شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
قصص الجزائريين الحزينة في موسم الثلوج

قصص الجزائريين الحزينة في موسم الثلوج

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 6 فبراير 202303:38 م
Read in English:

The sad stories of Algerians during the snow season

تُعدّ بلدة أسراتو، الواقعة على حدود منطقة تاكسنة في محافظة جيجل (مدينة ساحلية تقع شرق الجزائر)، من بين المناطق التي تحاصرها الثلوج من كل جانب، ويطوقها الصقيع، ويحبس أنفاس سكانها.

فقرية أسراتو الساحرة يصل ارتفاعها إلى أكثر من 1،300 متر عن سطح البحر، تتأثر بوضوح خلال فصل الشتاء بالبرد، وسماكة الثلوج تتجاوز 30 سنتمتراً بينما لا تتجاوز درجة الحرارة 9 درجات مئوية في النهار.

وبرغم أن الثلوج أخفت مروجها الخضراء وقممها الشامخة التي تعانق السحاب، وقدمتها في حلة طبيعية جذابة، إلا أنها عمقت جراح سكان هذه القرية الذين يعانون كل سنة من العزلة عن العالم الخارجي.

مسعود ضريبي، من أبناء منطقة أسراتو، يقول لرصيف22، إن المنطقة تعيش خلال موسم الثلوج معاناةً تحمل في طياتها أملاً ممزوجاً بألم لا يحس به سوى الذين يتقاسمون معنا هذا الحصار في القرى.

"فجميع الطرق المؤدية إلى قرية أسراتو التي تتوسط أربع بلدات أخرى وهي بلدة سلمى بن زيادة وبلدة أراقن سوسي وبلدة بودريعة بن ياجيس، يتعذر تجاوزها عند تساقط الثلوج، فيُمنع استعمالها منعاً باتاً حتى تزول الاضطرابات الجوية".

وشهدت العديد من محافظات البلاد منذ أسبوع تقريباً، موجة برد تتراوح فيها درجات الحرارة بين ثلاث إلى ست درجات تحت الصفر، على غرار محافظة بجاية والبويرة وسطيف وقسنطنية وسكيكدة، بالإضافة إلى تساقط الثلوج بسماكة تتراوح بين 10 و15 سنتميتراً، مع هطول غزير للأمطار يصل في بعض المناطق إلى 50 ميلمتراً محلياً.

عزلة اجتماعية

"هنا يجبَر الإنسان على التكيف مع المناخ وقساوته، فحين يغزونا برد الخريف وتلفح رياحه الباردة حرارة الصيف، تضطر النسوة إلى تخزين المواد ذات الاستهلاك الواسع على غرار القمح اللين أو السميد (الدقيق) والزيت والسكر والملح وبعض المواد الأخرى التي تُستخدم في طهي أطباق تقليدية تساعدنا على إبقاء أجسادنا دافئةً على غرار المرمز وهي عبارة عن أكلة جزائرية، يتم طهيها من حبوب الشعير غير الناضج، بعد طحنها وتجفيفها وطبخها في قدر على نار هادئة، وبعد أن تنضج تُدهن بدهان البقر الحر أو زيت الزيتون ويوضع فوقها القليل من السكر".

"ولذلك تمثل المرأة في مثل هذه الظروف عموداً فقرياً، فهي من تقوم بجمع الحطب من الغابات المجاورة وتخزنه في شكل رزم كبيرة، لاتقاء قساوة الشتاء، وعادةً ما تجمع النسوة خشب شجرة البلوط والداردار وبقايا أغصان أشجار الزيتون، نظراً إلى احتفاظها بحرارة كبيرة".

"وفي هذه الفترة من العام، تشهد أسراتو عزلةً اجتماعيةً وغياباً تاماً للتواصل مع المجتمع، فلا مدرسة، ولا تسوق، ولا حتى زيارة لطبيب، إلا في حالة الضرورة القصوى حينها يتجند شبان في مقتبل العمر من أجل الوصول إلى أقرب نقطة تبعد عن القرية بـ5 كلم، تقع في الطريق الولائي 137 الرابط بين تكسانة وبلدة سلمى بن زيادة، وتفرض هذه الرحلة الكثير من المغامرة والتحدي".

الصبر هو السلاح الوحيد الذي يستخدمه سكان أسراتو لمواجهة قساوة البرد وقوة الثلوج

الصبر سلاح السكان

ويُعدّ الصبر السلاح الوحيد الذي يستخدمه سكان قرية أسراتو لمواجهة قساوة البرد وقوة الثلوج، فالكل مجبرون على التعايش مع كل الظروف ومرغمون دوماً على التآلف مع كل طارئ.

ووفقاً لمسعود، فإن الثلوج تكون أشد وطأةً على الماشية بسبب نقص الكلأ وعدم قدرة الرعاة على الخروج إلى الغابة من أجل الرعي، مبيّناً في المضمار ذاته أن "سكان القرية يفقدون في مثل هذه الظروف نصف ماشيتهم".

وفي سابقة هي الأولى من نوعها، شهدت القرية زيارة قائد مجموعة الدرك الوطني (قوة عمومية ذات طابع عسكري)، إذ تدخل برفقة فرقته لضمان فتح الطريق بالاستعانة بكاسحات الثلوج واستخدام الأملاح المستعملة في إذابتها على الطرقات.

"ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل"؛ بهذه العبارة استهل الطاهر علي العرنان، وهو من سكان قرية سيوان التابعة إدارياً لبلدية أولاد عطية في محافظة سكيكدة (مدينة جزائرية تقع على بعد 140 كلم تقريباً)، كلامه.

إنها بلدة طيبة لا يفارقها الجمال في كل الفصول، حتى في فصل الخريف الذي تميل فيه أوراق الشجر إلى اليباس والاصفرار، تتميز بمناخ بارد شتاءً وبصيف معتدل، ولعل أبرز ما يُميزها أيضاً الضباب الكثيف في فصل الشتاء وحتى في الأيام الأولى من فصل الربيع، يطغى على تضاريس هذه القرية الطابع الجبلي، وهي تقع أسفل الجبال المتاخمة لبلدة "أم الطوب إلى الجهة الغربية، وتتميز بارتفاعها عن سطح البحر 1000 متر، وعادةً ما تتجاوز سماكة الثلوج المتر الواحد.

زنزانة ضيقة

ويضيف الطاهر: "برغم ما تمنحه هذه القرية من سعادة لكل زوارها، والعالم الملون والبهيج الذي ترسمه الثلوج، غير أنها تتحول إلى زنزانة ضيقة خلال هذه الفترة".

ويُعدّ هذا الاضطراب الجوي الذي اجتاح أكثر من 34 محافظةً، الثالث من نوعه من حيث الشدة والصلابة، وبحسب الناشط الطاهر فقد شهدت القرية الاضطراب الأول عام 2005، والثاني كان عام 2012، والثالث في هذه الأيام، وخلال هذه الفترة يعيش سكان المنطقة قصصاً ومعاناةً لا يشعر بها إلا سكانها، إذ تنقطع كل السبل للدخول إليها أو الخروج منها، ويعكس هذا ما عشناه في الأيام الأخيرة بعد أن أغلقت الثلوج حركة المرور الطريق الولائي رقم 7، لولا تدخل كاسحات الثلوج لوضع مادة الملح على الطرقات".

في هذه القرية وفي مثل هذه الظروف يغيب المنتخبون المحليون والسياسيون، وحسب الناشط الجمعوي فإن الحضور اقتصر على رئيس البلدة ونائبه وأفراد الدرك الوطني والحماية المدنية (الدفاع المدني).

وشارك الرجل برفقة العشرات من شباب القرية في حمل المرضى على الأكتاف، قاطعين مسافةً تتجاوز 7 كلم، وأحياناً كانت تحاصرهم الثلوج، ويروي: "كنا نلمح على الطريق كل بضعة كيلومترات سيارةً جانحةً، والمشكلة لم تكن في الطرق الولائية بل في المسالك الفرعية المحيطة بالقرية والتي لا يمكن السير فيها بطريقة ثابتة فهي تعلو تارةً وتهبط تارةً أخرى، ونحن نحمل على ظهورنا مرضى يواجهون صعوبات في تحريك أجسامهم أو جزء منها".

لماذا تترك الدولة سكان الجبال يواجهون السقيع وحدهم دون دعم منها!

التدفئة البدائية

وأضاف الطاهر علي العرنان، في حديثه، متاعب السكان خلال موجات البرد القارس التي تجتاح الجزائر خلال هذه الفترة، قائلاً عنها: "في آخر اضطراب جوي ضرب المنطقة عام 2012، فرضت الثلوج المتساقطة حصاراً على القرية لمدة 13 يوماً".

وحسب المتحدث فإن "بصيص الأمل تمثل في مبادرات معظمها من مجموعة من الشباب ضحوا بأنفسهم وبذلوا الغالي والنفيس من أجل تزويد السكان بالحاجيات الضرورية من غذاء ولباس وأدوية، حتى يتمكن سكان القرية من مواجهة كثافة الثلوج المتساقطة ودرجات الحرارة المتدنية".

"فالشباب في هذه القرية والقرى المجاورة اعتادوا على قهر الطبيعة والانتصار على الثلوج، فهم يستطيعون التعامل معها بشكل ممتاز، وسلاحهم هو الالتحاف بالملابس الثقيلة والتدفئة باستعمال أدوات بدائية".

ونوه الرجل في الختام بما تقوم به وحدات الدرك الوطني والجيش الجزائري ووحدات من الأشغال العمومية لإزالة الثلوج المتراكمة والتي تعيق حركة المرور باستعمال كاسحات الثلوج والتدخل في الحالات التي تستدعي الإنقاذ.  


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image