شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
على أي كوكب يعيش الأردنيون؟… عن الهجوم على فيلم

على أي كوكب يعيش الأردنيون؟… عن الهجوم على فيلم "الحارة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن وحرية التعبير

الثلاثاء 17 يناير 202304:19 م

مستغربة من استغراب المستغربين/ات من الشعب الأردني، على المحتوى الدرامي الذي ظهر في الفيلم الأردني "الحارة" لمخرجه باسل غندور، وغاضبة من الكم الهائل من الانتقادات التي طالته، بدلاً من الابتهاج بتصدر عمل أردني على منصة نتفليكس.

في كل مرة يخرج فيها عمل أردني أو مشاركة أردنية لعمل فني عربي، تبدأ "لطميات" تقتحم مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن، تحت عنوان رئيسي بعيد كل البعد عن المصداقية اسمه: "هذا ما بصير عنا!"، وكان أحدث ظهور لتلك اللطميات مؤخراً، بعد صدور فيلم "الحارة".

وحتى يفهم القارئ/ة ماذا يعني عنوان "هذا ما بصير عنا" الذي يخرج مع كل محاولة لأن تأخذ طاقات أردنية إبداعية حقها من ولوج منصة النجاح، فإنها تعود على القبلات، اللمسات والشتائم "ذات السقف العالي" التي تظهر في الأعمال الأردنية الفنية، تشعرك قاعدة "ما بصير عنا"، أن في الأردن شعباً ينجب أطفالاً من دون علاقة جنسية، يعرف معنى الحب دون الحاجة إلى التعرّف على طعم القبلة، و"الأهم" أنه ليس الشعب صاحب مقولة "من الزنار وتحت" في إشارة إلى الشتائم التي يتم النطق بها.

لن أتحدث في هذا المقال عن رؤية نقدية لفيلم "الحارة"، ربما يعود السبب أن التعامل الشرس الهجومي الذي صدر من غالبية الأردنيين الذين تابعوا العمل حرمني من أن أبدي رأيي وأعبر عن فخري وأشرح شعوري وأنا أشاهد الفيلم، الذي ما إن انتهيت من مشاهدته قلت في نفسي: "الله يبيض وجوهكم على هكذا إبداع"، في إشارة إلى القائمين على العمل، حتى أنني لم أنتظر أن يأتي الصباح، إذ أرسلت رسالة لواحد من أبطال الفيلم (الفنان عماد عزمي) فجراً وأعربت له عن بهجتي وسعادتي بالعمل.

شملت رسالتي للفنان عزمي أنني أنوي الكتابة عن الفيلم، لكنني هنا أعتذر له عن ذلك، والسبب تيارات قوى الشد العكسي القامعة لكل محاولة يسطع فيها نجم أردني في سماء الإبداع، تلك التيارات التي "سمّت بدني"، وجعلتني أضع نيتي في الكتابة عن فيلم "الحارة" على جنب، وأستبدلها بسرد استفسارات بصوت عال أتمنى أن أجد إجابات عليها، أولها: "في أي كوكب يعيش الأردنيون/ات؟".

من اعتبروا أن فيلم "الحارة" بعيد عن "واقع" حارات الأردن، هم إما يعيشون في أردن لا أعرفه، أو يعيشون في كوكب آخر اتخذ من الأردن اسماً له!

بحاجة لإجابة على ذلك الاستفسار، تحديداً لمن اعتبروا أن فيلم "الحارة" بعيد عن "واقع" حارات الأردن، هم إما يعيشون في أردن لا أعرفه، أو يعيشون في كوكب آخر اتخذ من الأردن اسماً له!

بالله عليهم، ألا يوجد لهم قريب/ة، صديق/ة، زميل/ة، رفيق/ة، حبيب/ة حالي أو سابق أو لاحق يعيش في حي من أحياء منطقة "جبل النظيف"؟ حسناً، ولا في "حي الطفايلة"؟ ماذا عن "جبل الزهور" و"جبل التاج"، أو حتى "حي نزال"، ألم يأخذهم "غوغل ماب" إلى هناك ولو مرة واحدة فقط؟

استفزتهم الشتائم التي ظهرت في فيلم "الحارة"؟ وجدوها بعيدة عن "العالم الأردني"؟ إذن ما الذي نسمعه كل يوم في مشاجرات طلاب الجامعات وإهانات أزواج لزوجاتهن بعد منتصف الليل وعلى مسمع كل الحي؟ ماذا نسمع في الشارع في شهر رمضان قبيل ساعة الإفطار؟ ما هو محتوى النكات التي يتم تداولها على "الواتساب"؟ هل جميعها "جمعة مباركة"؟!

وأنا أقرأ الهجوم الأردني على الفيلم، تمنيت أن أعيش في الأردن الذي يتحدثون عنه، شعرت بالغيرة وأنا أقرأ التعليقات التي تتحدّث أن محتوى الفيلم بعيد عن "قيم وأخلاق" الأردن. أصابتني الحماسة للتعرف على الأردن الذي يتحدثون عنه، وتخيلت أن ما نسمعه من أخبار كل يوم هي مجرد كوابيس تلاحقني ليلاً وليست حقيقة، فلا قتل ابن لوالدته من جراء تعاطيه لـ "الجوكر" حقيقة، ولا تنمّر طلاب مدرسة على زميلهم بأبشع الألفاظ حقيقة، ولا إصابة ثلاثة أشخاص بالطعن خلال مشاجرة في واحدة من حارات أحياء عمان الشرقية حقيقة، حتى المخدرات "شخصياً" التي نسمع عن ضبطها كل يومين ليست حقيقة، هي بودرة يتهيأ لكوابيسي أنها مخدرات.

أن نتابع الهجوم الافتراضي على مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن على فيلم "الحارة" نصف مصيبة، بيد أن المصيبة الأكبر عندما سارع أعضاء مجلس النواب الأردني لعقد جلسة، انهالوا خلالها بسيل من المساءلة والمطالبة بالمحاسبة لكل من "سوّلت له نفسه"، سواء من الحكومة أو الهيئة الملكية للأفلام، بالسماح بعرض العمل.

استفزتهم الشتائم التي ظهرت في فيلم "الحارة"؟ إذن ما الذي نسمعه كل يوم في مشاجرات طلاب الجامعات وإهانات أزواج لزوجاتهن بعد منتصف الليل وعلى مسمع كل الحي؟

تمنيت أن أرى هذا "القهر" النيابي في جلسات نيابية تناولت الحديث عن ارتفاع أسعار المحروقات في "عزّ" فصل الشتاء، والوقوف أمام المطالب التي تدعو إلى العفو عن سجناء قضايا الحق الشخصي، بالمناسبة هناك أكثر من 75 نائباً يطالبون بالعفو عن قضايا الحق الشخصي التي معظمها قضايا عنف أسري، من تحرّش، ضرب وهتك عرض! يطالبون بالإفراج عن سجناء العنف الأسري ويهاجمون عملاً فنياً سلط الضوء على العنف المجتمعي وفتح باب معالجته للمشاهد!

أعاتب هنا من خلال مقالي بطل "الحارة"، الفنان الأردني منذر رياحنة، الذي انشغل خلال اليومين الماضيين بالخروج بتصريحات لبرامج تلفزيونية وإذاعية أردنية لتبرير محتوى العمل الذي شارك فيه، أعاتبه أنه أهلك حنجرته وهو يفسر أن ما ظهر في العمل يعكس الواقع الأردني ويحاكي فئة موجودة بقوة في المجتمع، ولو أنني على صلة قوية من رياحنة كنت سأنصحه بأن يرفض استضافته في وسائل الإعلام، ويتبع قاعدة "قلة الردّ ردّ"، كردّ على الهجوم الذي طاله تحديداً أكثر من غيره من القائمين على الفيلم.

أنصح الفنان العظيم ريحانة، صاحب مشهد في فيلم "الحارة" لم يتجاوز الثواني القليلة، جعلتني أقول في نفسي: "منذر رياحنة عليه أن يوضب حقيبته ويتجه إلى هوليود"، وهو ينظر إلى الفنانة الفلسطينية ميساء عبد الهادي بعين الأسد الذي جُرّد من عرينه، وكيف تحول برمشة عين، من أسد ينثر الرعب في بيئته إلى حمل ضعيف وعاجز، أنصحه بأن يشغل طاقة حنجرته بالغناء بكل أغاني النصر والانتصار والفرح ابتهاجاً بنجاح الفيلم، وألا يولي الأصوات المُجهضة للفن والإبداع أي اهتمام، ابق يا منذر حيث الفن والغناء "فالأشرار لا يغنون!".

أختم مقالي، بتعبيري عن فخري بنجاح فيلم "الحارة"، وأنا كغيري ممن يعتبرون الفن جزءاً من هوية المجتمع وطريقاً لتغييره إلى الأفضل، كلي شوق لعمل أردني جديد يوازي نجاح "الحارة" من جهة، ويكيد الجاهلين عن واقع بلدهم ومجتمعهم من جهة أخرى.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

معيارنا الوحيد: الحقيقة

الاحتكام إلى المنطق الرجعيّ أو "الآمن"، هو جلّ ما تُريده وسائل الإعلام التقليدية. فمصلحتها تكمن في "لململة الفضيحة"، لتحصين قوى الأمر الواقع. هذا يُنافي الهدف الجوهريّ للصحافة والإعلام في تزويد الناس بالحقائق لاتخاذ القرارات والمواقف الصحيحة.

وهنا يأتي دورنا في أن نولّد أفكاراً خلّاقةً ونقديّةً ووجهات نظرٍ متباينةً، تُمهّد لبناء مجتمعٍ تكون فيه الحقيقة المعيار الوحيد.

Website by WhiteBeard