شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
يأتون في الفجر، متى فرغوا من صلاتهم؟

يأتون في الفجر، متى فرغوا من صلاتهم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مجاز

السبت 4 مارس 202312:34 م

الحلم


 

أبصرت موقعي بعد لأي، في المنتصف تحديداً. لا طريق هنا لأقول: في مفترق الطريق، النور يتسلّل مخنوقاً، بعد لحظات أو ساعات سوف ييأس، الظلمة تلتهم المكان، لا جدران مرئية، لا أبواب مغلقة، فقط الظلام ووقع أنفاسٍ ثقيلة وأنّاتٍ في البعيد، وصوتها الوليد يتمدد فيما تبقى من فراغ لم تطله الظلمة بعد.

لا بد أن سؤالاً ما يتكون في داخلها الآن وهي في حضنها، أين هو الضلع المفقود، أين هو الوجه الذي حدّدته لحية خفيفة، ينظر لي من خلف عوينات جميلة ويبتسم ويناديني؟ لابد أنه قد سافر ليأتي بأشياء جميلة لحبيبته الصغيرة، لذا سأنتظر، لأنه لابد سوف يأتي بأشياء جميلة. فستان أبيض، عروسة صغيرة للعروسة الصغيرة، ووردة لكِ وعطر وابتسامات تغمرنا بها عيناه، لكنه تأخر، هل يأتي بالعيد أم يأتينا في العيد؟ ها هو السؤال صار أسئلة تملأ فراغ الغياب والبيت والأركان تتساءل عن الثمن الذي يجب أن يُدفع نظير عروسة صغيرة للعروسة الغيرة ووردة وقنينة عطر وابتسامة؟

*****

على اسم المدينة سميتها أم على اسم المخيم؟ المدينة أسبق من المخيم لكن المخيم هبّ كي يحمي المدينة، من المدينة خرج المخيم ومن المخيم تنبعث المدينة، لذا كانت المدينة وكان المخيم وكانت هي ثالثهما. وكما ستنمو المدينة من المخيم ستنمو هي وتسير وتصير كما هو مقدرٌ لها أن تصير، لكني لا أعلم حقاً على اسم المدينة سميتها أم على اسم المخيم.

لا بد أن سؤالاً ما يتكوّن في داخلها الآن وهي في حضنها، أين هو الضلع المفقود، أين هو الوجه الذي حدّدته لحية خفيفة، ينظر لي من خلف عوينات جميلة ويبتسم ويناديني؟... مجاز

*****

أتوا في الفجر، متى فرغوا من صلاتهم؟ لابد أنهم يتقربون إلى الله بهذه الزيارات، دلفوا كما يدلفون دوماً إلى الداخل الذي هم دوماً فيه، لذا لم يحتاجوا إلى إذن النيابة ولا صاحب البناية. فتشوا عما يريدون العثور عليه، لذا فقد عثروا عليه لأنه كان موجوداً ويوجد أينما كانوا، وإلى الشارع المظلم حيث تقف فوهة مظلمة، ما إن تدلف بها حتى يسير الظلام في الظلام كي تصل إلى أحد مقرات الظلام. بالكاد أدركت أني في المنتصف. لا أمام ولا وراء، ولا يمين – ولدهشتي – ولا يسار وإن توفرت النية.

*****

الطريق طويلة يسعل السائق. نمرّ عبر صحاري. المبنى يلوح من بعيد، يوقفوني على البوابة، يسألون عن التصريح، يفتشون الحاجيات، يصرخون، يهرولون، يروحون، يجيئون، أنظر إلى أياديهم المشدودة وحناجرهم تكاد تتطاير وأمسح البراح وأتساءل: من يحاصر من؟

أتوا في الفجر، متى فرغوا من صلاتهم؟ لابد أنهم يتقربون إلى الله بهذه الزيارات

*****

يخرج إلى مساحة تحتلّها دكك وغربان، على كل دكة غراب. يلمحهما فيهرول محتضناً، يداعبها، ينظر في عيني أمها مغالباً دمعة كادت تنزلق من عينيها، يبتسم نصف ابتسامة، تتلفت الصغيرة حولها، تنظر في الوجوه، وجوه الجالسين، ووجوه الواقفين كالألف بعيون جامدة.

يتأملها بصمت وهي تتلفت. ورثت فضوله. عبس، تمنى ألا يقودها إلى ما قاده. لاحظت عبوسه، ربتت على يديه في صمت، تمنت لو يخلد في حضنهما في سلام، ويلقي عنه ما جاء حاملاً على كتفيه من شكوك وقلق وما علق بملابسه البيضاء من ظلام.

*****

هاك العروسة يا عروستي الصغيرة، دونها الرقاب، لعينيك عبرت الصحراوات كي أخيط لك ثوباً وردياً وأبتاع لك عروسة قبعةً مطرزة بأيامي، بأحلاها، كيلا يجئ العيد والسؤالُ معلقٌ على مشجب الغياب. ها قد عاد الذي رحل، ليس كما رحل، لأن الظلام والصحراء والقلق وابتسامتك والغربان والجدران، اليوم والأمس والغد، الأمام والوراء واليمين واليسار، وأنا في المنتصف، أتبع شعاع الشمس، أغني للمدينة التي صارت مخيماً، والمخيم الذي احتضن المدينة، وقعقعة الأحذية على الممرات تنزعني من هولٍ لتلقي بي في هولٍ، لكن ها أنا جئت يا عروستي الصغيرة، ولكم كابدت كي آتي فلا تفوتني خطواتك الأولى، فكانت فوق الظلام خطواتي!

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard