إعادة نشر الأعمال الروائية للكاتب، ينظر إليه في سوق النشر المصري باعتباره اعترافاً بالتميز الفني والرواج التجاري. ومن النادر أن يحظى بهذا الاعتراف كتّاب شباب لا ينظر إليهم باعتبارها "رواداً". إلا أن الإعلان عن إعادة طبع أعمال الروائي طارق إمام الذي لم يتجاوز عمره 45 عاماً، يأتي ليضعه في مكان متقدم بين مجايليه.
بدأ المشوار الأدبي لطارق إمام في تسعينيات القرن الماضي. تُغريه علاقة الفرد بالمدينة، فلا يكتفي بالكتابة عنها في عمل أدبي واحد، بل يبحث ويدور وراء تلك العلاقة عبر أربع مجموعات قصصية وقماني روايات. حاز العديد من الجوائز الأدبية، على رأسها البوكر العربية. غير أنه، كما يقول، يُضيف إلى تلك الجوائز كما تُضيف إليه.
في شتاء 2021، جاء عرض دار الشروق لطارق إمام لإعادة نشر عدد من أعماله السابقة بشكل جديد، وكما يذكر إمام في حواره مع رصيف22: "بدأنا بأربع روايات أملك حقوق نشرها، أما بقية أعمالي فلا تزال حقوقها مع دور نشر أخرى"، والأربع روايات هي: هدوء القتلة، الأرملة تكتب الخطابات سراً، الحياة الثانية لقسطنطين كفافيس، وضريح أبي.
منذ التسعينيات حتى الآن، لم ينقطع إمام عن الكتابة. المُثير أنه عاصر عقوداً شديدة التباين في المشهد الثقافي المصري، ويتذكر فترة التسعينيات: "كانت فترة نشطة جداً على مستوى الكتابة، وتشكلت فيها كتابة جديدة في الشعر والسرد، تحديداً الشعر وسطوع قصيدة النثر"
يلفت إمام النظر إلى أن التعاون مع دار الشروق جاء قبل وصوله للقائمة الطويلة للبوكر، مما يعني أن المشروع جاء إيماناً من الدار بموهبته ككاتب، واستغرقت التجربة نحو أكثر من عام ونصف العام "لأنها شملت اجتماعات مطولة للوصول إلى الشكل الأمثل".
لم تصدر الطبعات الجديدة للروايات مطابقة لما نشر في الطبعات الأولى، يوضح إمام أنه أجرى "تنقيحات" للروايات الأربع، منها حذف فصل كامل من رواية "الحياة الثانية لقسطنطين كفافيس".
وهو ما يعلق عليه بقوله: "مثلت التجربة إعادة اكتشاف لكتاباتي الأولى، خاصة أن بعضها نفدت نسخها منذ فترة طويلة". كما تمثل التجربة بالنسبة له فرصة للتواصل مع أجيال جديدة من القراء لم يسمعوا عنه قبل مجموعته المنشورة عام 2019 "مدينة الحوائط اللانهائية". وفي رأي إمام، فإن التجربة أثبتت أن ما من كتاب يموت ما دام جديراً بالقراءة.
طارق هو ابن للمترجم والناقد الأدبي المخضرم السيد إمام، وبحكم موقع والده بين مثقفي السبعينيات والأجيال التي تلتهم، تتسع معرفته بالمشهد الثقافي إلى حدود أبعد مما عايشها أبناء جيله من الكتاب، خاصة أن حضوره الأول ككاتب يعود إلى العام 1995 مع صدور مجموعته الأولى "طيور جديدة لم يُفسدها الهواء".
30 عاماً في ساحة الأدب
منذ التسعينيات حتى الآن، لم ينقطع إمام عن الكتابة. المُثير أنه عاصر عقوداً شديدة التباين في المشهد الثقافي المصري، ويتذكر فترة التسعينيات: "كانت فترة نشطة جداً على مستوى الكتابة، وتشكلت فيها كتابة جديدة في الشعر والسرد، تحديداً الشعر وسطوع قصيدة النثر". وعلى الرغم من نشاط التسعينيات على مستوى الكتابة، كان يعيبها فقر على مستوى القراءة: "لم يكن لفعل القراءة هذا الوجود الحيوي كما هو الآن، ولم تكن المكتبات بهذا العدد، فلم نكن نعرف سوى مكتبة مدبولي بوسط البلد".
لم يقتصر فقر الحياة الأدبية في فترة التسعينيات على ذلك فحسب، بل امتد كذلك لاختفاء حفلات التوقيع، وبالطبع لم يكن هناك وجود لمواقع التواصل الاجتماعي، وحالة الزخم التي تُثيرها مجموعات القراءة بموقع فيسبوك "كنا محرومين من قارئ التسعينيات، كان مجهولاً"، كما لم تشهد تلك الفترة جوائز أدبية باستثناء جوائز الدولة.
كذلك لم يتوفر للكُتّاب تعدد دور النشر الموجود حاليَا، "كان الكاتب يلجأ إلى الهيئة العامة للكتاب وهيئة قصور الثقافة، أو دار نشر خاصة تأخد فلوساً من الكاتب لتقبل طباعة كتبه". والوضع الأخير لا يزال مستمراً إذ يضطر كتاب مصريون كثيرون خاصة من الأجيال الأصغر سناً للدفع مقابل النشر. ويُلخص إمام فترة التسعينيات بوصفها: "فترة نشطة على مستوى الإنتاج، ومُحبطة فيما يخص التلقي أو الترويج للكتاب، وحضور الكتاب خارج الأوساط الثقافية".
"في التسعينيات كان هناك احتفاء بالليبراليين واليساريين معاً، واتفاق على مجموعة مبادئ متعلقة بحرية التعبير والاشتباك مع التابوهات الدينية والجنسية، أما الآن فيوجد تيار محافظ قوي على مستوى الكتاب والقراء"
حيوية مقيدة
يُقارن إمام فترة التسعينيات بالمشهد الثقافي الحالي: "الآن يحدث العكس تماماً، إذ هناك حفلات توقيع، وعدة مكتبات. كما اقترب الكاتب من قرائه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتوفر الكتاب الإلكتروني عبر التطبيقات مثل أبجد".
إلا أن "الحيوية" التي تشهدها الحياة الثقافية المصرية في الوقت الحالي، يراها إمام مُقيَّدة. دائماً ما عُرف الوسط الثقافي والأدبي في مصر، خاصة بعد يوليو/حزيران 1952، بأنه "دولة يحكمها اليسار". يقول إمام: "في التسعينيات كان هناك احتفاء بالليبراليين واليساريين معاً، واتفاق على مجموعة مبادئ متعلقة بحرية التعبير والاشتباك مع التابوهات الدينية والجنسية، أما الآن فيوجد تيار محافظ قوي على مستوى الكتاب والقراء"، ومما يعيب الفترة الحالية أيضاً في رأي إمام هو "سيولة النشر" إذ "يصعب ظهور الأجود... صار الفرز أبطأ".
مشروع المدينة
بعد 12 عملاً أدبياً يُمكن التحدث مع طارق إمام عن شكل وماهية مشروعه الأدبي، الذي يقول عنه: "أكتب الرواية باعتبارها جزءاً من مشروع مُتكامل، وليس بالضرورة أن تكون كل سمات المشروع واضحة من اللحظة الأولى. فكلمة مشروع لا تعني الثبات بل الديناميكية". وبالنسبة لإمام فإن ماهية المشروع هي انحياز أدبي ما، وأسئلة ملحة تعيد تكرار نفسها في أعماله، في كل مرة بشكل جديد وحبكة جديدة.
عن الروايات التاريخية: "أرى أن الكثير منها يُكتب لكي يقول ما قيل، بينما دور الرواية هو التشكيك في الثابت، وخلخلته للخروج بمعنى جديد"
ويستعيد إمام أعمال الروائي الأبرز في تاريخ الأدب المصري، نجيب محفوظ، فيقول: "محفوظ عنده أسئلة محدودة موجودة في خمسين عملاً، أستطيع أن أحصي لك عشر روايات تدور حول فكرة الإله، أو فكرة الحياة والموت".
تتشكل رؤية إمام في طموحه للتجديد والتجريب، ففي كل أعماله يرى القارئ حبّاً للنزوع الفانتازي والتجريب العجائبي، ففي اعتقاد صاحب "ماكيت القاهرة" أن ذلك الأسلوب يُعمّق أسئلة الواقع، ويجد القارئ حُباً واضحاً لأم الحكايات العربية "ألف ليلة وليلة"، كما ظهر ذلك في نصوص "مدينة الحوائط اللانهائية"، أما عن الأسئلة التي تشغل ذهن إمام، فهي عن علاقة الفرد بالمدينة "أعبر عنها في روايتي هدوء القتلة بشكل معيّن، وبشكل آخر في روايتي ماكيت القاهرة، وبشكل ثالث في روايتي ضريح أبي".
كل رواية عند طارق إمام تختلف عن الأخرى، غير أن أكثرها اختلافاً هي "الحياة الثانية لقسطنطين كفافيس"، لأنها رواية سيرة، وفيها حاول إمام التفتيش حول ما لم يُقَل: "أرى أن دور الفن في كتابة سيرة شخص هو إعادة التأويل وإعادة الخلق، لا كتابة ما هو موجود بالفعل"، لذا يتحفظ إمام على الروايات التاريخية في الوطن العربي: "أرى أن الكثير منها يُكتب لكي يقول ما قيل، بينما دور الرواية هو التشكيك في الثابت، وخلخلته للخروج بمعنى جديد".
ويعمل إمام حالياً على رواية سيرة جديدة، عن شخصية تُسيطر على تفكيره، هي الشاعر الإيطالي الإسكندري جوزيبي أونغاريتي الذي شهد العديد من التقلبات الفكرية والسياسية في حياته، فيما تُناقش الرواية أيضاً علاقة الفنان المغترب بالمدينة، ويأتي معنى الاغتراب هنا مرتين "لأنه نصف مصري، ولأن الفنان بطبيعته مغترب، كما أن المدينة نفسها مغتربة وهي الإسكندرية، لأنها في ذلك الوقت عاشت أيامها الأخيرة كمدينة كوزمبوليتانية أي متعددة الجنسيات".
إمام: "أرى أن الأدب النسوي غير مقتصر على النساء، ويمكن للرجال الكتابة فيه أيضاً، فرواية مدام بوفاري هي رواية نسوية كتبها غوستاف فلوبير، كما أن رواية الأرملة تُرجمت للإيطالية ونوقشت باعتبارها رواية نسوية"
يمثل انقطاع الكتابة لأي كاتب رعباً عظيماً، وقد تعرض إمام لفترتي توقف خلال مسيرته الأدبية، استغرقت كل فترة فيهما حوالى خمس سنوات، كانت الفترة الأولى بين عامي 2003 و2008، غير أنها لم تُمثل لصاحب "طعم النوم" رعباً، بل كانت فترة للتأمل، فلم ينقطع عن الكتابة خلال تلك الفترة، بل النشر "وقتها كنت أكتب رواية هدوء القتلة، وكنت أفكر بشكل عميق في الكتابة نفسها".
وتوقف إمام في الفترة الثانية خلال عامي 2013 و2018، إذ شعر أنه بحاجة للتوقف ومراجعة شكل مشروعه وأسلوب كتابته، لكي يرى ما الجديد الذي سيُقدّمه بعد ذلك، وكان في ذلك الوقت قد أصدر نحو خمسة أعمال في سنوات متتالية، هي: هدوء القتلة، الأرملة تكتب الخطابات سراً، حكاية رجل عجوز كلما حلم بمدينة مات فيها، الحياة الثانية لكفافيس، وضريح أبي. "لذا كنت بحاجة للتوقف كي لا أكرر نفسي، وبعدها نشرت مدينة الحوائط في 2018، ولم تكن كتاباً جديداً، بل نصوصاً نشرتها في جريدة الدستور بين 2006 و 2008".
أدب نسوي؟
البعض يصف رواية "الأرملة التي تكتب الخطابات سراً" بأنها رواية تنتمي للأدب النسوي، وعن هذا يتحدث إمام الذي يمتلك رؤية تقدمية للأدب النسوي، فيقول: "أرى أن الأدب النسوي غير مقتصر على النساء، ويمكن للرجال الكتابة فيه أيضاً، فرواية مدام بوفاري هي رواية نسوية وكاتبها غوستاف فلوبير، كما أن رواية الأرملة تُرجمت للإيطالية ونوقشت باعتبارها رواية نسوية".
حصل إمام عبر مشواره الأدبي على سبع جوائز، من بينها جائزة ساويرس، وجائزة الدولة التشجيعية، وجائزة سعاد الصباح، فيما وصل إمام للقائمة القصيرة للبوكر عام 2022 عن رواية "ماكيت القاهرة"، وكان الأديب المصري الوحيد الذي انضم إليها. ويرى إمام أن البوكر سلطت الضوء بشكل أكبر على إنتاجه الأدبي ووسعت من مقروئية أعماله "لكن ماكيت القاهرة وصلت للبوكر وهي رواية مشهورة وكانت من أعلى الروايات مبيعاً". لذا في اعتقاد إمام أن علاقة الكاتب بالجائزة هي علاقة تبادلية "بقدر ما تدعم الجائزة الكاتب، بقدر ما يدعم الكاتب الجائزة أيضاً".
خلال الفترة الحالية، يقترب إمام من عالم السينما كثيراً، فمن المفترض أن رواية "ماكيت القاهرة" ستتحول إلى فيلم تعكف عليه منصة عالمية، ويقوم السيناريست والصحافي "محمد هشام عبية" بكتابة سيناريو لرواية "هدوء القتلة"، كما أن طارق إمام نفسه سيتحول عالمه إلى مسلسل "عبارة عن مجموعة حكايات عن عالمي الخاص، وربما يحتاج إلى التدخل مني في صياغته وإعادة أفكاره". أما رواياته فلن يقوم إمام بالتدخل فيها. يقول: "أنا أنتمي لمدرسة نجيب محفوظ، وأومن أن تحويل عمل أدبي إلى وسيط آخر هو عمل منفصل تماماً وجديد".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع