لم تعد الأزمات والكوارث أحداثاً استثنائيةً في المنطقة العربية عموماً، وفي سوريا خصوصاً، بل باتت من التفاصيل اليومية المنتظرة، فالسوري إن لم يمت بقذائف الحرب، قد يموت في البحر في أثناء محاولات النجاة، أو بسبب سوء التغذية، ويأتي مؤخراً الزلزال ليتمّم مكارم الكوارث التي نعايشها منذ سنوات ويعطينا سبباً جديداً للموت.
وفي كل أزمة، يُسلَّط الضوء على الشخصيات العامة من إعلاميين/ ات وصحافيين/ات وفنانين/ات: ما هو رأيهم/ نّ بما يحدث؟ كيف تصرفوا/ ن خلال الأزمة؟ هل لعبوا/ ن دورهم/ نّ الصحيح؟ هذا إن اتفقنا على معايير محددة لدورهم/ نّ الصحيح في الأزمات، إذ باتت السوشال ميديا بالمرصاد، أو كما يُقال بلغة مسلسل ضيعة ضايعة: "إذا حكى الواح بقولوا الواح حكى".
فيسبوك أكثر رأفةً
ما أن تحدث أي كارثة جديدة حتى يهرع الصحافيون/ ات والمراسلون/ ات إلى تغطيتها على الأرض، وبرغم أحادية الخطاب الإعلامي في سوريا، إلا أن هذا البلد غني جداً إخبارياً، فلسنا في حاجة إلى عرض أي خبر "بايت"، لأن الأزمات تخلق لنا الكثير، كما أصبحت أعداد المنصات الإلكترونية والصفحات الشخصية والمجموعات الفيسبوكية تفوق أعداد وسائل الإعلام التقليدية عدداً وتأثيراً، ومنها ما يصوّر الضحايا وينقل الوقائع، ومنها ما يجلب لقاءات صحافيةً كيفما اتفق، وتنتشر هذه المواد عبر مواقع التواصل الاجتماعي من دون ضابط ولا رادع، إلا حين يحذرنا فيسبوك من أن المحتوى فيه مواد مؤذية أو مزعجة، وكأنه بات يخاف على مشاعرنا ويراعي حرمة الضحايا أكثر من البشر.
السوري إن لم يمت بقذائف الحرب، قد يموت في البحر في أثناء محاولات النجاة، أو بسبب سوء التغذية، ويأتي مؤخراً الزلزال ليتمّم مكارم الكوارث التي نعايشها منذ سنوات ويعطينا سبباً جديداً للموت
في هذا السياق، قالت الصحافية والمدرّسة في كلية الإعلام في جامعة دمشق، آلاء قجمي، لرصيف22: "إن أخطاء التغطية الإعلامية خلال الزلزال الأخير كثيرة، وأبرزها تصوير مشاهد للضحايا كنوع من المتاجرة، فمن يصنع محتوى مؤذياً أكثر يجعلنا نبكي أكثر وتالياً يحقق متابعةً أكبر، وهو استغلال لأشخاص تحت تأثير صدمة، وعليه موافقتهم مشروطة بالوعي غير الموجود في هذه اللحظة، كما أن الأسئلة لم تكن موفقةً، من التلفزيون الرسمي وحتى من المنصات، خصوصاً مع الأطفال، كالمراسل الذي سأل طفلةً فقدت عائلتها عن حالتها النفسية، فكيف ممكن أن تكون؟ السؤال الأساسي هو عن كيفية مساعدة الناجي/ ة، والأسئلة الثانية تأتي بعد مرور الأزمة".
وأضافت: "إن المطلوب في هذه الحالة، توعية العاملين في المجال الإعلامي وتسليط الضوء على أخلاقيات المهنة بدلاً من شتمهم كالضيف الذي ظهر عبر قناة تلفزيونية سورية مخاطباً إياهم بعبارة: ‘تسونامي تقشكن’، فهل هذه عبارات مقبولة عبر منبر إعلامي؟".
وبرغم أن الكارثة حدثت في مناطق مختلفة من الشمال السوري، وصولاً إلى الجنوب بشكل أقل تأثيراً، إلا أن التقسيم السياسي لعب دوراً سلبياً وحال دون وصول المساعدات، وفشل العديد من الصحافيين/ ات العرب والأجانب من دخول سوريا للتغطية، والعكس صحيح.
تعليقاً على هذه النقطة، قالت مراسلة أحد التلفزيونات الألمانية في الشمال السوري لرصيف22: "برغم أن الزلزال أثّر بشكل كبير على حياة السوريين والأتراك في الشمال ولم يفرّق بينهم، إلا أن المساعدات من طعام وشراب وخيم فرّقت، أي حتى في الإنسانية هناك طبقات، وسمعنا العديد من الأقاويل عن أن الكثير من المساعدات التي من المفترض أن تصل إلى سوريا لم تصل، وراقبنا دخول نحو 144 شاحنة مساعدات للسوريين فقط وهذا رقم قليل جداً، علماً أن الشاحنات التجارية من السعودية مثلاً تدخل الأراضي السورية من خلال معبر باب السلامة، ولقد التزمنا الأصول المهنية في التغطية ولم ننقل المشاهد القاسية والمؤثرة".
وتابعت: "إن الحصول على بطاقات صحافية للتغطية الصحافية من الجانب التركي بسيطة جداً، ويمكن إجراؤها بشكل إلكتروني، ولكن كان من المستحيل الدخول إلى الأراضي السورية للتغطية، كما أنها لا تأتي بالرفض، بل هناك قائمة انتظار، فأنا عدت إلى بلدي ولا زلت على قائمة الانتظار".
الزلزال يضرب المشاهير
يتحمل الفنان الكثير من الأعباء والمسؤوليات خلال الأزمات، لأن الناس تطلب منه أكثر من غيره، فيشعر بأنه مضطر إلى أن يقف إلى جانبهم ويساعدهم في الوقت الذي يحتاج فيه إلى المساعدة بدوره، وقد يعاني مثلهم في بعض الأحيان، كالكثير من الفنانين الذين فقدوا بيوتهم وعوائلهم وأحباءهم خلال سنوات الحرب، ولكن يجهل الناس حقيقة أن من يظهر على الشاشة يعيش في الوقت عينه حياةً طبيعيةً، بل ويعدّونه منفصلاً عن الواقع، وكأن الزلزال لا يضرب المشاهير.
عانت المغنية السورية سهر أبو شروف، كالكثير من السوريين، من ويلات الحرب وخسرت العديد من أفراد عائلتها، كما عانت مؤخراً جراء الزلزال الذي أثّر على محافظة حلب بشكلٍ كبير وخسرت منزلها والكثير من المقربين منها، ووفق ما كشفت لرصيف22: "الفنان هو إنسان لديه تفاصيل يخاف عليها كجميع الناس، لأن تأثير الأوضاع الصعبة على الفنان مشابه لما هو عليه على بقية الناس، بل أحياناً يبالغ الفنان في مشاعره ويتعايش بشكل درامي مع الحزن، خاصةً أن الهزات متوالية ولكننا اعتدنا على الوضع، والشعب السوري منكوب في كل مكان، وحزننا على البشر أكثر من حزننا الحجر".
يجهل الناس حقيقة أن من يظهر على الشاشة يعيش في الوقت عينه حياةً طبيعيةً، بل ويعدّونه منفصلاً عن الواقع، وكأن الزلزال لا يضرب المشاهير
وأضافت: "عُرض عليّ تقديم عمل فني خلال بداية الحدث، ولكن جرحي لا يزال ‘طازة’. لست ضد تقديم أغنيات ولكن الأهم هو انتقاء الكلام المناسب، واخترت إعادة تقديم أغنية للسيدة وردة تعبّر عن الحزن الموجود في دواخلنا، ولقد بكيت كثيراً وتأثرت في أثناء التسجيل كنوع من التفريغ، لأننا خسرنا كثيراً".
كيف حاول الفنانون المساعدة؟
لا يمكن أن نجمع على طريقة أو خطاب مشترك يمكن أن يعتمده الفنان كبروتوكول للتعامل مع الأزمات، فلكل فنان طريقة مختلفة، ولكن ردود الفعل غالباً ما تأتي عنيفةً نوعاً ما، لأن مواقع التواصل الاجتماعي تفسح المجال لعرض جميع الآراء حتى ولو كانت سلبيةً، وتبدأ حملات السخرية والتشكيك بنزاهة الفنان أو مصداقيته، وربما يتعمد البعض إظهار بعض الجوانب الإنسانية لكسب التعاطف، ولكن لا ينطبق هذا الأمر على الجميع.
فبعض الفنانين فضّلوا الظهور عبر وسائل الإعلام ونشر بعض الأفكار أو حملات المناشدة لدعم المتضررين/ ات، أو المطالبة بالسماح لوصول المساعدات ربما، إلى درجة أنهم اتُّهموا بأنهم مدفوعون من جهات سياسية لتسريب بعض الأفكار على حساب الأزمات، فيما استغل البعض الآخر الموقف وطالب بالعكس.
البعض فضّل التبرع المادي من خلال أرقام متفاوتة عن طريق نقابة الفنانين السوريين، مما أدى إلى انقسام الآراء حول مصداقية النية أو الفعل نفسه، واعترض البعض على نشر الأرقام كالفنانة نادين الراسي، التي صرّحت بأنها ضد ذكر الرقم، فيما أعلن البعض تعليق أعماله الفنية حتى تمر الأزمة، والبعض الآخر فضّل متابعة العمل الفني كالفنانة أصالة نصري، التي واجهت أعنف الاتهامات بسبب ظهورها في حلقة مباشرة من برنامج "سعودي أيدول"، لتظهر لاحقاً وتعلن عن تبرّعها بأجر حفل فنّي قادم، كما كثرت الشائعات حول بعض الأرقام، مثل المليوني دولار التي قيل إن نجوى كرم تبرعت بهما للمنكوبين، ليتبيّن لاحقاً أن القصة غير صحيحة.
بعض الفنانين فضّلوا الظهور عبر وسائل الإعلام ونشر بعض الأفكار أو حملات المناشدة لدعم المتضررين/ ات، أو المطالبة بالسماح لوصول المساعدات ربما، إلى درجة أنهم اتُّهموا بأنهم مدفوعون من جهات سياسية لتسريب بعض الأفكار على حساب الأزمات
وفي مطلق الأحوال، يرفض البعض الطريقة التي آثر الفنان استخدامها للتعبير عن تضامنه مع المتضررين/ ات، حتى نقابة الفنانين لم تسلم من الاتهامات والانتقادات برغم محاولتها المساعدة.
في هذا الصدد، قال نقيب الفنانين في سوريا، محسن غازي، لرصيف22: "تبرعت نقابة الفنانين لمساعدة متضرري الزلزال من خلال حملة، وبادر بعض الفنانين إلى المساعدة من خلال تحويل مبالغ مادية إلى حسابات مصرفية مخصصة لإغاثة المنكوبين، ونشر أرقام التبرعات عبر الصفحة الرسمية للنقابة كان برغبة شخصية من الفنانين أنفسهم، ربما كنوع من التحفيز لبقية الزملاء للتبرّع أيضاً، وبعض الفنانين فضّلوا عدم ذكر الأرقام، فالفنان دريد لحام مثلاً تواصل معي وطلب أرقام الحسابات المصرفية كي يتبرع من دون أن يخبرني حتى عن المبلغ المادي، كما أن هناك العديد من الشائعات التي ظهرت حول هذه المسألة ومنها مبلغ المليار أو المليار ونصف الذي قيل إن الفنان جورج وسوف تبرّع به".
بدورها، قالت رئيسة فرع دمشق لنقابة الفنانين، تماضر غانم، لرصيف22: "نشرنا عبر صفحات النقابة مؤخراً المبلغ النهائي للتبرع، وهو مليار وأربعمئة وثمانية وثلاثون مليوناً، وتم تحويل المبالغ إلى المحافظات".
وأضافت: "من المستحيل أن نردّ على التعليقات المسيئة والمشككة في وصول المبالغ إلى المتضررين، فكل الإشعارات المصرفية تصل إلى الفنان، سواء أعلن أم لم يعلن عن ذلك، فالمبادرة طوعية وعملنا واضح".
أما بقية الفنانين، فكانت طريقتهم بعيدةً عن النواحي المادية، إذ حوّلوا صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي إلى منابر تساعد الناس على تأمين احتياجاتها، كجسر عبور بين من يستطيع المساعدة ومن يحتاجها، وبتنا نشاهد "الستوري" الخاصة بهم ممتلئةً بأرقام جمعيات أو حالات أو فرق مساعدة أو تفاصيل تخص الزلزال، والبعض الآخر حاول أن يعمل بشكل فردي من خلال حملات مساعدات، كالفنان السوري الشاب رامي أحمر، الذي بادر بحملة مساعدة مع العديد من الأشخاص في مختلف المحافظات السورية لمساعدة الناس على أرض الواقع، بالإضافة إلى حملة مختلفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تستهدف الدعم النفسي للمتضررين، الذي أهملته أو غفلت عنه حملات تطوعية كثيرة.
عن هذ النقطة، قال الفنان رامي أحمر، لرصيف22: "إن هذه المبادرة فردية وتلقائية ولقد تفاعل معها المتابعون بشكلٍ كبير، وقمنا بالتشبيك مع العديد من المتطوعين من كافة المناطق للمساعدة، من خلال ذكر الحالات التي تحتاج إلى المساعدة ومحاولة مساعدتها، وتنبع المسؤولية هنا من خلال الإحساس بالآخرين، وحاولنا أن ننتقل إلى مرحلة الدعم النفسي بسبب حجم الضغوط، ولكن لم نحصل على التفاعل أو الدعم الكبير من جميع الزملاء".
واستطرد قائلاً: "المساعدة الحقيقية هي على الأرض، فالمبلغ المادي لا يكفي في هذه الحالة، وصوت الفنان مسموع ويجب أن يكون أول المبادرين، والبعض لم يشعروا بأوجاع الناس، ولكن في الوقت نفسه بعض الفنانين قدّموا مساعدات على الأرض، عينيةً ومعنويةً وغيرها".
قد يبدو أمراً صعباً أن نلزم جميع الشخصيات العامة بطريقة معيّنة للتفاعل مع الأزمات، ولكن يمكن أن نتفق على أنهم يلعبون دوراً حيوياً في التأثير على شعوبهم، فحين شارك بعض النجوم العرب في التحركات في دولهم أو في توجيه رسائل إلى جماهيرهم خلال جائحة كورونا، كان تأثيرهم مباشراً، وحتى اليوم، حين نذكر اسم أنجلينا جولي، مثلاً، نتذكر أعمالها الإنسانية قبل أفلامها، ولعلّ هذا ما يطلبه الجمهور العربي من أهل الفن.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...