"قررت التوقف عن ممارسة المحاماة... وداعاً، أنبل مهنة في التاريخ".
قرار أعلنه المستشار محمد نور فرحات، رجل القانون الراحل في صيف 2016، عبر حسابه على فيسبوك، مفاجئاً زملاءه وتلامذته من المحامين أصدقاءه ومتابعيه ممن عرفوه بمواقفه المساندة للحق حتى ولو كانت ضد الشائع، ومحفوفة بالمخاطر.
لكنه في قراره الذي قوبل بتعليقات تنعى "خسارة المهنة له" وتطالبه بإعادة التفكير، كانت له أسباب لخصّها في عبارة واحدة: "الطريق إلى العدل أصبح ممتداً وشاقاً ومليئاً بالعوائق وغير آمن".
وعلى الرغم من قراره مقاطعة المهنة، ظل يتواصل مع الجميع في وقت مرضه، إلى أن كان الانقطاع بصورة نهائية مساء أمس الجمعة27 يناير/ كانون الثاني، مع إعلان خبر وفاته بعد صراع مع المرض.
ابن القانون
وُلد محمد نور فرحات لأسرة قاهرية، وهو الابن الثاني من بين خمسة. شاء القدر أن يكون العمل بالقانون والمحاماة نصيب أربعة منهم، هو أحدهم، وذلك رغم ما كان لديه من ميول تجاه الفلسفة والصحافة. لكنه مضى في دراسة المحاماة في سبيل تحقيق كل أمنياته.
عبر الاجتهاد والسعي المتواصلين، سار فرحات خطوة خطوة في طريق أحلامه، إذ لم يكتفِ بشهادة إتمام دراساة الحقوق، فواصل دراسة فلسفة القانون وصار أستاذاً لها في كلية الحقوق بجامعة الزقازيق، وهو التخصص الذي سبق أن قال عنه إنه "الوحيد الذى يتيح لصاحبه أن ينظر إلى النظم القانونية نظرة نقدية، ويجري تقييماً اجتماعياً وأخلاقياً للقوانين النافذة، عكس تعامل رجال القانون مع النصوص باعتبارها لا تجوز أن تكون موضعاً للتقييم".
لم يتردد فرحات في أن يكون بين المشاركين في ثورة 25 يناير، وهو الذي كشف في مقال عام 2009 عن المسكوت عنه بشأن مستقبل الحكم بشفافية صادمة حين كانت الأضواء مُسلّطة على جمال مبارك و"جيل المستقبل"
هذا كان ما يقتنع به نور فرحات: "النقد" المبني على علم، وهو الأمر الذي ظهر جلياً في مواقفه وآرائه القانونية، التي جعلته أكثر من مجرد أحد الأساتذة الجامعيين بل مرجعاً قانونياً متفاعلاً مع أحداث البلاد، وهذا ما ظهر في ربطه شغفه القديم بالصحافة والكتابة مع خبرته القانونية الاستثمائية، وكتب مقالات كانت بوصلتها دائماً إعلاء مصلحة المواطن ورفض المُخالفات. ولو ترتب على ذلك مشكلات وخصومات داخل دوائر الحكم القادرة على السجن والملاحقة.
لكن كان لهذا الاجتهاد ثماره، إذ صار نور فرحات عَلَماً قانونياً على المستوى الدولي، باختياره لمناصب مرموقة، منها "كبير مستشاري الأمم المتحدة لحقوق الإنسان" في عدد من دول غرب آسيا. كما استعانت به الأمم المتحدة لوضع دستور دولة المالديف، وتقييم احتياجات السودان في مجال المساعدة الفنية في حقوق الإنسان.
كما كان فرحات مرجعاً ليس فقط لكونه أستاذاً جامعياً أو بما له من مؤلفات، بل أيضاً لما له من آراء عامة في عدد من القضايا، حتى السياسية منها.
عدو الديكتاتورية
في سبيل مصلحة الشعب، لم يتردد فرحات في مثل هذه الأيام قبل 12 عاماً في أن يكون في عداد المشاركين في ثورة 25 يناير، التي خرجت لإقصاء مبارك ورجاله عن الحكم. وهو الذي كشف في مقال عام 2009 عن المسكوت عنه بشأن مستقبل الحكم بشفافية صادمة حين كانت الأضواء مُسلّطة على جمال مبارك و"جيل المستقبل".
لم يُحسب فرحات على أي طرف من المتصارعين بشراسة على السلطة، سواء "وطني ديمقراطي" أو "إخوان مسلمين"، الجماعة التي هاجمها وقت تشكيل اللجنة التأسيسية الخاصة بوضع الدستور المصري، وأعلنها صراحة أنه "تشكيل مُخلّ دستورياً"
في مقاله، تناول فرحات المشكلات وطرح حلولاً لها. لهذا لم يكن غريباً ألّا يتردد في أن يكون من المشاركين في ثورة ضد مبارك، الذي رأى فيه أنه "قضى على السياسة وروض الأحزاب السياسية وأرهب المصريين متى حالوا الاقتراب من المستقبل".
كان فرحات شجاعاً أثناء حكم مبارك، واستمرت شجاعته من دون أن تنقص ذرة في عهد الرئيس الحالي. ومثلما رأى في تعديلات الدستور عام 2005 تلاعباً بمقدرات الدولة ومستقبلها، كان له الرأي نفسه في التعديلات الدستورية التي انتهت إلى تمديد فرص الرئيس الحالي في الحكم عام 2018.
مثلما انتقد على المستوى التشريعي بنية ومواد دستور 2012 الذي وضعه الإخوان، واعتبره "يحمل ثقافة تمييز وضد مبدأ المساواة"؛ انتقد الفقيه القانوني الراحل ما وضعه النظام الحالي من تشريعات، أبرزها "قانون التظاهر" وتعديل الدستور في العام 2019 من أجل "زيادة فترة حكم الرئيس"
بعد سقوط مبارك، استبشر رجل القانون بيناير، لكنه لم يغفل عن التبعات السلبية التي قد تحدث، في حال لم تتم تحقيق أهدافها. إذ رأى بعد عام من اندلاعها أن الثورة "تتعامل مع نظام لم تجتث جذوره بعد، ما يعني أنه ما زال قائماً" إلى حد اعتباره أن برلمان ما بعد مبارك "ليس معبراً عن الثورة"، بل رآه "يتخذ القرارات بنفس الطريقة التي كانت إبَّان سطوة (الوطني) المنحل".
لهذا لم يُحسب فرحات على أي طرف من المتصارعين بشراسة على السلطة، سواء "وطني ديمقراطي" أو "إخوان مسلمين"، الجماعة التي هاجمها هو وآخرون وقت تشكيل اللجنة التأسيسية الخاصة بوضع الدستور المصري، وأعلنها صراحة أنه "تشكيل مُخلّ دستورياً".
ومن هذه القناعات؛ كانت مواقف الفقية القانوني، سواء إبّان حُكم مبارك أو الإخوان أو حتى الحكم الحالي، في مختلف محاوره.
فمثلما انتقد على المستوى التشريعي بنية ومواد دستور 2012 الذي وضعه الإخوان، واعتبره "يحمل ثقافة تمييز وضد مبدأ المساواة"؛ انتقد الفقيه الدستوري والسياسي الكبير ما وضعه النظام الحالي من تشريعات، أبرزها "قانون التظاهر" الذي أكد أنه "حقّ قانوني لا يتطلب سوى الإخطار"، وكذلك ما ارتكبه النظام الحالي من مخالفات تشريعية كان مخالفات كان على رأسها تعديل الدستور في العام 2019 من أجل "زيادة فترة حكم الرئيس".
أعلن فرحات وقتها أنه كان يشك أن "النية كانت مُبيتة له (لهذا التعديل الدستوري) منذ 2015". مؤكداً على "شبهة عدم دستورية قانون الانتخابات".
اعتبر فرحات وقتها جلسات الحوار المجتمعي التي زعم النظام إجراءها "مُجرّد شو إعلامي".
وظل فرحات على مواقفه الثابتة أيضاً، حتى في القضايا التي ثارت حولها جدالات عديدة، مثل المتعلقة بجزيرتي تيران وصنافير، ففي يوم الاحتفال بإعلان مصريتهما، كان هو مَن أكد أن ذلك الحكم القضائي "صادف صحيح القانون وكان متوقعاً".
ونصير الديمقراطية
آراء فرحات حيال الشأن العام وسُبل إصلاحه نابعة عن خبرة علمية ومهنية، وهو ما حاول ترجمته في ممارسته للنشاط السياسي. وهو قبل عضوية مجلس أمناء الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي الذي تأسس عقب الثورة، وكانت مشاركته فيها على الصورة المثالية التي أراد رؤيتها في الحكم العام في مصر، فحين خسر انتخابات هذا الحزب الذي شارك في تأسيسه بادر إلى تهنئة الفائزين وواصل العمل المخلص في الحزب من دون أن تراجع أو تكاسل.
هكذا هو الفقيه القانوني الراحل محمد نور فرحات، الباحث عن العدل، بحسب عنوان أحد مؤلفاته. الأمر الذي لم يبدً فقط فيما يخصّ الدستور والقوانين؛ بل وفيما يخص كل ما يتعلق بمواطنيه المصريين، سواء رفضه لــ"جريمة لا تسقط بالتقادم" مثلما يقول عن التعذيب داخل أماكن الاحتجاز، أو بما يحدث من "تسريب تسجيلات"، أو رفضه لظاهرة "المناضلين الأمنيين". والأهم؛ بدفاعه الدائم عن الحق، ولو بعد توقّفه عن العمل القانوني والسياسي. إذ ظل- وحتى آخر أيامه- على نشاطه طالما كان الأمر يتعلق بحقوق، سواء فيما يخص مصلحة وطن مثلما ظهر في زوده عن قضية ملكية مصر لقناة السويس، أو كما بدا في حديث وهو على فراش المرض عن محيطين به، ليودّع الجميع، سواء سياسيين أو قانونيين أو مرضى قضى بينهم أيامه الأخيرة، لكنه ودعنا بجسده فقط، ويبقى الاسم بأفكاره ونظرياته ومساهمته.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع