تسكن هيلين مع مجموعة من الشبان والشابات الأفارقة في مدينة أربيل، وتقابلهم صدفةً عند الخروج: "جئت حديثاً إلى هنا، بعد انتهاء قصة حب استمرت ثلاث سنوات، لكن آثارها ما زالت عالقةً في ذاكرتي".
تحكي الشابة اللبنانية لرصيف22: "لطالما رسمتُ قصصاً في مخيلتي عن اللقاء الأول بعد فراق استمر ستة أشهر: أين سيكون؟ هل سيصافحني؟ هل سينظر في عينيّ؟ أم سيكون بارداً كلحظة الفراق؟ لكن ما حدث كان مخالفاً تماماً".
تغوص هيلين في حكايتها: "كنت أحياناً ألقي التحية على الشابة الإفريقية التي تعيش بالقرب من غرفتي، وأتساءل: هل هي ذاتها التي أسمع صوتها في الليل تمارس الحب مع صديقها؟ ربما الشابة الثانية أو الثالثة ذات العينين الجميلتين كانت تنظر إليّ كأنها تسألني بماذا أفكر".
عاد الصوت مرةً أخرى، لتصحو هيلين من نومها في تلك الليلة الباردة: "حركت جسدي المتجمد، أشعلتُ الضوء وفتحتُ يوتيوب من دون أن أختار ما أريد مشاهدته، ليكسر صوته آهات الحب القادمة إلى غرفتي، ثم قررتُ تناول سندويشة، كان زيت الزيتون قد تجمّد من برودة الطقس والكهرباء مقطوعة".
"لطالما رسمتُ قصصاً في مخيلتي عن اللقاء الأول بعد فراق استمر ستة أشهر: أين سيكون؟ هل سيصافحني؟ هل سينظر في عينيّ؟ أم سيكون بارداً كلحظة الفراق؟ لكن ما حدث كان مخالفاً تماماً"
تحاول هيلين وصف الحالة لنفسها: "جلستُ على حافة السرير، أحاول وصف ما أنا فيه، كانت الكلمة المناسبة هي "المرحلة السوداء" أو "الخراء"، ثم امتزج صوت الفتاة العاشقة مع صوت المعلّق الذي خرج من هاتفي المحمول يتحدث عن الخراء الذي يهدد ملايين الناس في الهند بسبب غياب المراحيض. ضحكتُ، لماذا اختار يوتيوب هذا التقرير في هذه الحالة وهذه الليلة؟ وما سر اهتمام بيل غيتس بالمراحيض؟".
بعد تلك الليلة، كان لقاء هيلين الأول بشريكها السابق، خلال صدفة لم تتوقعها، ولم تخطط لها: "رأيته من بعيد، بعد برهةٍ اقترب ليلقي التحية، في أثناء خطواته الخفيفة نحوي، عادت آهات الشابة الإفريقية لتصرخ في رأسي مرةً أخرى، إلى أن قال مرحباً. أطفأت هذه الكلمة شوقي، وتبادلنا جملاً قصيرةً لا أذكرها، ثم دفع حسابه وخرج ليختفي تماماً، وأبقى للحظات محدقةً في كأسه الفارغ المتروك على البار".
نهايات بلا قهوة
"هذه المدينة صغيرة، لا أملك طاقة الهروب من كل شوارعها ومقاهيها وأغانيها وروائحها، تخيّلتُ هذا اللقاء مراراً، هل سيكون في الشارع أم في المقهى أو ربما في السينما؟ كنت أحمل أملاً بعودته"، هذا ما أجاب به الشابة العراقية مجدولين، متحدثةً عن اللقاء الأول بعد الفراق.
تعيش مجدولين في مدينة السليمانية، إحدى مدن إقليم كردستان، يفصل بينها وبين منزل شريكها السابق شارع عريض، ومع كل صباح تظن أنها ستلقاه صدفةً. ستسأله عن أحواله، وستخبره عن أيام الفراق، وسيدعوها لتناول الشاي، ويمسك يدها، وربما يقبّلها، وتعود الحياة إلى دفئها، وتكسر كلماته برودة الشتاء.
تتساءل مجدولين عن السر الكامن وراء الحب: "عندما نقع في الحب، تبدو قضايا العالم بأسره وكوارثه صغيرةً، لا تقاس بحجم حبّنا الذي نحطم من خلاله كل المحرمّات، وفي الوقت ذاته تبدو النهايات منطقيةً وواضحةً ومفهومةً، لا تحتاج إلى شرح أو تفصيل، هي هكذا منتهية لا تحتمل أي خيالات أو إبداع".
هل كان اللقاء بارداً؟ تجيب مجدولين: "لم أظن يوماً أنني سأراه يضع مريولاً ويحمل فناجين القهوة إلينا، نحن الفتيات اللواتي جئنا للجلوس في مقهى، فوجئتُ أنه يعمل فيه. اقترب نحونا، وسأل أين يضع فنجان القهوة الحلو؟ عجزت عن الإجابة، هل نسي كيف أشرب قهوتي؟ أشارت إليه صديقتي ليضعها أمامي. نفّذ ما طلبته، وعاد أدراجه من دون أن يسألني كيف حالك؟ بعد أشهر عدة سمعتُ أنه غادر إلى أربيل".
تضيف مجدولين: "سواء كنتُ أعاني من قصر النظر أو لديّ مآرب أخرى، فإن اللقاء كان جيّداً. أقفلتُ بعده الدائرة غير المكتملة من الآمال، وعادت الحياة إلى مجراها، إلى طبيعتها الأولى، محايدةً، مستمرةً، متدفقةً، ومشرقةً، تدفعنا فيها محبتنا لأنفسنا وطاقتنا الداخلية التي تأبى الوقوف وتطالبنا دائماً بالانصياع إلى الطبيعة والاستمرار في الحياة، لنختار لأنفسنا مساراً آخر أكثر تدفقاً وحباً".
في مقهى الفيشاوي
يبتسم الشاب العراقي علي، بعد سؤاله عن اللقاء الأول بعد الفراق، ما أشعل في داخله مشاعر الحنين إلى مقهى الفيشاوي في خان الخليلي في مصر. يقول لرصيف22: "لم تجمعنا الصدفة في العراق، كل ما حدث أني رأيتها بعد أربع سنوات من الفراق في مصر".
يعود علي بذاكرته إلى ذلك اليوم الصيفي الذي جمعه بشريكته السابقة: "أرسلتني الشركة التي أعمل لديها لأداء بعض المهام في مصر، وخلال زيارتي قررت الجلوس في مقهى الفيشاوي المشهور في مصر. كان صوت أم كلثوم يملأ المكان، ممتزجاً بصوت كؤوس الشاي وطاولة الزهر. رأيتُ فتاةً تقترب، ولم أكن متأكداً أنها هي. نظري لم يسعفني، لكنها وقفت برهةً تحدق نحو طاولتي، ثم اقتربت خطوةً وقالت: علاوي شنو تسوي هنا".
"عندما نقع في الحب، تبدو قضايا العالم بأسره وكوارثه صغيرةً، لا تقاس بحجم حبّنا الذي نحطم من خلاله كل المحرمّات، وفي الوقت ذاته تبدو النهايات منطقيةً وواضحةً ومفهومةً، لا تحتاج إلى شرح أو تفصيل"
يعود للابتسامة مسترجعاً العناق الأخير الذي أشعل أضلاعه، مستذكراً شكل وجهها، وحركات جسدها وهي تتكلم، وابتسامتها، وجمال ضحكتها: "سألتها أنت تعيشين في مصر؟ فأجابت بأنها جاءت في رحلة مع إحدى المجموعات السياحية وستعود إلى بغداد قريباً".
هل فكرت في العودة إليها؟ يجيب علي: "لا لم تعد العودة مغريةً. أضحينا شخصين مختلفين، بطموحات وأفكار مختلفة عمّا كنا عليه سابقاً، لكن أجمل اللقاءات هي تلك التي تؤكد أن الطرفين ما زالا يكنّان الاحترام لتلك الأيام التي أمضياها معاً، فاللقاءات الأخيرة غالباً ما تكون قصيرةً وسريعةً وخاليةً من آمال جديدة للمستقبل".
كثيرة هي الأغنيات التي تتحدث عن اللقاء الأول بعد الفراق، بعضها يدعو العشاق لانتهاز الفرصة والانتقام من الشريك السابق بتجاهله تماماً، وبعضها الآخر يعطي الأمل بعودة هذه العلاقة مجدداً، لكن الواقع يظهر أن معظم العلاقات العاطفية التي تنتهي بالفراق، تصعب إعادة ترميمها أو تكوينها من جديد، وعن هذه النقطة، يقول علي: "ربما أفضل من غنّت عن هذه الحالة هي السيدة فيروز في أغنيتها "كيفك أنت؟".
"يا ترى بترجع صديقة؟"
تقول الطبيبة المختصة بالعلاقات الزوجية والأسرة، وينا كولينز، أن الشخصين يجدان أحياناً أنهما لا ينفعان كشريكين عاطفيين، لكن هناك جوانب من علاقتهما لا تزال قيّمةً ويمكن الحفاظ عليها بشكل صحي من خلال الصداقة: "عندما تشعر بأن هذه الصداقة مفيدة لنموك وتطورك وأهدافك، وأنك قادر على الحفاظ على حدود صحية مع شريكك السابق، فإن إنشاء صداقة حقيقية يمكن أن ينجح".
"أجمل اللقاءات هي تلك التي تؤكد أن الطرفين ما زالا يكنّان الاحترام لتلك الأيام التي أمضياها معاً، فاللقاءات الأخيرة غالباً ما تكون قصيرةً وسريعةً وخاليةً من آمال جديدة للمستقبل"
في هذا الصدد، تقدّم كولينز مجموعةً من النصائح للشركاء الذين يرغبون حقاً في استمرار صداقتهما بعد الانفصال، وذلك في الحالات التالية:
1- بعد مضي وقت كافٍ للطرفين لمعالجة نهاية العلاقة الرومانسية وقبولها.
2- بعد تقبّل الطرفين أن العلاقة انتهت حقاً وتفهّما سبب انتهائها.
3- بعد التأكد من أن مشاعر الطرفين تلاشت، ولدى كل منهما القدرة على دخول علاقة عاطفية جديدة مع شخص جديد.
4- بعد التأكد من أن لكلّ طرف حياته الخاصة المنفصلة والمستقلة تماماً عن الشريك السابق.
متى تقطع العلاقة؟
1 – عندما تشعر بأنك ما زلت تأمل سرّاً بأن تعودا معاً.
2 – عندما تشعر بأنك تواجه مشكلةً في المضي قدماً ولم تتغلب على مشاعرك تجاه شريكك السابق.
3 – عندما تشعر بأنك خائف أو غير راغب في فصل حياتك عنه والبدء بالعيش بشكل مستقل.
4 - عندما تواجه مشكلةً في الحفاظ على الحدود والاستمرار في الانزلاق إلى العادات القديمة منذ المواعدة.
في هذه الحالات يتوجب عليك التخليّ عن هذه العلاقة، بالابتعاد وقطع تواصلك مع شريكك السابق.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...