شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
يوم سافرت إلى المدينة وعدتُ لأُسقِط بيت جارنا

يوم سافرت إلى المدينة وعدتُ لأُسقِط بيت جارنا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 26 فبراير 202304:15 م

كنت في السادسة أو السابعة من عمري، لم أعد أذكر تحديداً، عندما قررت أن أسافر. عندما وصلت في عطلة الصيف إلى بيت عمي في مدينة "العروسة"، المدينة الصغيرة التي تبعد عن بيتنا سبعة كيلومترات، شعرت بخيبة أمل. "ليست المدينة التي أريد"؛ قلت في سرّي. كنت أتابع مساءً، القطار الذي يمر عبر محطتها نحو العاصمة تونس، فألوّح بيدي للركاب الذين كنت أراهم خلف النوافذ.

قررت يوماً أن أسافر إلى هناك. سمعت، بالصدفة في بيت عمي، جارهم يقول إنه سيسافر غداً إلى تونس العاصمة، ومنها سيعود إلى عمله في إيطاليا، وإنه سيمر بأخيه جار أخي في مدينة أريانة في تونس، ليترك عنده الشاحنة قبل أن يتوجه إلى المطار. ترجمت كل تلك المعلومات بسرعة في ذهني، ثم توجهت إلى بيته مساءً. طرقت الباب، فخرج إليّ. طلبت منه أن يأخذني إلى أخي. قلت له: لقد أخبرت أمي. أجابني كمن يريد التخلص مني: سأسافر باكراً... سأنطلق فجراً، وستكون أنت نائماً أيها الصغير. إذا نهضت سآخذك معي.

ابتسم لي وأغلق الباب.

طفل شقيّ مع رجل غريب في شاحنة

لم أنَم ليلتها. ظللتُ أعدّ النجوم وأتخيل المدينة. تسلّلت فجراً، وخرجت من بيت عمّي، ووقفت عند شاحنة الجار. "عليّ أن أظل لأحرس الشاحنة٫ هذا أفضل. هكذا سأضمن ألا يرحل من دوني"؛ قلت في سرّي. ظللت هناك من الثالثة فجراً إلى الخامسة والنصف تقريباً، عندما أطل الرجل وهو يسعل سعال الصباح نافثاً دخان سيجارته، وجارّاً حقائبه.

فتح باب الشاحنة، وراح يرمي حقائبه: الأولى، الثانية، والثالثة، قبل أن يدور حول الشاحنة متفقداً عجلاتها. كنت هناك أرتجف من البرد. ارتعب عندما رآني. وبعدها هجم عليّ بوابل من الأسئلة، فأخبرته من جديد بأنني أخبرت أبي، ووافق على أن أذهب معه إلى أخي في تونس إن استطاع ذلك. استغرب٫ لكنه اقتنع في النهاية. لا أدري كيف، لكنه قَبِل. ربما بسبب العجلة. أراد أن يغادر بسرعة.

كنت قد تدبّرت أمري وتركت خبراً مع ابن عمي لكي يخبر عمي وأبي وأمي، حتى لا يغضبوا مني إن سألوا عني ولم أعد قبل انتهاء العطلة. ركبت معه في الشاحنة، وانطلقنا. في الطريق اشترى الكثير من الفاكهة وبعض البسباس. حشر الفاكهة في حقيبة من حقائبه، وقدّم لي شيئاً من البسباس، فاعتذرت. "لا تقبل أي شيء من غرباء، لا تأكل شيئاً من يد غريب". تذكرت وصيّة أمي، ولم يلحّ٫ لكني بعد ذلك ندمت. كانت أمعائي قد صارت تعصر بعضها جوعاً. وصايا الأمهات ليست دائماً جيدةً، والالتزام بها حمق أحياناً. لم يكن السائق يتكلم. ظل طوال الطريق صامتاً أو يأكل.

"لا تقبل أي شيء من غرباء، لا تأكل شيئاً من يد غريب". تذكرت وصيّة أمي،  لكني بعد ذلك ندمت. كانت أمعائي قد صارت تعصر بعضها جوعاً. وصايا الأمهات ليست دائماً جيدةً

صار يسحب حبة البرتقال تلو الأخرى من دون أن "يعزمني" على شيء منها. كنت كلما رمى القشور على الطريق، أتخيل نفسي طائراً أطير من مكاني لألتقطها. تكفيني تلك القشور لأخمد تلك الأمعاء الثائرة. حاولت أن أنشغل بمتابعة الطريق والشاحنة تطوي السهول والهضاب حتى أطلّت العاصمة تونس. شعرت بشيء من الخوف. لم أرَ من قبل بنايةً أعلى من بيتنا. كانت البيوت حولها أكواخ صغيرة. لكن بنايات المدينة كانت عمارات شاهقةً.

كيف يسكنون تلك الأشياء الغريبة؟ ما هذه العربات الكثيرة؟ لم نكن نعرف إلا سيارة جارنا السوداء القديمة التي لا تتحرك من أمام البيت الطوبي إلا يومي الخميس والثلثاء في موعدي السوق الأسبوعي لنقل الناس إلى هناك. سيارة جارنا لا يركبها سوى ميسوري الحال. يطلب خمسمئة مليم من كل راكب، نصف دينار كامل، وهو مبلغ يملأ قفة خضروات في ذلك الزمن. كانت بناية فندق أفريكا الزرقاء التي أطلت في الأفق، مثل تنين بين تلك البنايات. سألته ما هذه؟

"أفريكا. وتيل. وتيل..."؛ رد بسرعة حاسمة.

سألته مرةً أخرى: من بناه؟

لم يرد عليّ. تظاهر بأنه يشتم سائقاً آخر. شقّت الشاحنة العاصمة وتوجهت نحو ضاحية عرفت بعد ذلك أنها مدينة أريانة. عند باب كاراج، توقفت الشاحنة بعد رحلة ساعتين، وقال لي جارنا: انزل... ها هو أخوك.

يا منير. منييير عندك ضيف.

قلت له: أخي اسمه "بشير"، لا "منير".

هاجمني سيناريو مرعب للحظة. هل أتى بي إلى رجل آخر؟ ماذا سأفعل الآن؟

كان أخي

تراجع رجل ممدد تحت سيارة على سرير بعجلات ووقف. كان أخي. على وجهه بعض شحوم السيارات. شعرت بطمأنينة أخيراً، فالندبة على جبينه أكدت لي أنه هو بشير، لكن الجميع ينادونه هنا "منير". قال لي بعد ذلك: هم اختاروا أن ينادوني "منير"، وأنا مللت من تصحيح ذلك لهم.

بعد مرور لحظة من الدهشة، ابتسم هو الآخر ابتسامةً صغيرةً نادرةً. لم يكن أخي يضحك إلا مع أصحابه حول سطر قناني البيرة الذي يحدثونه على الطاولة. شكر الرجل الذي واصل طريقه، ثم طلب مني أن أجلس على كرسي في آخر الكاراج حتى ينتهي من عمله. كان الكرسي بلا ظهر ووسخاً، وأرض الكاراج سوداء بزيوت المحركات. لكني كنت أطمئن نفسي: "لقد وصلت. أنا في العاصمة تونس".

بعد نصف ساعة، رمى المفتاح إلى الصبي الذي يساعده. كان يشبهني أو هكذا رأيت الأمر. غسل وجهه ويديه وخرجنا. اشترى لي "سندويش كفتاجي"، نصف باغيت، فيه فلفل مقلي أخضر، وآخر أحمر دقيق. سأعرف بعد ذلك أنه فلفل "بر العبيد" الحار. كانت البيضة غير المستوية تنزّ بصفارها على أصابعي وأنا أمسك ذلك السندويش حاشراً كل وجهي فيه. القضمة تلو القضمة، كنت أشعر أحياناً بأني قضمت بعض الكاغط الملفوف به. لم أجرؤ على التخلص منه. كنت ألتهمه مع البطاطا المقلية والفلفل الحار، ولم أتركه إلا وقد أجهزت عليه. كنت جائعاً. لم أشعر بذلك الجوع أبداً إلى اليوم.

توجهنا بعدها إلى قاعة سينما الكوليزي. انشغلت بمتابعة شرطي. لأول مرة أرى شرطياً. كنت أسترق النظر إلى مسدسه الذي في حزامه. تذكرت مسدّس خالي المفتش الذي كان يزورنا في بيتنا. لم يكن خالي يلبس هذه البدلة الزرقاء. كان يلبس لباساً مدنياً. ولكن كان معه مسدس. تأمّل أخي الأفيشات للحظات، ثم عاد إلي: أنت محظوظ. فيلم جيد. كان الفيلم من أفلام حرب العصابات. فيلم أمريكي من أفلام الإثارة، عصابات متوحشة بشعة تطارد بعضها وتتقاتل بوحشية. لا أدري إلى الآن كيف سمح لي بالدخول في تلك السن. كنت مشغولاً بأوجاع في أمعائي بسبب ذلك السندويش الحار.

أنا أكره الأسئلة الإنكارية من وقتها، لأن فيها إجابات جاهزةً. لا مجال لأقول شيئاً آخر.

عندما خرجنا من قاعة السينما، بدا لي أخي سعيداً جداً، فقد أعجبه الفيلم. نظر إليّ ونحن في التاكسي: أعجبك الفيلم أليس كذلك؟ فأجبت: نعم...

أنا أكره الأسئلة الإنكارية من وقتها، لأن فيها إجابات جاهزةً. لا مجال لتقول شيئاً آخر.

لم يمهلني لأتنفس: متى ستعود إلى القرية؟

كانت صفعةً قويةً، وكان عليّ أن أتحملها وأردّ بسرعة: نسيت!... يقول لك أبي خذني إلى بيت أختي.

مررنا بفندق أفريكا. كان هذه المرة قريباً جداً، ورأيته من تحته شاهقاً. لم أستطع أن أنظر إلى الأعلى.

بشير... من بنى هذا الشيء؟

لم يردّ عليّ. انشغل بطلب تاكسي.

فهمت أن أخي يريد التخلّص مني سريعاً، ليتفرغ لحياته الخاصة، التي لا يجب أن أطّلع عليها فاختزل لي استضافته في سندويش كفتاجي، ومشاهدة فيلم رعب أعجبه هو، فقد نزلت عليه مثل القضاء من السماء، لذلك لذت بالفكرة التي تليها والوجهة الأخرى: بيت أختي. لا يجب أن أعود من تونس بعد هذه الرحلة الشاقة بسرعة. كان استقبال أختي مختلفاً، وكانت الفرحة باديةً عليها. قضيت عندها أياماً ألعب مع ابنتيها الجميلتين، وكلبهما اللطيف ليلاً، وفي النهار أذهب إلى مغازة أختي لبيع الملابس الجاهزة. أهدتني ملابس رياضيةً رماديةً؛ جوكينغ. كان وقتها موضةً، وعلى فخذيه عبارات أجنبية لم أعد أذكرها. على الأرجح عبارة Sport، كنت أقضي كل اليوم أتأمل الزبائن من النساء والرجال وسلوكياتهم العجيبة وهم يختارون القمصان والبناطيل وكيف كانت تعاملهم البائعة التي في المحل. اكتشفت أنها كانت تهدي بعض الملابس لبعض الشبان من دون أن يدفعوا ثمنها؛ بناطيل دجينز وقمصان وتي شورتات وأحذية رياضية، وربما بسببها أفلس المحل بعد سنة. كانت البائعة أخت زوج أختي.

في آخر الأسبوع، اصطحبني زوج أختي إلى العاصمة، وسألني في الطريق: أين تريد أن تذهب؟ المكتبة. أريد أن أذهب إلى المكتبة، أجبت بلا تردد.

قادني إلى "مكتبة بن سلامة"، في باب بحر المتفرّع من شارع الحبيب بورقيبة، ودخل بي إلى جناح الأطفال. سحبت يدي من يده، وتسللت إلى قسم الكبار واختطفت نسخةً من كتاب "أغاني الحياة" لأبي القاسم الشابي، طبعة الدار التونسية للنشر. قال: إنه كتاب للكبار.

نعم إنه كتاب للكبار لذلك اخترته. لم أعد صغيراً. صرت أفهم كل شيء.

قالت له عيني شيئاً ما، مع العبارة الأخيرة، وحده كان يعرف معناه.

دفع ثمنه، ووضعه المكتبي في كيس وقدّمه لي. كان ثمنه وقتها 7 دنانير. أذكر ذلك جيداً. من الغد وعند السابعة صباحاً، أيقظتني أختي. هيا، سنعود كلنا إلى دارنا في القرية، بعد غدٍ العيد. ركبنا سيارة زوج أختي الرمادية الطويلة. جلست في المقعد الخلفي مع الصغيرتين، وأنا أحاول أن أحفظ قصيدة "إرادة الحياة"، طوال الطريق.

كيف هدمت بيت جارنا؟

كان بيتنا على هضبة. انتهزت أنا وصديقي فرصة تجمّع العائلة كلها في البيت، واكتشفنا أن باب سيارة زوج أختي مفتوح، فقفزنا فيها ولا أدري إلى الآن من سحب المكبح اليدوي، فإذا بالسيارة تتحرّك وتنزل في المنحدر بسرعة جنونية، فنقفز نحن الاثنين من البابين في طابة الهندي؛ التنين الشوكي، لنشاهدها تتجه نحو بيت جارنا في الأسفل. اصطدمت السيارة بظهر البيت. أحدثت حفرةً كبيرةً، ثم بدأ البيت يتساقط على من فيه أمام أعيننا، ونحن ننظر إلى بعضنا مصدومين أمام هول المشهد. ثم بدأ الصراخ يصلني تدريجياً، فهرعنا راكضين إلى البيت حيث كانت العائلة تحتفل وأفرادها يتضاحكون. وقفت معفّر الوجه بالغبار من أثر السقطة وركبتاي داميتان والجوكينغ ممزق. وهمست بصعوبة:

"بيت بابا تيجاني سقط".

كانوا ينظرون إلي من دون أن يفهموا شيئاً. وقف أخي الأكبر، واصطحبني إلى الخارج ليرى المشهد: البيت شبه مهدم بالكامل، والغبار يتصاعد منه، والسيارة غائرة في ظهره، نصفها داخله ونصفها الآخر خارجه. وانطلقت حفلة الصراخ من كل صوب. الجميع يركضون نحو الأسفل، وأنا في الربوة وحدي بعد أن اختفى صديقي. وحدي كنت شاهداً على كل ذلك الخراب. وحدي صرت متّهماً بكل ما سيحدث. كانت أم صديقي وأخته تحت ركام البيت. كان البيت بيت جدّه.

هرع أهالي القرية لينجدوا العائلة التي تحت الركام، إلا شخصاً واحداً لمحته وأنا في الربوة يركب دراجته النارية وينزل المنحدر متجهاً نحو مدينة العروسة.

قرابة ساعة، ظل أخي والأهالي ينبشون التراب ويخرجون الناس من تحته، ويجرّون سيارة زوج أختي إلى خارج البيت. تضرّرت الفتاة أخت شريكي ببعض الجروح، بينما خرج الجميع سالمين أو هكذا تصورنا. بدأ الجميع يشعرون بالارتياح لنجاتهم وتقدّم أبي واقترح على العائلة أن تسكن معنا وأعطاهم غرفتين من الحوش الكبير، بينما التفت إليّ أخي وصفعني صفعةً مؤلمةً عقاباً على ما فعلت.

وصول الشرطة... وجَدْي أبي

فجأةً، وصل رجال الحرس. جاء الحرس من مدينة العروسة في أندروفر، معتمرين قبعاتهم المخيفة وبدلاتهم الخضراء. كنت أسائل نفسي: لماذا يلبسون الأخضر بينما شرطة المدينة يلبسون الأزرق؟ كانت تبدو على رئيسهم الجدية والغضب. وكان خلافاً لفريقه يلبس قميصاً كاكياً وقبعته بيده ومسدسه يتدلى من حزامه. توجه إلى والد الطفل شريكي في الفعلة قائلاً: "سمعنا أنكم تحتفلون وذبحتم أضاحيكم... معيّدين مع السعودية إذاً قبل يوم؟

كانت تلك تعني تهمةً بأنه "إخوانجي".

أجاب الرجل الذي كان حاجّاً يعتمر قبعةً بيضاء: ذبحنا فقط خروفاً سنحمله معنا إلى تونس، ولكن الأضحية ستكون غداً.

ـ "إيه، هاني نشم في ريحة المشوي واصلة لعروسة". قال أحدهم هازئاً.

طلب بطاقة تعريفه، ثم نظر فيها وسجّل بعض المعلومات.

ثم التفت الشرطي إلى أبي وسأله متهماً: "وأنت أيضاً مْعيّد معاهم وذبحت كيفهم؟".

ارتعب أبي وهو يشير إليه: "هذا البرشني، يقصد الجدي، متاعي، ما زال حياً شاهداً".

فهمنا أن ذلك الرجل الذي ركب الدراجة النارية ذهب إلى مركز الحرس ليشكونا عوض أن يساعد في انتشال الضحايا.

صارت ردود والدي أشدّ، عندما انتبه إلى أنها وشاية مغرضة، مع الحذر، فقد كانت السلطة، أيامها، تتذرّع بأي شيء لترمي بالشباب في السجون بتهمة الانضمام إلى جماعة إسلامية. عاد رئيس المركز إلى الأندروفر، بعد أن سجل زميله أقوال الرجال. لم يسألوا أبداً ما إذا كان هناك من يحتاج إلى إسعاف أو مساعدة، بينما عادت العائلة إلى الاحتفال بنجاة الجميع .

نسيت أن أسجل هنا أن رئيس المركز كان يُسمى علي كلاب، لأنه بدأ مهمته في المدينة بتقتيل كل الكلاب التي وجدها في الشارع، في مذبحة ظل يذكرها أهالي كل المدينة وضواحيها. خبّأت ذلك الاسم في قلبي حتى أطلقته سنة 2012، في روايتي "الغوريلا"، وكان بطل أحداثها.

نسيت أن أسجل هنا أن رئيس المركز كان يُسمى علي كلاب، لأنه بدأ مهمته في المدينة بتقتيل كل الكلاب التي وجدها في الشارع، في مذبحة ظل يذكرها أهالي كل المدينة وضواحيها. خبّأت ذلك الاسم في قلبي حتى أطلقته سنة 2012، في روايتي "الغوريلا"، وكان بطل أحداثها

صاح أخي بطل عملية الإنقاذ في الركن إثر رحيل الحرس: "لقد أضعت قبعتي العسكرية تحت الركام. فيها حبس هذه. إنها البيريه العسكرية".

ركض الجميع من جديد يبحثون عن قبعة أخي الذي كان مجنّداً، لكن لا أثر لها. ضاعت القبعة.

بعد أسابيع سحبتها من تحت فراشي ولبستها، مدّعيا أنني وجدتها يومها. كان أخي قد عاد إلى الثكنة بلا قبعة، كما خططت له.

أخي لا يعلم إلى الآن بالحكاية. لم أجرؤ على سؤاله عندما عاد في الإجازة التالية، لكني سألته مرةً: هل تعلم من بنى نزل أفريكا؟ وقبل أن ينشغل أخي بأمر ما كغيره، لكيلا يكشف جهله، أطل أبي من غرفته: هو نفسه من بنى قبر بورقيبة. أوليفييه كاكوب.

تساءلت مستغرباً أوليفييه كاكوب؟

نعم، اليهودي كاكوب. قال أبي.

لا أحد انتبه أيضاً إلى أن كلب جارنا ظل تحت الركام وأنه الضحية الوحيدة. لقد قتلت كلبهم. اكتشفوا الأمر بعد أيام عندما خرجت الرائحة واحتلت أنوف أهل القرية كلهم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image