شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
ألنبي دخل دمشق برولس رويس والشيشكلي اشترى مرسيدس هتلر

ألنبي دخل دمشق برولس رويس والشيشكلي اشترى مرسيدس هتلر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 12 مارس 202302:20 م

لا نعرف بالتحديد متى دخلت أول سيارة إلى مدينة دمشق ولكن القول السائد لدى العوام أنها كانت لعبد الرحمن باشا اليوسف، أمير الحج الشامي، والذي ظلّت زوجته ترفض ركوبها خوفاً من "الجنّ" الساكن داخلها. اليوسف نفسه اغتيل في شهر آب/أغسطس من عام 1920، وقد تكون سيارته قد دخلت دمشق قبل الحرب العالمية الأولى ببضع سنوات، ولكننا لا نعرف شيئاً عنها وعن موديلها.

أما محمد كرد علي، رئيس مجمع اللغة العربية، فيقول إن السيارة الأولى لم تكن لليوسف بل للوجيه المسيحي فيليب سكاف سنة 1908، ويؤكد الكاتب والمؤرخ قتيبة الشهابي أن أول سيارة دخلت دمشق سنة 1913، وهي لأحد مفتشي الجيش العثماني واسمه شفيق باشا.

كل هذه الروايات تبقى غير كافية للتأكد من صحة المعلومة التاريخية، لأنها متضاربة وغير موثقة علمياً. عشية الحرب العالمية الأولى، نُشر مقال في جريدة نيويورك تايمز الأمريكية في 28 تموز/يوليو 1914، جاء فيه أن عدد السيارات في سوريا ولبنان معاً وصل إلى 27 سيارة (15 منها فرنسية الصنع، خمس أمريكية، ثلاث ألمانية، ثلاث إنكليزية، وواحدة إيطالية).


نفس التقرير يقول إن قيمة الواحدة من هذه السيارات كانت تتراوح ما بين 1.150$ و4.250$. تنوعت أنواع تلك المركبات بين "مرسيدس بنز" الألمانية و"رينو" الفرنسية، وكانت الأفضلية دوماً للسيارات الأمريكية مثل "أولدزموبيل" و"فورد" و"ستودبيكر". أما الرولس رويس البريطانية الفخمة، والتي عرفتها مصر في عهد الملك فاروق، فقد دخلت دمشق في 1 تشرين الأول/نوفمبر 1918 وكان يقودها الجنرال إدمون ألنبي، قائد قوات بريطانيا في الشرق الأوسط، عشية تحرير دمشق من العثمانيين.

لا نعرف بالتحديد متى دخلت أول سيارة إلى مدينة دمشق ولكن القول السائد لدى العوام أنها كانت لعبد الرحمن باشا اليوسف، أمير الحج الشامي

وفي مذكرات عدد من شهود العيان أن الدمشقيين شهقوا عندما شاهدوا "الرولس" في شوارع مدينتهم تعبر الحارات الضيقة بصعوبة، وكانت فضية اللون ومفتوحة. والمؤكد أيضاً أن أول حاكم عربي بعد العثمانيين، الأمير سعيد الجزائري، كان يملك سيارة خاصة وفي مذكراته يقول إنه أرسل بها صديقه الصحافي معروف الأرنأووط من سراي الحكم في ساحة المرجة إلى قصر آل الجزائري في زقاق النقيب خلف الجامع الأموي، وذلك لإحضار علم الثورة العربية الكبرى ورفعه فوق دار الحكم في 26 أيلول/سبتمبر 1918. وقد عاد الأرنأؤوط إلى ساحة المرجة رافعاً العلم على سيارة الأمير سعيد.

بنزين الملك فيصل

لا نعرف بالتحديد كيف تطور وضع السيارات في عهد الفيصلي (1918-1920) ولكن من المؤكد أيضاً أن الملك فيصل كان يملك سيارة وكذلك وزير الحربية يوسف العظمة.


في مذكرات أسعد داغر، الصحافي اللبناني المقرب من الملك فيصل، يرد ما يلي حول الأيام الأخيرة التي سبقت معركة ميسلون سنة 1920: "أقبلت سيارة بأقصى سرعة متجهة إلى القصر الملكي (في منطقة المهاجرين) ورأى راكبها على ضوئها شباناً واقفين في الشارع لم يتبينهم. فارتاب من نيتهم وأطلق الرصاص في الهواء إرهاباً لهم وعرفنا من صوت السيارة وسرعتها أنها سيارة المرحوم يوسف العظمة".


بعد معركة ميسلون التي قضت على حكم الملك فيصل في سوريا يوم 24 تموز/يوليو 1920، دار صراع حول سيارة الملك ومخصصاتها من الفيول. وقد ورد في مذكرات صبحي العمري، أحد الضباط الذين غادرو دمشق مع ملكهم بعد الهزيمة: "وكان معنا في القطار ثلاث شاحنات بنزين عائدة لسيارات الملك التي اصطحبها معه فتقرر أن توضع في مستودعات البترول، وعددها 700 صحيفة". أرسل فيصل العمري لاستلام الصفائح قبل مغادرته سوريا بشكل نهائي، فقال له موظف المستودع: "هذا البنزين عائد للحكومة. أنا لا أعترف بالملك".

مخصصات نقل وشرطة مرور

السيارات انتشرت بشكل أوسع في زمن الانتداب الفرنسي، وبات لها مخصصات في ميزانية الدولة. في ميزانية دولة دمشق سنة 1922 – التي وضع في زمنها أول قانون سير سوري – خصص للحاكم حقي العظم "نفقات مركبة" كانت "ألفي ليرة سورية سنوياً"٬ مع 6000 ليرة "نفقات سفر وانتقال".


بدأت من وقتها شرطة المرور تظهر بشكل خجول في شوارع المدينة، وظلوا حتى مرحلة الخمسينيات يديرون السير بإشارات يدوية مصنوعة من كرتون، ترفع أمام المركبات القليلة حسب الضرورة، إما لتوقفها أو تقدمها باتجاه معين.

ملاك القصر الجمهوري

وفي عهد الرئيس شكري القوتلي (1943-1949)، كان ملاك القصر الجمهوري من السيارات ثلاثاً: واحدة فقط للرئيس، من ماركة "باكار" لا يستخدمها إلا القوتلي شخصياً أثناء عمله الرسمي. وكان القصر قد ورث هذه السيارة من عهد بهيج الخطيب، رئيس حكومة المديرين سنة 1940، الذي كان أول من رفع العلم السوري على السيارة بشكل نظامي لكي يعرف الجميع أنها سيارة رئاسية (علماً أن القوتلي أنهى هذا العرف).


كما كانت هناك سيارة ثانية ماركة "دوزوتو" مخصصة للأمين العام محسن البرازي، وسيارة ثالثة تحمل اللوحة الرقم 13، يستخدمها باقي موظفي القصر (وكان رئيس الحكومة الأسبق لطفي الحفار يرفض ركوبها تشاؤماً من الرقم 13).

في مذكرات عدد من شهود العيان جاء أن الدمشقيين شهقوا عندما شاهدوا "الرولس" في شوارع مدينتهم تعبر الحارات الضيقة بصعوبة، وكانت فضية اللون ومفتوحة

وفي الاحتفالات الرسمية والأعياد الوطنية، كان الرئيس يحب الظهور بسيارة مكشوفة لكي يرى الناس ويرونه، ولكن ملاك القصر كان خالياً من مركبة من هذا النوع وكان القوتلي يقوم باستئجارها من تاجر سيارات في شارع بغداد.


في عام 1951 اشترى الرئيس أديب الشيشكلي سيارة "مرسيدس" مكشوفة لاستخدامها في العروض العسكرية. أهم ما فيها أنها كانت ملكاً لأدولف هتلر في الحرب العالمية الثانية، وكان يستخدمها خلال استعراضاته الجماهيرية في برلين، رافعاً يده اليمنى أمام ملايين الشباب وهم يهتفون: "هايل هتلر!".

اشترت حكومة الشيشكلي سيارة هتلر من مدينة "كان" في جنوبي فرنسا وتحمّلت تكاليف نقلها إلى دمشق (70 ألف ليرة سورية) مع ثمنها، لاستخدامها خلال استقبال ملك الأردن طلال بن عبد الله عند زيارته دمشق، ولكنّ مُحركها سخن وتوقّفت عن السير في مرتفع الجسر الأبيض، بالقرب من السفارة الفرنسية، ما أَجبر الشيشكلي وضيفَه على السير على الأقدام٫ ثم ركوب السيارة المرافقة. جرى التخلّص من السيارة وأُعيدت إلى أوروبا، ثم بيعت إلى هاوي سيارات ألمانية قديمة في روسيا عام 2009.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image