ممارسة الجنس – من وجهة نظري- يجب أن تكون عفوية، دون ترتيب مسبق، إحساس يسيطر علينا في لحظة ويُشعل بداخلنا الكثير من المشاعر المتأجّجة والتي تدفعنا نحو الشريك برغبة وحب.
ولكن الأمر ليس بهذه السهولة بالنسبة للمرأة، فهي يجب أن تقوم بمجموعة من المهام الجسدية حتى تكون "جاهزة" لممارسة الجنس. وكلمة "جاهزة" هي تعبير منتشر في مصر، عادة ما يُقال للمرأة التي أصبح جسمها جاهزاً للجنس، من نزع شعر وترطيب بشرة ووضع مساحيق التجميل، ارتداء ملابس مثيرة ووضع العطور.
وعادة ما تنصح الأم ابنتها قبل الزواج أن تكون دائماً "جاهزة" لزوجها لحين شعوره بالرغبة ليمارس الجنس معها. والأمر على هذا النحو ليس فقط مرهقاً؛ بل هو مكلف مادياً، وفي أغلب الأحوال لا يشارك الرجل مالياً في تفاصيل تجميل شريكته حتى تكون "جاهزة" له.
منذ أيام قليلة كنت أقرأ تصريحاً لخبيرة التجميل أمينة شلباية، عن ضرورة اهتمام الرجل بنظافته الشخصية من أجل المرأة التي سيمارس الجنس معها، وهو ما جعلني أدرك أن أبسط الأمور التي هي مطلوبة من الرجل أصبحت محل نقاش وتطالب بها المرأة.
في حين أن الرجال لا يكتفون بنظافة المرأة الشخصية، فبعد مرحلة النظافة الشخصية العادية مثل الاستحمام، هناك العديد من المراحل الأخرى التجميلية التي يطالبون المرأة بها، وقد قابلت في حياتي الشخصية رجالاً يرفضون ممارسة الجنس إذا لم تكن تضع المرأة مساحيق تجميل كاملة.
وفي جلسات أخرى – حضرتها بنفسي- كان الزوج يتحدث أمام والدته وشقيقته وأمامي عن سبب انزعاجه من زوجته ورغبته في الانفصال، لأنها بسبب عملها الذي هو عون اقتصادي له؛ لا تجد الوقت الكافي لتتجمل له، بل وإنها أحياناً عندما يقترب منها لممارسة الجنس قد يجد بعض الشعيرات في جسدها التي لم تتخلص منها، متسائلاً إذا لم يكن لديها وقت للـ"حلاوة" فلماذا لا تجرب الليزر؟
أحتاج شهرياً ما يقرب من 4 آلاف جنيه إذا أردت أن أكون "جاهزة" لزوجي على مدار الشهر، وهو أمر مستحيل تحقيقه، هذا الرقم يتطلب عدد ساعات عمل قد تتخطى الأسبوع كله
قالها ببساطة شديدة وكأنها حل سحري غير مدرك أن الجلسة الشهرية لليزر قد تكلف ما يقترب من 2000 جنيه مصري – بالطبع لن يتكفل بهم بنفسه- وأن المرأة تحتاج ما قد يصل إلى 12 جلسة حتى تتخلص من الشعر نهائياً، ثم جلسات نصف سنوية.
تلك المشكلة لا تعاني منها تلك المرأة فقط، بل العديد من النساء اللاتي ليس لديهن الوقت ولا الجهد لـ"تجهيز" أنفسهن لأزواجهن بأيديهن، بسبب ضغط العمل خارج المنزل ومهام المنزل، فتضطر المرأة اللجوء لمراكز التجميل والتي أصبحت أيضاً باهظة الثمن.
وإذا قرّرت المرأة أن تسهّل الأمر على نفسها وتوفر بعض المال وتستخدم ماكينات الحلاقة ؛ فستجد ردود أفعال من شريكها صادمة خاصة في المجتمع العربي، وقد سمعت رجلاً يقول من قبل: "ماتحطيش الماكينة بتاعتك في الحمام. أنا مش عايش مع واحد صاحبي"؛ هذا بجانب التعليق دائماً على درجة نعومة الجلد بعد استخدام الماكينة.
وإذا انتهت المرأة من مرحلة التخلص من شعر الجسد بسلام؛ فهذه المرحلة الأولى فقط، والتي قد تتكلف في مركز تجميل عادي، دون ليزر، ما يقرب 600 جنيه مصري للجسم بالكامل، سيكون عليها أن ترطب جسدها وتعطره، ثم تبدأ المرحلة الثالثة، مرحلة وضع مساحيق التجميل والتي أصبحت هي الأخرى باهظة الثمن، خاصة إذا كانت المرأة تريد الحفاظ على بشرتها من البثور والتجاعيد.
ثم تأتي مرحلة اختيار العطر ، وبعدها ارتداء ملابس مثيرة والتي لا تقل في التكلفة عما سبق، ويجب أن يكون هناك تجديد في هذه الملابس حتى لا يشعر الرجل بالملل و"يبص بره" .
ما الذي يحتاجه شريكي لممارسة الجنس معي؟ لا شيء سوى الانتصاب، بعضهم لا يكلف نفسه عناء الاستحمام قبل ممارسة الجنس، وحتى إذا فشل في الانتصاب فقد حلت تلك المشكلة العقاقير الطبية زهيدة الثمن
بالنسبة لي؛ أحتاج شهرياً ما يقرب من 4 آلاف جنيه – دون مبالغة- إذا أردت أن أكون "جاهزة" لزوجي على مدار الشهر، وهو أمر مستحيل تحقيقه، هذا الرقم الذي يتطلب عدد ساعات عمل قد تتخطى الأسبوع، والأزواج في مصر – النسبة الأكبر منهم- لا يشاركون الزوجة في هذه المصاريف، ولكنهم يطالبونها بنتيجتها فقط.
والآن؛ ما الذي يحتاجه شريكي لممارسة الجنس معي؟ لا شيء سوى الانتصاب، بعضهم لا يكلف نفسه عناء الاستحمام قبل ممارسة الجنس، وحتى إذا فشل في الانتصاب فقد حلت تلك المشكلة العقاقير الطبية والتي تباع بثمن زهيد للغاية في مصر.
فنجد أن على المرأة بذل مجهود وتحمل آلام جسدية وإنفاق نصف مرتبها تقريباً حتى تكون "جاهزة" طوال الوقت لشريكها لممارسة الجنس، بينما لا يحتاج الرجل أي مجهود أو إنفاق مال لهذا الغرض، وفي المقابل؛ في الكثير من المجتمعات العربية؛ بعد أن تبذل المرأة المال والجهد لتكون في قمة رونقها؛ لا تطلب ممارسة الجنس في الوقت الذي تريده.
بل يجب عليها أن تتنظر الزوج ليأخذ الخطوة الأولى حتى لا تكون جريئة، بمعنى أن المرأة قد تقوم بكل هذه المراحل دون أن تضمن ممارسة الجنس في الوقت الذي ترغبه وتحتاجه، ولكنها يجب أن تكون "جاهزة" على أي حال في حالة أن الرغبة راودت الرجل في ممارسة الجنس.
الوضع كله غير منصف بالمرة، وأصبح خالياً من الحب والمشاعر، فالرجل يتعامل مع المرأة قبل ممارسة الجنس معها على كونه مراقب للجودة، ولديه الكثير من التفضيلات والتعليقات التي لا يسمح للمرأة بمناقشتها وإلا سيكون رد الفعل الزوج هو إحراجها أمام أسرته وأسرتها لتكون أمامهم "مش مهتمة بنفسها" و"مش نضيفة"، وفي المقابل لا يكون للمرأة حق مطالبة الرجل بأي شيء قبل ممارسة الجنس معه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...