شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
هل تصل المساعدات الليبية إلى العائلات التونسية المعوزة أم ستتبخر كالعادة؟

هل تصل المساعدات الليبية إلى العائلات التونسية المعوزة أم ستتبخر كالعادة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 26 يناير 202304:39 م

لا تزال حزمة المساعدات الغذائية التي أرسلتها السلطات الليبية إلى تونس، ليل الثلاثاء 17 كانون الثاني/ يناير الجاري، حديث الساعة، ومحل جدل داخل الأوساط السياسية والنخب الاقتصادية وحتى منصات التواصل الاجتماعي، وسط تساؤلات عن الآلية التي ستتّبعها تونس لتوزيع هذه المساعدات، وعن دلالتها ورمزيتها في هذا التوقيت تحديداً، خصوصاً أنها جاءت بعد شهرين فقط من مساعدات أخرى (شحنة بنزين تُقدَّر بـ30 ألف طن)، منحتها حكومة طرابلس لتونس. تظهر الانتقادات حجم الاستياء الشعبي من هشاشة الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي بلغته البلاد عقب تأجيل صندوق النقد الدولي النظر في اتفاق التمويل الجديد لتونس.

تونس ممتنة

قال المتحدث باسم السفارة الليبية في تونس، نعيم العشيبي، في تصريح لرصيف22، إن "دفعةً أولى تتكون من 96 شاحنةً، أُرسلت إلى تونس عبر منفذ رأس جدير الحدودي، تحمل على متنها شحنات من مواد غذائية أساسية تُقدَّر بما بين 50 و65 طناً"، مؤكداً أن دفعات أخرى ستصل إلى تونس وذلك في إطار الدعم والمساندة لما تمرّ به أسواق البلاد من نقص في السلع الأساسية، وقُدِّر عدد الشاحنات التي ستحمل مساعدات المؤونة بـ170 شاحنةً.

تساؤلات عن الآلية التي ستتّبعها تونس لتوزيع  المساعدات الليبية، وعن دلالتها ورمزيتها في هذا التوقيت تحديداً أثارت الحديث من الجدال في تونس

أثارت هذه المساعدات توجّس التونسيين الذين كانوا يعلّقون آمالاً كبيرةً على ليبيا، كمتنفس اقتصادي منذ عشرات السنوات، إذ كانت طرابلس تستورد 5 في المئة من المنتجات التونسية، واليوم انقطع تعامل نحو 1،300 شركة تونسية مع الأسواق الليبية، ما فسره خبراء بخسارة تونس لأهم شريك اقتصادي لها نظراً إلى عجز سلطاتها عن توفير سلع عديدة مثل السكر، والدقيق، والأرز، والزيت، والحليب، منذ أشهر نتيجة عجز الحكومة عن سداد فواتير المزوّدين.

في محاولة لطمأنة الشعب التونسي إزاء النوايا من رصد هذه المساعدات، أكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، أنه لا يمكن عدّ هذه المؤن نوعاً من الإذلال، لأنها تأتي في إطار دعم بين الجيران والأخوة، مذكّراً بأن تونس دعمت ليبيا سابقاً، ومن يروّجون لكون المساعدات إذلالاً لا يمثلون التونسيين ولا الليبيين.

انتقادات واستحسان

يفيد المهتم بالشأن الليبي غازي معلى، في حديثه إلى رصيف22، بأن "تصوير الحكومة الليبية شاحنات المساعدات الغذائية المرسلة إلى تونس مبالغ فيه مقارنةً بحجم الإعانات"، عادّاً أنها كانت دعايةً سياسيةً لكسب شعبية أكبر. هذا الرأي يختلف معه الناشط الحقوقي مصطفى عبد الكبير، الذي يقول لرصيف22، إن "المساعدات جاءت من حكومة طرابلس للتعبير عن عمق العلاقات التونسية-الليبية، وهي بادرة اعتراف بالجميل لما قدّمه التونسيون من تضحيات لإخوتهم الليبيين في حقبات زمنية مختلفة".

موازاة مع موجة الجدل، أكد مرصد رقابة (مؤسسة تونسية مستقلة)، حصوله على معطيات تؤكد نقل الشاحنات الأولى التي وصلت، وعددها 23 إلى مخازن الديوان التونسي للتجارة

من جانبه، ذهب أستاذ التاريخ المعاصر في الجامعة التونسية عبد اللطيف الحناشي، في تدوينة له، إلى إكساب المساعدات طابعاً تاريخياً بالقول: "تونس وليبيا جارتان، ولهما تاريخ مشترك عبر العصور. وفي التاريخ المعاصر كانت تونس ملجأً لسكان طرابلس قبل الاحتلال الإيطالي لليبيا وبعده، وفي أغلب المدن التونسية كانت هناك أحياء خاصة بـ"الطرابلسية"، وجزء مهم من سكان البلاد التونسية من أصول ليبية، وشخصيات سياسية وأدبية واقتصادية كثيرة هي من أصول ليبية، ونذكر فقط المرحومين الحبيب بورقيبة والباهي الأدغم، وفي بداية الاحتلال الإيطالي لليبيا تطوع عدد مهم من التونسيين للقتال إلى جانب إخوتهم، وقدّموا لهم إعانات مختلفةً ماليةً وغيرها.

تضامن أم رفع من ديوان التجارة

موازاة مع موجة الجدل، أكد مرصد رقابة (مؤسسة تونسية مستقلة)، حصوله على معطيات تؤكد نقل الشاحنات الأولى التي وصلت، وعددها 23 إلى مخازن الديوان التونسي للتجارة حيث يتم تفريغها.

كما تساءل المرصد، في بيان حصل رصيف22، على نسخة منه، عن مصير الكميات التي وصلت وستصل من السكر والأرز والدقيق والزيت النباتي في إطار المبادرة الأخوية الليبية التي تأتي حسب تصريحات ليبية في إطار "رد الجميل للشعب التونسي"، وهل أنها ستدخل ضمن منظومة مساعدة المحتاجين وضعيفي الحال تحت إشراف الاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي، كما كان الحال بالنسبة إلى الإعانات التي قدّمتها سفارة اليابان في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أم ستدخل في منظومة تزويد الديوان التونسي للتجارة وتدخل إثر ذلك في مبيعات الديوان مثل بقية السلع المستوردة؟".

دعا المرصد إلى تقديم تفسير واضح لمعنى التضامن بين الشعبين الشقيقين وردّ الجميل، "فإذا كانت العملية الاستعراضية ستتحول إلى عملية تزويد للديوان ثم بيع السلع لعموم المواطنين بأسعار السوق، ولو كان هذا هو المقصود، لكان من الأفضل أن يكون الدعم بهبة مالية أو وديعة أو قرض".

وقال المرصد إنه سيتوجه بالمساءلة إلى الجهات المعنية من أجل تحويل الإعانات إلى مستحقيها، لأن "التضامن بين الشعوب لا يكون بثمن مدفوع، وتضامن التونسيين مع الشعب الليبي في محنته في فترة الثورة لم يكن مدفوع الثمن"، وفق تعبيره.

توظيف سياسي للمساعدات؟

من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي ووزير المالية الأسبق حسين الديماسي، أن "المثير للاستغراب هو إرسال هذه المساعدات في غير الكوارث الطبيعية أو الحوادث، له دلالاته الاقتصادية والمالية خاصةً أن تونس هي التي خلقت الأزمة التي تعيشها اليوم، وهذا ما يخوّلنا تغيير مصطلح مساعدات بـ'محاولة تسول' أو كما يقال باللغة العامية 'الطُلبة'".

يعتقد الديماسي في حديثه إلى رصيف22، أن "هذه المساعدات لن ترى النور ولن يتمتع بها أحد مثلها مثل غيرها من المساعدات السابقة"، وأضاف: "نذكر على سبيل المثال المساعدة الغذائية المقدّرة بـ15 طنّاً من أجود الأسماك التي أرسلتها موريتانيا في تموز/ يوليو 2021، واختفت في ظروف غامضة، ولم نشهد إلى اليوم كيف تم التصرف بها".

يرى الخبير الاقتصادي ووزير المالية الأسبق حسين الديماسي، أن "المثير للاستغراب هو إرسال هذه المساعدات في غير الكوارث الطبيعية أو الحوادث، له دلالاته الاقتصادية والمالية خاصةً أن تونس هي التي خلقت الأزمة التي تعيشها اليوم

تساءل الوزير الأسبق عن الآلية التي ستتّبعها الدولة في توظيف هذه الإعانات، وهل ستوزع في كرذونات (صناديق) إلى العائلات المعوزة والمحتاجة في إطار حملة انتخابية لصالح الرئيس قيس سعيّد؟ أم أنها ستستغل هذه الهبة وتقوم ببيعها للفضاءات التجارية والمحال الصغيرة بمقابل مالي؟ ورأى أن أي محاولة لاستغلال هذه الهبات أو الإعانات لغرض الحملات الانتخابية ستكون شعبويةً ورخيصةً.

على حافة الإفلاس...

عند استفساره عن الوضع الاقتصادي التونسي، وإمكانية إعلان تونس دولةً مفلسةً بناءً على التطورات الأخيرة، من أزمة الغذاء وارتفاع الأسعار وقبول المساعدات، أفاد وزير المالية الأسبق بأن إفلاس دولة ما في المفهومين الاقتصادي والمالي، مرتبط بعجز تلك الدولة عن احترام التعهدات التي تربطها بأطراف أو دول أخرى وتونس لم تصل إلى تلك الدرجة إلى الآن حتى تُصنّف دولةً مفلسةً.

وعبّر محدّثنا عن آسفه لعدم اتخاذ السلطات التونسية أي خطط أو مناهج إنقاذ اقتصادي يكون لها تأثير في وجهات نظر المستثمرين حيال هوامش تونس الاجتماعية والاقتصادية مع ضرورة الابتعاد عن الوعود الواهية في إحداث تنمية محلية، مضيفاً أن المؤشرات والمعطيات الحالية تفيد بأن تونس على عتبة الإفلاس إذا ظلت في موضع المتفرج السلبي وأكبر مؤشر على اقتراب البلد من حافة الإفلاس هي حالة عجز الميزان التجاري الذي شهد قفزةً كبيرةً خلال سنة 2022، إذ قُدّر بـ25 مليار دينار مقارنةً بسنة 2021 التي بلغت فيها نسبة العجز 18 مليار دينار.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image