تنتشر عبر الانترنت الكثير من المعلومات المضللة والمشككة بظاهرة التغيّر المناخي، وهي تساهم أحياناً في تجاهل المخاطر وإحداث انقسام وعرقلة الجهود الرامية لمحاربته وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من كوكبنا. لكن اللافت، حسب دراسات أخيرة، أن هذه المعلومات الخاطئة وجدت أرضية خصبة لها خلال العام الفائت.
ويدّعي أصحاب هذه المعلومات وناشروها أموراً من قبيل عدم ضرورة ربط غاز ثاني أوكسيد الكربون بالتغير المناخي، أو أن الأنشطة البشرية لا علاقة لها بالأمر، أو أن الاحتباس الحراري وما يشهده الكوكب في العقود الأخيرة من ظواهر مناخية متطرفة هو غير خطير. وعليه، ليست هناك ضرورة للتحرك إزاءها. وبعضهم يطلق على التغير المناخي مصطلح "احتيال القرن"، إشارة إلى أن المعلومات العلمية والدراسات ما هي إلا "مؤامرة وأكاذيب".
ويذكّر ذلك بشكل أو بآخر بموجات مشابهة، منها على سبيل المثال تلك المرتبطة بوباء كوفيد-19، والتي كان لبعض المعلومات المنتشرة خلالها آثار خطيرة على حياة كثيرين نتيجة اليقين بما هو أبعد ما يكون عن الحقائق العلمية. لذلك ينادي خبراء بضرورة الانتباه لهذه المعلومات والتصدي لها لئلا تنتشر أكثر فأكثر بتأثيراتها السلبية.
التغريدات المشككة بالمناخ على منصة تويتر بلغ عددها 1.1 مليون تغريدة عام 2022، وهو ضعف الرقم المسجل عام 2021.
ويشير العلماء إلى أن ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 1.1 درجة مئوية منذ عصر الثورة الصناعية ناتج بشكل أساسي عن مجموعة من الأنشطة البشرية التي تزيد من انبعاث غازات الاحتباس الحراري، وأن هذا الارتفاع يساهم مباشرة في مجموعة من الآثار الضارة مثل موجات الحر المتطرفة والجفاف والفيضانات وحرائق الغابات وارتفاع مستوى سطح البحر وفقدان التنوع البيولوجي، وهي أمور تؤثر بدورها على حقوق الإنسان على المستويات كافة. ولا بد من تكاتف الجهود لخفض الانبعاثات والتحول إلى اقتصاد منخفض الكربون من خلال حلول طبيعية وتكنولوجية عدة.
ملايين التغريدات
يتحدث تقرير صادر عن وكالة الصحافة الفرنسية "فرانس برس" في أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي، عن أن منشورات ناكري التغير المناخي وأصحاب نظرية المؤامرة بهذا الشأن ازدهرت في العام الماضي، وتحديداً بعد استحواذ إيلون ماسك على منصة تويتر. وتشير تحليلات أجرتها الوكالة بالاستعانة بعلماء اجتماع إلى أن التغريدات أو إعادة التغريدات المشككة بالمناخ على منصة تويتر بلغ عددها 1.1 مليون تغريدة عام 2022، وهو ضعف الرقم المسجل عام 2021.
وضمن التقرير تحدثت مسؤولة من معهد الحوار الإستراتيجي، وهو مركز أبحاث بريطاني، عن عودة ظهور لغة كانت تستخدم في الثمانينيات، وعبارات مثل "خدعة المناخ" و"احتيال المناخ"، وهو أمر "مدهش" وفق توصيفها.
ووفق التحليلات المذكورة، فإن الفترات التي شهدت ازدهار التغريدات المشككة بتغير المناخ في العام الفائت هي تلك المرتبطة بمؤتمر المناخ COP27، وموجات الحرارة التي ضربت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وكذلك توقيع الرئيس الأمريكي جو بايدن على مشروع قانون يهدف إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ضمن جهود البلاد لمكافحة التغير المناخي. وقد نُشر ربع التغريدات من قبل 10 حسابات فقط، منها لزعيم حزب كندي يميني، وإعلامي بريطاني يميني يدعم نظريات المؤامرة.
كما اطلعت فرانس برس على تحليل من مؤسسة Advance Democracy أشار إلى أن منشورات تويتر التي تستخدم مصطلحات إنكار تغير المناخ تضاعفت أكثر من ثلاث مرات من عام 2021 إلى عام 2022، ويلفت خبراء إلى أسباب محتملة كامنة وراء هذا الأمر، منها فك الحظر عن بعض الحسابات على المنصة وإتاحة الحصول على علامة توثيق الحساب الزرقاء مقابل دفع مبلغ مادي، وبالتالي لم تعد هذه الميزة مرتبطة فعلاً بموثوقية الحسابات.
تزداد وتيرة نشر هذه المعلومات تبعاً للخلفيات الإيديولوجية والسياسية لأصحابها، إذ إن من ينتمون لليمين المتطرف على سبيل المثال يفضلون المجاهرة بعدم تصديقهم للعلم، كما أن حب الظهور يدفع البعض للدخول بدوامة المعلومات المضللة أملاً في الحصول على المزيد من المتابعين
وعلى منصة تيكتوك ازدادت مشاهدات مقاطع الفيديو التي تستخدم الوسوم المرتبطة بإنكار التغير المناخي بمقدار 4.9 مليون. وعلى يوتيوب حصدت مقاطع الفيديو المشابهة أيضاً على مئات آلاف المشاهدات، كما أن البحث عنها ساهم بزيادة عرض إعلانات المنتجات الملوثة للبيئة وغير المكترثة لتغير المناخ، وبالتالي "التطبيع" مع هذه المنتجات. أما على فيسبوك فإن المنشورات المشككة تناقصت مقارنة بالعام 2021، رغم أن تقارير عدة ما زالت تنتقد سياسة هذه المنصة حيال التعامل مع موضوع التغير المناخي والمعلومات الخاطئة حوله.
وحول العوامل التي يمكن أن تدفع لزيادة الترويج لهذه المعلومات المضللة، تشير الوكالة في تقرير منفصل إلى تلقي العديد من مجموعات التفكير المتشكك بالمناخ والمراكز البحثية ذات الصلة تمويلاً من شركات النفط والوقود الأحفوري التي لا مصلحة لها بمحاربة التغير المناخي، وبالتالي إلحاق الضرر بأعمالها وأرباحها. وتشير الوكالة كذلك إلى ازدياد وتيرة نشر هذه المعلومات تبعاً للخلفيات الإيديولوجية والسياسية لأصحابها، إذ إن من ينتمون لليمين المتطرف على سبيل المثال يفضلون المجاهرة برفضهم أساساً لوجود مشكلة التغير المناخي وعدم تصديقهم للعلم.
البعض يطلق على التغير المناخي مصطلح "احتيال القرن"، إشارة إلى أن المعلومات العلمية ما هي إلا "مؤامرة وأكاذيب".
إلى جانب ذلك، فإن كثيرين، نتيجة الخوف والقلق، يفضلون إنكار التغير المناخي أو تأثير الظواهر المناخية المتطرفة على حياتنا اليومية، كما أن الشهرة وحب الظهور يدفعان البعض للدخول بدوامة المعلومات المضللة أملاً في الحصول على المزيد من المتابعين على مواقع التواصل.
كيف نحارب الشائعات؟
حتى لا نستهين بأثر المعلومات المضللة بما يخص موضوع التغير المناخي، يكفي أن نعرف أن هذه المعلومات التي تُنشر عن قصد أو بطريق الخطأ، تُشاهد بمعدل 1.36 مليون مرة يومياً على فيسبوك، وبالتالي فإن تأثيرها سواء المباشر أو غير المباشر على الجهود الرامية لتحسين الوضع البيئي والمناخي على الأرض، ليس بقليل.
أهم ما يمكننا القيام به هو رفع الوعي عن طريق زيادة نشر المعلومات الموثوق بها والعلمية، والتفكير أكثر من مرة قبل مشاركة أي منشور يحتمل أن يحتوي على تكذيب أو تشويه للحقائق العلمية، وكذلك الانتباه إلى اللغة والمفردات التي نستخدمها في مواضيع المناخ والتغير المناخي والبيئة والحرص على أن نكون دقيقين قدر الإمكان.
من الضرورة تجاهل نظريات المؤامرة التي تنتشر بسرعة عبر الانترنت، وعدم مشاركتها أو التفاعل معها، وأيضاً عدم تكرار الكذب ونشر الشائعات، وإنما بالعكس تصحيحها ونشر الحقائق العلمية المثبتة من مراكز الأبحاث والدراسات والمنظمات الموثوق بها ذات الصلة
ومن النصائح التي يوجهها خبراء بهذا الصدد:
- ضرورة تجاهل نظريات المؤامرة التي تنتشر بسرعة عبر الانترنت، وعدم مشاركتها أو التفاعل معها.
- عدم تكرار الكذب والشائعات، وهو أمر ضروري لمحاربتها عن طريق عدم إعادة نشرها، وإنما بالعكس تصحيحها ونشر الحقائق العلمية المثبتة من مراكز الأبحاث والدراسات والمنظمات الموثوق بها ذات الصلة.
- من المهم الانتباه إلى أشكال مختلفة من المعلومات المضللة، فبعضها ينكر الظاهرة نفسها، وبعضها الآخر ينكر الحلول المطروحة مثل ضرورة تخفيض استخدام الوقود الأحفوري، وهناك فريق يسعى للترويج لحلول مضللة أيضاً، أو يستخدم أسلوب "الغسل الأخضر" وهو إستراتيجية تسويقية تضلل المستهلكين عن طريق إيهامهم بأن منتجات وأهداف وسياسات شركات معينة تهدف لحماية البيئة، في حين أن الأمر لا يعدو كونه مجرد التفاف تسويقي ليس له أساس من الصحة.
ماذا نفعل في حال كان لدينا شك بمجموعة معلومات معينة لكن نود مشاركتها على صفحاتنا؟
في هذه الحالة، من المهم أن نطرح على أنفسنا بعض الأسئلة من قبيل: هل نعرف المصدر؟ هل له مرجعية موثوق بها مثل الأشخاص أو المؤسسات المؤهلة والعلمية؟ هل الكاتب/ة شخص معروف له تاريخ طويل بهذا المجال؟ هل تبدو المعلومات قابلة للتصديق؟ وهل الحجج التي تستند إليها منطقية؟ هل هي مكتوبة بأسلوب احترافي؟ والأهم: هل تروّج هذه المعلومات لنظريات مؤامرة، مثل أن هناك مخططات سرية تسعى لتدمير العالم تحت ستار محاربة التغير المناخي، أو أن هناك من يريد إجبار الناس على التوقف عن أكل اللحوم والتوجه نحو الحشرات كبديل؟
في الخلاصة، لنكن "مستهلكين حذرين" لكل المعلومات المتعلقة بالمناخ.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 4 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...