قبل زيارتي سلطنة عُمان لم يكن لدي أي فكرة عن الطعام العماني. فالمطبخ العماني مجهول نسبياً، ولم يسلط الضوء عليه كباقي المطابخ العربية.
وقد لاحظت أنه ليس من السهل معرفة الأطعمة العُمانية (إلا إذا كنتم تعرفون صديقاً عمانياً) فحتى المقيمون الذين صادفتهم في عُمان، ولا سيّما المصريين منهم، لم يكونوا على دراية كافية بالطعام العماني إذ يفضلون الطعام المصري، خاصة مع توافر العديد من المطاعم التي تقدمه في كل أنحاء سلطنة عمان.
البغل والفيشاوي في سلطنة عُمان!
الخوير أحد أحياء مسقط الراقية، تنتشر فيه مراكز التسوق والمطاعم والمقاهي المتعددة الجنسيات، والتي تعكس مدى ما يحتضنه هذا الحي من جنسيات مختلفة، لذلك لا تُدهشوا إذا رأيتم لافتة، أثناء سيرك، مكتوب عليها "مطعم البغل"، او "مانجو طلعت" للمشروبات أو "مقهى الفيشاوي" وهي أماكن محببة جداً للمصريين المقيمين في مسقط. لكن بالنسبة لي كمسافرة، تركت بلدي قبل بضع ساعات، في زيارة قصيرة، لبلدٍ آخر فإنني أفضّل التعرف على ثقافة البلد التي أزورها، وليس على أطعمة ومشروبات أعرفها معرفة جيدة، وأتناولها كل يوم.
ولأنه ليس من السهل معرفة الأطعمة العمانية، إلا إذا كنت تعرف صديقاً عمانياً، يصبح هو دليلك في هذه الرحلة الغريبة والمدهشة.
لذلك قبلت دعوة الكاتب العُماني الدكتور حمد المخمري لتناول الإفطار بأحد المطاعم التراثية، التي تقدم الأكلات الشعبية. ولأنني لا أعرف أياً من الأطباق العمانية التقليدية فقد طلبت منه أن يساعدني في اختيار إفطار تقليدي.
وقد أصابتني حالة من الدهشة عندما قال للنادل: "نريد صحنين من البلاليط".
بلاليط؟! بمجرد سماع الاسم راح عقلي يفكر كيف يكون هذا البلاليط، حتى جاء النادل مقدماً لي طبقاً هو عبارة عن شعيرية بالسكر وعليه قرص من البيض المقلي، وملح، (حلو ومالح)!
وبجانب البلاليط، الخبز العماني الشهير بأنواعه المتعددة كخبز الجباتي، وخبز الرخال، الذي يقدم مع الشاي الكركي المعروف.
ومن البلاليط إلى المشاكيك وصولاً إلى المظبي أو المَضَبِي كما ينطق، (شيّ الدجاج على الحصى) كانت رحلتي مع الطعام العماني الذي بمجرد سماع اسمه يجعل العقل يذهب بعيداً، ربما إلى افتراضات ليس لها علاقة بالاسم.
فالمشاكيك مثلاً هي أشهر الأكلات العمانية، يأتي اسمها بسبب أسياخ اللحم، التي تُشك بها قطع اللحم او الدجاج المقطع قطعاً صغيرة، وما يجعل هذا الطبق مميزاً، هو التتبيلة والكاري. وهي وجبة لذيذة جداً ذكرتني بالكباب المصري، الذي هو أيضاً قطع من اللحم توضع في أسياخ، وتشوى على الفحم.
هناك أيضاً العرسية، وهي وجبة من الأرز واللحم، وهم يفضلون لحم الكبش الصغير ليعطيها مذاقاً طيباً ويمكن طهوها بالدجاج.
والهريس الذي يشبه العصيدة ومكونه الأساسي القمح مع الدجاج أو اللحم.
القريات
ونظراً لشهرة سلطنة عُمان بالأسماك، فقد نصحني أصدقائي كوني بسكتريان (أحد الأنظمة النباتية، التي لا تمنع تناول الأسماك بجانب الأطعمة النباتية) بالذهاب إلى مدينة القريات إحدى ولايات محافظة مسقط، وهي مدينة ساحلية تبعد عن مسقط مسافة 94 كيلومتراً لتناول السمك بسوق السمك المركزي، الذي يمتاز بطزاجة أسماكه وتنوعها. كما أن السمك يتوفر فيه على مدار اليوم وكذلك شيّه.
وقد لفتت نظري هذه المدينة التي لم تنل حقها من كتابات الرحالة، فقد كانت بالنسبة للكثيرين مجرد حلقة وصل بين مسقط ومناطق أخرى. وعلى الرغم من طبيعتها الجميلة المتنوعة، حيث السهول الخضراء، والجبال الشاهقة التي تعد أبرز معالمها والكهوف الجبلية مختلفة الأحجام التي تنتشر فيها، وسد "وادي ضيقة" أكبر المشاريع في مجال السدود في السلطنة إلى جانب معالمها التاريخية من قلاع وحصون وأبراج.
أحد أهم دوافع السفر تذوق أكلات من مطابخ مختلفة، خاصة العربية منها، ولكني دهشت/ صدمت أثناء سيري في أحد الأحياء العمانية الراقية لافتات مكتوب عليها "مطعم البغل"، او "مانجو طلعت" للمشروبات أو "مقهى الفيشاوي"، وهي أماكن محببة جداً للمصريين المقيمين في مسقط!
ولا أستطيع أن أنسى الحلوى السلطانية، التي تُصنع من قصب السكر أو العسل وماء الورد والهيل والسمن والمكسرات، مع إضافة القليل من النكهات وهي رمز للأصالة وكرم الضيافة.
وبعد جولة ناجحة، تذوقت فيها الكثير من الأكلات المختلفة التي يبدو عليها التأثر الكبير بالمأكولات الآسيوية والافريقية ويعود ذلك بسبب الصلات التاريخية الكبيرة مع الحضارات القديمة، فقد حظيت بتجربة من النكهات المختلطة التي كانت تستحق التجربة. ويبقى الطعام العماني معبراً عن أصالة الشعب وكرمه تجاه كل من هو زائر للبلد المضياف العريق.
من ناحية أخرى، يقول محمد الزعابي عن تجربته في تناول الأطعمة المحلية أثناء زيارته مصر: "عندما يذكر أحدهم طعاماً مصرياً، فإن أول طبق يتبادر إلى ذهني هو طبق الكشري المتعدد المكونات".
ويضيف: "يشكل الطعام جزءاً من ثقافة اي بلدٍ. وما يمتاز به الطعام المصري هو بساطة مكوناته واستخدام البقوليات والخضروات بشكل كبير في الأطعمة، فمن الكشري إلى الفول والطعمية والمحشي والملوخية، هذا الحساء الرائع المكون من أوراق خضراء مقطعة إلى قطع صغيرة وتطهى مع حساء الدجاج او المأكولات البحرية، ويضاف إليها الثوم المقلي، وتقدم مع الخبز (العيش) أو الأرز المصري كما هو الحال مع الأرز البسمتي الذي يقدم مع أغلب الاطباق العمانية".
البلاليط، المظبي أو المَضَبِي والمشاكيك، أسماء غريبة وصادمة لأكلات عمانية، بالنسبة لي كمصرية، فيا ترى ما هي؟ وكيف طعمها؟ وما رأي الذوق العماني في أكلاتنا الشائعة كالكشري؟ هل يشعرون بنفس الغرابة والصدمة؟
يختلف المطبخ العُماني عن المصري في أن المكون الأساسي للأخير فيه هو الخضار، بينما المطبخ العُماني يعتبر اللحم المكون الأساسي في معظم أطباقه، وتشمل اللحوم لحم البقر، الماعز، الدجاج، الأسماك، بالإضافة إلى أن التوابل والأعشاب هما من العناصر الأساسية في أي وجبة عمانية.
ويوصي الزعابي أصدقاءه العمانيين دائماً بالذهاب إلى مصر وتذوق المطبخ المصري في منبعه، يقول لرصيف22: "على الرغم من انتشار المطاعم المصرية في سلطنة عُمان، فإن تجربة تناول الطعام المحلي في مسقط راسه له مذاق آخر يشعرك، وكأنك لم تتذوقه من قبل".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه