للشخصيات العامة تلك الهالة التي تحيطها بالفضول والاهتمام، وهذا أمر طبيعي، فقد قضت كثير من المحاكم حول العالم في قضايا المشاهير بضرورة "أن تتمتع الشخصية العامة بقدر من التسامح في ردات فعلها حول انتقاد العامة لها، سواء كان الانتقاد موجهاً لنمط الحياة أو لخيارات المهنة".
اعترفت كثير من المحاكم بوجود "معضلة" في الفقه القانوني في وضع الحدود الفاصلة بين الحياة الشخصية والحياة العامة للمشاهير والشخصيات العامة، لكنها اتفقت على أن العائلة والأطفال تقع دائماً خارج تفسيرات حرية التعبير والنقد لدى تداول شؤون المشاهير.
في العالم العربي لم تزل التشريعات مبهمة بهذا الشأن فلا يوجد أي تعريف للشخصيات العامة في كل القوانين والدساتير العربية، إضافة إلى أن قوانين "الجرائم الإلكترونية" جديدة نسبياً، ومثلما تستخدم في التقليل من الإساءات على مواقع التواصل الاجتماعي تستخدم لتقييد الحريات، وهي معضلة أخرى.
لكن حتى لدى تداول الحديث عن الشخصيات العامة، تعتبر حياة الفنان/ الفنانة، أقل قابلية للنقد من حياة السياسي أو المتحكم بالأموال العامة، فكيف الحال بعائلات الفنانين التي اختارت البقاء خارج دائرة الضوء، والأولى أن نسأل... ما ذنب أطفال المشاهير بتحمل هذا العبء؟
قضت كثير من المحاكم حول العالم بضرورة أن تتمتع الشخصية العامة بقدر من التسامح في ردات فعلها حول انتقاد الناس لها في الشأن العام، واتفقت هذه المحاكم أن العائلة والأطفال من الأمور الخاصة التي لا يجوز تداولها
بنات عمرو دياب
"نشرت ابنة عمرو دياب كعكة عيد ميلادها المزينة برسم لعضو ذكري، تصرف يراه البعض طائشاً، ويراه البعض الآخر حرية شخصية. لكن عندما يصدر هذا الفعل من قبل فتاة وليست فتى، تختلف ردود الفعل، فكيف إذا كانت ابنة واحد من أشهر المغنيين في الوطن العربي في آخر ثلاثة عقود."جنى" هي الصغرى من بين بناته، وقد شاركته الغناء سابقاً، كما أن لديها أنشطة فنية ويتابعها أكثر من نصف مليون متابع على موقع "إنستغرام".
تعرضت ابنة عمرو دياب الصغرى "جنى" لحملات تنمر بسبب خياراتها في اللباس وفي الحياة، ومن قبلها تعرضت أختها غير الشقيقة "نور" للتنمر ولا زالت
تعرضت الفتاة لهجوم حاد بسبب الصورة التي نشرتها للكعكة، وقد طال الهجوم الأب والأم وخياراتها في اللباس والحياة، بعض التعليقات كانت من قبيل "الفنان نسي يربي"، "هو أنا اللي شايفه صح؟"، والبعض الآخر تعجب من غياب دور الأم سعودية الجنسية؟
ليست "جنى" هي الأولى التي تتعرض للهجوم، فأختها الكبرى غير الشقيقة "نور" ابنة الممثلة شيرين رضا تتعرض للتنمر مراراً وتكراراً دون أي سبب.
ما ذبنهم؟
يقول الدكتور أنور الملكي المعالج النفسي لرصيف22: "التنمر على أطفال المشاهير قد يستمر بالوقوع على نفس الشخص حتى يكبر، فرؤية ابن فنان أو لاعب كرة قدم امتهن مهنة أحد الأبوين تشعر البعض بالغيرة، للاعتقاد بأنه حصل على الفرصة بسهولة، والحقيقة أن هذه ليست قاعدة، فبعض الأبناء يتفوقون على الآباء لدى حصولهم على الفرصة، ولكن كونهم أبناء مشاهير قد يخلق حالة نفور منهم منذ البداية".
طفلة دنيا سمر غانم
التدخل في خصوصيات أبناء المشاهير أصبح لعنة تطاردهم مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، ويُدخل الأهل في حروب كلامية للدفاع عن خصوصية أبناءهم وأفراد أسرهم، مثل الذي حدث مع "كايلا" إبنة الممثلة دنيا سمير غانم، والإعلامي المصري رامي رضوان.ظهرت "كايلا" في كانون أول/ ديسمبر الماضي برفقة والدتها بعد عرض مسرحي لتحية الجمهور، وكانت هذه من المرات النادرة التي تظهر فيها للعلن، لتتعرض لتعليقات قاسية مثل: "وحشة زي أمها"، و"ليه مش واخدة حلاوة أبوها"، "عشان كده دنيا مخلفتش تاني". لتنبري خالتها إيمي سمير غانم للرد على هذه التعليقات بقسوة وتدخل في حرب كلامية للدفاع عن عائلة شقيقتها.
إيمي سمير غانم نفسها تعرضت لانتقادات كثيرة لإعلانها المتأخر عن خبر ولادة طفلها، ولأنها كانت قد أخفت خبر حملها عن الإعلام لفترة، لم ترحمها انتقادات الـ"سوشال ميديا"، بسبب قرارها بإضفاء بعض الخصوصية على عائلتها.
والد كايلا رد على التنمر على ابنته في برنامج "The Insider" قائلاً: "لا أعطي قيمة لمثل هذه الأشياء، ابنتي أجمل واحدة في الدنيا في عيون أبوها وأمها".
محمد صلاح يتعرض كثيراً للانتقاد وتحديداً لتهمة "مجاملة الغرب" كلما ظهرت صورة أو خبر له ولعائلته على مواقع التواصل الاجتماعي. لم يسبق لصلاح أن رد أو تفاعل مع أي من حملات التنمر، واختار دائماً تجاهلها
بنات نانسي وشيرين
أيضاً تتعرض "ميلا" ابنة نانسي عجرم للكثير من التعليقات القاسية، فينسى الكثيرون أنها مجرد طفلة، وأن هذه التعليقات قد تؤثر على نفسيتها، البعض تمادى في هذه الانتقادات وقال "تحتاج لعملية تجميل مثل والدتها"، ولكن كان هناك ردود فعل مضادة من جماهير أخرى حاولت التخفيف عن الطفلة بامتداحها.
بنات شيرين تعرضن أيضاً للتعليقات القاسية والسخرية من ملامحهن في أي ظهور علني جمعهن مع أمهن.
أسباب العنف في مجتمعاتنا
يرى الأستاذ والخبير النفسي د. أحمد عبد الله أن التنمر هو شكل من أشكال العنف، يقول لرصيف22: "أسباب العنف عدة، منها البيولوجية والاجتماعية والسياسية، الأسباب البيولوجية قد تعود إلى التلوث، وتراكم مادة الرصاص داخل خلايا المخ، مما ينتج عنه سلوك العنف، أما الأسباب الاجتماعية فهي ناتجة عن التفكك الاجتماعي والعنف الأسري، أيضاً الضغوط السياسية والاقتصادية قد تؤدي إلى تفشي ممارسة العنف".
ويضيف: "قد ينشأ أكثر من شخص في نفس البيئة والظروف، ولكن الموانع تختلف من شخص إلى آخر، البعض يرى أن توجيه العبارات الجارحة من خلف شاشة الهاتف أمر هين ومجرد مزاح غير مؤذ وليس عنفاً، بينما يمتلك البعض الآخر محاذير أخلاقية وربما دينية تمنعه من ارتكاب هذا السلوك".
قد يولد سلوك التنمر في عمر مبكرة نتيجة تقليد عنف أحد الأبوين، أو نتيجة التدليل الزائد كما يقول علم النفسأما الدكتور أحمد علي اختصاصي أمراض النطق والكلام وعلاج التوحد عند الأطفال فيقول: "قد يولد سلوك التنمر عند الطفل في عمر مبكرة، سواء بتقليد أحد أبويه، أو بتدليله وحصوله على كل ما يرغب، فهذا قد يولد لديه شعوراً بالغرور والأفضلية عن الأطفال الآخرين، ولا يجد رادعاً لسلوك التقليل من سواه"
موقف لا ينسى للراحل هشام سليم
لعل القصة الأهم هي قصة "نور" ابن الفنان الراحل هشام سليم الذي تعرض أكثر من غيره للسخرية والتنمر والانتقاص بعد أن أجرى عملية عبور جنسي للتحول من فتاة إلى شاب، وقد دعم والده الراحل قراره بقوة، بل وأعلن عن فخره بابنه، الذي لم يزل يثير حفيظة المتنمرين في كل ظهور للعلن.أبناء محمد رمضان وشيكابالا
دائماً ما أثار محمد رمضان الضجة بتصرفاته وتباهيه بالأموال والسيارات الفاخرة، أو برحلات الطائرات الخاصة، أو استخدامه لمعجون أسنان من الذهب، لكن هل من حق المتابعين افتراض أن أبناءه تنازلوا عن خصوصياتهم بسبب شهرة والدهم؟"أسود زي أبوه" هي من أكثر من التعليقات العنصرية التي كثيراً ما تقال لأبناء رمضان كلما نشرت صورة لأحدهم.
أما "آدم" ابن لاعب الزمالك المصري محمود عبد الرازق شيكابالا والمنحدر من أسوان التي يتميز أهلها بالبشرة السمراء، فتعرض للتنمر والإساءة بسبب عدم تشابه لون بشرته مع بشرة أبيه، وقد تعدت هذه التعليقات النفس العنصري إلى التشكيك في نسبه، مما خلق حملة من التضامن معه من لاعبي الزمالك والنادي المنافس الأهلي.
ابنة محمد صلاح
"علمها قرآن أحسن ما تعلمها بيانو"، كان هذا أحد التعليقات التي طالت "مكة" ابنة نجم ليفربول محمد صلاح بعد أن نشر اللاعب المصري فيديو لابنته الصغيرة وهي تعزف على البيانو.دائماً ما تعرض صلاح لاتهامات التنصل من عاداته وتقاليده والسعي لـ"إرضاء الغرب هو وأسرته"، لكن اللاعب لم يرد يوماً على هذه التعليقات.
ابن سولاف فواخرجي
الممثلة السورية سولاف فواخرجي كانت قد أكدت على أن ابنها "علي" عانى من أزمة نفسية بعدما ظهر معها في فيديو وشاهد تعليقات تسخر من وزنه، وقالت إنها قد تضطر للجوء للقضاء لرد اعتبار ابنها.هل يحارب التنمر بالتجاهل؟
تقول سما جابر الصحافية الفنية لرصيف22: "كشف المشاهير لرفاهية حياتهم يوهم البعض أنه يستطيع التعليق عليها، كونه يخاطب شخصية عامة. الجمهور لا يفرق بين النقد البناء والنقد الجارح الذي يدخل في دائرة التنمر، ولكن الحل الأمثل للتعامل من قبل المشاهير تجاه هذه الظاهرة هو التجاهل التام، والنموذج الأمثل لمحاربة التنمر بالتجاهل هو محمد صلاح، لا تمر مناسبة دون أن يتنمر الكثيرون على عائلته، ولكنه يتجاهلهم تماماً ولم يسبق أن علق في أي مناسبة".عانى أبناء محمد رمضان من التعليقات العنصرية بسبب لون بشرتهم، بينما تمت السخرية من ابن شيكابالا لأن بشرته أفتح من بشرة والده، ما استدعى حملة رد اعتبار شارك فيها لاعبون من نادي الأهلي ونادي الزمالك
أما الناقدة الفنية حميدة أبو هميلة فتقول لرصيف22: "عدم لجوء المشاهير للقضاء والاستعاضة عن هذه الخطوة بالدخول في حرب كلامية أضاع حقوقهم، وهو تخاذل من قبل المشاهير، وعندما يلجأ البعض إلى القانون يصبح المتنمر في موقف ضعف، فيكف عن سلوكه، لذلك على الفنانين السعي وراء أخذ حقوقهم بالقانون، لكي يكونوا أمثلة يحتذى بها لغير المشاهير في كيفية ردع التنمر".
هل يتصدى القانون لظاهرة التنمر؟
في مصر وافق مجلس النواب على عقوبة قضائية لمحاربة التنمر، بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تزيد عن 30، وإذا وقعت الجريمة على شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة قد تصل العقوبة إلى 5 سنوات".رصيف22 توجه بالسؤال للمحامية دعاء عباس الناشطة في حماية حقوق الطفل حول رأيها في وضع قوانين في مصر لمحاربة التنمر، تجيب: "قانون محاربة التنمر يتفق والشريعة الإسلامية التي تنص على تحريم السخرية من الآخرين، ويواكب الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي تنص على منع التمييز والعنف ضد الأطفال".
الرأي القانوني ينصح باللجوء إلى القضاء ليعطي المشاهير مثلاً في رفض التنمر والسعي للحق في رد الاعتبارأما في السعودية فتصل عقوبات التنمر الإلكتروني عبر وسائل التواصل والإنترنت إلى السجن لمدة قد تصل إلى عام، أو غرامة قد تصل إلى نصف مليون ريال، أو كلتا العقوبتين معاً بحسب نظام الجرائم المعلوماتية.
وفي الإمارات يعاقب بالسجن لمدة لا تقل عن 6 أشهر أو غرامة لا تقل عن 150 ألف درهم إماراتي ولا تتجاوز 500 ألف درهم، أو كلتا العقوبتين معاً، كل من استخدم شبكة معلوماتية أو نظام معلومات إلكتروني أو إحدى وسائل تقنية المعلومات في الاعتداء على خصوصية شخص في غير الأحوال المصرح بها قانونياً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...