شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
رحلة الشرطة السودانية…. من الرصاص إلى

رحلة الشرطة السودانية…. من الرصاص إلى "الردح"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 15 مارس 202301:02 م

تفاجأ السودانيون مطلع الأسبوع الجاري، ببيان غريب ومبهَم صادر عن قوات الشرطة. البيان، برغم كتابته باللغة العربية التي تُعدّ اللغة الرسمية للبلاد ويتحدث بها غالبية السكان، استعصى فهمه على غالبية الأهالي، لا سيما أنه كان غايةً في الركاكة، واحتشد بالأخطاء الإملائية والنحوية، وفي طياته استخدم "الردح"، على طريقة: "إياك أعني واسمعي يا جارة"، للمدافعة عن قادة الشرطة إزاء ما عدّها هجمةً لاستهدافهم من جهات لم تتم تسميتها، ومن ثم ختم كل تلك اللغة الغرائبية بالآية القرآنية: "وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ".

فما حكاية هذا البيان؟ وكيف جرى تفسيره؟ وكيف يؤثر على علاقات الأهالي بأحد أهم أجهزة إنفاذ القانون؟


قصة البيان العجيب

أصدرت الشرطة بياناً عبر منصاتها الرسمية، وعممته على وسائل الإعلام، بدأ بالآية "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ"، ما يشي بحالة ضيق من أحاديث أو كتابات صادرة في حق الشرطة، وعن "فسقة".

وبالتوغل في البيان، نجده تحدث عن مهنية الشرطة، المستقاة من إرث 116 عاماً من الخدمة، مع التشديد على أن كافة الإجراءات داخل أروقتها تتم بشفافية ومؤسسية وتجرّد، ومن ثم رأى أن من يطعن في قيم الجهاز، يمارس "اللولوة" (تعبير محلي يعني "اللف والدوران")، وصنّفه بالانتماء إلى "لوبيهات وشلليات ظلت تتحكم لوقتٍ طويل في كثير من مفاصل المؤسسة، وتعتقد أنها الوارث الحصري للشرطة".

ويُفهم من هذه الفقرة وجود صراع بين أطراف داخل الشرطة، سواء كانوا ما يزالون في الخدمة، أو محالين إلى التقاعد، وهذا كل ما فهمناه.

وبعد فاصل من الردح، في حق هذه اللوبيهات، اشتمل على توصيفات ضدها من شاكلة: "استخدام المكر والدهاء، وتوظيف الأموال"، لإنفاذ مخطط للإضرار بالجهاز وسمعته، وخُتم البيان بوعيد بملاحقة أصحاب المخطط، مع التأكيد على الاستمرار في خدمة الشعب، وانتهى البيان كما بدأ، بآية قرآنية: "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا"، ربما لتبرير أي قصور، وصولاً إلى قوله تعالى: "وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ"، وهو قول يساوي بين معاداة الشرطة والكفر.

بعد فاصل من الردح والتهديدات والاتهامات، انتهى بيان وزارة الداخلية كما بدأ، بآية قرآنية

تفسيرات مختلفة

ذهبت التفسيرات في معظمها إلى القول إن دفاع الشرطة نتاج فيديو يحوي اتهامات مباشرةً لوزير الداخلية، وضابط الشرطة الرفيع عنان حامد، بأنهما مارسا الفساد في تعيينات شملت إبعاد ضابط رفيع يشغل منصب مدير السجل المدني في واشنطن، لصالح زوج ابنة الوزير، وإلحاق ابنته الثانية بسلك الشرطة برتبة رفيعة من دون أن تكون أهلاً لهذا الامتياز.

وفي المنحى ذاته، ترى تفسيرات أن السبب هو مقال رأي لإدريس ليمان، وهو ناطق سابق باسم الشرطة، أحاله الوزير إلى التقاعد.

ليمان كان من المعترضين بشدة على تعيين الوزير، كونه تم بمحاباة على أسس قبلية، إذ ينحدر عنان من منطقة الحاكم الفعلي للبلاد، الجنرال عبد الفتاح البرهان.

وجاء مقال ليمان المعنون بـ"نعم إياك أعني"، بانتقادات للوزير، ونعته بأنه "مستأسد على منسوبيه، مستغنج أمام أقلام الحق، والمسيء إلى كرسي الوزارة، والمتخندق على كرسيها من منصة قبلية ومناطقية قبيحة".

ردود الفعل

ومنذ ساعة صدوره، تحول البيان إلى مادة تغذّي وسائل التواصل الاجتماعية في السودان؛ عدّه كثيرون امتداداً طبيعياً لتراجع المهنية داخل قوات الشرطة السودانية، التي تحتاج إلى عمليات إصلاح كبيرة. وتحسّر معظم السودانيين على الحال التي وصلت إليها شرطتهم.


بعد ذلك، وقعت حادثة جديدة، أعقبت البيان بيومٍ واحدٍ، اقتحم فيها منتسبون إلى الحركة المسلحة، قسماً من أقسام الشرطة، وحرروا محتجزين، بقوة السلاح.

لم تحرك الشرطة ساكناً إزاء هذا الاعتداء، واكتفت بإصدار بيان إدانة خجول، ما دفع المغرّدين لرثاء الحال التي وصلت إليها.

الحادث الأخير، مقروءاً مع البيان، ذكّر آخرين بالقوة المفرطة التي يتعامل بها عناصر الشرطة مع الاحتجاجات السلمية، في مقابل تجاوزهم عن التفلّتات التي تتم ضد عناصرها.

وسقط 125 محتجاً في التظاهرات السلمية المطالبة بالحكم المدني، منذ استيلاء الجيش على السلطة في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021.


بيان يستوجب المحاكمة

عن بيان الشرطة، حاول رصيف22، غير مرة، الاتصال بالمكتب الصحافي لقوات الشرطة، ولكن من دون الحصول على رد.

بعدها توجهنا بسؤالنا إلى الصحافي المتخصص في شؤون الأحداث والجريمة، حافظ السيد، الذي لم يخفِ امتعاضه من البيان ولغته.

وقال لرصيف22، إن الشرطة اعتادت على إصدار بيانات محكمة، واضحة، وبلغة ناصعة، ولكن البيان هذا والبيانات الأخيرة يستحق أصحابها محاكمةً عسكريةً عاجلةً بتهمة الإضرار بسمعة المؤسسة.

ورأى أن البيان كما لم يكن موفقاً في لغته، جانبه عدم التوفيق في المحتوى، وكان الأصوب أن تحقق الشرطة في الاتهامات التي أطلقتها، وبعد الوصول إلى نتائج تصدر بياناً يوضح الحقائق كافة.

لا بديل للشرطة إلا الشرطة، وذهاب هذه القوة أو التقليل من شأنها يعنيان سيادة قانون الغاب، وانتشار الجريمة، والانقياد إلى مربع الفوضى

بدوره، حذّر ضابط الشرطة المتقاعد، العميد محمد مدني، من اتخاذ بيان الشرطة، وسيلةً للمناداة بحل المؤسسة وتفكيكها، ونبّه إلى وجود حاجة ماسة إلى عمليات إصلاح داخل القوات الأمنية، لتكون نصيراً للوطن والمواطنين.

وقال إن الشرطة تعاني من إخفاقات ذات صلة بالوضع في كامل الدولة، ويجب أن تتم معالجات أدائها في إطار كلي.

وقال لرصيف22: لا بديل للشرطة إلا الشرطة، وذهاب هذه القوة أو التقليل من شأنها يعنيان سيادة قانون الغاب، وانتشار الجريمة، والانقياد إلى مربع الفوضى.

ونصَّ الاتفاق الإطاري الموقّع أخيراً بين القادة العسكريين والمدنيين على ضرورة إجراء إصلاحات عميقة في أجهزة الأمن، ولكن مما لا مجال للشك فيه، أن عملية الإصلاح هذه تحتاج إلى تسريع الوتيرة، بعيداً عن مماحكات الساسة، وإلا فإن أي تأخير في هذا المطلب سيخلق فجوةً بين المواطنين والشرطة، وتمدداً للجريمة المتنامية في العاصمة والولايات السودانية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image