تردّدت كثيراً قبل كتابة هذه المادة، ليس بسبب الموضوع الذي أتحدث عنه، إنما بالشكوك التي تدور في بالي إن كنت قادراً على فهم ذاتي ليفهم القراء ما أكتب.
لم أفهم يوماً طبيعة علاقتي مع الله، وهذا الضياع يزداد أكثر مع كل محاولة لفهمها. لا تفسير عندي للعلاقة التي تربطني به، ولا السبب خلف عشرات (أو مئات) الأسئلة التي تدور في بالي.
أحببت كثيراً أن أكون كالآخرين، مؤمناً بكل ما قيل لنا عن الله وعن صفاته وعن وجوده جنبنا في كل الأوقات وما إلى هنالك. لا أعني بأفكاري هذه أنني ملحد، بل على العكس، أنا على أشد اليقين بوجود الله... مع تشكيكي بكل ما قيل لنا. ما يدور في بالي أن الله ليس كما وصفوه، والقيود التي نقلوها لنا لا وجود لها من الأساس.
نقاشات عدة خضتها مع أصدقائي، محاولاً فهم ما يقتنعون به وكيف يفسرون العلاقة التي تجمعنا بالله. تركّزت أجوبة الأغلبية منهم/ ن حول الخوف من الله وعقابه، وأننا كبشر نعمل دوماً على كسب رضاه خوفاً من "نار جهنم".
مع كل نقاش، كان ضياعي يزداد أكثر فأكثر حتى قرّرت الاحتفاظ بهذه الديباجة اللامتناهية بيني وبين جدران غرفتي في الليالي الهادئة، رغم ندرتها.
مراحل متفاوتة
خلال طفولتي، وكأي طفل، تعلمت من أهلي من هو الله وما علينا من واجبات تجاهه، وأنه قد "يحرقنا" بالنار في حال مخالفة تعليماته. صدّقت التعليمات كلها، وعملت على تنفيذها بتفاصيلها المملة. لم أنم يوماً قبل شكر الله على النعم التي أعطانا إياها، ولم أتناول أي وجبة طعام دون ذكر اسمه. خلال المرحلة الابتدائية، وكطالب في مدرسة دينية، تعمّقت أكثر بهذه التفاصيل حتى وصل خوفي من الله إلى ما فوق الطبيعة، لتتحول علاقة خوف لا أكثر.
لا أعني بأفكاري هذه أنني ملحد، بل على العكس، أنا على أشد اليقين بوجود الله... مع تشكيكي بكل ما قيل لنا. ما يدور في بالي أن الله ليس كما وصفوه، والقيود التي نقلوها لنا لا وجود لها من الأساس
بعد إنهائي هذه المرحلة، طُردت من المدرسة بحكم سلوكي المشاغب وتكراري "الشيطنات" التي أزعجت المدرسين والإداريين، رغم علاماتي الجيدة طوال تسع سنوات أمضيتها في مدرستي. في المرحلة الثانوية، خفّت الضغوط الدينية التي اعتدت عليها لسنوات. ببساطة، نفرت من هذه الضغوط، ولاحظت غياب التوافق بين صفات الله الحسنة التي علموني إياها، وبين العواقب التي قد تلحقنا، وصولاً حد الحرق والعطش في "جهنم".
هنا، تحولت علاقتي مع الله. لم يعد الخوف الرابط بيننا، ووجدت أن ما يجمعني به أكبر بكثير من خوف العقاب الذي علموني إياه. أؤمن اليوم بأن الله لن يعاقبني على كاس من الويسكي أتناوله في المناسبات، ولن يعاقب أصدقائي بحرمانهم/ن" الجنة" في حال عدم صيامهم/ن أو تقصيرهم/ن في تأدية أي من واجباتهم/ن الدينية.
الله موجود... لكن كيف؟
"الله معنا يراقب كل أفعالنا"، هي من أكثر العبارات التي تردّدت على مسامعي خلال طفولتي. العبارة هذه كانت كفيلة بتشغيل دماغي لساعات، لأطرح أسئلة حولها وحول دقتها. حاولت إقناع نفسي بها مراراً، لأعود وأتراجع عنها مع كل حادثة قتل أو كارثة أو حرب أشاهدها على التلفزيون. أسئلة كـ" لو كان الله فعلاً مع هؤلاء، لماذا لم يكتب لهم النجاة؟ وماذا يعني أن الله فعلاً مع أكثر من 7 مليار شخص يقطنون بقاع الأرض؟"، راودت عقلي مع كل مأساة شاهدتها، خصوصاً بعد الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا الشهر الماضي.
قرّرت تجاهل هذه العبارة لمرّات، باعتبار أن "رقابة" الله ليست بالشكل الذي صوروه لنا. نسيت قراري هذا مع كل موقف مباغت واجهته، لأجد نفسي أكرر عبارات كـ" يا رب كون معي". لم أفهم لماذا لجأت له فجأة رغم تشكيكي بوجوده الدائم معنا.
أؤمن اليوم بأن الله لن يعاقبني على كاس من الويسكي أتناوله في المناسبات، ولن يعاقب أصدقائي بحرمانهم/ن" الجنة" في حال عدم صيامهم/ن أو تقصيرهم/ن في تأدية أي من واجباتهم/ن الدينية
خلال الفترة الماضية، تقصّدت متابعة العديد من رجال الدين" الفقهاء" لأجد نفسي غير مقتنع بأي عبارة قالوها. لا تنبع عدم قناعتي هذه من" الفزلكات" الفلسفية التي أحب، إنما من شيء لا أعرفه أو لا أستطيع وصفه. الأمر نفسه تكرّر مع مقاطع شاهدتها لأهم الملحدين، إذ وجدت أنني بعيد كل البعد عن الأفكار التي يؤمنون بها.
"اتركها على ربك"
منذ اندلاع الأزمة اللبنانية، تتكرّر عبارة "اتركها على ربك" في كل جلسة" فضفضة" للبنانيين. قد تكون هذه العبارة من باب التخفيف عن شعب محبط، لكنها في المضمون أكثر من ذلك بكثير. لم أؤمن بها يوماً، باعتبار أن عبارات كهذه تستخدم لفصل الإنسان عن الواقع، وكنوع من الاستسلام للقدر أو المجهول، في الوقت نفسه، ومع كل أزمة واجهتها وفشلت في إيجاد الحلول لها، قرّرت "أتركها على الله".
لا أدري إن كنت عديم المنطق عند لجوئي لهذه العبارة، لكنني فعلت. وقد يكون الـ "لا منطق" في استخفافي بهذه العبارة. الضياع بين "المنطق واللا منطق" نفسه واجهته خلال محاولة التفرقة بين إذا ما نعيشه هو ما كتبه الله لنا أم أن الحياة هكذا تسير لترافقها الأحداث صدفة أو ببساطة دون أي سبب؟
من بين الصراعات الأساسية التي واجهتها، فهم مقاربة البشر للموت، فمع أي حادث سيارة مثلاً يسقط فيه قتلى، تتردّد عبارات كـ "إرادة الله وهو أعلم في أمورنا".
ماذا يعني أنها إرادة الله؟ في التفسير اللغوي يعني أنه هو من يقف خلف الحادث مثلاً. أين العلاقة بين حادث سير وقع في ثوانٍ معدودة نتيجة قلة انتباه السائقين/ات أو عطل في السيارة، وبين "إرادة الله"؟
منذ فترة وهذه الأسئلة تتكرّر وتتكاثر... والواقع أتعبني بالفعل. لا أدري إن كانت المشكلة في معتقداتي أم في طريقة إيصال المعلومات الدينية التي تحكم مجتمعاتنا. لا أجد أي انتماء في جلسات النقاش التي خضتها، ولم أتمكن من تصنيف نفسي تحت أي خانة. ما أعرفه أنني أؤمن بوجود الله، مع التفسيرات الخاصة التي أعمل جاهداً للوصول إليها، وما يجمعني بالله أكبر بكثير مما حاولوا تعليمي إياه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع