في الثاني من شهر رجب من عام 725هـ، كان محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن يوسف اللواتي، المعروف بـ ابن بطوطة، صاحب الاثنين وعشرين عاماً آنذاك، يتأهب لأداء مناسك الحجّ لأول مرة في حياته، لكن هذه الرحلة التي بدأت بوازع ديني تحوّلت إلى ترحال في الكثير من البلدان بالقارّات الثلاث (إفريقيا، وآسيا، وأوروبا).
ذلك الترحال الذي دام لأكثر من تسعة وعشرين عاماً ونصف العام، قطع خلالها ابن بطوطة 121 ألف كيلومتر، برزت من بينها رحلة قصيرة المدى عظيمة الأثر في جزر المالديف.
المالديف قديما وحديثاً
قديماً، عرف العرب المالديف باسم "ذيبة المهل"، وهكذا تُذكر في كتاب ابن بطوطة "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار". لكن يبدو أن الاسم المتداول الآن (المالديف) هو قلبٌ لكلمتي "مال ديب"، بعد تحريفها، وفقاًhttps://dawa.center/file/3427 لكتاب "مظاهر الحضارة الإسلامية في المالديف منذ دخول الإسلام حتى قيام النظام الجمهوري".
ما من مصدر يذكر المالديف/ذيبة المهل إلا ويُعرّج على جمالها منذ اكتشافها، لكن هذا الجمال وتلك الرؤية كانا مختلفين بشكل كبير في ناظري ابن بطوطة.
إليها كان الملاذ
كان ابن بطوطة يعيش في ألفة بالهند، في وقت كانت محكومة من قِبل الأمراء المماليك المغول، وعلى رأسهم السلطان ابن تغلق شاه.
قديماً، عرف العرب المالديف باسم "ذيبة المهل"، وهكذا تُذكر في كتاب ابن بطوطة "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار". لكن يبدو أن الاسم المتداول الآن (المالديف) هو قلبٌ لكلمتي "مال ديب"
عند ذلك كان الرحالة الدؤوب ينعمُ بصحبة أحد الأمراء المحليين في منطقة هنور، وهو الأمير جمال الدين، الذي رافقه ابن بطوطة في حملاته العسكرية ضد الهندوس، وهي الحملات التي انتهت بخسارة مفجعة لجمال الدين ورفيقه الرحالة على يد الهندوس.
يصف ابن بطوطة تلك الأيام الأليمة في كتابه الرحلي: "حين استولت الأيدي على المتاع، وتفرَّق أصحابي إلى الصين والجاوة وبنجالة (...) وكانت عساكر السلطان متفرقة في القرى، فانقطعوا عنا وحَصَرَنا الكفار وضَيَّقُوا علينا، ولما اشتد الحال خرجتُ عنها وتَرَكْتُها محصورة وعُدْتُ إلى قالقوط، وعزمت على السفر إلى ذيبة المهل وكنت أسمع بأخبارها، فبعد عشرة أيام من ركوبنا البحر بقالقوط وصلنا جزائر ذيبة المهل، وذيبة على لفظ مؤنث الذيب والمَهَل (بفتح الميم والهاء)".
الحديث عن جمال المالديف قتل بحثاً… فماذا عن جمال نسائها؟
أفضل من يجيب عن هذا السؤال، هو ابن بطوطة الذي عاش فيها عاماً ونصف العام، كملك غير متوج، إذ اعتبره أهلها عالماً له شأن ومكانة، لذلك عيّنته السلطانة قاضياً على الجزر والرعية، لدرجة أنه أخبرهم قائلاً: "إن أردتم مقامي فأنا أشترط عليكم شروطاً. فقال: نقبلها فاشترط. فقلت: أنا لا أستطيع المشي على قدمي، ومن عادتهم أن لا يركب أحد هنالك إلا الوزير، ولقد كنت لما أعطوني الفرس فركبته يتبعني الناس رجالاً وصبياناً يعجبون مني".
من ذلك الحديث نفهم أن القائمة على أمر المالديف في زمن ابن بطوطة كانت سلطانة، وتدعى خديجة بنت السلطان جلال الدين عمر بن السلطان صلاح الدين صالح البنجالي.
يروي ابن بطوطة صعود السلطانة خديجة إلى المنصب، فيقول: "كان المُلك لجدها ثم لأبيها، فلما مات أبوها وُلّي أخوها شهاب الدين وهو صغير السن، فتزوج الوزير عبد الله بن محمد الحضرمي أمه وغلب عليه، وهو الذي تزوج أيضاً هذه السلطانة خديجة بعد وفاة زوجها الوزير جمال الدين كما سنذكره، فلما بلغ شهاب الدين مبلغ الرجال أخرج ربيبه الوزير عبد الله ونفاه إلى جزائر السويد، واستقل بالملك واستوزر أحد مواليه ويسمى علي الكلكي، ثم عَزَلَهُ بعد ثلاثة أعوام ونفاه إلى السويد، وكان يُذْكَر عن السلطان شهاب الدين المذكور أنه يختلف إلى حرم أهل دولته وخواصه بالليل فخلعوه لذلك، ونفوه إلى إقليم هلدتني، وبعثوا من قتله بها، ولم يكن بقي من بيت الملك إلا أخواته خديجة الكبرى ومريم وفاطمة، فقدموا خديجة سلطانة، وكانت متزوجة لخطيبهم جمال الدين، فصار وزيراً وغالباً على الأمر، وقدم ولده محمد للخطابة عوضاً منه، ولكن الأوامر إنما تنفذ باسم خديجة".
يبدو أن السلطانة خديجة كانت محبوبة بين قومها للدرجة التي تجعل اسمها يُذكر على منبر المسجد يوم الجمعة، فيقول الخطيب: "اللهم انصر أمَتَكَ التي اخترتَها على علمٍ على العالمين، وجعلتَها رحمة لكافة المسلمين، ألا وهي السلطانة خديجة بنت السلطان جلال الدين ابن السلطان صلاح الدين"!
نساء عاريات لم يستطع ابن بطوطة تغطيتهن
خصص ابن بطوطة في كتابه جزءاً غير يسيرٍ عن نساء ذيبة المهمل/المالديف، فقال عنهن: "نساؤها لا يغطين رؤوسهن ولا سلطانتهم تغطي رأسها، ويمشطن شعورهن، ويجمعنها إلى جهة واحدة، ولا يلبس أكثرهن إلا فوطة واحدة تسترها من السرة إلى أسفل وسائر أجسادهن مكشوفة، وكذلك يمشين في الأسواق وغيرها".
يقول ابن بطوطة إنه عانى لتغيير عاداتهن في الملبس، فيقول: "ولقد جهدت لما وُلِّيتُ القضاء بها أن أَقْطَعَ تلك العادة وآمرهن باللباس فلم أَسْتَطِعْ ذلك، فكنت لا تَدْخُل إلي منهن امرأة في خصومة إلا مستترة الجسد، وما عدا ذلك لم تكن لي عليه قدرة"!
كان ابن بطوطة من الدقة بمكان، أن يصف ملبسهن وعاداتهن في ارتدائه للدرجة التي يقول فيها: "ولباس بعضهن قمص زائدة على الفوطة، وقمصهن قصار الأكمام عراضها (...) وحليهن الأساور تَجْعَل المرأة منها جملة في ذراعيها، بحيث تملأ ما بين الكوع والمرفق وهي من الفضة (...) ولَهُنَّ الخلاخيل ويسمونها البايل (بباء موحدة وألف وياء آخر الحروف مكسورة)، وقلائد ذهب يجعلنها على صدورهن ويسمونها البسدر (بالباء الموحدة وسكون السين المهمل وفتح الدال المهمل والراء)".
زواج المتعة في المالديف
حين تولّى ابن بطوطة القضاء في المالديف، تحمّس للزواج بأربع من نسائها، إذ يؤكد أن "التزوج بهذه الجزائر سهل لنزارة الصداق وحسن معاشرة النساء وأكثر الناس لا يسمي صداقاً، إنما تقع الشهادة ويعطي صداق مثلها، وإذا قدمت المراكب تزوج أهلها النساء، فإذا أرادوا السفر طلقوهن، وذلك نوع من نكاح المتعة، وهن لا يخرجن عن بلادهن أبداً".
خصص ابن بطوطة في كتابه جزءاً غير يسيرٍ عن نساء ذيبة المهمل/المالديف، فقال عنهن: "نساؤها لا يغطين رءوسهن ولا سلطانتهم تغطي رأسها، ويمشطن شعورهن، ويجمعنها إلى جهة واحدة، ولا يلبس أكثرهن إلا فوطة واحدة"
برغم ذلك، يقول عنهن: "لم أَرَ في الدنيا أحسن معاشرة منهن، ولا تَكَلُّ المرأة عندهم خدمةَ زوجها إلى سواها، بل هي تأتيه بالطعام، وترفعه من بين يديه، وتغسل يده وتأتيه بالماء للوضوء وتغم رجليه عند النوم، ومن عوائدهم ألَّا تأكل المرأة مع زوجها، ولا يَعْلَم الرجل ما تأكله المرأة، ولقد تَزَوَّجْتُ بها نسوة فأكل معي بعضهن بعد محاولة وبعضهن لم تأكل معي، ولا استطعْتُ أن أراها تأكل ولا نفعتني حيلة في ذلك".
ذلك النعيم الذي عاشه ابن بطوطة بين نساء المالديف لم يدم طويلاً، فقد غضب عليه الوزير عبد الله بن محمد الحضري، لأسباب تخص أحكامه ككقاضٍ للبلاد، ومن ثم ضاق به الأمر وتهيأ للرحيل، وأمره الحضري قائلاً: "أعطِ صداقات النساء، وديون الناس، وانصرفْ إذا شئت".
على الفور، انفصل ابن بطوطة عن اثنتين من نسائه المالديفيات، وكانت الثالثة تحمل جنيناً في بطنها، فجعل لها أجلاً تسعة أشهر، إن عاد ظلت معه، وإلا فأمرها بيدها، وانقضى الأجل ولم يعد، ولم يرد ذكر مصير هذا الجنين بعد ذلك في كتابه.
أما الرابعة، فأبت إلا أن ترحل معه، مُتحدية عادات بلدِها التي تمنع اصطحاب الوافد لزوجته. وفي يوم اشتاقت لأهلها بعدما داهمها المرض، فتطلقا، وعادت إلى وطنها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه