شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
عاملات الجنس الهاتفي... استثمار في الخيال

عاملات الجنس الهاتفي... استثمار في الخيال

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 11 فبراير 202205:23 م

من جملة التحوّلات التي طرأت على حياة البشر بفعل جائحة كورونا، انتقال الجنس كغيره من جوانب حياتنا اليومية إلى الفضاء الافتراضي.

ومع الانسحاب- أو الطرد إن صح التعبير- من المجال العام، تراجعت أو انعدمت بالنسبة للبعض فرص إقامة علاقات جنسية تستدعي، بالضرورة، الاحتكاك بالآخر.

وعليه، توجّه كثر إلى المراسلات الجنسية والجنس الهاتفي، ومن بينهم من لجأ إلى هذه الخدمات مقابل المال، فازدهرت في السنتين الأخيرتين الشركات والمنصات التي تقدم هذه الخدمة، والعالم العربي ليس استثناءً، إذ يشكل المستخدمون العرب جزءاً لا بأس به من زبائن هذه الشركات، وكذلك الأمر بالنسبة لعاملي/ات الجنس الهاتفي.

طوق نجاة اقتصادي

مع فقدان شباب كثر لمصادر دخلهم في ظلّ الجائحة، واضطرارهم لابتكار طرق لإعالة أنفسهم من داخل بيوتهم، تأمّل البعض فكرة جني مال سريع من خلال الجنس الهاتفي.

كانت ميرا واحدة من هؤلاء، لكن فترة تأمّلها لم تطل كثيراً، فمع تدهور الوضع الاقتصادي بشكل حاد في بلدها (لبنان) وانعدام الآفاق المهنية، جاءتها هذه الوظيفة كـ"منقذ"، بحسب قولها.

تتصنع ميرا صوت امرأة أخرى. صوت ناعم يفيض بالشهوة تارةً أو صوت غليظ يوحي بالقوة، حسبما تستدعيه الشخصية. هي ليست مختبئة تحت الملابس والملاءات السميكة، بل ترتدي الجلد الأسود و"الدانتل" الأحمر. هي لا تقوم بالأعمال المنزلية، بل تستلقي على السرير بانتظار الرجل الذي سيوقظ رغبتها

منذ عام ونصف، تواظب ميرا على تخصيص عدة ساعات يومياً لتلقي الاتصالات من زبائنها. تجلس بثياب النوم على كنبتها المريحة بين قططها، ترتدي جرابات سميكة، أحدها مثقوب على الطرف، وتتغطى ببطانية سميكة. تقوم بين الحين والآخر لتتفقد الطبخة، أو تنظيف فضلات القطط. مظهرها يوحي بكل شيء إلا الإثارة، لكن حين يسألها الزبون عما تفعله أو ترتديه، تتفنن في خلق عالم موازٍ من الصور والمشهديات الزاخرة بالإيروتيكية والإغواء.

فور ضغطها على زر الاستقبال، تتصنع ميرا صوت امرأة أخرى. صوت ناعم يفيض بالشهوة تارةً أو صوت غليظ يوحي بالقوة، حسبما تستدعيه الشخصية. هي ليست مختبئة تحت الملابس والملاءات السميكة، بل ترتدي الجلد الأسود و"الدانتل" الأحمر. هي لا تقوم بالأعمال المنزلية، بل تستلقي على السرير بانتظار الرجل الذي سيوقظ رغبتها.

ما دفع ميرا إلى الإبحار في هذه المغامرة، إلى جانب الحافز الاقتصادي، هو قناعتها بأنها تملك المؤهلات الكافية لهذا العمل، إذ تقول: "لدي صوت ولكنة مثيرتان، بالإضافة إلى الثقة بالنفس، كما أنني مهتمة بثقافة الـ BDSM وهذا يعطيني أفضلية".

لا تمارس ميرا الجنس الهاتفي بشخصها وصوتها، بل ترتدي "قناعاً"، وفق تعبيرها، ويساعدها في ذلك صوتها الذي تستطيع تطويعه لتجسيد شخصيات متعدّدة، ذات صفات متفاوتة، منها "الخاضعة" ومنها "المتسلطة".

ولكل شخصية هوية وقصة خلفية وسيناريو فيه من التفاصيل الشيقة ما يؤجج مخيلة الزبون ونزواته. تقول ميرا إن النجاح في هذا العمل يتطلب منها أن "تسكن مخيلة" الزبون، أن تسبقه لمعرفة ما يريد وما يصبو إليه وأن تمنحه إياه قبل أن يطلب، ولذلك تقوم بتدوين ملاحظات حول زبائنها لكي تساعدها في فهمهم وتوقّع فيتيشاتهم. تتفهم ميرا حاجة بعض زبائنها للإهانة والاذلال، ذلك أن "المجتمع يتوقع من الرجال أن يكونوا أقوياء ومتسلطين، لكن كثيرين يتوقون للتخلي عن هذه السلطة والشعور بضعفهم، ولذلك يطلبون مني أن أهينهم".

الأمر بالنسبة لميرا ليس مجرّد وسيلة للتمكين الاقتصادي، فهي "تعشق" عملها رغم أنها لم تكن في السابق قادرة على المحافظة على وظيفةٍ لأكثر من 3 أشهر، تستطرد قائلةً: "عملت في وظائف متفرقة، ولدي خلفية أكاديمية في الفنّ، لكنني أكره العمل وأكره الوظائف. أنا الآن ربة عملي، أختار ساعات عملي وراحتي، أعمل فقط إذا رغبت بذلك. هذا العمل أنقذني وغيّر حياتي حقاً، لقد مكنّني من مغادرة بلدي إلى بلد أفضل، كما أنني اليوم ولأول مرة في حياتي، لا أعيل نفسي فحسب بل وأساعد أسرتي أيضاً".

تفخر ميرا بما استطاعت إنجازه حتى الآن، وهي اليوم تدّخر المال من أجل تمويل خطوتها اللاحقة وتأسيس عملها الخاص، إذ تقول بحسم: "لن أعمل لصالح أحد بعد اليوم... سأكون سيّدة نفسي من اليوم فصاعداً".

ما وراء الجنس

كثيرة هي الأسباب التي تدفع الناس إلى التماس خدمات الجنس الهاتفي، وليست جميعها جنسية، فبالنسبة للبعض، الأمر لا يعدو كونه حاجة للحديث وإيجاد أذن مصغية، وإن كان مقابل المال.

تروي ياسمين، وهي شابة أخرى تعمل في مجال الجنس الهاتفي، أنها وجدت نفسها في أكثر من مرة تؤدي وظيفة خط ساخن للانتحار، وتعقب ساخرةً: "الساعة معي أرخص من ساعة المعالج النفسي".

تروي ياسمين أنها تتلقى اتصالات كثيرة من أشخاص يرغبون في الحديث فقط: "أحياناً يريدون أن يتخيلونني وأنا أغمرهم وأواسيهم. لقد اكتشفت من خلال هذا العمل أن الذكور يفضلون التحدث مع عاملة جنس على شخصٍ آخر، لأن لا مشكلة لديهم في التعرّي أمامها وإظهار ضعفهم. فمعظم من يلجؤون إلى هذه الخدمات لديهم نقص ما في حياتهم يحاولون ملأه".

على غرار زميلتها ميرا، لا تزل ياسمين حديثة العهد في هذا المجال، الذي دخلته بداية تحت ضغط الحاجة الاقتصادية، إذ تقول: "حين عرض عليّ أحد أصدقائي هذا العمل، كان جوابي الأولي رفضاً قاطعاً. قلت له: أنا أحسن من هيك. ثم فكّرت ملياً في الموضوع واستنتجت أنني لست (أحسن من هيك)... في الحقيقة أنا أفضل من أن أتلقى أجراً شهرياً لا يتخطى ال100$ مقابل العمل المرهق الذي كانت تتطلّبه وظيفتي السابقة. كما أنني أمارس السيكستينغ عادةً لكن بالمجان، فما المانع من الحصول على بعض المال منه؟".

ما كان هدفه مادياً تحوّل، بالنسبة لياسمين، إلى فرصة لاكتشاف الذات وأطياف الجنسانية.

تحكي ياسمين أنها قد نشأت في ظلّ أسرة محافظة وقد تأثرت جنسانيتها بذلك، وتستطرد قائلةً: "كنت أرى وأمارس الجنس بشكل تقليدي نوعاً ما. هذا العمل جعلني منفتحة على عالم الرغبة الواسع، أجرّب أشياء جديدة وأتعرّف على طرق مختلفة للاستمتاع، وإن كان كله رمزي وعبر الهاتف".

من ناحية أخرى، تجد ياسمين في عملها وسيلةً للتفريغ، إذ تسمح لها وظيفتها بتجسيد نقمتها و"كرهها" للناس، وللذكور تحديداً، من خلال الشخصيات المتسلطة التي تبتكرها. وأحياناً أخرى، تستمتع بشعور مناقض لذلك، وهو شعور الرضا الذي تستمدّه من إسعاد الآخرين.

أما عن الآثار الجانبية السلبية لهذا العمل، فتشير ياسمين إلى شعورها بالإرهاق النفسي والجنسي، الذي يصل أحياناً إلى حد فقدان الرغبة بالجنس في الحياة الواقعية، وتضيف: "في فترة من الفترات شعرت بغيرة شديدة من العارضة التي أستخدم صورها. جسدها مثالي. أردت أن أصبح مثلها، وكان هذا الأمر غير صحي بتاتاً".

بالرغم من قدرة الشابتين على الانفصال عن شخصيتيهما وواقعهما، إلا أن هذا الفصل بين الواقع والخيال غالباً ما يتلاشى تحت أثر التماهي مع الشخصية المتخلية، أو على الأقل جوانب منها. كما أن اقتحام مخيلة أحدهم سيؤدي أحياناً إلى التعلق العاطفي، ليس من جهة الزبائن فحسب بل عاملات/ي الجنس أيضاً.

النجاح في هذا العمل يتطلب منها أن "تسكن مخيلة" الزبون، أن تسبقه لمعرفة ما يريد وما يصبو إليه وأن تمنحه إياه قبل أن يطلب، ولذلك تقوم بتدوين ملاحظات حول زبائنها لكي تساعدها في فهمهم وتوقّع فيتيشاتهم

تحكي ميرا عن تعلّق زبون بها وصمم على الطلاق من زوجته لأجلها، بالرغم من محاولات ميرا نهيه عن ذلك. أما شريك ميرا، فيخشى أن يقدّم لها عملها كل ما تحتاجه من المتعة الجنسية فيؤثر ذلك سلباً على علاقتهما. ويقول: "تستمد ميرا المتعة من الـ BDSM، أما أنا فأميل أكثر إلى الجنس التقليدي، أي (الفانيلا).  وأخشى أحياناً أن تفقد اهتمامها بالجنس معي".

وقعت ياسمين في حبّ أحد زبائنها، وتجرأت على نزع قناعها أمامه والتخلي عن صور "الموديل" ذات الجسد المثالي لتظهر أمامه بجسدها وصوتها وشخصيتها الحقيقية، وتصف ما حصل لاحقاً: "بعدما توثّقت علاقتنا والتقيت به بعد أن سافر أميالاً من أجل رؤيتي، حاول إقناعي بأن أكف عن هذا العمل. الأمر مضحك فعلاً، لا بأس بأن يقوم هو بطلب هذه الخدمة وإنفاق الأموال من أجلها، لكنه ينظر بدونية لمن يقوم بتقديمها. الذكور غريبين فعلاً...".

بالطبع يفتح هذا العمل المجال أمام الابتزاز الجنسي، لكن ليس بالمعنى التقليدي وإنما ابتزاز من نوع رضائي إن صح القول. فقد يطلب الزبون نفسه من عاملة الجنس أن تبتزّه بما في ذلك من إثارةٍ لرغبته الخاضعة، وتقصّ ميرا أن أحد زبائنها أرسل لها أرقام أمّه وربّ عمله وبعضاً من معارفه، وطلب منها أن تفضحه أمامهم. أما بالنسبة للعاملات أنفسهن، فقلّما يحدث الابتزاز لهن، لأنهن يحرصن على حماية هويتهن ولا يستخدمن تقنية الفيديو أو صورهن الحقيقية.

عاملة هاتف أم عاملة جنس؟

مثل ميرا وياسمين، ثمة شابات (وشباب) كثيرات يقدمن على هذه التجربة رغم أنهنّ لم يفكّرن يوماً بالعمل في مجال الجنس المدفوع.

فهل استثناء الجسد من المعادلة الجنسية يغيّر من طبيعة العمل الجنسي؟ أو بتعبيرٍ آخر، هل عاملة الجنس الهاتفي أقرب إلى عاملة جنس أم عاملة هاتف؟

وعن سؤالها حول تصنيفها لطبيعة ما تفعله، تجيب ميرا: "أعتبر ما أقوم به تمثيلاً وأداء، ويمكنني القول إنه على حدود العمل الجنسي"، أما ياسمين فترى أنه "دعارة لكن من دون الاستغلال".

أما صديق ميرا فيلقّبها بـ "catfish" (شخص يدّعي أنه شخص آخر على الإنترنت)، إذ يقول: "هل رأيت صور الموديل التي تستخدمها؟ حتى صوتها ليس صوتها. هي ليست عاملة جنس بل كاتفيش".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image