شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
إليسا التي خذلتنا

إليسا التي خذلتنا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والنساء

الجمعة 10 مارس 202302:09 م

في أغنيتها "يا مرايتي"، وجّهت المطربة اللبنانية إليسا رسالتها إلى النساء المعنّفات، بتشجيعهن على كسر الصمت إزاء العنف الممارس ضدهن من الأزواج أو الشركاء العاطفيين، ونوّهت خلال الكليب الصادر في 2015 إلى أنه مساهمة منها لصالح حملة "كفى" لمناهضة العنف، وأرفقت فيه عبارة تقول: الصمت ما بيشفي الوجع، لا تترددي في الاتصال بالخط الساخن لـ"كفى".

رسالة إليسا وكلمات أغنيتها قوبلت باحتفاء واسع، كونها نقطة ضوء وسط سيل من الإعلانات والأعمال الدرامية والفنية العربية التي تحضّ أو تحرّض أو تتصالح بشكل ما مع العنف ضد المرأة.

ما لبث الاحتفاء بإليسا أن انقلب ضدها، بعد صدور أغنيتها مع الفنان المغربي سعد لمجرّد "من أول دقيقة"، فبدلاً من أن تلتزم هي الصمت، كما لزمه غيرها كثيرون، وتنأى بنفسها عن مشاركة شخص متورّط في جرائم عنف واغتصاب تلاحقه أينما ذهب، راحت ترافقه النجاح، وتحتضنه في الأغنية لتخرج لسانها لنفس المرأة التي شجّعتها على كسر الصمت سابقاً.

لماذا تدافع إليسا بكل ما أوتيت من قوّة عن مغتصب بحكم المحكمة الفرنسية التي نطقت في شباط/ فبراير الماضي، بسجنه لمدة 6 سنوات بتهمة اغتصاب شابة فرنسية وضربها في غرفة فندق؟ ولماذا لا تحترم إليسا كل فتاة عربية تم الاعتداء عليها جنسياً أو التحرّش بها، واضطرّت للصمت خوفاً من آراء تلوم ضحايا الاعتداءات الجنسية والناجين منها، وتجعلهم جزءاً من الأزمة، أو حتى السبب الأكبر فيها.

لماذا تدافع إليسا بكل ما أوتيت من قوّة عن مغتصب بحكم المحكمة الفرنسية؟ ولماذا لا تحترم إليسا كل فتاة عربية تم الاعتداء عليها جنسياً أو التحرّش بها

الأسئلة السابقة وغيرها كانت مثار نقاش الساعات الماضية، بعد أن صعدت "ملكة الإحساس" إلى مستوى آخر من الدفاع عن لمجرّد، بعرض فيديو الأغنية التي تظهر فيها معه في حفلها الأخير على مسرح في جمهورية الدومينيكان.

ما الذي يفعله تطبيع إليسا مع جريمة اغتصاب؟

في بحثهما الصادر عام 1992 في مجلة القضايا الاجتماعية بعنوان "إعادة تعريف نسوية للاغتصاب والاعتداء الجنسي: الأسس التاريخية والتغيير"، اقترح الأمريكيان، باتريشيا دونات وجون ديميليو، أن يشرح مصطلح "ثقافة الاغتصاب" الداعمة للفعل.

وبالعودة إلى أصول صياغة مصطلح "ثقافة الاغتصاب"، فإنه ظهر لأول مرة في سبعينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة من قبل نسويات الموجة الثانية، وتم تطبيقه على الثقافة الأمريكية المعاصرة ككل.

ففي بداية السبعينيات، بدأت نسويات بالانخراط في مجهودات رفع الوعي المجتمعي حول انتشار الاغتصاب، إذ كان يصف معظم الأمريكيين وقتها أن الاغتصاب وضرب الزوجات أفعال نادرة الحدوث، وينظر إليها المجتمع على أنها أمور عادية.

هنا جاء دور التوعية لفهم البيئة الثقافية التي تشجّع على العنف ضد المرأة، أو المحيط الذي يفسّر الجريمة بأنها مجرد "جنس خشن"، أو يلقي اللوم على الضحية ويعتبرها من دعت الجاني بطريقة مبطنة لاغتصابها بسبب ملابسها أو سلوكها، أو كما ساوت مصمّمة الأزياء بسمة بوسيل، زوجة الفنان تامر حسني، بين سعد لمجرّد وضحيته، قائلة ما معناه إن الفتاة التي أدين الفنان المغربي بسببها هي أيضاً مذنبة لطلوعها معه الغرفة الفندقية.

إليسا برفعها صورة سعد لمجرّد، وبسمة بوسيل بمساواتها بين الضحية والجلاد، نشرتا على نطاق واسع التطبيع مع الاغتصاب، والتصالح النفسي مع الجاني

النظر إذن في جريمة الاغتصاب من خلال أعين الضحايا لا الجناة، هو توعية بخطورة تلك البيئة المتصالحة مع الجريمة، بيئة تغلب عليها كراهية النساء وعدم المساواة بين الجنسين، تنتقل تباعاً للأجيال، ما يؤدي إلى قبول اجتماعي ومؤسسي واسع النطاق للاغتصاب.

وأيضاً، أحد التفسيرات المهينة هي أنه يتم اغتصاب بعض النساء "السيئات" أو "المسيئات" فقط… وهذا يخلق فئة من النساء منفصلات عن عامة السكان، ما يقلل من فكرة أن أي شخص معرض للاغتصاب.

إليسا برفعها صورة سعد لمجرّد، وبسمة بوسيل بمساواتها بين الضحية والجلاد، نشرتا على نطاق واسع التطبيع مع الاغتصاب، والتصالح النفسي مع الجاني، وشجّعت كلتاهما على الاستمرار في "ثقافة الاغتصاب" المشينة التي تخطتها مجتمعات كثيرة، بينما نحن في مجتمعاتنا العربية لازلنا نوجه سؤالنا إلى الضحية "لماذا كنتِ هناك؟"، ونعتبر أن قبول فتاة الصعود لغرفة مع آخر هو يعني الموافقة على اغتصابها.

إليسا قامت بكل ما كانت ترفضه المدافعات عن حقوق المرأة، قبلت/ دعمت/ احتضنت/ وأخيراً أعلنت انحيازها لمرتكب جريمة مثبتة.

باختصار، خلقت ملكة الإحساس بيئة مشوّهة، تخشى فيها ناجية على الإبلاغ ضد مغتصبها خوفاً من مجتمع يقبل ويدعم ويعلن حبه لمجرم... تماماً كما فعلت إليسا.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard