تخيل أن تستيقظ ذات صباح بجناحين، وتبحث في خزانتك عن قميص يناسب شكلك الجديد، غالباً ستصاب بالإحباط، فجميع ما تحتويه خزانتك لا يناسب جسداً بجناحين، أطراف أقصر، وعرض كتفين مختلف، وربما بعض الإعوجاج في الحوض، إن جسدك يخرج عن القاعدة النمطية لجسم الإنسان.
ستفكر أيضاً بأولئك العاديين في الشارع، ممن سيرمقونك بنظرات الاستغراب أو الفضول أو الشفقة، أنت تفكر الآن أن تُخفي جناحيك تحت قميصك الذي يبدو أن من الصعب ارتداءه بالطريقة العادية. ستُحضر مقصاً وإبرةً وخيطاً، لتعيد تصميم كل ذاك وفقاً لحاجاتك الجديدة . يحدث هذا حقيقة، وكل يوم لـ15% من سكان الأرض، أي لما يقارب المليار شخص. كما إن نسبة حدوث ذلك لأي منا شخصياً خلال مسيرة حياته تبلغ 10%. هكذا هي حياة الشخص ذي الإعاقة، أن تكون بجناحين في عالم بلا أجنحة .
ملابس تكيفية لكن غير جميلة
تدور تعاريف الإعاقة حول نقص القدرة والقوة، سواء كانت تلك القدرة عقلية ،أو حركية، أو جسدية، أو أي شيء يمكنه أن يعيق الإنسان من أن يعيش حياة حرة بالمعنى الحركي.
تذكر منظمة الصحة العالمية أن "الإعاقة ليست مجرد مشكلة صحية، إنها ظاهرة معقدة تعكس التفاعل بين سمات جسد الشخص وخصائص المجتمع الذي يعيش فيه ". وبهذا نجد أن الإعاقة ليست مجرد صوره طبية، إنها صورة اجتماعية يسقطها المجتمع على الأشخاص ذوي القدرات الجسدية المختلفة عن الصورة السائدة.
تخيل أن تستيقظ ذات صباح بجناحين، وتبحث في خزانتك عن قميص يناسب شكلك الجديد فلا تجد شيئاً مما تحتويه خزانتك يناسب جسدك، يحدث هذا لمليار شخص يومياً، فهكذا تبدو حياة الأشخاص ذوي الإعاقة، أن يكون الشخص بجناحين في عالم بلا أجنحة
تندرج الأزياء الخاصة بذوي الإعاقة تحت مسميات عدة، منها: أزياء يمكن الوصول إليها، أزياء وظيفية، أزياء شاملة، لكن أشهر مسمياتها تداولاً هي الأزياء التكيفية أو المتكيفة. وهي ملابس طبية وعملية يتم تعديلها لتناسب أجساد وحاجات الأشخاص ذوي الإعاقة أو كبار السن، وكل من يمكنه أن يواجه صعوبة في ارتداء ملابسه بنفسه، أو يحتاج مساعدة للوصول إلى أجزاء معينة من جسده .
وفي الواقع، تتعدد مسميات هذه الأزياء، وتتعدد أماكن تواجدها في بعض الأسواق والمستشفيات، لكنها لا زالت تتبنى الجانب الطبي والرعائي فقط من حاجة اللباس، وتفتقر بشكل كبير إلى معاصرة تيار الموضة وجمالية وروح الأزياء.
ليست كل الملابس أزياء
لماذا نسلط الضوء على الملابس التكيفية؟ ينادي الأشخاص من ذوي الإعاقة، ومن قبل اعتماد اتفاقية حقوقهم في الأمم المتحدة عام 2006، بأن يكونوا قادرين على التمتع بحرية التعبير عن ذواتهم من خلال الموضة، بدلاً من قبول التوجهات الكلاسيكية للموضة الخاصة بكل أصحاب الصعوبات الحركية.
منذ بداية الألفية الجديدة ودخولنا إلى عالم السوشال ميديا، أصبحت الأزياء أكثر شمولية في استيعاب الاختلافات في الأديان، الأعراق، الأجناس، الأعمار، الأحجام، والتوجهات. ورغم كل ذاك، ما زالت الموضة تخطو بخطوات متعثرة لاستيعاب الاختلاف في القدرات الجسدية، ومع أن الإعاقة هي جزء أساسي من الهوية الفردية.
للأزياء الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة عدة مسميات، مثل أزياء يمكن الوصول إليها، أزياء وظيفية، وأزياء تكيفية، لكنها لا زالت تتبنى الجانب الطبي وتفتقر إلى معاصرة الموضه
تقول عارضة الأزياء جيليان ميركادو ذات الإعاقة الحركية: "حتى عندما كنت فتاة صغيرة ومراهقة ، كنت أعرف دائماً أن هناك فجوة في صناعة الأزياء، وأنه ليس من العدل ألا أرى من يمثلني في هذا العالم".
كما تقول غريس جون المديرة التنفيذية لبرنامج "Open Style Lab" المعني ببحوث تطويرية لربط متطلبات الأشخاص من ذوي الإعاقة مع المصممين: "كل ما نعمل عليه هو جعل تصميماتنا مثيرة وعصرية وعملية ووظيفية في آن واحد، وأن نتخلص من وصمة العار والعجز المرتبطة بالإعاقة".
تاريخ صناعة الملابس المتكيفة
كانت العلامة التجارية "Levi Strauss & Co" من أولى العلامات التجارية الكبرى التي صممت ملابساً خاصة لمستخدمي الكرسي المتحرك، وذلك في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي.
يعود الفضل في ذلك إلى إحدى المصممات العاملات بها وهي هيلين كوكمان، التي ابتكرت بنطال جينز من قماش مطاطي، بسحاب جانبي على طول البنطال، لسهولة خلعه وارتداءه ذاتياً، وحزامين صغيرين في كلا الجانبين، لتثبت البنطال في وضعية الجلوس دون انزلاقه. تبعتها بعدة عقود علامات أخرى، مثل "Target’s Cat and Jack" " Zappos" "Tommy Adaptiv" "Nike" "Open Style Lab". وغيرها من الشركات حول العالم، وكلها مبادرات لملابس عملية، لكنها لا تحاكي تيار الموضة السائد، فالأزياءً الجاهزة ليست متنوعة بما يكفل تلبية تعدد الذائقة.
وتجدر الإشارة إلى أن المصممين الذين اتصلوا بشكل مباشر وحقيقي مع أشخاص من ذوي الإعاقة، سواء أحد أفراد أسرهم، أو كانوا هم أنفسهم من ذوي الإعاقة، كانوا الأكثر نجاحاً واستمراراً وتأثيراً في طريقهم لتحقيق الأزياء التكيفية. إما بسبب معاناتهم المباشرة، أو لأن الأرباح الضخمة لم تكن هدفهم الأساسي، أو محاكاة تيار سائد سيزول اهتمامهم به بزوال الضوء المسلط عليه.
يقول مصمم الأزياء الأمريكي تومي هيلفيغر صاحب العلامة التجارية العالمية التي تحمل اسمه: "لقد عشت تحدياً مباشراً، حين رزقت بأطفال من ذوي الإعاقة، فكنت أشاهد معاناة أطفالي في ارتداء ملابسهم صباحاً، قبل التوجه إلى المدرسة".
أريد أن أبدو جميلة
يشكل الأشخاص ذوي الإعاقة أكبر تجمع لأقلية في العالم، إلا أنهم ما زالوا الأقل تمثيلاً، ونقصاً في الخدمات. ففي عام 2019 زادت نسبة البحث عن الملابس التكيفية على الإنترنت بنسبة زيادة 80%، ومن المتوقع زيادة القدرة الشرائية لذوي الإعاقة بحلول عام 2026 بحوالي 400 مليار دولار سنوياً في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها.
تجدر الإشارة إلى أن المصممين الذين اتصلوا بشكل مباشر مع أشخاص من ذوي الإعاقة، سواء أحد أفراد أسرهم، أو كانوا هم أنفسهم من ذوي الإعاقة، كانوا الأكثر نجاحاً واستمراراً في طريقهم لتحقيق الأزياء التكيفية
ومع ذلك فإن عالم صناعة الأزياء التكيفية تراوح مكانها في المنافسة على جزء ضئيل من حصة السوق، بينما هناك أسواق كاملة وأرباح ضخمة يتم تجاهلها.
في دراسة أجريت مع الأشخاص الذين يعانون من إعاقات حركية، قال 53٪ منهم إنهم رفضوا المشاركة في مناسبة إجتماعية واحدة على الأقل بسبب نقص الملابس المناسبة، وقال 36٪ إن ذلك يحدث معهم بشكل منتظم. إن لنقص الموضة التكيفية عواقباً إجتماعية تمنع الأشخاص من الانخراط اجتماعياً ومهنياً مع المجتمع.
وفي استبيان أجرته جامعة أريزونا عام 1980، عن أهمية الملابس للأشخاص ذوي الإعاقة، أجابت شابة تبلغ من العمر 27 عاماً: "الأزياء هي الأكثر أهمية بالنسبة لي، فعلى الرغم من أنني مريضة، إلا أنني أريد أن أبدو جميلة".
وفي كتابها (انتبه إلى ما ترتديه، علم النفس المرتبط بالأزياء)، تقول البروفسورة كارين ج. باين:"إنك حين تختار ثيابك، فإنك تقوم نفسياً بالتكيف مع الصفات الشخصية لما ترتديه"، للملابس التي تحاكي الموضة القدرة على تحسين الصحة النفسية والمزاجية للأشخاص من ذوي الإعاقة، وأن تمنحهم فرصة أفضل لمصادقة أجسادهم، وشعوراً بالتماثل والاندماج مع المحيط، إن تم تنفيذها بما يوفر الحاجات الجمالية والوظيفية معاً.
تقول صاحبة مدونة "My Blurred World" إيلين ويليمز، التي تعاني من إعاقة بصرية مذ كانت في عمر السادسة، وعُدّت واحدة من أكثر الأشخاص ذوي الإعاقة نفوذاً في المملكة المتحدة في العام 2018 ، والعام 2020 : "أدركت أن الموضة أكثر بكثير من الجانب البصري للأشياء؛ إنها تشمل الإحساس بملمس الأقمشة ، والأنسجة ، وكيف تشعرني الملابس عند ارتدائها. الموضة الشاملة تعني حرية التعبير".
اعتبارات مهمة في عملية التصميم
ما يتمناه الشخص ذو الإعاقة، هو أن يقوم بارتداء ملابسه بنفسه وبخصوصية تامة. وأن توفر له الأزياء الراحة والحماية، والتوازن بين متانة وجودة الزي وحرية الحركة، وتوفير الدفء وتقليل الرطوبة دون زيادة حجم وثقل الزي، وأن تمنع التحسس دون القلق من محدودية التصاميم المتاحة لذلك، وأن تكون قادرة على إبقاء الإعاقة تحت السيطرة دون القلق من التمزق والتلف، وفي نفس الوقت أن تحاكي هذه الملابس صيحات الموضة والجمال دون القلق من تكلفة مرتفعة قد تشكل عبئاً جديداً عليهم.
للملابس التي تحاكي الموضة القدرة على تحسين الصحة النفسية والمزاجية للأشخاص ذوي الإعاقة، ومنحهم فرصة أفضل لمصادقة أجسادهم، وشعوراً بالتماثل والاندماج مع المحيط
تقوم مؤسسات مثل "Runway a dreams" بتثقيف صناع الأزياء بإمكانية تحويل الملابس التكيفية من وظيفتها العملية والطبية إلى أزياء ذات طابع عصري أنيق محاكي للموضة. إن التصميم بمفهومه الأصيل هو طريقة حل مشكلة، لذا فإن لم يوفر التصميم حلاً حقيقاً لمشكلة حقيقية لأشخاص حقيقين، فلا يمكن اعتباره تصميماً ناجحاً.
ربما عليك أن تسأل نفسك إذن، كيف أحب أن يكون شكل ملابسي لو كنت أطير؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...