تُختتم في القاهرة، اليوم السبت، فعاليات "أسبوع القاهرة للصورة" المقام بالتزامن مع مهرجان الصورة الصحافية الذي تنظمه شعبة المصورين الصحافيين في "نقابة الصحفيين المصريين" وتستضيفه الجامعة الأمريكية.
أسبوع القاهرة للصورة الذي تنظمه – على الجانب الآخر- "فوتوبيا" في مقرها بوسط القاهرة، ضم معرضاً "استيعادياً" للمصور الصحافي الراحل فاروق إبراهيم، تحت عنوان "الأسطورة"، حوى عدداً من الصور التي التقطها المصور الرئاسي الراحل منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر وصولاً إلى عهد الرئيس حسني مبارك.
حالما نُشرت صور الراحل فاروق إبراهيم على مواقع التواصل الاجتماعي، تجاوب معها كثيرون، خاصة أن بعضها مثَّل مفاجآت تُعرض للمرة الأولى، منها صورة للعالم المصري الراحل أحمد زويل (1946 - 2016) الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء، وهو يدخن الشيشة بمقهى في القاهرة الفاطمية.
استعادة متأخرة
توفي المصور الراحل في نهاية مارس/ آذار من العام 2011. يقول نجله هشام لرصيف22: "منذ ذلك التاريخ فكرت الأسرة في إقامة معرض للفنان الراحل ولكن لم تكن الظروف مواتية، خاصة في ظل أحداث سياسية كثيرة مرت بها البلاد، بالإضافة إلى أزمة كورونا وما تبعها. لم يكن هناك اهتمام كبير بالجانب الثقافي بسبب ذلك، فانتظرنا حتى يصبح المناخ مهيّئاً، والفضل يرجع في تدشين المعرض إلى شقيقي الأصغر كريم، الذي درس مادة التصوير في جامعات خاصة، وعندما أهلته الظروف قرر فتح أرشيف الوالد وعرضه".
يضم العرض مئات الصور المنتقاة من أرشيف الراحل البالغ عمره 50 عاماً، منذ التحاقه بقسم التصوير الصحافي في جريدة الأخبار المصرية في العام 1961، وحتى رحيله في العام 2011.
خلال تلك الرحلة الطويلة كان إبراهيم مصوراً رسمياً ضمن طواقم مصوري الرئاسة، الذين يسمح لهم بتصوير اللحظات الرسمية والشخصية والحميمة للقابضين على حكم البلاد، كما أنه كان من المصورين الذي اقتربوا من أهل الفن في العصر الذهبي للسينما والغناء في مصر والممتد حتى نهايات السبعينيات قبل أن يخبو بريق النجوم.
أرشيف إبراهيم المعروض في "فوتوبيا" ضمن معرضه الذي نسقه ابنه المصور كريم فاروق، يضم صوراً لعبد الناصر والسادات ومبارك جنباً إلى جنب عبد الحليم حافظ وأم كلثوم ونجاة الصغيرة وسعاد حسني ونادية لطفي وآخرين من النجمات والنجوم في الفن والثقافة والصحافة والسياسة.
وهذا ما يحثّ على طرح السؤال حول كيف يتمكن المصور الصحافي الذي يعايش كل هذا الصخب من الالتفات لأسرته، وهل يمكن للصحافي أن يتمتع بحياة شخصية متوازنة. يجيب هشام: " كان الامر صعباً، حاول أبي أن يوازن بين حياته العملية والشخصية، ولكن لكثرة مشاغله وشهرته وكثرة أسفاره خاصة بحكم كونه من المصورين القلائل المعتمدين لدى الرئاسة، كان عمله كثيراً ما يقتطع من وقت أسرته، لكننا تعودنا أن لا نغضب من ذلك، خاصة أننا كنا نفخر بنجاحه ونجوميته وسمعته الطيبة التي نجني ثمارها حتى الآن".
بين المهنة والصداقة
مع تعدد موضوعات الصور المختارة في المعرض، حظيت صور الفنانين التي التقطها المصور الراحل باهتمام خاص من رواد المعرض ورواد شبكات التواصل الاجتماعي على السواء، فالصور تكشف عن وجود علاقة تتجاوز الحرفة بين الواقف خلف الكاميرا، والواقفين أمامها، وربما صداقات خاصة لم يكتب تاريخها بعد، وهو ما يؤكده هشام: "كان أبي قريباً من فنانين كثيرين، لا سيما كوكب الشرق أم كلثوم، واعبد الحليم حافظ، لأنهما قبل أن يعملا معاً جمعتهما صداقة انقلبت إلى عمل، وليس العكس".
كيف بدأت علاقته بأم كلثوم؟
يحكي هشام أن كوكب الشرق استدعت والده كي يلتقط لها صورتها - الشهيرة الآن- مع الهرم الأكبر. حينها كان فاروق إبراهيم لا يزال مصوراً مبتدئاً.
أعجبت أم كلثون بالصورة كثيراً والتقط لها صورة أخرى أُعجبت بها أيضاً، وبعدها اتصلت برئيس التحرير وطلبت منه أن يزورها فاروق إبراهيم في فيلتها، وعندما ذهب إليها، سألته: "أين أستاذ فاروق؟"، فرد عليها: "أنا فاروق"، فمازحته: "أنت عيل"، ومن هنا بدأت الصداقة بينهما.
التقط فاروق إبراهيم لحظة سقوط أم كلثوم على الأرض أثناء حفلة الكومكورد الشهيرة في باريس لأن الصحافي داخله لم يستطع تفويت اللقطة، وعندما نشرت الصورة في جريدة أخبار اليوم، ثارت ثائرة أم كلثوم واستغرق اعتذاره إليها ساعات طويلة حتى سامحته
الصداقة الوثيقة بين المغنية الأبرز في العالم العربي والمصور الراحل، ضمنت للأخير النجاة في مواقف حرجة، منها احتجازه في المغرب بعدما أغضب ملكها الراحل الحسن الثاني، الذي كان اتفق مع أم كلثوم على أن تغني في حفل خاص لا يحضره مصورون أو صحافيون، إلا أن فاروق إبراهيم دخل ضمن طاقم المطربة الراحلة، وأبرز الكاميرا أمام ناظري الملك، الذي ثار غضب الأخير وأمر باحتجازه، قبل أن تتدخل أم كلثوم وتشترط الإفراج عنه فوراُ وإلا فلن تستكمل الحفلة.
هناك أيضاً حكايات أخرى كثيرة، يسرد هشام إحداها: "فاروق إبراهيم لم يستطع أن يفوت التقاط صورة لكوكب الشرق آنذاك، واعتبرها فرصة لا يمكن أن تمر دون أن يسجلها بكاميرته، وعندما التقط بعض الصور، فوجئ بوزير الداخلية المغربي الجنرال محمد أوفقير، يأخذ منه الكاميرا ويقبض عليه، ولم يكن الوزير يعلم أنه فاروق إبراهيم، المصور الخاص لأم كلثوم، وعندما علم راح يتحدث معه وقدم له بعض الأطعمة والمشروبات. في هذه الأثناء عرفت أم كلثوم من مساعدتها ما حدث، فذهبت إلى ملك المغرب تخبره بالأمر، فطمأنها، وعندما بحثوا عنه وجدوه جالساً مع وزير الداخلية، وعندها أبلغ الوالد الملك أنهم أخذوا منه الكاميرا، فأمر أن يجلبوا له كاميرا جديدة".
لكن هذه الصداقة لم تنجه من غضب أم كلثوم نفسها عندما التقط لحظة سقوطها على الأرض أثناء حفلة الكومكورد الشهيرة في باريس، حين صعد شاب جزائري على خشبة المسرح أثناء غنائها وتشبث بقدميها مصراً على تقبيلهما فتسبب في اختلال توازنها وسقوطها على الأرض. يحكي هشام" "على الرغم من أن والدي سافر مع أم كلثوم باعتباره مصوراً شخصياً لا صحافياً، فإن الصحافي داخله لم يستطع تفويت اللقطة، وأرسل الصورة عبر السفارة المصرية إلى جريدة أخبار اليوم، وعندما نشرت الصورة في اليوم التالي، ثارت ثائرة أم كلثوم واستغرق اعتذاره إليها ساعات طويلة حتى سامحته".
الصحافي والسلطة
من الوقائع المتداولة عن المصور الراحل، ما يشاع عن صعوده فوق كتف المشير عبدالحكيم عامر، وزير الدفاع المصري حتى هزيمة 1967. ويؤكد نجله صحة الواقعة: "الواقعة حقيقية، الوالد كان مع الرئيس جمال عبد الناصر في سوريا عام 1958، وأراد أن يلتقط له بعض الصور وهو يلقي خطاباً أمام الجماهير، وفي أثناء ذلك ودون أن يدري استند بإحدى قدميه على كتف أحد الحاضرين، وعندما انتهى تفاجأ أن هذا الشخص هو المشير عبد الحكيم عامر، وزير الحربية آنذاك".
لم تعترض السيدة جيهان السادات على التقاط صور اللحظات الخاصة للرئيس، لأن الأمر بأكمله حدث بأمر السادات نفسه، والصورة المتداولة للرئيس أثناء حلاقة ذقنه أكبر دليل على ذلك، لكن اعتراض السيدة جيهان كان على نشر هذه الصور في الجرائد
هذه الواقعة لم تؤثر سلباً في مستقبل إبراهيم كـ"مصور للرؤساء" بدءاً من جمال عبد الناصر مروراً بأنور السادات وصولاً إلى محمد حسني مبارك، تحت مسمى المصور الخاص لرئيس الجمهورية بانتداب من جريدة أخبار اليوم، التي كان يعمل بها.
هذه "الوظيفة" ضمنت لفاروق صوراً خاصة مميزة، بعضها تحوّل الآن إلى "ميم meme" من بين صور اليوم الخاص الذي صوره للرئيس الراحل أنور السادات والتي تسبب بعضها في غضب زوجته جيهان.
يحكي نجله: "السيدة جيهان السادات لم تكن تعترض على التقاط الصور في اللحظات الخاصة للرئيس، لأن الأمر بأكمله حدث بأمر السادات نفسه، أن يصور فاروق إبراهيم يوماً في حياة الرئيس، والصورة المتداولة لفاروق إبراهيم وهو يصور الرئيس أثناء حلاقة ذقنه أكبر دليل على ذلك، لكن اعتراض السيدة جيهان كان على نشر هذه الصور في الجرائد. وأرى أن ذلك من حقها، فهي زوجة الرئيس ولا تريد أن تنشر مثل هذه الصور. قبل أن تنشر تلك الصور في الجريدة، أُرسلت إلى الرئيس السادات لا للموافقة عليها، بل ليختار منها ما ينشر، فالأمر برمته حدث بموافقة الرئيس، وعندما اعترضت السيدة جيهان ومستشاري الرئيس رد عليهم: "انتو مبتفهموش حاجة... هي دي الصحافة" ولا أعرف ما حدث بعد ذلك".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه