شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"الحب شجاعة"... لماذا لا تعترف بعض النساء بحبهنّ؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الأربعاء 24 أغسطس 202203:54 م

في مسلسل "هذا المساء" الذي عُرض على شاشات التلفزيون في العام 2017، للمخرج تامر محسن، هناك مشهد شهير، أحبه كل متابعي المسلسل وما زال يتداولونه إلى حدّ الآن على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو مشهد اعتراف تقى (أسماء أبو اليزيد) بحبها لسمير (أحمد داوود) فجاء الحوار كالتالي:

سمير: إزيك يا تقي؟

تقى: أنا بحبك.

سمير (لم يجب): تاكسي.

جاء هذا المشهد في المسلسل بعد مشاهد أخرى من الشد والجذب بين تقى وسمير، ومشاكل أخرى مرّت بها الشخصيتان، وحتى عندما قررت تقى الاعتراف بحبها لم تكن أوضاعهما مستقرة بعد، لكن البوح يعني أنها لا تستطيع الانتظار أكثر من ذلك، وأنها على يقين أن الآخر يحبها، فقررت "تقصير المسافة" عليه وصرحت بحبها له.

رغم أن مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر حب الناس لهذا المشهد، وإعجابهم بما فعلته تقى، لكن التصريح بالحب من الفتاة للرجل في الواقع لا يسير دائماً بهذه الصورة الرومانسية الجميلة لأكثر من سبب.

انقسام الآراء

عندما طرحنا على وسائل التواصل الاجتماعي سؤالاً للرجال عن نظرتهم للفتاة التي تُصرح بحبها لهم، جاءت الإجابات كالتالي: "أحترم مشاعرها ولو بحبها هرتبط"، "أحب قدرتها على التعبير عن مشاعرها"، "معنديش مشكلة مع الموضوع".

وحكى رجل، رفض ذكر اسمه، عن تجربته مع فتاة صرّحت له بالحب لكنه لم يكن يبادلها الشعور نفسه، معلقاً بالقول: "احترمتُ شجاعتها كثيراً"، وهذا كان رأي أغلبية الرجال، وقلة منهم رأوا أنه من الأفضل أن تقوم بالتلميح من دون أن تعبر عن مشاعرها بشكل مباشر.

رغم أن مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر حب الناس لهذا المشهد، وإعجابهم بما فعلته تقى، لكن التصريح بالحب من الفتاة للرجل في الواقع لا يسير دائماً بهذه الصورة الرومانسية الجميلة لأكثر من سبب

أما النساء فانقسمن إلى قسمين: قسم يرى أنه من الأفضل الانتظار حتى يُصرّح الرجل بالحب أولاً، أو اعتبار أن المرأة يمكنها التلميح لكن دون التصريح، وهناك قسم مع فكرة أن تكشف المرأة بشفافية عن مشاعرها، فقالت إحداهنّ: "شعور التصريح جيد بالنسبة إليَّ"، وأخرى أكدت بالقول: "التصريح بالنسبة إلي أفضل من البقاء في زاوية الانتظار".

أسباب رفض بعض النساء البوح بالحب

صنعت المُخرجة بسمة شيرين، فيلماً تسجيلياً بعنوان: "كيف تجعل اثنين يقعان في الحب"، لتُصرح لرجل بحبها له أمام الجميع.

في البداية، عُرض الفيلم في دوائر ضيقة لا تعرف بسمة بشكل شخصي، لكن بعد حصوله على الجائزة الأولى في مسابقة الطلبة في مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة، ذاع صيت الفيلم، وعند عرضه مرة أخرى في القاهرة، جاء عدد أكبر لمشاهدته من دوائر مشتركة بين بسمة ومن تحب، فسألتُ بسمة: "ألا تخشين مما سيقولون بعد مشاهدة الفيلم؟"، فأجابت: "لا أهتم لما سيقولون، وكل ما فكرتُ فيه أن لديّ شعور صادق أحببتُ خروجه، لأن الحب شجاعة".

رغم الطريقة المبتكرة التي صرحت بها بسمة بالحب، وتحمّل أي عواقب تنتج عن هذه الطريقة، إلا أن هذا لم يجعلها تجتمع مع من تحب، ولا بدّ من الإشارة إلى أننا لا نُحمّل أبداً الطرف الثاني مسؤولية مشاعر الطرف الأول، فمن حقه القبول أو الرفض دون أن يُلام على أي من الاختيارين، لكنه قد يُلام على أشياء أخرى قد يفعلها بعد مرحلة القبول أو الرفض.

"لا أهتم لما سيقولون، وكل ما فكرتُ فيه أن لديّ شعور صادق أحببتُ خروجه، لأن الحب شجاعة"

من ضمن الأسباب التي قالتها الفتيات لرفضهنّ البوح بالحب، هو إحساس الرفض، معتبرات أنه لا يجب التصريح إلا إذا كانت هناك إشارات توحي بالقبول، فقالت إحداهنّ: "لا تصرّحي، لأنك لن تتحملي إحساس الرفض"، وحكت لرصيف22، عن تجربتها قائلة: "لمّحت لأحدهم بطريقة غير مباشرة، وكان رد فعله أنه اختفى تماماً، وتركني ألوم نفسي إلى الآن أني خسرت كرامتي واحترامي لذاتي".

شعور الرفض من أكثر المشاعر التي يصعب على الإنسان تحملها، ورغم ذلك فهو لم يكن السبب الوحيد الذي يجعل الفتيات يرفضن الكشف عن مشاعرهنّ، لكن ما قالته أكثر من فتاة إن "رجالاً كثيرون يفزعون من الفتاة التي تُصرح لهم بالحب، وقد يتخذون خطوات إلى الوراء".

بدورها، كتبت إحدى الشابات على الفيسبوك: "أعرف الكثيرات من صديقاتي اللواتي مررن بهذه التجربة وباءت في النهاية بالفشل، أعتقد أن المرأة يجب أن تكون مرغوبة، والرجل يفعل أقصى ما عنده حتى يتزوجها".

أما السبب الثالث والمخيف فعلاً هو الاستغلال، فقد تُصرّح فتاة بالحب لأحد الأشخاص دون أن يبادلها الشعور نفسه، لكنه قد يوهمها أنه يبادلها الشعور لاستغلالها على أكثر من مستوى، بخاصة الاستغلال الجنسي.

حكت رانيا (26 عاماً) أنها باحت لشخص عن حبها، فكان رده أنه أيضاً يكنّ مشاعر تجاهها، وطالبها بإقامة علاقة جنسية بينهما أكثر من مرة رغم رفضها في كل مرة، وبالرغم من عدم وجود خطوط واضحة لعلاقتهما فهما لم يرتبطا بعد، ولم يعبر لها عن حبه بوضوح على حدّ قولها، وأضافت لرصيف22: "لكنه يعرف جيداً أني أحبه، فيضغط عليَّ بمشاعري تجاهه"، وفي النهاية كشفت رانيا أن هذه العلاقة القائمة على الابتزاز العاطفي قد انتهت.

تقول د. سوسن الشريف، استشارية في علم النفس والاجتماع، لرصيف22: "اتضح لي أن تصريح الفتاة للرجل قد يأتي بنتيجة عكسية، فبعض الشباب لا يرفض فقط، وإنما قد ينعت الفتاة بأنها بلا أخلاق لأنها صرحت له، وفي بعض الحالات مع أول مشكلة بينهما يتهمها أنها هي من حاولت الإيقاع به".

رجال تخشى التصريح بالحب

قد يتراءى للجميع أن البوح بالحب أمر يصعب على الفتاة فقط، لكنه في الواقع قد يصعب على الشاب أيضاً لعدة اعتبارات.

يقول أمين (30 عاماً) لرصيف22: "أشجع كثيراً فكرة تصريح الفتاة بحبها لمن تحب، خاصة أنني من الصعب أن أتخذ مثل هذه الخطوة"، وأضاف: "اتخذتها من قبل مع إحدى الفتيات التي كان لدي مشاعر قوية تجاهها، ولم أتلق منها إجابة، فرفضت بسكوتها، ومنذ هذه اللحظة أصبح من الصعب بالنسبة إليّ التعبير عن مشاعري مرة أخرى".

بدورها، قالت نورهان (28 عاماً)، وهي مهندسة من الإسكندرية: "صرحت لزوجي بمشاعري تجاهه، لأني أعرف أن الرجال أحياناً لا تبوح بمشاعرها خشية من خسارة علاقة الصداقة القائمة بالفعل".

لاحظت نورهان إشارات من زوجها تشجعها على البوح بمشاعرها، وبالفعل باحت له عن حبها أثناء خروجهما سوياً في أحد الأيام، وكان رده وقتها: "ده خطر أخاف أخده بس الموضوع متبادل، لكن خلينا نجرب واوعديني لو الموضوع ما مشيش نفضل صحاب".

بالفعل، خاضا التجربة سوياً، وبعد فترة اعترف هو الآخر بحبه بشكل صريح، وتزوجا بعد 4 سنوات من معرفتهما ببعضهما، وأنهت نورهان حديثها لرصيف22: "رغم ذلك أنا ضد أن تعبر الفتاة عن مشاعرها لرجل دون أن تكون هناك علامات واضحة منه أنه يبادلها المشاعر نفسها".

صديق هاجر كان هو الآخر يخشى أن يعبر لها عن مشاعره، فقررت هي إتخاذ الخطوة الأولى قائلة: "كانت هذه علاقة الارتباط الأولى في حياته، وهو شخص خجول وانطوائي بعض الشيء ولديه نظرة تشاؤمية، فكان يخشى من ألا تسير الأمور على ما يرام، بصراحة بعد ثلاث سنوات، لا أعرف السبب الحقيقي الذي كان يجعله لا يصرح لي بمشاعره".

"الأمر لا يتعلق بالدين أو بالحلال والحرام، فالسيدة خديجة في الدين الإسلامي هي من عرضت الزواج على الرسول"

وأضافت لرصيف22: "علّل حبيبي بأنه لا يعرف كيف يتعامل في مثل هذه المواقف، رغم أنه فيما بعد صارحني بأنه أعجب بي منذ أول مرة رآني فيها".

اتفقت هاجر مع الفتيات الأخريات بخصوص رفض فكرة التصريح بالحب معبرة بسخرية: "لا تعترفن بالحب يا فتيات، فهذا رجل محترم وجدته صدفةً".

تعليقاً على هذه النقطة، قالت د. سوسن: "تصريح الفتاة بحبها ليس أمراً هيناً حتى في الثقافة الغربية، فيظهر ذلك فيما يقدموه من أفلام وأدب، لكن الفرق بيننا وبينهم أنه في ثقافتنا الشرقية قد يقلل هذا من شأن الفتاة عند بعض الرجال التقليديين، فالأمر يتعلق أكثر بالفطرة والثقافة، فحتى بين الكائنات الأخرى الذكر هو من يتخذ الخطوة الأولى".

وأنهت حديثها قائلة: "الأمر لا يتعلق بالدين أو بالحلال والحرام، فالسيدة خديجة في الدين الإسلامي هي من عرضت الزواج على الرسول، لكن الأمر قد يتعلق بالتكوين الفطري للرجل والمرأة". 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard
Popup Image