شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
هل اختفت بطولة الكوميديانة؟... عن ثالوث ماري منيب وزينات صدقي وسهير البابلي

هل اختفت بطولة الكوميديانة؟... عن ثالوث ماري منيب وزينات صدقي وسهير البابلي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

الثلاثاء 31 يناير 202304:23 م

هذا هو الجزء الثاني من التقرير، نشر الجزء الأول بعنوان: "عن أسياد الكوميديا المصرية... ضحكة متواصلة من 100 عام".

عَرفت الأعمال الفنية وفي مقدمتها المسرح فنانات الكوميديا منذ فترة مبكرة في مسرح علي الكسار ونجيب الريحاني وأمين عطا الله بعد أن كان الرجال يمثلون أدواراً النساء.

مع مرور الوقت أصبحت هناك كوميديانات لهن بصماتهن في عالم الكوميديا مثل ماري منيب، وزينات صدقي، اللتان كانتا تعتمدان على الارتجال في أدائهما، وبعدهما ظهرت وداد حمدي أشهر خادمة في السينما المصرية، وقد شكلت الفنانات الثلاث علامات فارقة في تاريخ الكوميديا النسائية المصرية.

أجيال من المؤلفين

مع تراكم الأعمال الفنية نتيجة انتشار المسرح والإذاعة والتلفزيون، ازداد عدد المؤلفين والمخرجين من أصحاب الخبرات في الأعمال الكوميدية، ومعهم برزت أسماء العديد من الفنانات في مراحل زمنية مختلفة من أمثال خيرية أحمد، وإنعام سالوسة، ولبلبة، وسناء يونس، وسعاد نصر، ثم ياسمين عبد العزيز، ونشوى مصطفى، وبدرية طلبة، وإيمان السيد.. وغيرهن من اللواتي قدمن أعمالاً مميزة.

بعد مرحلة أبو السعود الإبياري، والسيد بدير، وعلي الزرقاني، وجليل البنداري، وعباس كامل، وبديع خيري، وأيضاً توجو مزراحي الذي كتب الكثير من الأفلام الكوميدية، برز عديد من المؤلفين أمثال بهجت قمر، ولينين الرملي، ويوسف عوف، ويوسف معاطي، وسمير خفاجي، وغيرهم ممن قدموا كوميديا تتعاطى مع الواقع بمتغيراته المختلفة. ثم الجيل الأحدث ومنهم أحمد عبد الله، ونادر صلاح الدين، وبلال فضل وغيرهم.

بين ماري منيب وزينات صدقي

ارتبطت الكوميديا النسائية بشكل خاص بماري منيب وزينات صدقي، وعلى الرغم من عملهما في مرحلة زمنية واحدة، إلا أن كلا منهما شكلت مدرسة خاصة لها فرادتها في الكوميديا بصفة عامة والكوميديا النسائية بصفة خاصة، فقد مثلت ماري منيب العديد من الأعمال الفنية التي تركت بصمة خاصة، واشتهرت في السينما بشخصية الـ"حماة".

لا تزال أعمال ماري منيب تلقى الاستحسان، ومنها "حماتي قنبلة ذرية" 1952، و"الحموات الفاتنات" 1953، و"حماتي ملاك" 1959، و"شهر عسل بصل" 1960 

لا تزال أعمال منيب تلقى الاستحسان، ومنها "حماتي قنبلة ذرية" 1952، و"الحموات الفاتنات" 1953، و"حماتي ملاك" 1959، و"شهر عسل بصل" 1960، وغيرها.

ارتبط الجمهور بالعبارات المرتجلة التي جاءت في أعمالها وظلّت عالقة في آذان المشاهدين إلى الآن، وقد تحولت تلك الكلمات والعبارات إلى إفيهات يتناقلها محبوها مثل "إسأليني أنا.. أمك.. مدوباهم اتنين" من فيلم "حماتي ملاك" 1959، أو "هلّلا هلّلا على الجد، والجد هلّلا هلّلا عليه" من فيلم "اعترافات زوج" 1964، و"إنتي جاية اشتغلي إيه" من مسرحية "إلا خمسة" 1963.

700 فيلم لخادمة السينما المصرية

 أما زينات صدقي فعرفت بخفة الظل العفوية، ونجحت في تقديم كوميديا مختلفة وقد أجادت أداء شخصية الست الجدعة بنت البلد والجارة الحنون، وأفضل من قدمت شخصية الفتاة التي فاتها قطار الزواج، وعرفت بأدائها المتقن وعباراتها المرتجلة التي أعجبت المشاهدين مثل "كتاكيتو بني"، و"صبرني يارب.. إنسان الغاب طويل الناب".

شاركت وداد حمدي في أكثر من 700 فيلماً خلال الفترة من الأربعينيات حتى مستهل التسعينيات من القرن الماضي، واشتهرت بأدائها لشخصية الخادمة في عشرات الأفلام، وأُطلق عليها لقب "خادمة السينما المصرية"، وتميزت حمدي بالرشاقة وخفة الظل ولغتها الشعبية التي تحاكي واقع البسطاء في الحارة المصرية، ولذلك تقبلها الجمهور على الرغم من ندرة الخادمات في ذلك الوقت.

وقد ذكرت هي نفسها في لقاء تلفزيوني أن شخصية الخادمة ابتدعتها السينما المصرية، إذ لم تكن موجودة في كل بيت كما تصور الأفلام، فالمرأة كانت تقوم بكافة احتياجات بيتها دون الحاجة إلى خادمة، عدا قلة نادرة من بيوت الأثرياء.  

ثالوث الكوميديا الأهم

إذا كانت ماري منيب وزينات صدقي قد شكلتا ملامح الكوميديا النسائية من الثلاثينيات حتى السبعينيات من القرن الماضي، حيث أن آخر أعمال منيب كانت مسرحية "خلف الحبايب" وفيلم "لصوص لكن ظرفاء" 1969، وآخر أعمال زينات صدقي هو فيلم "بنت اسمها محمود" 1975، فإن سهير البابلي أيضاً كان لها خصوصية فريدة، واستطاعت أن تصل إلى قلوب الناس وترسم البسمة على وجوههم، وعبرت أعمالها عن مرحلة أخرى للكوميديا التي تقدمها المرأة.

شاركت وداد حمدي في أكثر من 700 فيلماً من الأربعينيات حتى مستهل التسعينيات من القرن الماضي، واشتهرت بأدائها لشخصية الخادمة حتى أُطلق عليها لقب "خادمة السينما المصرية"، وتميزت بالرشاقة وخفة الظل التي تحاكي واقع البسطاء في الحارة المصرية

في النصف الثاني من القرن الماضي كانت هناك ندرة في فنانات الكوميديا، واستطاعت سهير البابلي أن تعوّض ذلك بتقديم المزيد من الأعمال للمسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون، لاسيما بعد أن إزداد بريقها في مسرحية "مدرسة المشاغبين"1971، فقدمت للمسرح "الدخول بالملابس الرسمية"، و"ريا وسكينة"، و"ع الرصيف"، و"نص أنا نص إنتي"، و"العالمة باشا"، و"عطية الإرهابية" وغيرها.

فاستطاعت أن تشكل ثنائياً لن ينسى مع الفنانة شادية التي وقفت على الخشبة لأول مرة في مسرحية "ريا وسكينة" 1980، مع نجمي الكوميديا عبد المنعم مدبولي وأحمد بدير، لتعيد إلى الأذهان توهج الكوميديا النسائية من جديد بعد أن خبتْ بانتهاء مرحلة ماري منيب وزينات صدقي.

ثنائية بكيزة وزغلول

كما شكلت ثنائية نسائية أخرى مع إسعاد يونس في المسلسل التلفزيوني "بكيزة وزغلول" الذي عرض في ثمانينيات القرن الماضي وحقق نجاحاً منقطع النظير، مما دفعهما إلى تحويل المسلسل إلى فيلم سينمائي بعنوان "ليلة القبض على بكيزة وزغلول" 1988.

شكلت سهير البابلي أشهر ثنائيات كوميدية نسائية، الأولى مع شادية في "ريا وسكينة" والثانية مع إسعاد يونس في "بكيزة وزغول"

على الرغم من أن المسلسل يطرح مواقف كوميدية تقوم على المفارقة، إلا أنه حمل أفكاراً جادة وارتبط بإشكالية الفقر والمغامرة ومحاكاة الحياة اليومية للبسطاء من خلال شخصيتين متناقضتين، بكيزة هانم الدرملي السيدة المتعجرفة، وزغلول الفتاة البسيطة التي تربت يتيمة وعاشت حياة الشقاء بكل تفاصيلها، فيجمعهما الفقر والمغامرة والوحدة. وبرغم التوهج الكوميدي في النصف الثاني من القرن الماضي، إلا أن الوقت الحالي شهد تراجع الثنائيات الفنية التي تمثلت في فترات سابقة في زينات صدقي وإسماعيل ياسين، فؤاد المهندس وشويكار، محمد صبحي وهناء الشوربجي، محمد صبحي وسعاد نصر، عادل إمام ولبلبة، وغيرها من الثنائيات التي شكل كل منها حالة كوميدية ارتبط بها الجمهور.

ياسمين عبد العزيز ودنيا سمير غانم

مع اعتزال سهير البابلي وتوقف شويكار ونيللي أصبحت الأعمال الفنية خالية من بطولة الكوميديانات النسائية باستثناءات نادرة، تقول الفنانة هند صبري في ندوة عن الكوميديا: "الكوميديا النسائية لم تعد موجودة، ولكن يمكن الفنانة ياسمين عبد العزيز الوحيدة ضمن فنانات جيلها لديها خط كوميدي وتسير خلاله بخطوات ثابتة، بالإضافة إلى الفنانة دنيا سمير غانم بتميزها الكوميدي".

يقول الكاتب والمؤلف المسرحي السيد حافظ لرصيف22: "أعتقد أن لدينا مواهب لكنها مختفية بسبب غياب الاستراتيجية الفنية والثقافية، والجمهور لا يعبأ بالفن نتيجة الضغوط الاقتصادية، فالشعوب الفقيرة التي تحلم بالخبز لا تفكر في المسرح والضحك”. 

ويضيف: "لكن الغريب انه عندما ظهرت في مصر عشرات المسرحيات الكوميدية الجيدة وعشرات النجوم؛ ظهر في الوطن العربي أيضاً عشرات المسرحيات وعشرات النجوم. وعندما اختفى من مصر مسرح القطاع الخاص، اختفى على الفور المسرح الكوميدي في الدول العربية ودول الخليج. السبب في تراجع المسرح الكوميدي، ليس في تراجع الفنانين أو الكتاب، ولكن بسبب أن الفن الكوميدي أصبح ليس له راع رسمي على المستوى الحكومي أو المستوى الخاص".

يؤكد السيد حافظ أن "المسرح هو النافذة الحقيقية والاختبار الصعب للممثل، والممثل يتكئ دائماَ على النص المسرحي أي المؤلف ومن الصعب أن يوجد الممثل الكوميدي دون الاستناد إلى نص مسرحي، والكوميديا هي الباب الملكي لبروز ونجاح أي ممثل، لأن الجماهير منذ بدء ونشأة المسرح تتجه إلى الضحك".

اختفى المؤلف المسرحي الكوميدي باختفاء الفكر السياسي والفكر الاجتماعي، يضيف حافظ، فالشعوب عندما يختفي من حياتها الهدف يختفي بالتالي المعنى وتختفي القيم ويظهر ما يشبه الاحتفالات القديمة مثل ديونيسوس إله الخمر، فقد ارتبطت الكوميديا في بداية نشأتها بهذا الإله، فكان الضحك والسكر والعربدة والرجال والنساء يخلعون ملابسهم في الشارع وهم في حالة سكر، ثم تطورت الكوميديا وأصبح لها شكل وأهداف.

الكوميديا الخشنة وذنب المؤلف

يكشف المخرج والناقد والمؤرخ المسرحي د.عمرو دوارة لرصيف22  أن "عدداً كبيرًاً من مؤلفي المسرحيات الكوميدية يقومون بكتابة نصوصهم اعتماداً على الشخصية المحورية الذكورية لنجم من نجوم الكوميديا، وذلك ليس فقط لشهرة عدد كبير من النجوم الرجال ولكن نظراً لطبيعة (الكوميديا الخشنة) خاصة في عروض فرق القطاع الخاص، التي قد تتطلب ضرورة السخرية من بعض المواقف والشخصيات".

الغريب أنه عندما ظهرت في مصر عشرات المسرحيات الكوميدية الجيدة وعشرات النجوم؛ ظهر في الوطن العربي أيضاً عشرات المسرحيات وعشرات النجوم. وعندما اختفى من مصر مسرح القطاع الخاص، اختفى على الفور المسرح الكوميدي في الدول العربية ودول الخليج

كذلك يتم توظيف بعض الحوارات التي قد تستخدم فيها بعض العبارات الجارحة أو الألفاظ النابية بهدف إثارة الضحك من خلال المفارقات وإظهار مدى رضوخ الطرف المقابل لها لاتقاء قسوتها وشرها وخوفاً من تهورها، ولذا فنادراً ما يعتمد مؤلفي النصوص الكوميدية على شخصية المرأة كمحور رئيسي لتفجير الضحكات.

تلك الشخصيات أو الأنماط الكوميدية بصورتها التقليدية بالأعمال الدرامية المصرية، تعد من الأدوار التي تمتد جذورها إلى الكوميديا الشعبية، حيث تعتمد في كثير من الأحيان على فواصل "نمر" من الردح والمعايرة، ولذا فإن الباحث المسرحي يستطيع أن يرصد بسهولة ويسر أصداء لهذه الشخصية منذ البدايات الأولى للمسرح وبالتحديد في أعمال الرائد يعقوب صنوع، ومن بعده مختلف أعمال رواد الكوميديا المصرية أمثال أمين صدقي، وعلي الكسار، ونجيب الريحاني، وبديع خيري، وأبو السعود الإبياري.

سجل الدراما المصرية يحفل أيضاً بعدد كبير من الفنانات اللاتي تميزن في أداء تلك الأدوار الشعبية من خلال الأعمال الكوميدية، ومن بينهن الفنانات: زكية إبراهيم، ماري منيب، زينات صدقي، إحسان شريف، وداد حمدي، ملك الجمل، سامية رشدي، جمالات زايد، نعيمة الصغير، خيرية أحمد، نبيلة السيد، ليلى فهمي، علية الجباس، عائشة الكيلاني.

كوني جميلة... واضحكي

العروض المسرحية الكوميدية، من أصعب القوالب والأشكال المسرحية، خاصة عندما تقدم للجمهور المصري الذي اشتهر بخفة ظله ومهاراته في صياغة الكوميديا المرتجلة وإطلاق النكات والإفيهات، وتتطلب تظافر عدة عناصر أساسية وفي مقدمتها النص ذو الحبكة الدرامية محكمة الصنع والصياغة التلغرافية ذات العبارات القصيرة الموحية.

ثم يأتي المخرج خفيف الظل الذي ينجح في توظيف كافة مفردات المسرحية وفي المحافظة على سرعة الإيقاع العام للعرض، وأخيراً الممثل ذو الحضور المحبب الذي يتمتع بخفة الظل إلى جانب مهاراته في الارتجال وتحقيق التواصل مع الجمهور.

يمكن رصد ظاهرة في المسرح الكوميدي المصري تتمثل في حرص نجوم الكوميديا الذين يقع عليهم عبء الإضحاك على وجود إمرأة جميلة تتسم بالرقة والدلال بجوار كل منهم على الخشبة

يختم د. دوارة بالقول: "يمكن من خلال متابعة مسيرة المسرح المصري وعروضه الكوميدية -وتحديداً عروض الفرق الخاصة- أن نرصد بسهولة استمرار وامتداد ظاهرة حرص نجوم الكوميديا الذين يقع عليهم عبء مسؤولية الإضحاك على وجود إمرأة جميلة تتسم بالرقة والدلال بجوار كل منهم، لتقوم بخلق جو من البهجة وتقديم ردود الأفعال -والتي قد تبدو تلقائية- على قفشاتهم وحركاتهم المضحكة".


إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard