شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"حق طيبة العلي" في العراق... حين "يُستر" عار الشبان بقتل النساء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الخميس 2 فبراير 202301:44 م

على كثرة تكرارها في منطقتنا، تظل رواية قصّص قتل النساء على أيدي ذويهن صعبة. قضت البلوغر العراقية الشابة طيبة العلي خنقاً بيد والدها في محافظة الديوانية (جنوب العراق) في أحدث الجرائم المزعومة بداعي "الشرف". 

وفق رواية صديقتها المقربة منار جابر وخطيبها السوري محمد حجازي، غادرت طيبة العراق قبل سنوات بسبب تعرضها لاعتداءات جنسية من قبل شقيقها كرار، لم تسعٓ الأسرة إلى حمايتها منها، وفق تسجيلات صوتية نُشرت بناءً على وصيّة المغدورة قبل مقتلها.

بعد فترة في تركيا، التقت الشابة العراقية التي كانت تنشط بقوة عبر حسابها في انستغرام، قبل أن تُضطر إلى حذف محتواه في محاولة لترضية الأهل قبل مقتلها، الشاب السوري الذي أحبته وأحبها وارتبطا ودوّنا يومياتهما معاً وقصة حبهما عبر الإنترنت. 

لم تتوقف ضغوط الأهل في العراق على طيبة للعودة إلى العراق - كان واضحاً أنها محاولة استدراج لقتلها - لكن تهديدها بقتل والدتها إن لم تعد كان كافياً لتقرر العودة رغم الخطر الشديد على حياتها. وتحسّبت للمصير الغادر، فائتمنت صديقتها منار وحبيبها السوري على سبب هروبها من العراق ولاحقاً عودتها والكثير من التفاصيل عن خلافاتها مع أهلها منذ عودتها.

"شكد لمّت مقابرنا بنات تليق بهم الحياة"... البلوغر العراقية الشابة طيبة العلي تقضي خنقاً على يد والدها بعد استدراجها إلى #العراق الذي غادرته بعد اعتداء شقيقها عليها جنسياً وتخاذل أسرتها عن حمايتها. سلّم الأب القاتل نفسه للشرطة واثقاً في ضعف القوانين

"راح يقتلوني… راح أموت"

في مقطع صوتي متداول، يُسمع صوت طيبة وهي تقول: "راح يقتلوني… راح أموت". وفي مقطع آخر، يُسمع شجار بينها وبين والدها وأشقائها على ما يبدو، تعاتب فيه والدها على أنه لم يدللها يوماً أو يحتضنها أو يُشعرها بأنه أب لها وإنما كان أباً فقط لكرار، شقيقها الذي اعتدى عليها جنسياً.

وحين لامها والدها على الهروب من العراق، ردت متعجبةً من أن يقول هذا وهو الذي يعرف جيداً ما تعرضت له، قبل أن تُكمل: "هي سهلة… سهلة أخوي ينام فوقي… سهلة ابن أمي وأبوي… سهلة!".

يظهر من المقاطع الصوتية التي نشرتها الصديقة منار أن الأهل كان لديهم إصرار شديد على سفر محمد خطيب طيبة إلى العراق بحجة إتمام الزواج، في ما يبدو أن الهدف كان قتله هو وطيبة بذريعة "الشرف". مع التوضيح أنه لا يستطيع السفر بسبب جنسيته وعدم قدرته على العودة إلى تركيا في حال غادرها. كذلك يُسمع صوت ضرب الأهل للمغدورة بينما تصرخ وتستغيث.

أوضحت منار أنها لجأت في تلك اللحظة إلى الشرطة المجتمعية بالعراق وتواصلت مع اللواء سعد معن الذي فوّض إلى فريق أمني زيارة منزل الفتاة وأخذ تعهداً على أهلها بعدم التعرض لها. لكن ما هي إلا دقائق حتى أُعلن خبر قتلها خنقاً بيد والدها الذي سلّم نفسه للسلطات الأمنية بكل بساطة مدعياً أنها "جريمة شرف" لثقته على الأغلب في ضعف القوانين العراقية.

في مقاطع صوتية نُشرت بناءً على وصيّتها قبل مقتلها، يُسمع صوت طيبة تقول: "راح يقتلوني، راح أموت". وفي آخر، تعاتب والدها لأنه لم يدللها يوماً أو يحتضنها. وفي ثالث توضح سبب هروبها بقولها: "هي سهلة… سهلة أخوي ينام فوكي… سهلة ابن أمي وأبوي… سهلة!"

وبينما حاول أهل طيبة تشويه سمعتها والقول إنها هربت من العراق مع "عشيقها" لا لسبب آخر، أعلنت صديقتها منار أنها تتعرض لضغوط وتهديدات عشائرية وصلت إلى القتل لنشرها التسجيلات التي ائتمنتها عليها طيبة وأوصتها بنشرها إذا تعرضت لسوء.

"تُقتل امرأة فنموت جميعاً"

وعبر وسم #حق_طيبة_العلي، نشط العشرات من المغردين العراقيين والعرب مطالبين بالعدالة للمغدورة ومحاسبة كل من تقاعس عن حمايتها من المسؤولين الأمنيين في بلدها. وشددت مغردة: "تُقتل امرأة فنموت جميعاً"، مع سؤال عن "من هي الضحية التالية؟".

وغرّدت الإعلامية السورية بقناة "الشرقية" العراقية ريما نعيسة: "طيبة فتاة عراقية قتلها والدها اليوم تحت مسمى ‘الشرف‘. في المجتمعات الفقيرة إنسانياً، تُلصق كلمة الشرف بالجريمة كي تبدو أكثر رونقاً وجمالاً… لا شرف في جرائم الشرف سامحينا يا طيبة... فالطيبة اغتيلت والأبوة سقطت على أبواب العار... والرحمة أطلقوا عليها رصاصة الرحمة #اوقفوا_قتل_النساء".

وتساءل البعض عن دور "الشرطة المجتمعية" وأهميتها في البلاد. اعتبر حسنين المنشد أن "الشرطة المجتمعية، سعد معن، شرطة الديوانية، مسؤولون عما حدث للمغدورة #طيبة_العلي. يعلمون أن هنالك تهديداً فعلياً لحياتها، وأخاً متحرشاً مغتصباً، عائلة تبحث عن أي فرصة لقتل إنسانة لم تطلب إلا حقها في العيش! خرّه بالعادات والتقاليد وخرّه بيكم إذا ما تگدرون تنقذون إنسان من الموت. هضيمة وقهر والله".

واعتبرت مغردات الجريمة دليلاً على وضع النساء في محافظات الجنوب تحديداً. قالت سارة: "طيبة انقتلت بالديوانية ودفنوها بالنجف. آخ يا محافظات جنوبنا شكد ظالمة لنسائكم ولبناتكم وآخ يا تراب النجف شكد ضميتي بترابج بنات مظلومات. يا وجع كلبي".

أُخريات أكدن أن الجريمة تُشير أكثر إلى أن "لا مكان آمن للنساء". منهن صفا علي التي كتبت: "منذ زمن بعيد أعتقد أن قتل النساء وحملات التحريض ضدهن والتضييق عليهن في العمل والمنزل والشارع جريمة منظمة يرتكبها مجتمعٌ اتفق كلهُ بطريقة عجيبة ومنسقة تبدأ من القوانين وحتى أصغر معتوه يقف على ناصية شارع. كلهم اتفقوا على قتلنا جسدياً ومعنوياً ونفسياً".

 "مشكلة النساء في بلداننا أنهن يعشن في صراع بين عالمهن الداخلي المتمثل بالطموح والحرية والبحث عن السعادة، والعالم الخارجي المتمثل بالمجتمع الذي ما يزال يحكمه العرف والعشيرة والتسلط الذكوري بعيداً عن الانفتاح والحرية اللذين يعيشهما الذكور"

تداول كثيرون مقطعاً مصوراً لبعض مواقف المغدورة، رافقها صوت المطرب العراقي كاظم الساهر وهو يغني عن المتطرفين في بلاده: "يكرهون الحب، يكرهون الحياة. يكرهون الورد، يكرهون النساء. يكرهون النور، يكرهون السلام". 

وبلهجة غاضبة يائسة، قال الصحافي العراقي علي الخالدي: "دعاة الشرف بلا شرف، والعار يَقتُل بحجة العار. أخ يتحرش وأب يقتلها خنقاً بحجة غسل العار! من جديد وبأيادٍ مكتوفة لا نستطيع سوى التعزية. إلى رحمة الشابة طيبة. الأب سند ولكن أنت وحش مجرم".

وتعجّب حساب باسم "تشرين": "كم بنت وبنت انقتلت بالعراق بس لأنها بنت ومو من حقها تقرر حياتها. وشگد لمت مقابرنا بنات تليق بهم الحياة. إلعن أبوكم لأبو نظامكم الذكوري لأبو الدولة لتسمح بهدر دمنا ولا تحمي الضحية ولا تحاسب القتلة".

وعبّر معلقون عراقيون عن عدم ثقتهم بأن القاتل سوف ينال جزاءً عادلاً. بينما أشاد الباحث والصحافي العراقي علي المكدام بخصال الضحية: "طيبة هذه الشابة عرفتها ناجحة طامحة قوية وتحب النجاح، طيبة قُتلت اليوم على يد والدها بظروفٍ غامضة، متألم جداً لهذه النهاية التعيسة التي لا تستحقها طيبة ولا يستحقها أي بشرٍي آخر"، أضاف أن "#حق_طيبة_العلي كحق مريم وملاك وحوراء ونور والمئات غيرهُن لن يؤخذ!".

وشدد معلقون ومعلقات على أن محاولة تشويه سمعة المغدورة بوصم الحادثة على أنها "جريمة شرف" بمثابة قتل ثانٍ لها، داعين إلى فضح المبررين للقتل والمدافعين عن الأب القاتل وابنه المعتدي.

إلى متى يستمر قتل نساء العراق؟

في آذار/ مارس 2021، حذّرت مفوضية حقوق الإنسان التابعة لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) من أن "الأحكام التشريعية لقانون العقوبات العراقي تخفّف العقوبات في حالات ما يسمى بـ‘جرائم الشرف‘" بما "يهدد بحدوث أزمات اجتماعية خطيرة إذا لم يتم إجراء تعديلات عاجلة". لم يلق النداء الحقوقي الأممي أي صدى من البرلمان العراقي.

وأعرب حقوقيون وقانونيون مراراً وتكراراً عن أن المرأة العراقية تظل بين مطرقة القبلية وسندان القوانين القديمة والعقوبات غير المتناسبة. 

تؤكد إحصاءات الحكومة العراقية أن واحدة من كل خمس عراقيات تتعرض للعنف الجسدي (14% منهن حوامل وقت الاعتداء). وتعاملت الشرطة المجتمعية في العراق مع نحو 14 ألف حالة عنف أسري عام 2022. ويقدّر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن 86% من العراقيات تعرضن للعنف من قبل أزواجهن.

عبر حسابه في تويتر، تساءل علي البياتي، عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، عقب جريمة قتل طيبة: "كم  #طيبة تُصارع من أجل البقاء؟"، مشدداً على أن البلوغر الشابة "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة من آلاف النساء والفتيات اللواتي يواجهن هذا المصير. فإن كانت طيبة قد نجحت في إيصال صوتها للجهات الحكومية والرأي العام (بلا قدرة حقيقية على حمايتها) فغيرها تتعرض للعنف أو حتى تُقتل بصمت".

ولفت البياتي إلى أن "مشكلة الفتيات والنساء في بلداننا بشكل عام أنهن يعشن في صراع بين عالمهن الداخلي المتمثل بالطموح والحرية والبحث عن السعادة، والعالم الخارجي المتمثل بالبيت والمجتمع الذي ما يزال يحكمه العرف والعشيرة والتسلط الذكوري بعيداً عن الانفتاح والحرية اللذين يعيشهما الذكور".

وتابع: "أساس المشكلة على مستوى الدولة - باعتبارها الراعية للنظام وحامية لحقوق الفرد - هو الفوضى التي تعيشها نتيجة التحول السريع من نظام سياسي متسلط يحكمه العسكر ونظام آخر (ازدواجي) منفتح  كدستور وشعارات، ولكن مقيد جداً من خلال أطر خارج نطاق الدولة تحمل  تسميات مختلفة داخل العائلة أو المجتمع أو العناوين السياسية أو الدينية التي تحاول أن تُنصِّب نفسها مشرّعاً ومنفذاً للقانون".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image