شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"موسم صيد المهاجرين التونسيين"... اتفاقيات تونسية إيطالية "ظالمة"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 27 يناير 202303:26 م

"وصلتُ إلى إيطاليا في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عن طريق هجرة غير نظامية، لكنني أتحدّث معك الآن من تونس بعد أن رُحّلت دون موافقتي"، يقول سيف، عن تجربته مع الترحيل القسري الذي تمارسه السلطات الإيطالية ضد المهاجرين التونسيين.

رُحِّل سيف رفقة أكثر من سبعين تونسياً وصلوا إلى الأراضي الإيطالية في عمليات هجرة غير قانونية، رغم أنه قدّم طلب لجوء وعيّن محامياً للدفاع عنه، لكنه رُحِّل قبل انتهاء الإجراءات القانونية.

تأتي عمليات الترحيل القسري التي تُنفذها السلطات الإيطالية ضد المهاجرين التونسيين في إطار اتفاقية "سرّية" وقعتها تونس وإيطاليا سنة 2011، ووقع تجديدها في 2020، وهي اتفاقية رفضتها كل من الجزائر والمغرب.

بحسب ما نشرته وكالة "نوفا" الإيطالية، فإن هذه الاتفاقية تنص على "إحداث 80 رحلة أسبوعياً ورحلتين ثابتتين يومي الثلاثاء والخميس"، وهي إجراءات تقول عنها المنظمات الحقوقية إنها "لا تحترم القانون الدولي ولا حقوق الإنسان".

مع بداية سنة 2023، كثّفت الحكومة الإيطالية التي تقودها اليمينية المتطرفة جورجيا ميلوني، المعروفة بمواقفها المعادية للمهاجرين، جهودها لوقف "مراكب المهاجرين من عبور البحر الأبيض المتوسط"، وهو ما آثار مخاوف منظمات حقوقية تونسية ودولية.

موسم صيد التونسيين

انطلاق موسم "صيد التونسيين"، هكذا وصف الناشط الحقوقي، مجدي الكرباعي، عمليات الترحيل القسري للمهاجرين التونسيين التي زادت حدّتها بداية العام الجاري، ليس فقط في إيطاليا وإنما في باقي الدول الأوروبية، وهو ما يطرح تساؤلات إذا ما كانت تونس قد وقعت نفس الاتفاق مع كل من فرنسا وألمانيا مقابل حصولها على مبالغ مالية من هذه الدول.

في يناير/كانون الثاني، أجرى وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، ووزير الداخلية ماتيو بيانتيدوسي، محادثات مع الرئيس التونسي قيس سعيّد ووزير الداخلية توفيق شرف الدين ووزير الخارجية عثمان الجرندي، في أول زيارة لهما إلى تونس.

رُحِّل سيف رفقة أكثر من سبعين تونسياً وصلوا إلى الأراضي الإيطالية في عمليات هجرة غير قانونية، رغم أنه قدّم طلب لجوء وعيّن محامياً للدفاع عنه، لكنه رُحِّل قبل انتهاء الإجراءات

وقال وزير الخارجية الإيطالي عقب اجتماع مع الرئيس التونسي "إن بلاده مستعدة للرفع من عدد المهاجرين بطريقة قانونية إلى أراضيها، لكنها تدعو في المقابل السلطات التونسية إلى تكثيف جهودها لمكافحة ظاهرة الهجرة غير النظامية".

وأضاف تاياني، أن روما تريد التعاون مع تونس "للحد من الهجرة غير النظامية وتعزيز الهجرة القانونية"، متعهّداً بوقف تدفّق المهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط.

وتابع أنه "يجب السماح للشباب الأفارقة بأن يحلموا داخل وطنهم، يجب أن يحققوا أحلامهم في بلدانهم"، ومن أجل ذلك، من الضروري "زيادة الاستثمارات في أفريقيا"، حسب قوله.

في تعليقه على هذه الزيارة، يرى مجدي الكرباعي أن هناك إمكانية لتوقيع اتفاقيات جديدة بين تونس وإيطاليا ستكون "ظالمة" وقاسية على المهاجرين، خصوصاً أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، ستقوم هي الأخرى بزيارة تونس نهاية الشهر الحالي، وذلك في إطار جولة ستشمل أيضاً كل من تركيا، ليبيا والجزائر.

وقالت وسائل إعلام إيطالية "إن ميلوني تسعى من خلال هذه الجولة لعقد اتفاقيات مع الدول التي تعتبر مصدراً للهجرة غير النظامية، وإيجاد مقاربة شاملة للحدّ من تدفق المهاجرين".

يؤكد الكرباعي في حديثه مع رصيف22 أن إيطاليا فرضت في السابق اتفاقيات على تونس، وأن الجانب الإيطالي يتوجّه لتوقيع اتفاقيات جديدة ستكون أكثر صرامة، وستتلاءم مع البرنامج الانتخابي لجورجيا ميلوني التي تعتبر أن تونس يجب أن تكون منطقة لتجميع المهاجرين وأيضاً لاستقبال المهاجرين المرحّلين.

تسعى إيطاليا إلى توقيع اتفاقيات مع تونس تعيد أكبر عدد من المهاجرين غير النظاميين إلى بلادهم ولو كان ذلك على حساب القوانين، كما تقول منظمات حقوقية 

يضيف: "ستركز الاتفاقيات الجديدة على وضع رؤية أمنية تجبر تونس على منع المهاجرين من الوصول إلى الأراضي الإيطالية. ليس أمام بلدي سوى القبول بهذه الإملاءات، للحصول على مساعدات مالية ولكسب الدعم الأوروبي في ظل العزلة الدبلوماسية التي تعيشها".

ويتهم الكرباعي إيطاليا باستغلال الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمرّ بها تونس لإجبارها على توقيع اتفاقيات جديدة تتعارض مع القوانين الدولية وحقوق الإنسان، وتعدها في المقابل بالتوسّط لها لدى صندوق النقد الدولي.

ويعتبر الكرباعي أن بلده ظلَم كثيراً المهاجرين غير النظاميين، خصوصاً بعد توقيعه اتفاقية الترحيل القسري التي تسببت في ترحيل التونسيين بطريقة غير إنسانية، وتعرّضهم للعنف اللفظي والمادي ومنعهم من حقهم في طلب الحماية واللجوء.

الحماية مقابل الدعم

يرى عماد السلطاني، رئيس جمعية "الأرض للجميع"، أن السلطات الإيطالية بدأت في الأيام الأخيرة بالعمل على ملف الهجرة غير القانونية، وأن المسؤولين في حكومة جورجيا ميلوني بدأوا منذ أسابيع في الضغط على تونس لتكون بمثابة "حارس" للحدود الجنوبية لإيطاليا، من خلال تكثيف المراقبة الأمنية على السواحل لمنع قوارب الهجرة من الخروج من أراضيها.

أصبح واضحاً أن تونس لا تتعامل مع ملف الهجرة بطريقة إنسانية، وإنما تعتبره مصدراً للحصول على الأموال وعلى الدعم من إيطاليا في ظل الأزمة التي تعيشها

يعتبر السلطاني في حديثه لرصيف22، أن بلاده تستغل ملف الهجرة للحصول على المساعدات والدعم الدبلوماسي، مؤكداً أنه تم نهاية سنة 2020 تجديد اتفاقية الترحيل القسري التي تجبر تونس على حماية الحدود الإيطالية، عبر مراقبة البحر الأبيض المتوسط وضمان عدم خروج المهاجرين مقابل حصولها على مبلغ ثلاثين مليون يورو سنوياً.

يضيف: "إذن أصبح واضحاً أن تونس لا تتعامل مع ملف الهجرة بطريقة إنسانية، وإنما تعتبره مصدراً للحصول على الأموال وعلى الدعم من إيطاليا في ظل الأزمة التي تعيشها".

يواصل حديثه قائلاً: "نشهد في هذه الفترة زيارات ومشاورات بين البلدين، وطبعاً ستكون نتيجتها توقيع مزيد من الاتفاقيات، وسط تكتم واضح وشديد من السلطات التونسية التي تكتفي بنشر بلاغات فيها الكثير من المغالطة والتعتيم".

يؤكّد رئيس جمعية "الأرض للجميع" في الإطار ذاته، أن السلطات الإيطالية، وفي إطار سياستها الرامية لمكافحة الهجرة، ستعمل على توقيع اتفاقيات أخرى تمكنها من ترحيل أكبر عدد ممكن من المهاجرين التونسيين الموجودين في مراكز الاحتجاز، والرفع من عدد رحلات الترحيل إلى مطار طبرقة الدولي.

يعتبر السلطاني أن الاتفاقيات السابقة بين البلدين جعلت المهاجرين التونسيين يعيشون أوضاعاً غير إنسانية، في ما يصفه بـ"معتقلات إيطاليا" أدّت إلى وفاة العشرات منهم في ظروف غامضة، أمام غياب لافت للدبلوماسية التونسية وصمتها عن التجاوزات الصادرة عن الجانب الإيطالي، حسب قوله.

وتشير إحصاءات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى ارتفاع أعداد المهاجرين التونسيين غير النظاميين مقارنة مع الأعوام الماضية، فقد وصل أكثر من 16 ألف تونسي إلى إيطاليا سنة2022 مقابل وصول 2592 سنة 2019.

كما أصبحت الجنسية التونسية تحتل المرتبة الأولى في الوافدين إلى إيطاليا بنسبة 18%، بينما قُدّر عدد القُصّر التونسيين الواصلين إلى إيطاليا بـ 3430 في 2022. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard