بعد مئة يوم على حالات التسمم المتتالية للطالبات في إيران، ما زالت الغموض سيد الموقف، وما زالت الأسر تعيش حالةً من الدهشة، والذعر يسيطر على مدارس البنات، إذ تشهد البلاد موجةً منظمةً ومتسلسلةً لتسمم الطالبات.
وخضعت معظم المحافظات الإيرانية الـ31، لحالات التسمم في أكثر من 230 مدرسةً، وأصيب ما يزيد عن 5 آلاف طالبة، والقليل من الطلاب الذكور، حسب ما جاء في تقرير لجنة تقصي الحقائق للبرلمان الإيراني.
وبدأت القضية بعد أن أصيبت طالبات مدرسة نور في مدينة قم الدينية، معقل الفكر الشيعي في البلاد، بحالة تسمّم إثر استنشاق رائحة تشبه فاكهة اليوسفي في أجواء المدرسة، في 30 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
قدّمت وكالة "إيرنا" للأنباء الحكومية ثلاثةَ سيناريوهات عمن يقف خلف حالات التسمم التي تشهدها البلاد؛ السيناريو الأول تحدث عن أفعال المجموعات الرجعية، والثاني عن الطالبات، والثالث عن الأجهزة الأمنية الأجنبية
وذكرت صحيفة "هَمْ مِيْهَن" الإصلاحية، أن الطالبات في بعض الحالات استنشقن رائحةً تشبه غسيل التبييض، كما أعلنت بعض التلميذات والمعلمات أنهن شاهدن شيئاً يشبه القنبلة اليدوية مع رائحة النعناع، قد أُلقي من الخارج إلى داخل فناء المدرسة.
الأعراض
ابتليَت الفتيات بأعراض مثل الغثيان والصداع والسعال وصعوبة التنفس وخفقان القلب والخمول، كما تمت معالجة بعضهن في المدرسة وأخريات دخلن المستشفيات لساعات وحتى لأيام، كي يتم العلاج بالكامل. كما عادت بعض الطالبات إلى المستشفيات لاستكمال العلاج بعد ظهور أعراض أخرى.
وأجرت صحيفة "شرق" الإصلاحية، لقاءً مع والد إحدى الضحايا في العاصمة طهران، الذي صرّح بأن شهود عيان قالوا له إنهم شاهدوا امرأتين بمواصفات واحدة قد دخلتا المدرسة وهربتا، بينما كانت سيارة تنتظرهما أمام مدخل الثانوية، وقد باءت محاولات الشهود بالفشل لإلقاء القبض عليهما.
وعادت غازات التسمم في بعض المدارس، مرتين وثلاثة، كما واجه بعض طلاب وطالبات الجامعات حالات تسمم بعد تناول طعام الجامعة، وقد وصفت صحيفة "إيران" الحكومية، الحادث بأنه جاء بشكل "متسلسل"، و"مثير للشك في بعض الأحيان"، إذ وقع ذلك في جامعات أصفهان، وخوارزمي، وأراك، على بعد أيام قليلة، وبشكل متتالٍ، وتم نقلهم/ ن إلى المستشفيات.
3 سيناريوهات
وقدّمت وكالة "إيرنا" للأنباء الحكومية، ثلاثة سيناريوهات عمن يقف خلف حالات التسمم التي تشهدها البلاد، السيناريو الأول تحدث عن أفعال المجموعات الرجعية، والثاني عن الطالبات، والثالث عن الأجهزة الأمنية الأجنبية.
لم تهتم الحكومة بمتابعة الأمر بشكل جدي في بادئ الأمر، وإهمال الجهات المعنية والغموض الذي خلف تكرار حالات التسمم، تسببا في ذعر عام لدى الرأي العام الإيراني، حتى احتج أفراد عائلات الطالبات اللواتي ظهرت عليهن أعراض التسمم أمام مكتب حاكم مدينة قم الدينية.
وبعد انتشار حالات التسمم في أكثر من محافظة إيرانية، بدأت تصريحات المسؤولين حول معرفة الأسباب والمتورطين، تأتي متناقضةً مع بعضها البعض، وفي هذه الحال اعتقد البعض أن ما يجري استهداف متعمد للطالبات.
وجاء سوء الظن بالمتشددين الدينيين، الذين قوي عودهم منذ الانتخابات الرئاسية سنة 2021، ويُعتقَد أن اندلاع احتجاجات حركة "المرأة، الحياة، الحرية"، من داخل جموع الطالبات وخاصةً الفتيات والمراهقات، كان سبباً في هذا الرد الحاسم ضدهن.
أين قوى الأمن؟
وصرّح زعيم البلوش وإمام السنّة في مدينة زاهدان شرق البلاد، الشيخ عبد الحميد إسماعيل زهي، بأن الكثير من المواطنين الإيرانيين يعتقدون بأن الطالبات اللواتي تظاهرن في مدارسهن، يواجهن حالات التسمم.
وانتقد السلطات وقال بأن أحداً لن يصدّق أن الجهاز الأمني وضباط الحرس الثوري الذين يلاحقون صغار الأمور، عاجزون عن معرفة أسباب حادث بهذا الوسع.
وكتب أحد رواد منصات التواصل: "عندما عرف فرعون مصر أن زوال حكمه سيكون على يد ولد، أمر بقتل الأطفال الذكور"، تلميحاً منه إلى أن حالات التسمم تأتي انتقاماً من الإناث اللواتي شاركن في الاحتجاجات الأخيرة، ولاقى هذا المنشور إعجاب كثر من روّاد منصات التواصل الاجتماعي.
احتجاجات
خرجت موجات عفوية من التظاهر أمام دوائر التربية والتعليم في كل من مدن طهران وأصفهان ورشت وغيرها، من قبل عوائل الطالبات خلال الأسبوع الماضي، مؤكدين على معرفة أسباب التسمم والحفاظ على صحة أبنائهم. كما أوقفت بعض العوائل ذهاب بناتها إلى المدارس حرصاً على سلامتهن.
وقد تمت مواجهة بعض الاحتجاجات في العاصمة طهران بالعنف من قبل عناصر أمنية في زيّ مدني، وأثار مقطع فيديو متداول حول اعتداء عنصر على امرأة احتجت أمام إحدى المدارس، غضب المجتمع مما سبب تدخل الحكومة لمحاسبة المخطئين من الضباط.
نتيجة الاجتماعات الحكومية
عُقدت اجتماعات حكومية عدة لمعرفة مصدر حالات التسمم، إلا أنه حتى الآن لم يتم الإعلان بشكل علني ورسمي عن ذلك. وقد طالب المرشد الأعلى علي خامنئي، بمتابعة الموضوع بجدية، قائلاً: "هذه جريمة كبيرة لا تُغتفر وإذا ثبت تسمم الطلاب وجبت معاقبة مرتكبي هذه الجريمة بشدة ولن يكون هناك عفو عن هؤلاء المجرمين".
وأكد رئيس جهاز القضاء الشيخ غلام حسين محسني إجئي، أن "هذا العمل هو مصداق واضح لجريمة الإفساد في الأرض"، موضحاً أن ملف التسمم المتسلسل سيتابَع بشكل خاص وبسرعة في المحكمة.
وبعد اعتقال الصحافي علي بور طباطبائي، الذي كان من الصحافيين المحليين الأوائل الذين نشروا عن حالات التسمم وتابعوا الملف بجدية منذ وقوعها قبل 100 يوم في مدينة قم الدينية، أعلنت النيابة العامة عن رفع دعوى قضائية ضد صحيفتي "هم ميهن" و"شرق" وموقع "رُويْداد 24"، وثلاث شخصيات إصلاحية؛ السياسية آذر منصوري، والأكاديمي صادق زيبا كلام، والممثل السينمائي رضا كيانيان، بتهمة "نشر الأكاذيب والشائعات"، وقامت وسائل الإعلام هذه بنشر تقارير ميدانية من المدارس، وعكست آراء بعض الشخصيات السياسية التي اتهمت أنصار النظام بالوقوف خلف التسمم المتسلسل.
وزارة الصحة فقد نشرت تقريرها الأول مبيّنةً التالي: "تعرّض بعض الطلاب لمادة مزعجة يتم استنشاقها بشكل رئيسي"، من دون المزيد من التفاصيل عن ذلك
كما أعلنت وزارة الداخلية عن اعتقال أشخاص عدة في 6 محافظات؛ خوزستان وأذربيجان (غرب)، وفارس وكرمانشاه وخراسان والبرز، بتهمة القيام بأعمال التسمم.
وقد صرّح المتحدث باسم الشرطة الإيرانية، بـ"أن بعض الأفراد المعتقلين في مدينة لارستان جنوب البلاد، هم من قاموا بعمل تنظيمي وجماعي في إلقاء غاز النيتروجين داخل 7 مدارس، وتسببوا في تسمم 53 تلميذةً".
أما وزارة الصحة فقد نشرت تقريرها الأول مبيّنةً التالي: "تعرّض بعض الطلاب لمادة مزعجة يتم استنشاقها بشكل رئيسي"، من دون المزيد من التفاصيل عن ذلك.
وطالب نحو 20 محامياً وقانونياً إيرانياً في رسالة مشتركة، من المراجع الدولية، إنشاء لجنة مستقلة لتقصي الحقائق بشكل عاجل، بينما رفضت الخارجية الإيرانية انتقادات الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية لما يجري من حالات تسمّم مستمرة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...