من منّا لم يقع، ولو مرةً واحدةً طوال حياته، في فخ التخيلات الجنسية؟
في الحقيقة، إن ما يدور في مخيلتنا يبقى رهن السرية الشديدة، وكثيرون/ كثيرات منّا يشعرون/ ن بالخجل في حال تواردت إلى أذهانهم فكرة غريبة مرتبطة بالجنس والرغبة، مثل أن يتخيّل الرجل نفسه في وضع جنسي مع جارته، أو مثل فتاة تتخيل أنها تمارس الجنس مع زوج صديقتها، برغم أنه بمثابة شقيقها الأكبر، والعديد من الأفكار الغريبة التي تدور في هذا الفلك.
إغراء مرعب
تعتمد الحالة الجنسية في مُجملها على التصورات، والجميع لديهم تخيّلاتهم الخاصة في ما يتعلق باللقاء الحميمي مع أحبائهم/ حبيباتهم، ولكن ماذا عن تخيلاتنا الجنسية مع أقرب الناس إلينا، أو مع أشخاص لا تحق لنا في الأصل ممارسة علاقات جنسية معهم؟ وهل لدينا الشجاعة الكافية للإفصاح عن كل ما يجول في ذهننا من تخيّلات مجنونة وأفكار غريبة؟
يعتمد برنامج المسابقات الشهير The moment of truth على الصدق في الإجابات، حتى ولو كانت صادمةً، بحيث يجلس صاحب التحدي مُتصلاً بجهاز يقيس نبضات القلب، ويتتبّع الأعصاب للكشف عن الكذب. وتالياً، يجب عليه أن يجيب بصراحة على كل سؤال ولا مجال للتلاعب، إذ إن جهاز كشف الكذب متطوراً جداً وفعّال والإجابة الصحيحة تجعل المشترك/ ة يفوز بمبلغ مالي كبير، وكلما ازدادت جرعة الإحراج كلما ازدادت قيمة الجائزة... إنه بالفعل إغراء مرعب.
إن ما يدور في مخيلتنا يبقى رهن السرية الشديدة، وكثيرون/ كثيرات منّا يشعرون/ ن بالخجل في حال تواردت إلى أذهانهم فكرة غريبة مرتبطة بالجنس والرغبة، مثل أن يتخيّل الرجل نفسه في وضع جنسي مع جارته، أو مثل فتاة تتخيل أنها تمارس الجنس مع زوج صديقتها
في إحدى الحلقات، كان التحدي بين زوجين شابين يعيشان قصة حب مُلهمة. تسارعت الوتيرة مع الوصول إلى سؤال محرج للزوج بوجود أهل الزوجة: هل تخيّلت نفسك، من قبل، في وضع جنسي مع أخت زوجتك؟ هزّت الزوجة رأسها بالنفي، وعندها أكّد المذيع على ضرورة الإجابة بصدق، وإلا سيخسر الزوجان مبلغاً ضخماً جداً، وفجأةً أجاب الزوج بنعم، ووسط الدهشة الكبيرة ازداد التحدي وجاء دور أخت الزوجة لتُسأل بدورها السؤال نفسه، فأجابت أيضاً بنعم، وتبيّن أن الاثنين حملا في داخلهما تخيّلات عدّها الجميع "مُحرّمةً".
وبالعودة إلى أرض الواقع، لا شك أن مثل هذه التخيلات تحدث بالفعل، ولكن من يجرؤ على البوح بها؟
أفصح الصحافي أحمد (37 عاماً)، عن مشاعره تجاه زميلته في العمل بالقول: "جامدة مش كدة؟"، وبدأ يحكي بأنه شديد الإعجاب بها، وقال إنه برغم نضوجها وطريقتها الحادة في التعامل فإنها لن تكون كذلك إذا وُضعت في حالة جنسية، كما كشف أنه يومياً يمارس معها علاقةً جنسيةً كاملةً في أحلامه، وحين كانا يعملان معاً كان يتخيلها وهي تتجول في المكتب بملابس النوم.
ظل أحمد على هذا الحال لشهور، مؤكداً أنه كان يجد متعةً غريبةً في هذه التخيّلات التي انتهت فور اعترافه لها بمشاعره تجاهها، ورفضها التام له ولحديثه، ثم انقطاع التواصل بينهما.
بدورها، تزوجت صفاء (اسم مستعار)، البالغة من العمر 35 عاماً، في سنّ صغيرة جداً، وبعد كل هذه السنوات باتت تشعر بأنها أضاعت فترات رائعةً من حياتها في دوامة الزواج والإنجاب، وكشفت لرصيف22، عن أنها تشعر دوماً بحنين إلى فترات المراهقة ومرحلة العشرينات، وهذا الشعور يجعلها تلجأ إلى التخيّلات الجنسية.
باتت صفاء تتخيل نفسها مع أحد الشبان المتدرّبين في الشركة في لحظات رومانسية، وكأنها تعوّض فترة حرمان طويلة عاشتها بلا ارتباط عاطفي: "تطور الأمر إلى الشعور بالتخيلات الجنسية معه، والإحساس بأول قُبلة وأول حضن وأول علاقة حقيقية مع شاب وكأنني عدت بسنوات العُمر إلى الوراء".
هذا وكشفت بأنها باتت تحتلم قبل نومها، وتشعر بوجوده معها، وأن هذا الشعور كفيل بجعلها تنام قريرة العين.
أما رضوى (20 عاماً)، وهي طالبة جامعية، فقد باحت لرصيف22، بأنها لا تستطيع التركيز في المحاضرات بسبب الدكتور الجامعي الذي تراه كحبيب وعشيق: "لا أتمكن من إزاحة الفكرة، فهو يكمن في مخيلتي كحبيب فقط".
تطرقت وثيقة صدرت عن النيويورك تايمز، إلى مسألة التخيلات الجنسية، وفيها كشف مارك شوارتز وويليام ماسترز عن دراسة استقصائية شملت 120 رجلاً وامرأةً، نصفهم /نّ من المثليين/ ات، وتبيّن أنه بين كل من الرجال والنساء المثليين جنسياً، يحتل الجنس المغاير المرتبة الثالثة من حيث الخيال الجنسي الأكثر شيوعاً، وبالنسبة للبقية، تحتل اللقاءات المثلية المرتبتين الرابعة والخامسة الأكثر شيوعاً على التوالي.
بدورها، أكدت دراسة طبية نشرتها مجلة psychologytoday بعنوان التخيلات الجنسية، أن الأفراد ينقسمون إلى مجموعتين: أولئك الذين لديهم تخيلات جنسية وأولئك الذين لا يفعلون ذلك وهم على الأرجح يحتلون نسبةً ضئيلةً جداً.
قصص وخيالات جنسية متنوعة
في الواقع، إن الخيال الجنسي هو قصة يلعب فيها الشخص دور البطولة، واللافت أن هذه القصص الجنسية متنوعة ويُعتقد أن تفاصيل كل خيال تعتمد على التجارب التي قام بها الفرد. قد تكون قصصاً قصيرةً، مثل مشاهدة شخص آخر يمارس الجنس أو تخيل أن شخصاً ما ينظر إلى زوجين في أثناء ممارسة الجنس. هذا ويتم إعطاء أسماء لأحلام اليقظة المثيرة هذه: التخيلات المتلصصة أو التخيلات الاستعراضية.
في السياق نفسه، قد تكون هناك حكايات معقدة للغاية تركز على شخصيات معيّنة: المعلم/ ة، والممرض/ ة، أو أهل أحد الأصدقاء. هؤلاء هم الأفراد الذين يظهرون في حياة الجميع، وربما أصبحوا هدفاً لخيالات الطفولة الجنسية، التي تستمر في مرحلة البلوغ.
في حديثه إلى رصيف22، رأى خبير العلاقات الجنسية والزوجية، خالد شهاب، أن التخيلات الحميمية هي مسألة طبيعية جداً، بل في بعض الحالات يُعدّ الأمر ضرورياً لاستمرار بعض العلاقات التي بات الفتور عنوانها أو بمثابة علاج التنفيس الجنسي وكبت الشهوات عند المراهقين/ ات.
وقال شهاب: "هذه التخيلات الجنسية تُعدّ أمراً طبيعياً جداً عند المراهقين/ ات الذين/ اللواتي لم يدخلوا/ ن بعد في علاقة حميمية ولم يفهموا طبيعة أجسادهم/ نّ، وكذلك من الممكن أن يتطور الأمر ويطال زملاء العمل أو الأقارب".
الجميع لديهم تخيّلاتهم الخاصة في ما يتعلق باللقاء الحميمي مع أحبائهم/ حبيباتهم، ولكن ماذا عن تخيلاتنا الجنسية مع أقرب الناس إلينا، أو مع أشخاص لا تحق لنا في الأصل ممارسة علاقات جنسية معهم؟ وهل لدينا الشجاعة الكافية للإفصاح عن كل ما يجول في ذهننا من تخيّلات مجنونة وأفكار غريبة؟
وأوضح شهاب أنه "بالنسبة إلى العلاقات الزوجية والعاطفية، هناك من يشعر بالملل أو تصبح زوجته غير مثيرة في عينيه، نظراً إلى الظروف، سواء الحمل أو التغير في ملامح جسدها، فيلجأ شريك الحياة إلى تخيّل شخص آخر يصنعه في مخيلته للوصول إلى نشوة جنسية عالية معها".
وكشف أن تخيلات الفنانين/ ات والنجوم من أبرز التخيّلات التي يلجأ إليها العديد من الرجال والنساء، عادّاً أنها جزء من تكوين الإنسان وجسده.
كما لفت شهاب إلى أن هناك بعض الحالات التي تتخيل فيها المرأة، شريكها كرجل آخر يافع بدلاً من حبيبها الذي لا يعجبها كثيراً أو الذي بعدما اختبرت معه العلاقة الحميمية وجدته غير ملائم لها، ولكنها ترغب في استمرار علاقتهما، أو مثلاً تتخيل حبيبها السابق الذي فشلت علاقتها العاطفية معه، وفي هذه الحالة تحاول اللجوء إلى النشوة الجنسية التي لو نزلت إلى أرض الواقع فلن تصل إليها.
باختصار، يمكن القول إن التخيلات بشكل عام تُتيح لنا مشاعر متجددةً وربما تُدخلنا في عالم "فانتازي" مثالي بعيداً عن ضغوط الحياة، ولكن يجب الحذر من الوقوع في فخ الوهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...