شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
مَن سرق

مَن سرق "الموضة" مِن مَن... الرجل أم المرأة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

الاثنين 20 فبراير 202303:57 م

يدور منذ زمن جدل في عالم الأزياء يمكن تلخيصه في ثلاثة أسئلة... من سرق الموضة مِن مَن، هل سرق الرجال موضة النساء، أم العكس؟ وهل هناك ميل للتقليل من شأن موضة الرجال إن لم يكن إنكارها؟ وهل ما زال مصطلح "الموضة" مشبعاً بالدلالات الأنثوية حصراً؟  

منذ العصور القديمة حتى العصور الوسطى المتأخرة، كان الرجال والنساء يرتدون الملابس المغلفة للجسد، كجزء وظيفي أكثر منه جمالياً. 

انتقلت أزياء الرجال منذ العصور الوسطى المتأخرة حتى نهاية عصر النهضة إلى مرحلة من الحداثة في التصاميم، والتجريد في القصات، وملاءمة الجسد، بينما استمرت أزياء النساء في التكيف مع الماضي. فحافظن على العباءات القديمة والأغطية والحجاب بدرجات متفاوتة من الطول أو القصر، بما يضمن تغطية أحذيتهن. 

مراحل مرتبكة من أزياء الرجل

تم التعبير عن قوة الرجل من خلال الملابس المثيرة والخيالية، والتعبير عن سحر النساء من خلال ملابس أبسط بكثير أكدت على التواضع. وعندما أرادت المرأة أن تبدو أكثر إثارة، كانت تكشف بحذر منطقة صغيرة من الجلد، أو كانت تقلد ملابس الرجال. 

كان صدر المرأة هو الجزء الوحيد الذي يسمح له بأن يكون مكشوفاً، مع تشويه بصري ومتعمد لهيكل جسد المرأه الحقيقي، من خلال المشدات، والطبقات الداخلية الأخرى. 

هنالك جدل في عالم الأزياء يمكن تلخيصه في ثلاثة أسئلة... من سرق الموضة مِن مَن، الرجال أم النساء؟ وهل هناك ميل للتقليل من شأن موضة الرجال؟ وهل ما زال مصطلح "الموضة" مشبعاً بالدلالات الأنثوية حصراً؟

وكانت الطبقة العليا من أزياء النساء تنسخ أنماط صدريات ملابس الرجال، مع محافظتهن على التنانير، كخطوة استفزازية في الأزياء النسائية، لتحويل مسار الموضة الأنثوية إلى المسار الذكوري الإبداعي. 

ظهرت في هذه الفترة بأوروبا مرحلة الـ"Mannerist" ذات التصاميم الرجالية الخارجة عن المألوف، جاكيتات تشبه الفساتين، قصات خصر عالية، قمصان مزركشة الصدر، ياقات عالية، ثوب متهدل يلامس الأرض، أكمام الدانتيل، وصدريات مطرزة، قبعات بقصات وأطوال متنوعة، أحذية، وقصات شعر غريبة. يمكن أن نسميها فترة "أليس في بلاد العجائب" لأزياء الرجال. 

استمرت هذه الحالة الإبداعية الكاملة، في أزياء الرجال تحديداً، حتى النصف الثاني من القرن الثامن عشر، بالتزامن مع العديد من التحولات الأخرى لإنتاج العالم الحديث. 

إنه "لباس الرجولة"، الذي جعل الرجولة تعني ما يظهر عليه الرجل، وليس ما يفعله، ومنذ فترة الكلاسيكية المتأخرة، مروراً بالعصر الفيكتوري، وقوانين اللباس "Sumptuary Laws" التي ازدادت صرامة، ومع الثورة الصناعية، حتى ثمانينيات القرن العشرين،كل هذه المتغيرات فرضت على الرجل طريقة ثابتة وعقوبات رادعه للباس. ولعل التغيير الوحيد الذي كان مسموحاً به للرجال آنذاك، هو اختيارهم لطريقة تشذيب اللحى والشارب. 

الثورة الصناعية وثورة الأزياء 

مع الثورة الصناعية، لمعت تصاميم أزياء النساء بسبب مشاركة المرأة في سوق العمل، وتولي المسؤوليات في المجال العام. فحظيت النساء بفرص جديدة للتعبير عن ذواتهن، وكانت الموضة إحداها.  

هذا التغيير الاجتماعي مهم بلا شك. إلا أن الموضة الذكورية لم تتزحزح كثيراً خلال قرن من الزمان، فتكرست لدى الناس فكرة مفادها أن الموضة الرجالية ليست بأهمية الموضة النسائية، وأن الاستهلاك هو فعل أنثوي، وأن الرجال المتحضرين يرتدون ملابس عادية، ويعيرون الملابس اهتماماً ثانوياً، على عكس النساء المتحضرات. 

لقد اعتبر العالم أن أزياء الرجال وصلت لتصميمها النهائي والثابت، ومن هنا انتقل "لباس الرجولة" إلى ما يفعله الرجل، وليس ما يبدو عليه"

لقد اعتبر العالم أن أزياء الرجال وصلت أخيراً لتصميمها النهائي والثابت، وأن لهذا التصميم طريقة واحدة ليكون الرجل من خلالها "ذكراً" بما يكفي، ومن هنا انتقل "لباس الرجولة" إلى ما يفعله الرجل، وليس ما يبدو عليه". ودخل الرجل سراً في دوامة من الرغبات والمخاوف، ونأى بنفسه عن هذه الجدليات، التي تعزز إقصاءه الاجتماعي. 

منذ الثمانينيات، تحركت موضة الرجولة بخطوات إنعاش متعثرة. بينما انتقلت موضة النساء بقفزات أوسع، لمراحل تحررية من مفهوم الجندرية المرتبطة بالأزياء.  

الألفية الجديدة: أزياء الرجل تتحرر

مع بداية العقد الثاني من الألفية الجديدة، وانتشار التجارة الإلكترونية، والصور التي تفتح المزيد من الاحتمالات للهوية الذكورية، أصبحت الخطوط الفاصلة  بين ملابس الذكور وملابس الإناث تقل بشكل متزايد. وباتت مصطلحات مثل "العابر جنسياً "و"المحايد جنسانياً" و"السيولة بين الجنسين"، "أزياء للجنسين"، و"أزياء شمولية" هي السائدة في عالم الأزياء والبيع بالتجزئة. 

يقول "جاستن أوشي"، وهو مدير المشتريات في Mytheresa.com: "عملياً، الحياد بين الجنسين نعمة للمصممين. ومن ثم يمكن القول إن الانسيابية بين الجنسين في أزياء الرجال لم تعد خروجاً عن المألوف. المعيار اليوم هو الانسيابية". كذلك أحدثت التجارة الإلكترونية ثورة في صناعة الموضة، وعملت كوسيلة لإعدام الموضة الذكورية المهيمنة منذ زمن. 

لماذا يستهلك الرجال الموضة؟ 

للتعبير عن الهوية والسمات الديموغرافية، مثل العمر، الحالة الاجتماعية، الدخل المادي، المهنة، لكن بالأساس يمكن القول إن الخلفية الطبقية تؤثر على ربط الأزياء بمكانة الرجل الاجتماعية، وهيمنته الذكورية. كما يرتدي الرجال الموضة لتحديد هوياتهم الجنسانية، ومنعها من التشكيك. 

للأزياء اليوم مساحة مخاطرة مسموحة في مفهوم الرجولة. تلك المساحات تشمل الألوان، والقصات، والطبعات فقط. بحسب دراسة أجرتها جامعة "Northumbria"، في بريطانيا في عام 2020، أظهرت أجوبة الرجال المثليين الأكبر عمراً ميلاً أكثر لاختيار الألوان الزاهية والقصات غير المألوفة لتعبيرهم عن هويتهم، بينما مالت أجوبة أولئك الذين في مرحلة العمل ميلاً للأزياء التي توحي بالقوة، رغبة منهم في فرض سلطتهم. 

بينما عكست أجوبة الرجال المغايري الجنس فكرة مفادها أن الانخراط الكامل والحر في الموضة ليس سهلاً لأنه مقيد بمعايير صارمة بين الجنسين، وأن الرجولة المهيمنة لم تزل قادرة على التكيف مع تيار الموضة الحالي، وبالتالي يصعب استئصالها.    

أظهرت دراسة أن الرجل يرتدي الأزياء التي تعزز السيطرة من خلال التحكم في فهم الآخرين لسلطته. وقد أشار بعض الذين أجابوا على أسئلة في الدراسة أنهم حصلوا على خدمات أفضل في المواقف التي كانوا يرتدون بها بدلة رسمية وربطة عنق

وقد وجدت الدراسات أن لوسائل التواصل الاجتماعي، مثل "إنستغرام"، تأثيراً كبيراً على تشجيع عمليات الشراء بين النساء المشاركات، ولم يكن هذا هو الحال بالنسبة للمشاركين الذكور. 

ولعل ذلك يعود إلى أن الرجال يعتبرون الزملاء والأصدقاء مصدر المعلومات الموثوق بها ويميلون إلى الالتزام بعلاماتهم التجارية، لأن التبديل هو سلوك محفوف بالمخاطر، لا سيما منها المخاطر الاجتماعية، التي يستقون منها انتماءاتهم وتأييدهم. 

يرتدي الرجال الأزياء لتعزيز السيطرة من خلال التحكم في كيفية فهم الآخرين لسلطتهم، في المواقف المهنية أو الاجتماعية. وقد أشار بعض الذين أجابوا على أسئلة الاستفتاء في الدراسة السابقة أنهم حصلوا على خدمات أفضل في المواقف التي كانوا يرتدون بها بدلة رسمية وربطة عنق لإيحائهم بالأهمية.

وكذلك الحال في المواقف الرومانسية، يرتدي الرجال الموضة لتعزز فرصتهم في كسب شريكات أو شركاء محتملين.

علاقة الرجل بالموضة "غير آمنة"   

شكلت اتجاهات الملابس الرجالية المعاصرة "علاقة غير آمنة" بين الرجال وأجسادهم. لذا فالكثير من الرجال اليوم يتبعون إستراتيجيات مختلفة مع أجسادهم لتلائم الموضة، وليس العكس. فينخرط بعضهم في أنظمة تمرين متطرفة لتطوير أجسام عضلية من شأنها إظهار القوة، بينما يقوم آخرون بإدخال نعال في أحذيتهم ليظهروا أكثر طولاً، إضافة إلى شعور بعض الرجال بقلق الشيخوخة، وانخراطهم في إجراءات جسدية لإخفاء علاماتها. 

واعتبر الأشخاص ذوو الإعاقة أن نقص الملابس المتكيفة يقصيهم بشكل مستمر عن أجسادهم، وعن حاجتهم للاندماج.  

وقد وجدت الدراسات الحديثة أن النساء كن أكثر انفتاحاً في الحديث عن القلق الذي تخلفه العلامات التجارية تجاه صورة أجسادهن، بينما لم يترجم الرجال مشاعرهم إلى مواقف تجاه العلامات التجارية. 

وجدت الدراسات أن النساء أكثر انفتاحاً في الحديث عن القلق الذي تخلفه العلامات التجارية تجاه صورة أجسادهن، بينما لم يترجم الرجال مشاعرهم إلى مواقف تجاه العلامات التجارية

إذا كان يُنظر إلى الأزياء على أنها فن حديث وليس فناً بدائياً، فيجدر بالموضة أن تكتسب نمطاً ديناميكياً متغيراً على غرار الفنون الحديثة. كما يتحتم اعتبار تصميم الأزياء مسعى إبداعياً. وأن تصبح الموضة بعد ذلك جزءاً من مخطط تجاري وصناعي دون أن تفقد شرفها الجمالي بحيث ترتفع في الأهمية الجمالية والاقتصادية العامة، وتسقط كمشروع حصري وتقليدي، تدعمه التقاليد الحرفية القديمة.   

الحداثة في موضة النساء كانت اقتراضاً جذرياً من موضة الرجال، لقد سرقت المرأة الحرية المطروحة في التحديث الذكوري السابق للموضة، وليس من تاريخ الموضة الأنثوي، وها هو الرجل الآن يحاول أن يقتبس من الموضة أنوثتها، بكونها أسلوباً للتحرر. 



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image