهذه هي رؤيتنا، ولو هناك ضرورة للاستثمار ليكون بجوار المتحف يمكنهم أن يطلقوا مشروع سياحي استثماري، لكن الأصل هو إعادة بناء المتحف على أرضه، فنحن لا نطالب ببناء متحف لم يكن موجوداً".

الشاعر البورسعيدي أسامة كمال أحد الناشطين في الحفاظ على تراث بورسعيد أكد لرصيف22 أنه يسود بين أبناء بورسعيد شعور بالحزن لما يحدث لأرض المتحف، وهناك رفض تام بين مثقفي وفنانين بورسعيد، مضيفاً "كما أن فكرة وجود عيب هندسي صعب ترميمه أدي إلي قرار إزالة المتحف هو أمر غريب، خاصة أنه مبني حديث من دورين فقط".

وتابع: "المكان مميز ويطمع فيه الكثيرين، فهو أمام ممشي دليسيبس أمام النقطة المضيئة في مجري القناة، وبشكل تسويقي أو إقتصادي يمكن أن يستثمر الثقافة في الإقتصاد، المكان لا بد أن يكون به ما يعبر عن الثقافة المصرية، لكن إنشاء أبراج حتي من الناحية الاستثمارية ليس مفيداً لأنه ربح وقتي غير مستدام، فاقتصادياً هي خسارة".

يذكِّر كمال ومسؤولو جمعية بورسعيد التاريخية بالجور الذي طال الهوية العمرانية للمدينة على مدار العقدين الأخيرين، مع توسع الدولة في منح رخص الهدم والبناء العشوائي غير المتسق مع التراث المعماري للمدينة. ويرون أن خطوة إقامة أبراج سكنية شاهقة على أرض المتحف – تماشياً مع موضة البناء في مصر الآن- خطوة جديدة في القضاء على الهوية البصرية للمدينة الباسلة، كما اصطلح على تسميتها.

يقول كمال: "الطراز المعماري لبورسعيد هو طراز البحر الأبيض المتوسط، وهذا الطراز الفرنسي أو اليوناني تم هدمه بطريقة ممنهجة، وما تبقي من الفيلات الموجودة التي تعود لبورسعيد القديمة لم تهدم لأنها تتبع هيئة قناة السويس".

 الفنان والمصور البورسعيدي وليد منتصر، أكد لرصيف22 اعتراضه على ما تشهده بورسعيد حالياً، وخاصة منطقة أرض المتحف: "المكان يعد حرم القناة، والمتحف الذي تتبعه هذه الأرض افتتح سنة 1986، ولم تتح له فرصة للاستمرار، إذ هدم بدعوى أخطاء هندسية بعد 15 سنة فقط من افتتاحه. وقتها قالوا سيغلق للترميم، رغم إن كانت تكلفة تجهيزه كبيرة، والمذهل أنهم قالوا بعدها إنه لا يصلح للترميم وتم هدمه على وعد باقامته في تصميم جديد، وتركوا الأرض لمدة 12 عاماً. وكانت أخر وعود البناء من وزير السياحة والأثار السابق خالد العناني منذ عام ونصف، قال إن هناك مشروع متكامل وتم تخصيص ميزانية له، حتي فوجئنا بإعلان شركة مكسيم عن بنائها أبراج سكنية في مكان المتحف، فكيف تغتصبه وهو حق بورسعيد كلها، كما أنه المكان الأنسب لإقامة المتحف ليكون واجهة لمصر؟".

البحث عن مسؤول

كان البحث ومعرفة من وراء العقد مع شركة مكسيم ومن المتصرف في الأرض في الوقت الحالي أمراً يشوبه الغموض نظراً لغياب المعلومات وعدم الشفافية.

أكد مدير العلاقات العامة بمحافظة بورسعيد إن المحافظة لا علاقة لها بما يجري على أرض المتحف، على الرغم من أن اللافتة الدعائية للمشروع تحمل شعار المحافظة إلى جانب هيئة قناة السويس، كما أن المحافظة هي المسؤولة عن إعطاء تصاريح البناء ومد المرافق إلى المشروعات السكنية

وتوجه رصيف22 بأسئلته إلى الدكتور مؤمن عثمان رئيس قطاع المتاحف في وزارة الثقافة للتعرف على وضع المتحف، فأجاب أن "كل شيء صدر في بيان نشر على موقع وزارة السياحة والأثار ولا يوجد ما يضيفه".

وجاء في البيان: "رداً على ما تداولته بعض مواقع التواصل الإجتماعي بشأن مطالبة عدد من الأشخاص بمغادرة أمناء متحف بورسعيد القومي أرض المتحف وإخلائه، أكدت عزة قاسم القائم بأعمال مدير  متحف بورسعيد القومي أن هذا الأمر عار تماماً من الصحة، وأن وزارة السياحة والآثار محتفظة بحقوقها كاملة في الجزء المملوك لها من أرض المتحف ولم تتنازل عنه، مشيرة إلى أن ملكية هذه الأرض مقسمة لأجزاء بين هيئة قناة السويس ومحافظة بورسعيد ووزارة السياحة والآثار".

إحدى مسؤولات العلاقات العامة في هيئة قناة السويس، حمَّلت المسؤولية لإدارة محافظة بورسعيد عن كل ما يتعلق بالبناء على أرض المتحف، وعندما أبلغناها برد المحافظة الذي يحمّل المسؤولية لهيئة قناة السويس، طلبت مهلة لمراجعة المسؤولين والتعرف على الوضع والعودة إلينا بالرد الرسمي، إلا أنها لم تستجب لاتصالاتنا بعد ذلك

وتواصلنا مع إدارة محافظة بورسعيد، عبر محمد مسعد، مدير العلاقات العامة بالمحافظة، الذي أكد مسؤولية هيئة قناة السويس وقال إن المحافظة لا علاقة لها بما يجري على أرض المتحف، وذلك على الرغم من أن اللافتة الدعائية للمشروع تحمل شعار المحافظة إلى جانب الهيئة، كما أن المحافظة عبر إدارات الحكم المحلي هي المسؤولة عن إعطاء تصاريح البناء ومد المرافق إلى المشروعات السكنية.

وتواصل رصيف22 مع إدارة هيئة قناة السويس، التي لم يحسم المسؤولون فيها الرد بشأن مسؤولية الهيئة التي تملك مساحة من الأرض على واجهة المتحف، ويحمل المشروع السكني شعارها، وذلك بعد رد من إحدى المسؤولات في العلاقات العامة في هيئة قناة السويس، حملت فيه المسؤولية لإدارة محافظة بورسعيد عن كل ما يتعلق بالبناء على أرض المتحف، وعندما أبلغناها برد المحافظة الذي يحمّل المسؤولية لهيئة قناة السويس، طلبت مهلة لمراجعة المسؤولين والتعرف على الوضع والعودة إلينا بالرد الرسمي، إلا أنها لم تستجب لاتصالاتنا بعد ذلك. 

جانب من العرض المفتوح قبل هدم متحف بورسعيد القومي

تحصين قانوني

قال المحامي البورسعيدي هاني الجبالي لرصيف22: "المشكلة الأهم، وهي القاسم المشترك في كل الموضوعات المشابهة، تكمن في غياب المعلومة وعدم إفصاح جهة الإدارة الممثلة في الحكومة عن أي معلومة تخص المواطنين وممتلكاتهم الخاصة والعامة، وهي تتصرف في ملك عام يخص هؤلاء المواطنين، وهذا ما يخلق جواً من الشائعات التي يحاسبوننا عليها بعد ذلك".

وأوضح الجبالي أن أرض المتحف تتنازع في الولاية عليها أكثر من جهة: "جزء هيئة قناة السويس، وجزء هيئة الأثار، وجزء للبحرية ويقال إن هناك جزءاً للمحافظة".

وتابع: "أمام إعلان بناء أبراج في أرض المتحف تقابلنا اشكاليتان تتعلقان بالتحركات القانونية، أولاهما أنه في 2014 قام المستشار عدلي منصور الرئيس السابق لمصر في الفترة التنتقالية باصدار قانون رقم 32 لسنة 2014 ينص على أنه يحذر الطعن في العقود التي تبرمها الدولة مع المستثمرين، إلا لطرفيها، أي أن هذا القانون حظر على أي محام أو مواطن يريد أن يطعن في عقود رأى أنها تمثل فساداً أو عدم تقييم عادل أو إهداراً للمال العام، فأغلق علينا وعلى أي مواطن فكرة الطعن".

المستشار القانوني هاني الجبالي: أين ذهبت أموال أرض المتحف؟ وكيف قيِّمت الأرض؟ ومن هي الجهة التي باعت؟ وهل باعت بسعر عادل أم لا؟ 

وأكمل الجبالي: "عندما صدر هذا القانون توقعت أن يكون هناك شيء يتم تدبيره في المدي القريب أو البعيد يحصنه من رقابة القضاء، رغم أن أكثر الدول تخلفاً لا يوجد لديها قانون مثل هذا، فلا يمكن تحصين أعمال السلطة التنفيذية من رقابة القضاء".

في العام 2018، أصدر رئيس الجمهورية القانون 184، المعدل للقانون رقم 7 لسنة 1991، في شأن التصرف في أملاك الدولة الخاصة، وأضاف في هذا القانون عبارة لافتة في نهاية الفقرة (ب) من المادة الثانية من القانون رقم 7 لسنة 1991 كان مضمونها أن رئيس الجمهورية يملك بعد موافقة مجلس الوزراء (والوزير المختص بحسب الأحوال) أن يصدر قراراً بتحديد المناطق التى تشملها مشروعات استصلاح الأراضي أو إقامة المجتمعات العمرانية أو المناطق السياحية أو التنمية الصناعية، ويودع هذا القرار مكتب الشهر العقاري المختص من دون رسوم ويترتب على هذا الإيداع آثار الشهر القانونية.

وأضاف الجبالي: "بناء على ذلك التعديل القانوني، تم التصرف في أرض المتحف من قبل رئاسة الوزارة أوالوزير المختص . وليس من حق أي مواطن الطعن على تلك التحركات، كونها محصنة بالقانون رقم 32 لسنة 2014 - الذي سبقت الإشارة إليه-  وأن رئيس الوزراء أو الوزير المختص اتخذ قراراً قانونياً في ضوء القانون 184 لسنة 2018". ولم يتسن للجبالي أو لرصيف22 العثور على قرار ببيع أرض متحف بورسعيد أو التنازل عنها أو إعادة تخصيصها للمشروعات السكنية، في الجريدة الرسمية التي لا بد دستورياً أن تحوي أية قرارات حكومية أو رئاسية.

وزاد: "هناك أمر فات الجميع وهو أن شركة مكسيم التي ستقوم ببناء مشروع الأبراج قالت إن الحد الأدني للشقة هو 10 مليون جنيه، إذن كم كانت تكلفة شرائها للأرض؟ لكن يقيناً هو ليس عقد بيع لأن الشركة وضعت لافتة تفيد بأنها مطور عقاري، أي أنها تقوم بتطوير عقاري بموجب عقد طويل المدة ومثل هذه العروض تورّث، لكن في كل الحالات هو تعدٍ على أرض المتحف".

وتابع الجبالي: "ما نريده هو حقنا في المعرفة، وثانياً حقنا في وجود متحف. وكتبت عريضة دعوى قضائية، تكييفها ليس طعناً في العقد لأننا لم نره، كما أنه محصن، لكن الدعوة التي سأتقدم بها للمحكمة هي دعوة للحساب أين ذهبت أموال أرض المتحف؟ وكيف قيِّمت الأرض؟ ومن هي الجهة التي باعت؟ وهل باعت بسعر عادل أم لا؟ فنستطيع من هذه الدعوة أن نحصل على معلومات، وسوف أختصم أيضاً مع الحكومة ممثلة في وزارة السياحة والأثار".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard