مع وقوع زلزال مدمر في الأراضي التركية والسورية في فبراير/ شباط الماضي، اتجهت الأنظار إلى اتحاد الجالية المصرية في تركيا، التي تشهد منذ العام 2013 تزايداً في أعداد المصريين المقيمين فيها عقب التغير السياسي الذي شهدت مصر بدايته في ذلك العام. وقد توقع المصريون معه المزيد من تخاذل السلطات المصرية في متابعة أمور مواطنيها في تركيا، كونها تروج لاعتبار أن تركيا "معقل الإخوان الهاربين".
في المقابل، عوّل المصريون في تركيا على مجلس إدارة جاليتهم ليكون عوناً لهم في هذا الوضع الحرج. فهل كان الاتحاد على قدر توقعاتهم؟
التدشين
"اتحاد جامع للمصريين في تركيا لتعزيز التضامن في ما بينهم، وتنمية علاقتهم مع المجتمع التركي ومؤسساته وتنمية التعاون المصري التركي".
بهذه الكلمات، أعلن تدشين اتحاد الجالية المصرية في تركيا عام 2017، بعد طول انتظار من قبل الكثيرين، سواء المصريين المقيمين في تركيا أو من المجتمع التركي المتمثل في مؤسساته الرسمية، التي شهدت مدى أربع سنوات ارتفاعاً كبيراً في أعداد المصريين الواصلين إلى أراضيها، وبقيت في حيرة لا تدري مع أي كيان تتواصل في ما يخص شؤون آلاف المصريين المقيمين واللاجئين في تركيا، وعددهم نحو 30 ألفاً.
على مدار السنوات الخمس التي نشط فيها اتحاد الجالية المصرية في تركيا، تجلى في مجلسه وضع الانقسام السياسي والتمييز في تقديم الخدمات بحسب الانتماء السياسي للمصريين اللاجئين والمهاجرين
قبل تأسيس اتحاد الجالية، نشطت في تركيا عدة كيانات تحت مسميات مختلفة، بعضها سياسي كـ"جماعة الإخوان المسلمين"، والبعض الآخر مهني لا يخدم سوى فئات معينة كـ"رابطة الإعلاميين المصريين"، وروابط مثلها للمهندسين والمعلمين وغيرهم، فيما غابت الجمعيات والكيانات التي تهدف لخدمة جميع المصريين بمختلف انتماءاتهم السياسية وتخصصاتهم المهنية.
لكن على مدار السنوات الخمس التي نشط فيها اتحاد الجالية المصرية (نشير له في التقرير باسم الاتحاد أو الجالية)، تجلى في الاتحاد وضع الانقسام السياسي والتمييز في تقديم الخدمات بحسب الانتماء السياسي للمصريين اللاجئين والمهاجرين. وهذا ما حدا الكثير من المصريين المقيمين الآن في تركيا وخاصة الذين لجأوا إليها خلال السنوات العشرة الأخيرة إما بسبب خلفياتهم السياسية أو بحثاً عن الرزق من دون حلفيات سياسية، وهذا ما حداهم على النظر إلى الاتحاد باعتباره "ليس على قد توقعاتهم" كما يقول السيد عطية، أحد أعضاء الجالية المصرية في تركيا لرصيف22.
عطية يعيش في تركيا منذ قرابة ثماني سنوات، لجأ إليها بحثاً عن الرزق بعد أن تقطعت به السبل في مصر، ويعمل في إحدى ورش الملابس بالقسم الأوروبي في مدينة إسطنبول. يقول: "لم نستفد من الخدمات التي أعلنت عنها الجالية منذ بدأت حتى اليوم، سوى من خلال بعض المعارض والأسواق التي أقاموها لبيع المنتجات الغذائية بأسعار مخفضة لمواجهة موجة الغلاء التي شهدتها تركيا خلال السنوات الماضية، وبعض الفعاليات والأنشطة الرياضية"، مواصلاً: "بصراحة يُشكروا لكن مش ده اللي كنا منتظرينه منهم، فيه ناس كتير عايشة هنا ومش عارفة توفق أوضاعها، وحتى الإقامات الدائمة التي سعوا لها مش كل أعضاء الجالية حصلوا عليها زي ما قالوا".
كلام السيد عطية يفتح الباب أمام تساؤلات تتصل بتشكيل مجلس إدارة الجالية التي ولدت في ظروف سياسية خاصة، تمثلت في العداء الرسمي المعلن وقتذاك بين نظامي الحكم في تركيا ومصر، ثم سعي تركية إلى تهدئة الأجواء من دون إضطرار إلى الاستجابة لكامل الطلبات المصرية واحتفاظها بأوراق لعب متمثلة في رفض اعتقال وترحيل بعض القيادات الإخوانية المقيمة على أرضها.
خلال الزلزال المدمر اذي طال تركيا وسوريا، عوّل المصريون في تركيا على مجلس إدارة جاليتهم ليكون عوناً لهم في هذا الوضع الحرج. فهل كان المجلس على قدر توقعاتهم؟
من هم أعضاء الجالية المصرية في تركيا
ووفقاً لتصريحات وزيرة الهجرة المصرية سها الجندي، فإن عدد المصريين المقيمين بشكل دائم في تركيا بلغ 30 ألفاً في العام 2022، وهم طلاب وأطباء ومهندسون ورجال أعمال وصحافيون وسياسيون وعُمال.
وتعتبر فئة الطلاب المصريين في تركيا من أكبر الفئات بين الطلاب الدوليين في البلاد، ويدرسون في جميع الجامعات التركية، الخاصة منها والحكومية، وينتشرون في شتى الولايات، كما أن الكثير منهم يستفيدون من المنحة الحكومية التركية للطلاب الدوليين، والتي يتم تقدمها الحكومة التركية سنوياً.
يُقيم العدد الأكبر من الجالية المصرية في تركيا في ولاية إسطنبول، كونها الولاية المركزية الأكثر نشاطاً في الاقتصاد والسياحة، إضافة إلى أنها الأكثر استضافة للجاليات العربية. ويتركز المصريون المقيمون في ولاية إسطنبول بمناطق معينة، أهمها "شيرين ايفلر" التي تتبع بلدية "بهتشي ايفلير"، و"باشاك شهير" وغيرها.
كما تعد العاصمة التركية أنقرة الوجهة الثانية لإقامة المصريين، إضافة إلى ولايات أخرى مثل أنطاليا.
ولأن اتحادات الجاليات، هي منظمات مجتمع مدني شبه رسمية، تفرض عليها طبيعتها التنسيق مع سلطات دولة الإقامة (تركيا في هذه الحالة)، وسلطات الدولة الأم ممثلة في سفاراتها وقنصلياتها ووزاراتها لشؤون الهجرة، يعتمد نجاح الاتحاد على قدرته على خلق التوازن المطلوب والحفاظ على مصالح أعضاء الجالية في الوقت عينه، وهو ما يصبح عسيراً بشكل خاص في الحالة التركية.
بات المصريون في تركيا، بخاصة الوافدون خلال السنوات العشر الأخيرة يتساءلون: ما هي المعايير التي على أساسها أختير أعضاء من الجالية للحصول على الإقامة الدائمة دون غيرهم؟ ولماذا رشح الاتحاد أسماء بعض أعضائه للحصول على الجنسية التركية؟
بات المصريون في تركيا، بخاصة الوافدون خلال السنوات العشر الأخيرة يتساءلون: ما هي المعايير التي على أساسها أختير أعضاء الجالية الذين حصلوا على الإقامة الدائمة دون غيرهم؟ ولماذا رشح الاتحاد أسماء بعض أعضائه للحصول على الجنسية التركية ممن انتهت صلاحية أوراقهم الرسمية المصرية "الباسبور"؟
للإجابة على هذه الأسئلة نعود إلى الخلف قليلاً لنتعرف على أبرز وجوه الاتحاد منذ إنشائه إلى الآن.
ولادة متعسرة
في مارس /آذار عام 2018 أُعلن تدشين اتحاد الجالية المصرية في تركيا كجمعية رسمية موثقة ومعترف بها من الدولة، وقام أعضاء الجالية بانتخاب مجلس مؤقت لإدارتها برئاسة الدكتور عطية عدلان، إضافة إلى 15 عضواً آخرين، بينهم إعلاميون ونشطاء سياسيون من معارضي النظام الذين خرجوا من مصر عام 2013 عقب إطاحة الإخوان المسلمين من الحكم.
ظل هذا المجلس يدير شؤون الجالية حتى يناير/ كانون الثاني من العام الماضي، إذ أجريت انتخابات لاختيار مجلس جديد، شهدت تنافساً كبيراً بين القوائم التي رشحت نفسها لهذه المسؤولية. وانتهت الانتخابات بفوز مجلس برئاسة عضو البرلمان السابق المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين عادل راشد، ومعه بعض الإعلاميين والنشطاء السياسيين المحسوبين على الإخوان وآخرون لا ينتمون للجماعة.
أصبح أعضاء مجلس الجالية المشاركين في المداخلات الهاتفية مع الإعلام المصري المحلي يواجهون بشكوك واتهامات بتواصلهم مع "الأمن المصري" تحت غطاء خدمة الجالية المصرية ومتابعة شؤونها
مع انتخاب المجلس الجديد زاد أعضاء الجمعية التي شكلتها الجالية، وزات تطلعاتهم آملين في المجلس الجديد خيراً باعتباره جاء وفق إرادتهم، لكن التحديات التي واجهت المجلس، خاصة فيما يتعلق بتوفيق أوضاع أعضاء الجالية كانت أكبر من إرادته إذ كانت أهم وعوده الانتخابية توفيق أوضاع جميع المصريين المقيمين في تركيا عن طريق الحصول على الإقامة في البلاد أو الحصول على الجنسية التركية، خاصة مع التضييق الكبير والشروط الصعبة التي أدخلتها تركيا من أجل الحصول على الإقامة فيها. وهو ما عبّر عنه رئيس الجالية المصرية في تركيا عادل راشد في بيان مماء جاء فيه: "نعمل على تلبية طلبات جميع أعضاء الجالية خاصة فيما يتعلق بتوفيق الأوضاع، ونحن على تواصل دائم مع المسؤولين في الدولة التركية بهذا الشأن، لكن يجب أن نعلم أن مثل تلك الإجراءات تأخذ الكثير من الوقت هنا".
تلك الصعوبات التي لم ينجح القائمون على الاتحاد في اجتيازها، قابلها المصريون المقيمون بسخط. ويظهر الانتماء السياسي بوضوح في معادلة قبول أداء المجلس أو رفضه. إذ اعتبر مصريون مقيمون أن مجلس الاتحاد "مجلس لأعضاء الإخوان المسلمين دون غيرهم"، فيما اتهمه منتمون لجماعة الإخوان المسلمين بأنه "مجلس لم يعد للمصريين المعارضين في الخارج".
مداخلات وشكوك
بعد فاجعة الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، يمكن القول إنه تمكن من شق صف الجالية المصرية في تركيا، حيث ثار غضب أعضائها من المنتمين إلى تيار جماعة الإخوان المسلمين أو المتعاطفين معها، بعد مشاركة رئيس الجالية عادل راشد في مداخلة تلفونية على قناة "العاصمة" المصرية التي تبث من القاهرة مع الإعلامي "سيّد علي" للحديث حول أوضاع الجالية المصرية بعد حدوث الزلزال للاطمئنان على سلامة أفرادها، وقدمت القناة عادل راشد بأنه رئيس البعثة المصرية في تركيا على عكس ما كانت تصفه من قبل بـ"الإخواني الإرهابي".
كما قام عضو مجلس الجالية نادر فتوح المذيع بقناة الشرق المعارضة، التي تبث من تركيا، بمداخلة تلفونية على قناة صدى البلد مع الإعلامية عزة مصطفى، والقناة مملوكة لرجل الأعمال محمد أبو العينين، وهو واحد من رجال أعمال قليلين مقربين من الرئيس المصري.
وتحدث فتوح في مداخلته – باعتباره عضواً في مجلس إدارة الجالية- عن آخر مستجدات الزلزال وجهود الجالية في تقدم يد العون للمتضررين. إلا أن تلك المداخلات – المشروعة صحافياً من قبل الإعلام المصري المحلي- وُجهت بتشكك من قبل أعضاء الجماعة في تركيا، إذ أصبح أعضاء مجلس الجالية المشاركين في تلك المداخلات يواجهون بشكوك واتهامات بتواصلهم مع "الأمن المصري" تحت غطاء خدمة الجالية المصرية ومتابعة شؤونها. كما تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى حلبة صراع وتراشق بالاتهامات بين من يرى أن ظهور القائمين على الجالية في الإعلام المصري "تطبيع مع النظام المصري الحاكم"، وبين من يرى أن هذه الخطوة طبيعية كون هذا المجلس يمثل جميع المصريين في تركيا بمختلف انتماءاتهم الحزبية والفكرية.
بين هذا وذاك لا تزال قضية الخدمات ومن يحصل عليها، وتصنيف الحاصلين عليها بحسب صلتهم بالجماعة، هما الشاغل الأكبر ومعيار حكم المصريين في تركيا – ومعظمهم من الطلاب الحديثي السن- على أداء مجلس الاتحاد الذي سيبقى في موقعه إلى حين إجراءات جديدة قد تتأثر مستقبلاً بتطورات العلاقة الرسمية بين نظامي الحكم في مصر وتركيا، مما قد يدفع البعض إلى التضييق على الجماعة في وقت قد يكون قريباً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع