ثلاث إعلانات متضاربة في غضون ساعات قليلة، صدرت عن ثلاث دول بشأن العلاقات المصرية التركية. ففي حين أعلنت تركيا على لسان وزير خارجيتها مولود تشاوش أوغلو أنها استأنفت اتصالاتها الدبلوماسية مع مصر – دون شروط مسبقة-، قال مصدر بالخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة اطلعت على وثائق تفيد بوجود اتصالات بين الحكومتين المصرية والتركية، اللتان تعيشان حالة من العداء المعلن بادرت به الإدارة المصرية في 2013، عقب فرار عدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وعدد من معارضي النظام الجديد إلى تركيا.
وبعد ساعات من التصريحات التركية والأمريكية، خرجت مصر لتنفي وجود أي اتصالات أو نية لاستئناف العلاقات مع تركيا، إلا أن مسؤولاً رفيعاً بالخارجية المصرية، صرح لصحيفة الشرق الأوسط السعودية الصادرة في لندن إن بلاده تضع شرطاً لاستئناف العلاقات مع تركيا.
تصريحات متضاربة
جاء التصريح الأول في معرض لقاء لوزير الخارجية التركي مع التلفزيون الرسمي لبلاده، يوم الجمعة 12 آذار/ مارس، لاستعراض أحدث التطورات في السياسة الخارجية. وقال أوغلو: "لا يوجد أي شرط مسبق سواء من قبل المصريين أو من قبلنا حالياً، لكن ليس من السهل التحرك وكأن شيئاً لم يكن بين ليلة وضحاها، في ظل انقطاع العلاقات لأعوام طويلة".
أتت تصريحات أوغلو بعد تصريحات للرئيس التركي نفسه، قال فيها إن الدولتين تتعاونان بالفعل على المستوى الأمني والاقتصادي.
إلا أن تصريحات مصرية نشرت في اليوم التالي، وضعت شرطاً لاستئناف المحادثات والعلاقات، وهو "أن تتوقف تركيا عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، إذا أرادت علاقات طبيعية". وبيَّن المصدر الذي لم تكشف صحيفة الشرق الأوسط عن اسمه، أنه "لا يوجد ما يسمى باستئناف العلاقات الدبلوماسية". فالدولتان لا تزالان تقيمان علاقات دبلوماسية لم تتوقف، ولكل منهما سفارة تمثلها وقنصليات لرعاية مصالح مواطنيها لدى الدولة الأخرى.
جاء هذا التصريح المصري بعد نفي مبدئي للطرح التركي باستئناف المحاثات بين البلدين، أو إمكانية عودة العلاقات إلى طبيعتها.
في كانون الثاني/ ديسمبر 2020 حان موعد إلغاء أو تجديد اتفاقية التجارة الحرة بين مصر وتركيا، إلا أن الدولتين اختارتا أن تسري الاتفاقية بقوة الأمر الواقع.
"ثمة تنسيق سريّ بين مخافرهم"
وفقاً للرئيس التركي ووزير خارجيته، فإن ثمة تنسيق بين دولتهما ومصر على مستوى الاستخبارات والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية. وخلال الأسابيع الماضية، ظهرت قضية شغلت المجتمع الحقوقي المصري، وأثارت التساؤلات حول وجود تنسيق أمني قوي بين الحكومتين المصرية والتركية، إذ بادرت السلطات التركية إلى احتجاز المحامي الحقوقي المصري كريم عبدالراضي وابنتيه وهما دون العاشرة من العمر، وأصرت على ترحيلهم إلى مصر دون أسباب قانونية، إلا أن عاصفة من الانتقادات وضغوط من المجتمع الحقوقي التركي حالت دون ترحيل المحامي المصري المعارض إلى دولته.
لم تكن واقعة كريم هي الأولى التي قامت خلالها السلطات التركية بترحيل معارضين مصريين إلى دولتهم، رغم الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي تمنع ذلك في حالة كون الشخص المطلوب يتعرض إلى تهديد لحياته أو أمنه وسلامته الشخصيين. ففي 2019، قامت السلطات التركية بترحيل معارضين مصريين حكم عليهم بالإعدام في قضايا سياسية. ولم تستجب تركيا لمطالب حقوقية محلية ودولية بوقف الترحيل حفاظاً على سلامة المطلوبين لدى السلطات المصرية، التي كانت تلاحقها وقتها اتهامات دولية بالتوسع في فرض وتنفيذ عقوبة الإعدام ضد سجناء سياسيين، استناداً إلى "محاضر ضبط" عوضاً عن الأدلة الدامغة.
بدأت الإشارات إلى وجود تعاون على مستوى الأمن والاستخبارات بين البلدين في الظهور مطلع 2020، وإن لم يقدم المحللون الذين قرأوا هذا المشهد دلائل على صحة استنتاجاتهم.
الرئيس التركي نفسه قال هذه التصريحات سابقاً في أغسطس 2020، مؤكداً على وجود التعاون الاستخباراتي المتواصل بين البلدين.
هناك مؤشرات تدعمها تصريحات الرئيس التركي تفيد باستمرار التعاون الأمني والمخابراتي بين الدولتين برغم التلاسن المستمر
المال يتكلم
رغم الحرب الكلامية المستعرة والاتهامات المتبادلة بين القيادات السياسية في البلدين، واستخدام كل منهما لمؤشرات الأخرى على قوائم الحريات وحقوق الإنسان لإحراج الأخرى، إلا أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين ظلت متقدة نشطة. فبحسب وزارة التجارة التركية، لا يزال اتفاق التجارة الحرة الموقع مع مصر في 2005، ودخل حيز التنفيذ في 2007، سارياً.
ووصل حجم التجارة بين الدولتين وفقاً للتقارير الرسمية، نحو 4.43 مليار دولار في 2017 (أحدث رقم معلن على الجانب التركي)، بزيادة تبلغ 4% عن العام السابق عليه. ويميل الميزان التجاري لصالح تركيا التي تصدر إلى مصر بنسبة أكثر من 50% من حجم التبادل التجاري بين الدولتين.
وفي 2019، بلغ حجم التبادل التجاري بين الدولتين حداً قياسياً، بلغ 5.42 مليار دولار بحسب تصريحات القائم بالأعمال التركي في مصر مصطفى كمال الدين آريغور. الذي واصل في تصريحات نقلتها صحيفة "ترك برس" أن حجم الصادرات التركية إلى مصر، بلغ 3.05 مليارات دولار في 2018، بزيادة تقدر بنحو 29.4% مقارنة بعام 2017.
أما الواردات التركية من مصر، فوصل حجمها في السنة نفسها إلى 2.19 مليار دولار، بزيادة قدرها 9.68% مقارنة بالعام السابق عليه.
وفي 2020، الموعد المحدد لإلغاء اتفاقية التجرة الحرة بين البلدين أو تجديدها، امتنعت الدولتان عن طلب أو تمرير وقف الاتفاقية، لتظل سارية وتتجدد بقوة الأمر الواقع، لتثبت أن المال والتعاون الاستخباراتي قادر على دفع الدول إلى ابتلاع ألسنتها أحياناً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين