"عندما تم إعلان النتائج، لم يجد آدم اسمه على قائمة الناجحين، وهو ما أثّر كثيراً على نفسيته. نعتبر هذا عنفاً وانتهاكاً للمشاعر في حق طفلنا"، بهذه الكلمات انطلق الحسين ورزكن، من مدينة أكادير(جنوب المغرب)، في سرد تفاصيل ما جرى مع ابن أخيه آدم، البالغ من العمر 13 سنة، عقب تقدمه لاجتياز اختبارات قافلة "مواهب كروية"، يوم الأحد 5 آذار/مارس 2023، في ملعب "بوعلي" في المدينة الساحلية.
يحتضن المغرب مسابقة رياضية وطنية، أطلق عليها اسم "مواهب كروية"، يجوب محكِّموها مختلف مدن المملكة المغربية لاكتشاف مواهب في كرة القدم، من غير المنتمين لأي أندية كروية، وتتراوح أعمارهم ما بين 13 و14 سنة، لتدريبهم وتكوينهم داخل أهم المراكز الخاصة بكرة القدم بالمغرب.
يكمل الحسين حديثه إلى رصيف22 قائلا "سجل آدم هدفاً، وقدّم تمريرة حاسمة، وعند نهاية الاختبار، ناداه المشرف رفقة طفل آخر، وطلب منهما أرقام الهواتف، ورقمي القميصين، وأخبرهما أن اللجنة ستتصل بهما في القريب العاجل، بشكل فهم منه الطفلان أنهما قد نجحا وتم اختيارهما. لكن عندما تم إعلان النتائج بعد أيام، على الموقع الإلكتروني الخاص بالمسابقة، لم يجدا اسميهما ضمن القائمة، وهذا ما جعلنا نطرح علامة استفهام حول كيفية تدبير الاختيار والمعايير المعتمدة".
أحلام غذّاها مونديال قطر
قصة المنتخب المغربي في مونديال قطر2022، ووصوله إلى نصف نهائي المسابقة كأول فريق عربي وإفريقي يحقق هذا الإنجاز، غذّا أحلاماً صغيرة لأطفال مغاربة يعشقون كرة القدم، فصاروا يحلمون بالسير على خطى حكيم زياش وياسين بونو وبقية نجوم المنتخب.
فيما صار حلم الآباء هو أن يصبح ابن الأسرة الفقيرة، نجماً قادراً على إخراج عائلته من دائرة الفقر نحو الرخاء و"المجد"، باتت الأمهات يحلمن بلحظة تكريم مماثلة لما حظيت به أمهات "أسود الأطلس"، على مدرجات ملاعب المونديال القطري وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وفي ضيافة القصر الملكي.
فاطمة الناجي، القاطنة في العاصمة الرباط واحدة من بين المغاربة الحالمين برؤية أبنائهم نجوماً في كرة القدم، تقول باستياء بالغ: "لا أدري لماذا ما زالت هذه القافلة مستمرة؟ إذ يقومون بنفس الممارسات في كل مدينة يحطون بها الرحال"، مسترسلة "يوم 12 شباط/فبراير 2023، على الساعة العاشرة صباحاً، في مدينة الرباط، رافقت أخ زوجي إلى ملعب الاختبار. وبعد مدّة، جاء عندي أحد المشرفين على عملية الانتقاء، ليخبرني أن الطفل لعب جيداً، ونجح في الاختبار".
"عندما تم إعلان النتائج، لم يجد آدم اسمه على قائمة الناجحين، وهو ما أثّر كثيراً على نفسيته. نعتبر هذا عنفاً وانتهاكاً للمشاعر في حق طفلنا"
"مباشرة بعد ذلك، صدرت عن المؤطرين سلوكيات مريبة، وكأنهم كانوا يريدون إرسال إشارة أو فكرة معينة، إذ أخذ أحدهم يفتح هاتفه بالقرب منا ثم يغلقه، مكرراً الحركة مرات عديدة. بعدها، سألته عن موعد إعلان النتائج، ليجيبني أنه بعد يومين ستعلن على الموقع الالكتروني الرسمي الخاص للقافلة الكروية، مؤكداً لي أنه تم انتقاء أخ زوجي، بعدها غادرنا والطفل يكاد يطير من الفرح"، تضيف فاطمة في حديثها إلى رصيف22.
بعد أيام قليلة من عبور القافلة الكروية لمدينة الرباط، فوجئت فاطمة بعدم وجود اسم الطفل، الذي كان يُفترض أنه اجتاز الاختبار بنجاح، ضمن قوائم الناجحين، الشيء الذي جعله يتأذى معنوياً، ويشعر بطعم "الانهزام"، مما دفعها للقول بنبرة يطبعها الاستنكار: "إن القيام بمثل هذه الممارسات مع شخص بالغ، ربما يستساغ، لكن أن تلعب بمشاعر ونفسية الأطفال، فذلك أمر سيئ جدّاً "، مشيرة إلى أن حالة أخ زوجها ليست الوحيدة، إذ "يكفي الاطلاع على صفحة "مواهب كروية" على فيسبوك، لتدرك أن هناك حالات عديدة حصل معها الأمر ذاته من مختلف المدن، وهؤلاء فقط الذين تشجَّعوا وكتبوا تعليقات مندّدة، أما ما خفي فربما يكون أعظم"، تقول.
مسابقة "مواهب كروية" تنفي
من جهتها، تفاعلت الصفحة الرسمية لمسابقة "مواهب كروية" على موقع فيسبوك، في توضيح لها، مع التعليقات التي انهالت على منشورات الصفحة، والتي تنتقد طريقة تدبير القائمين على المسابقة. إذ جاء فيه أنه "إذا تم النداء على مشارك أو مشاركة للإدلاء برقم هاتف ولي أمره/ا، فهذا لا يعني أنه قد تم اختياره، بل فقط لأن استمارته غير كاملة، ونحتاج التأكد من الرقم أو من البريد الإلكتروني، في حالة تم اختياره".
أضاف البيان ذاته ، أنه "حسب ما فهمنا من بعض التعليقات، بعض المشاركين أو المشاركات يخبرون آباءهم أنه تمت مناداتهم من طرف لجنة التحكيم، أي تم اختيارهم، وهذا شيء غير صحيح البتة، الحالة الوحيدة التي يتم التواصل فيها مع المشاركين من طرف اللجنة المنظمة أو لجنة التنقيب، هي عندما نجد عند فتح ملف المشارك من أجل التنقيط، أن استمارته تنقصها بعض المعلومات وخاصة رقم أو بريد إلكتروني للتواصل في حالة اختياره أو في حالة حاجتنا للتواصل مع ولي أمره لاحقاً".
هذا التوضيح، أعقبته مجموعة من التعليقات المنتقدة على صفحة المسابقة، والصادرة عن أولياء أمور أطفال يشتكون من عدم إدراج أسماء أبنائهم ضمن قوائم الناجحين.
قصة المنتخب المغربي في مونديال قطر2022، ووصوله إلى نصف نهائي المسابقة كأول فريق عربي وإفريقي يحقق هذا الإنجاز، غذّا أحلاماً صغيرة لأطفال مغاربة يعشقون كرة القدم
في هذا الصدد، يرى الحسين ورزكن، أنه "كان من الأفضل ألاّ يتم أخذ رقم الهاتف والمعلومات من الأطفال، لأن ذلك يؤثر عليهم نفسياً في حالة إذا لم يتم اختيارهم أو عدم إيجاد أسمائهم ضمن اللائحة"، مشيراً إلى أن "جميع المعلومات تقريباً موجودة في موقع التسجيل، وكل طفل لديه رقم وأمامه اسم، يكفي رؤية الطفل ورقمه ثم تسجيله من دون الحديث معه، حتى لا يتأثر بالنتيجة النهائية".
طالب الحسين بـ"إعلان المعايير المعتمدة، وليس فقط إجراء مداولات بعد انتهاء الاختبارات"، معتبراً أن "ذلك ليس ديمقراطياً أبداً، ويساهم في إقصاء العديد من المواهب، التي ستعطي الإضافة للكرة المغربية في المستقبل، وفي الأخير سنرى كلنا في المستقبل أثر هذا العمل، إن كان الاختيار صائباً فسيظهر بإيجابياته، وإن كان غير صائب ستكون نتائجه سلبية بطبيعة الحال، وهذا ما لا نريده".
تابع المتحدث: " نريد النجاح للجميع، وفكرة هذه القافلة مهمة جداً، وتساعد الأطفال في الكشف عن مواهبهم وقدارتهم. ولكن لابد أن يكون ذلك وفق معايير واضحة وشفافة، وأن تكون الديمقراطية في الاختيار، لأننا كلنا مغاربة، ونريد الخير لهذا البلد، ومن يستحق ونجح، سنصفق له وسنشجعه. نحن فقط ندافع عن حقنا".
صناعة جيل فاقد للثقة!
أما حسن أبلقاسم، من مدينة إنزكان، فيقول إن "مجموعة الأطفال الذين لعب بجانبهم ابنه، لم يسبق له أن عرفهم من قبل، في حين هناك أطفال سبق لهم اللعب مع بعضهم البعض، ضمن نوادي في مناطق الدشيرة وإنزكان وتراست، علماً أن قانون المسابقة لا يسمح لمن ينتمي لنوادي العصبة بالمشاركة"، مشيراً إلى أن "ابنه ومن بقي من الأطفال، كانوا يعلمون أنهم سيقصون حتى قبل أن يدخلوا إلى أرضية الملعب" .
أضاف أبلقاسم، في حديث مع رصيف22، قائلا "بلادنا تعج بالمواهب، ليس في كرة القدم فقط، وإنما في مجموعة من الأنشطة سواء الرياضية أو الثقافية، لكن لا يوجد في هذه البلاد السعيدة من يأخذ بيدهم، وهذا ما يجعل هذه المواهب تضيع وتفقد الأمل في المستقبل"، معتبراً أن "رمي الكرة لستة عشر طفلاً، لمدة 10 دقائق، لا يعني إظهار موهبتهم، الأمر الذي يؤكد أن طريقة الانتقاء لا تعبر عن أي احترافية تذكر".
بلادنا تعج بالمواهب، ليس في كرة القدم فقط، وإنما في مجموعة من الأنشطة سواء الرياضية أو الثقافية، لكن لا يوجد في هذه البلاد السعيدة من يأخذ بيدهم
"بعد مرور أسبوع تقريباً، بدأ ابني ينسى"، يورد أبلقاسم، "إنه يشارك الآن في البطولة المدرسية، وقد اختير من الأوائل في كرة القدم بشهادة أساتذته ، وهذا ما أنساه مشاركته في هذه المهزلة".
يشعر الآباء أن أبناءهم تعرضوا إلى عنف معنوي، بعدما ظنوا أنهم نجحوا في اختبارات المسابقة. في هذا الصدد، ترى أمينة العمراني الإدريسي، الناشطة الحقوقية في مجال حماية الطفل، في تصريح لرصيف22، أن "الوعود المقدمة إلى الأطفال من طرف الكبار، من المفترض أن تكون حقيقية، لأننا حينما نخلف الوعود، فنحن بذلك نضرب قيمة الوفاء بالوعود عند الطفل، وهذا يؤثر سلباً على سلوكيات الصغار وتوازنهم النفسي"، مؤكدة أن "مثل هذه الممارسات تساهم في جعل الطفل يعتقد أن الكفاءة ليست هي المعيار، وبالتالي يصبح غير مبال بتنمية كفاءته ومهاراته، مما يُفقده الحافز والثقة في أن الجهد والعمل يمكن أن يؤدي إلى تحقيق نتيجة إيجابية".
تختم العمراني الإدريسي، بأن "قتل قيمة الكفاءة عند الأطفال، سيصنع لنا جيلاً ميتاً من الداخل، لا يؤمن بقيم الوفاء والعمل وبذل الجهد لأجل النجاح، بالإضافة إلى أن هذا سيؤدي إلى قتل ما يسمى "بنظرية التعلق الآمن عند الأطفال"، والمرتبط أساساً بوالديه ثم بالبالغين والمسؤولين في دولته. وبالتالي سنكون إزاء مجموعة من الخسارات، على مستوى الموارد البشرية التي هي أول لبنة من لبِنات التنمية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون