شهدت الأيام القلائل الماضية، واقعة صدمت المصريين من غرابتها -في أنظارهم-، حيث استيقظوا على أخبار تفيد رفع اللاعب ماركوس راشفورد، نجم نادي مانشستر يونايتد الانجليزي، دعوى قضائية استعان فيها بـ10 محامين، ضد طالب مصري من أبناء مركز أبو حماد في محافظة الشرقية، يُدعى محمد عصام، يتهمه فيها بالتنمر واستعراض القوة والتلويح بها، والسخرية والإزعاج وإساءة استعمال أجهزة الاتصال، والاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية للمجتمع المصري، وانتهاك حرمة الحياة الخاصة للاعب الإنجليزي، بحسب ما جاء في عريضة الدعوى.
المسافات لا تحمى المتنمرين
البداية كانت عند يومي 30 و31 كانون الثاني/ يناير 2021، بينما كان الشاب المصري، الذي يدرس بالفرقة الخامسة في كلية العلاج الطبيعي تخصص الطب الرياضي بجامعة القاهرة، يكتب مجموعة من الرسائل التي وصفت بـ"العنصرية"، ويرسلها إلى حسابات لاعب ناديه المفضل مانشستر يونايتد، على فيسبوك وأنستغرام، بعد التعادل السلبي بين "المان يونايتد" و"الأرسنال" في إطار مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز.
تناول المصريون خبر القضية بالتعجب والسخرية، وانقسموا بين من يرون أن راشفورد "كبّر الموضوع"، فالمشاهير يتعرضون للتنمر باستمرار على مواقع التواصل الاجتماعي من دون رادع، وآخرون يرون أن قضية مثل هذه تجعل الطالب "عبرة"، مطالبين إياه بالاعتذار بدلاً من الإنكار
تقول الشركة الراعية لحسابات النجم الإنجليزي أن رسائل الطالب الشرقاوي اصابت اللاعب بحالة من الحزن، قرر على إثرها الاستعانة بمكتب محاماة في مصر وتوكيل 10 محامين لتقديم بلاغ ضد الشاب المصري وإقامة دعوى قضائية.
في البداية حققت النيابة في الموضوع وأرسلت للجهات المعنية، التي أجمعت على عدم وجود جريمة بالمرة، وانتهى الأمر لحفظ البلاغ، لكن فريق الادعاء كان مصراً، فأقام دعوى جنحة مباشرة أمام محكمة أبو حماد التي قضت بعدم الاختصاص، ثم تم إحالة الأمر إلى المحكمة الاقتصادية.
ربما لم يتخيل ابن الشرقية أن حماسه تجاه اللعبة التي يشجعها سوف ينقلب ضده، ويتحول الأمر من تعصب كروي اعتاد عليه، إلى قضية تنظرها المحاكم المصرية وتهدد مستقبله
وفي 19 حزيران/ يونيو الماضي، كان هناك جلسة أمام المحكمة الاقتصادية في المنصورة، والتي قضت بتأجيل القضية حتى يوم 7 تموز/ يوليو المقبل، للاطلاع واستكمال المرافعة، ومن هنا اشتغلت مواقع التواصل الاجتماعي بالأخبار التي تتناول القصة.
وتناول المصريون الواقعة بنوع من التعجب والاستغراب والسخرية في بعض الأحيان، ما بين من يرون أن راشفورد "كبّر الموضوع"، فالمشاهير يتم الهجوم والتنمر عليهم باستمرار على مواقع التواصل الاجتماعي من دون رادع، وهم يقابلون هذا التنمر - رغم الأذى- بالتجاهل، وآخرون يرون أن الطالب المصري أساء في حق اللاعب الانجليزي، وقضية مثل هذه تجعله عبرة لمن يفعل مثله، مطالبين إياه بالاعتذار بدلاً من الإنكار.
ورغم دفاعات اللاعب الانجليزي، إلا أن الطالب المصري ومحاميه، يصران على إنكار نسبة الرسائل إلى حسابات الطالب، ففي منشور له على صفحته الشخصية قال محمد عصام: "ملكيتي للأكونت لا تُجزم أني مرتكب الجريمة. أنت ممكن مفبرك اسكرينات لأكونت بنفس شكل أكونتي، والبحث الجنائي لم يتوصل لحقيقة الواقعة، ولم يُذكر اسم المجني عليه أصلا في العبارات"، وهكذا نفى محاميه سيد سلامة، وجود دليل على هذه الادعاءات.
وربما لم يتخيل الطالب أن حماسه تجاه اللعبة التي يشجعها سوف ينقلب ضده ويتحول الأمر من تعصب كروي اعتاد عليه الشباب، إلى قضية تنظرها المحاكم المصرية وتهدد مستقبله.
وقائع مشابهة
غرابة هذه الواقعة بالنسبة لبعض المصريين تكمن في أن الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، يعتادون الهجوم على المشاهير وتوجيه السباب لهم عبر صفحاتهم الشخصية والرسمية، لكن أولئك المشاهير لم يعلنوا رفع دعاوى ضد مثل هذه التصرفات من قبل، فكيف للاعب في انجلترا تفصله عن شاب مصري في إحدى قرى الشرقية مسافات بعيدة أن يفعل ما فعله؟
ومن بين الوقائع المشابهة ما تعرض له لاعب نادي الزمالك محمود عبد الرازق شيكابالا في عام 2020، عندما نشر صورة لزوجته وابنه على مواقع التواصل الاجتماعي، وانهالت عليه التعليقات العنصرية بسبب اختلاف لون بشرة ابنه عن لون بشرته.
كما تعرض شيكابالا لواقعة أخرى في ذات العام، حيث تداول مستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي، فيديو يوضح قيام عشرات من المحتفلين في محافظة الأقصر بفوز النادي الأهلي بدوري أبطال أفريقيا على الزمالك، بإحضار كلب أسود يرتدي "تي شيرت" الزمالك ورفعه هاتفين "شيكا شيكا".
ورغم إلقاء القبض على عدد من المحتفلين بسبب هذه الواقعة، إلا أن الأمر انتهى إلى إخلاء السبيل ومن ثم التصالح.
القانون المصري يضم العديد من المواد التي تعاقب بالحبس والغرامة ضد انتهاك الخصوصية وإساءة استخدام أجهزة الاتصال والإزعاج، وهي القوانين هي التي استند إليها محامو راشفورد لإقامة دعواهم ضد الطالب المصري محمد عصام
كذلك الفنان محمد رمضان، الذي نشر صورته رفقة ابنه، ليقابل تعليق: "أسود زي أبوه"، ولم يفكر الممثل المصري في تحريك دعوى قضائية، بل اكتفى بالرد: "أنا فخور بلوني.. لون أبويا وأولادي اللي ربنا خلقه".
كما تعرضت الفنانة يسرا اللوزي، تعليق مسيء عندما وصفها أحد المتابعية بـ"أم الطرشة" التي شاركت تجربتها مع ابنتها التي تعاني من ضعف السمع، في أحد البرامج التليفزيونية، ولم يكن منها إلا أنها ردت على التعليق بأنها فخورة بابنتها التي كانت سبباً في تطبيق كشف السمع المبكرعلى كل المواليد المصريين، متساءلة عن إنجازات صاحب التعليق".
قوانين ربما يجهلها الكثيرون
ربما لا يدري المصريون أو يتجاهلون أن القانون المصري يضم العديد من المواد التي تعاقب بالحبس والغرامة ضد انتهاك الخصوصية وإساءة استخدام أجهزة الاتصال والإزعاج، وهي القوانين هي التي استند إليها محامو راشفورد لإقامة دعواهم ضد الطالب المصري محمد عصام.
ففي دعواهم طالبوا بتوقيع أقصى عقوبة منصوص عليها بالمواد 309 مكرر من قانون العقوبات، و70و76 من القانون رقم 10 لسنة 2003 بشأن تنظيم الاتصالات، والمواد رقم 12 و25 و27 من القانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، فعلى ماذا تنص هذه القوانين؟
تنص المادة 309 مكرر من قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937: "يُعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن، وذلك بأن ارتكب أحد الأفعال الآتية في غير الأحوال المصرح بها قانوناً أو بغير رضاء المجني عليه:
(أ) استرق السمع أو سجل أو نقل عن طرق جهاز من الأجهزة أياً كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون.
(ب) التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أياً كان نوعه صورة شخص في مكان خاص.
أما المادة 70 من القانون رقم 10 لسنة 2003 فتنص على: "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد منصوص عليها في قانون العقوبات أو في أي قانون آخر، يُعاقب على الجرائم المنصوص عليها في المواد التالية بالعقوبة المقررة فيها".
وتنص المادة 76 التالية لهذه المادة على: " مع عدم الإخلال بالحق في التعويض المناسب، يُعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تجاوز 20 ألف جنيه او بإحدى هاتين العقوبتين، كل من: استخدم أو ساعد على استخدام وسائل غير مشروعة لإجراء اتصالات، ومن تعمد إزعاج أو مضايقة غيره بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات.
نجا د البرعي محذراً "شاتمي المشاهير": هذه سابقة مهمة، "إحنا مش في الشارع هنشتم ونجري، ولا هنسيء للآخرين ونتخيل إننا بنهزر ونلعب"
أما المادة رقم 12 من القانون رقم 175 لسنة 2018، فتنص على: "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد منصوص عليها في قانون العقوبات أو أي قانون آخر، ومراعاة أحكام قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996، يُعاقب على الجرائم التالية بالعقوبات المبينة قرين كل جريمة".
والمادة 25 تنص على: يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أى من المبادئ أو القيم الأسرية فى المجتمع المصرى، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات شخصية إلى نظام أو موقع إلكترونى لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته، أو نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات معلومات أو أخباراً أو صوراً وما فى حكمها، تنتهك خصوصية أى شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة.
والمادة 27 تنص على: فى غير الأحوال المنصوص عليها فى هذا القانون، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه، ولا تزيد عن ثلاثمائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أنشأ أو أدار أو استخدم موقعاً أو حساباً خاصاً على شبكة معلوماتية يهدف إلى ارتكاب أو تسهيل ارتكاب جريمة معاقب عليها قانوناً.
سيناريوهات متوقعة
يقول المحامي الحقوقي، نجاد البرعي، إن المواطنين عليهم التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي بشيء من الاحترام والمسؤؤلية: "إحنا مش في الشارع هنشتم ونجري، ولا هنسيء للآخرين ونتخيل إننا بنهزر ونلعب"، مشيراً إلى أن هناك فرقاً بين الهجوم والسب والتنمر والعنصرية.
وأضاف في تصريح لرصيف22، أن القانون رقم 175 لسنة 2018، بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، جرى تطبيقه على الكثير من الحالات المتعلقة بشباب "التيك توك" وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الضجة الحالية تتعلق بارتباط الواقعة بلاعب مشهور قرر أنه لن يتسامح في إهانته: "الطالب كان متخيل إنه هيشتم اللاعب وهو هيقوله ربنا يسامحك، لكن اللاعب لجأ للقانون المصري لرد الإهانة".
وعن العقوبة المتوقعة على الطالب، قال إنه لا يمكن التوقع بها إلا في ضوء حيثيات القضية، أما عن نكران الطالب ومحاميه نسبة الرسائل إلى حسابات الطالب، فقال البرعي إنه في هذه الحالة سيتم إحالة الأمر للمساعدات الفنية في وزارة الداخلية، وهي الجهة المنوطة بتحديد ما إذا كانت الرسائل منسوبة لحسابات الطالب أم لا.
أما المدير العام لمنظمة اتحاد المحامين للدراسات القانونية، شادي طلعت، قال إن الطالب تجاوز سن الـ21 سنة، وبالتالي فهو كامل الأهلية ومسؤول عن تصرفاته، وإذا ماكانت الألفاظ التي ذكرها في رسالته إلى راشفورد تحمل عبارات تنمر فإنها تقع وفقاً للقانون تحت مسمى السب، وعقوبته الغرامة فقط، ثم رفع دعوى تعويض، لكن إن تناولت الألفاظ والعبارات قذف وليس سب ودخلت في الأعراض فإن العقوبة تكون الحبس وتصل إلى 3 سنوات.
وأضاف لرصيف22، إن نفي الطالب للواقعة قد يفيد في حالة عدم استدلال مباحث الإنترنت على أي شيء، أما إذا توصلت إلى أن الذي أرسل الرسائل المسيئة هو صاحب الحساب المبلغ عنه فتقع عليه العقوبة المقررة: "لو الطالب مسح الرسائل بشكل تام قبل توصل مباحث الإنترنت إليها فالقضية هتنتهي للبراءة".
ولفت طلعت، إلى أن هناك فروقاً بين توجيه النقد للشخص الطبيعي، أو الشخصية المشهورة المسؤولة، أو الشخصية العامة غير المشهورة، موضحاً أنه في حالة توجيه النقد الذي يصل إلى حد السب والقذف للشخص الطبيعي يترتب عليه الغرامة والحبس، أما بالنسبة للشخصية المشهورة المسؤولة فنقدهم وتوجيه بعض العبارات التي هي عبارة عن قذف يستوجب الحبس، لا يعاقب القانون على ذلك لأن الشخصية عامة ومسؤولة.
وتابع أنه في حالة الشخصيات العامة غير المسؤلة مثل الفنانين واللاعبين فهم أيضاً معرضون للنقد من قبل الجمهور، وأحياناً يتحول النقد لقذف، ومع ذلك ينتهي الأمر إلى البراءة في كثير من الأحيان لأنهم يجنون دعايا سلبية جراء هذا النقد: "على سبيل المثال المخرج خالد يوسف، هو أكثر من حصل على دعاية سلبية بسبب الهجوم على أفلامه دون إنفاق أي مليم"، كما أن الشخصيات العامة ينتقدها الكثير من الناس: "لو الطالب عمل سيرش على الإنترنت هيلاقي ناس كتير أوي هاجموا اللاعب وتنمروا عليه، ويقدر يقول أنا نقلت من اللي بيهاجموه، يعني نقل كلام مش اتهام، وارفعوا قضايا على كل اللي بيهاجموه".
أما عن العبارات العنصرية، فقال المدير العام لمنظمة اتحاد المحامين، إن العنصرية مجرمة وفقاً لقوانين الأمم المتحدة: "دي جريمة كبيرة، ولو ثبت تورط الطالب فيها، سيعاقب عليها عقوبة السب التي تستدعي الغرامة ومن ثم التعويض المدني"، موضحاً أن محاميي راشفورد طلبوا غرامة مؤقتة قيمتها 15001 جنيه: "مش علشان ياخدوها لكن علشان لو الحكم صدر بالبراءة في أول درجة يقدروا يستأنفوا في الشق المدني ويرفعوا قضية تعويض".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع