تواصل أحزاب سياسية تونسية ومنظمات وطنية ضغطها على رئيس الجمهورية قيس سعيّد وحكومته، بسبب ما يصفونه بالفشل في إدارة شؤون البلاد بعد مرور 3 سنوات على اعتلائه كرسي الرئاسة، مطالبين برحيله وبإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة.
يواجه سعيّد، هذه الأيام، سيلاً كبيراً من الانتقادات جرّاء نسبة الإقبال الضعيفة في الانتخابات التشريعية، بالإضافة إلى فشل الحكومة الحالية في وضع أيّ برنامج إنقاذ اقتصادي واجتماعي تشاركي وعجزها عن اتّخاذ أيّ إجراءات عاجلة لمجابهة تداعيات الأزمة الاقتصادية الداخلية والعالمية، وهو ما يضع قيس سعيّد وحكومته أمام تحديات كبرى.
ينتظر سعيد شتاء ساخن بعد تصاعد وتيرة الاحتجاجات المطالبة باستقالته والذهاب إلى انتخابات مبكرة وتعيين حكومة اقتصادية أو سياسية لتصحيح المسار.
السكوت جريمة
يُعدّ الاتحاد العام التونسي للشغل، من أبرز المؤيدين لقرارات الرئيس قيس سعيّد، التي اتخذها في تموز/ يوليو 2021، بسبب الأداء الهزيل للبرلمان المنتخب عام 2019، وتفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، إلا أنه تراجع عن دعمه بسبب ما وصفه بالحكم الفردي الذي ينتهجه الرئيس ورفضه رسم مسار تشاركي لإنقاذ البلاد.
لوّح اتحاد الشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد)، بالتصعيد، إذ قال أمينه العام نور الدين الطبوبي، إن الاتحاد لن يبقى مكتوف الأيدي إزاء ما أسماه بالانزلاقات والانحرافات التي سقط فيها مسار التصحيح بدءاً بالتغيير القسري للدستور في اتجاه نظام حكم رئاسوي منغلق يشكّل تربةً صالحةً للاستبداد وحكم الفرد.
وزادت نسبة تدنّي المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة وإرجاء صندوق النقد الدولي النظر في منح تونس قرضاً مالياً، الضغط على قيس سعيّد وحكومته، التي سيكون أمامها عمل كبير في حال قررت البقاء في سدة الحكم.
وعلّق اتحاد الشغل على الانتخابات التشريعية قائلاً: "إن التدنّي الكبير لنسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة يفقدها المصداقية والشرعية ويؤكّد بوضوح موقفاً شعبياً رافضاً للخيارات المكرَّسة إلى حدّ الآن، وعزوفاً واعياً عن مسار متخبّط لم يجلب للبلاد إلا المزيد من المآسي".
لوّح اتحاد الشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد)، بالتصعيد، إذ قال أمينه العام نور الدين الطبوبي، إن الاتحاد لن يبقى مكتوف الأيدي إزاء ما أسماه بالانزلاقات والانحرافات
وبلغت نسبة عزوف التونسيين عن الاستحقاق الانتخابي أكثر من 88 في المئة، وهو الرقم الأعلى منذ ثورة كانون الأول/ ديسمبر 2010.
كما نفذ موظفو شركة نقل تونس، إضراباً عاماً بدعوة من اتحاد الشغل تسبّب في شلل كلي لحركة النقل في العاصمة وكبّد الحكومة خسائر كبيرةً.
وعُدّ هذا الإضراب اختبار قوة في سياق معركة ليّ الأذرع بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة التونسية.
كما حذر اتحاد الشغل رئيس الجمهورية من الضغوط الشعبية في ظل الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد، وأضاف الاتحاد على لسان أمينه العام نور الدين الطبوبي، "أن السكوت في هذا الوضع يعتَبر جريمةً"، قائلاً: "انتهى التوقيت وقد تعفن الوضع".
وطالب نقابيون بضرورة التحرك من أجل إنقاذ البلاد، مشددين على أن الأزمة معقدة ومركبة وتتمثل في مسار يستفرد فيه الرئيس بالحكم، تقابله حالة شتات سياسي تتمثل في تراجع مستوى عيش التونسيين وتراجع الخدمات العمومية من صحة وتعليم ونقل، كما رأوا خلال اجتماع لهم برئاسة الأمين العام نور الدين الطبوبي أن التونسيين مهددون بالجوع في ظل تأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي وارتفاع نسبة البطالة وتراجع القدرة الشرائية.
رمال متحركة
تتزايد الضغوط على رئيس الجمهورية قيس سعيّد، يوماً بعد آخر، مع تواصل عدم وضوح الرؤية، فغالبية الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية، كاتحاد الشغل، واتحاد الصناعة والتجارة، وعمادة المحامين، أصدرت بيانات تندد بالوضع الحالي الذي وصلت إليه البلاد.
في المقابل، يواصل سعيّد وحكومته العمل في صمت من دون إصدار أي توضيحات تطمئن الشعب وهو ما زاد من حدة القلق والتوتر بخصوص مستقبل البلاد الذي يبدو غامضاً حسب الأرقام التي اتخذت منحى تنازلياً.
وعبّرت "حركة الشعب" أحد أبرز الأحزاب السياسية الداعمة للرئيس التونسي قيس سعيّد، عن "خيبة أملها إزاء نسبة المشاركة الشعبية المتدنية" في الانتخابات التشريعية، مطالبةً رئيس الجمهورية "باستيعاب الدرس وفهم رسالة العزوف الشعبي ليس من الانتخابات فقط، بل من العملية السياسية برمتها"، حسب بيان لها.
يواصل سعيّد وحكومته العمل في صمت من دون إصدار أي توضيحات تطمئن الشعب وهو ما زاد من حدة القلق والتوتر بخصوص مستقبل البلاد الذي يبدو غامضاً
كما طالبت سعيّد، بتخفيف العبء على التونسيين من خلال إيلاء الملف الاجتماعي والاقتصادي الأهمية الكاملة، وحماية مسار 25 تموز/ يوليو، من سوء الإدارة الذي يكاد يعصف به".
ويرى مراقبون للوضع السياسي والاجتماعي، أن البلاد تسير فوق رمال متحركة إذ انعدم الاستقرار وكثرت التحركات الاحتجاجات التي تنادي بإنقاذ البلاد من الانهيار.
وتقف غالبية الأحزاب السياسية التونسية صفاً واحداً ضد المسار الذي ينتهجه رئيس الجمهورية وتعدّه خطوةً نحو الهيمنة على السلطة وانقلاباً على الديمقراطية.
وقال المحلل السياسي خالد عبيد، لرصيف22، إن الوضع دقيق جداً ويتطلب حواراً بين الأطراف الاجتماعية والوطنية التي لم تلطخ أياديها بأي انتهاكات في حق التونسيين طوال العشرية سنةً الماضية، مع الحرص على العمل مع ثلة من المختصين في المجالين الاقتصادي والمالي، لرسم خريطة طريق حقيقية لإنقاذ البلاد.
وأضاف عبيد، أن مسار 25 تموز/ يوليو، حاد عن مساره وأصبحت هناك رغبة في استئصال كل شيء وهذا أمر غير مرغوب فيه حالياً في تونس، داعياً الجميع إلى الجلوس إلى طاولة الحوار كونها السبيل الوحيد لدحر الخلافات وإعادة البلاد إلى السكة الصحيحة.
إصلاحات مؤلمة
تعتزم الحكومة خفض الإنفاق على الدعم بنسبة 26.4 في المئة، كما تسعى إلى زيادة الإيرادات الضريبية بنسبة 12.5 في المئة، أي إلى 40 مليار دينار، مع زيادة النسبة لبعض الوظائف إلى 19 في المئة من 13 في المئة، وفق ما جاء في ميزانية العام المقبل التي نشرتها وزارة الاقتصاد.
وأظهرت ميزانية 2023، أن فاتورة الأجور في القطاع العام ستنخفض من 15.1 في المئة في 2022، إلى 14 في المئة العام المقبل.
وتأتي هذه الإصلاحات استجابةً لصندوق النقد الدولي الذي حث الحكومة التونسية على المزيد من الإصلاحات من أجل الحصول على قرض.
وقالت الوزارة في بيانها إن احتياجات البلاد من الاقتراض الخارجي العام المقبل ستزداد بنسبة 34 في المئة إلى 16 مليار دينار (5.2 مليار دولار) في حين أنه من المتوقع ارتفاع خدمة الدين العام 44.4 في المئة، أي نحو 20.7 مليارات دينار.
وتعاني البلاد من أزمة اقتصادية خانقة أدت إلى فقدان بعض المواد الأساسية مع ارتفاع متواصل للأسعار.
وقال الخبير الاقتصادي فتحي النوري، لرصيف22، إن الشعب التونسي متخوف من المستقبل بسبب الغموض الذي يلفّه، لكنه خلق لنفسه منظومةً خاصةً للعيش من خلال التجاوز والتخلي عن بعض الأشياء التي عدّها غير ضرورية.
ويرى أن الوضع الاقتصادي صعب ويتطلب التفاف الجميع بعيداً عن التفرقة، مؤكداً أن تونس ستتجاوز أزمتها بفضل فطنة أبنائها.
الوضع في تونس بات صعباً ومقلقاً وما زاد في تعكّره هو عجز الحكومة عن إيجاد حلول، وهو ما قد يدفع الشعب للضغط على الحكومة من خلال الاحتجاج السلمي
ويعمل رئيس الجمهورية بقوة على ملف الصلح الجزائي من أجل توفير مبالغ مالية مهمة من أجل التنمية والاستثمار، ويهدف الصلح إلى استبدال الدعوى العمومية أو ما ترتّب عنها من متابعات أو محاكمة أو عقوبات، بدفع مبالغ مالية، أو إنجاز مشاريع وطنية أو جهوية أو محلية بحسب ما جاء في الفصل الثاني من المرسوم الصادر في 20 آذار/ مارس في الجريدة الرسمية الرائد.
وتشمل أحكام هذا المرسوم كل شخص صدرت في شأنه أحكام جزائية، أو كان محل محاكمة جزائية أو متابعات قضائية أو إدارية.
ومن المتوقع أن يوفر هذا الصلح مبالغ ماليةً مهمةً قد تساعد البلاد على النهوض من أزماتها الحالية.
الشعب يريد
ستكون الأشهر والسنوات المقبلة قاسيةً على تونس، بسبب الأزمات الاقتصادية التي يشهدها العالم والتي عمّقتها الحرب الروسية الأوكرانية بالإضافة إلى الجوائح والأمراض وصولاً إلى الجفاف الذي يضرب البلاد ويُعدّ من أبرز المسائل الأساسية التي ستزيد من حدة الأزمة.
وتشهد تونس في كل عام خلال كانون الأول/ ديسمبر وكانون الثاني/ يناير، احتجاجات اجتماعيةً بسبب غلاء المعيشة وارتفاع نسب البطالة والفقر، وقد نرى تحركات شبيهةً في القريب العاجل بسبب قانون المالية لسنة 2023، والذي سيزيد من تدهور أوضاع التونسيين.
وقال اتحاد الشغل الذي يضم أكثر من مليون عضو، إنه سيرفض قانون المالية الحالي، مضيفاً أنه قد يتسبب في انفجار اجتماعي في الوقت الذي يعاني فيه التونسيون من الفقر والتضخم الذي سجل 9.8 في المئة الشهر الماضي.
ستكون الأشهر والسنوات المقبلة قاسيةً على تونس، بسبب الأزمات الاقتصادية التي يشهدها العالم والتي عمّقتها الحرب الروسية الأوكرانية بالإضافة إلى الجوائح والأمراض وصولاً إلى الجفاف الذي يضرب البلاد
ويرى مراقبون أن هناك بوادر لانفجار اجتماعي من خلال الزيادات اليومية في الأسعار، بالإضافة إلى فقدان بعض المواد الأساسية في الأسواق مع كثرة المضاربة والاحتكار، في المقابل قامت الدولة بتجميد الأجور، ومنعت الانتداب في الوظيفة العمومية، كما أن الرفع في نسبة الضرائب ضد أصحاب الشركات قد يدفع بعضها إلى الإفلاس وتالياً قد نرى عائلات أخرى مشردةً.
وفق المعهد الوطني للإحصاء (رسمي)، بلغت نسبة البطالة في تونس 18.4 في المئة عام 2021، من بينهم 30.1 في المئة من حاملي الشهادات العليا.
تقول سحر (24 عاماً)، وهي عاملة في مطعم: "شعار ‘الشعب يريد’ الذي وصل به قيس سعيّد إلى الحكم سيرفعه الشعب اليوم لكن بطريقة أخرى، إن الشعب يريد الخبز والحليب... الشعب يريد الزيت والسميد".
من جهته يقول نور الطرابلسي، وهو طالب في العقد الثاني من عمره: "إن الوضع في تونس بات صعباً ومقلقاً وما زاد في تعكّره هو عجز الحكومة عن إيجاد حلول، وهو ما قد يدفع الشعب للضغط على الحكومة من خلال الاحتجاج السلمي".
ومع مرور الوقت تتزايد الضغوط على رئيس الجمهورية وحكومته من طرف أحزاب سياسية ومنظمات وطنية، وهو وضع مقلق بالنسبة للشعب التونسي الباحث عن الاستقرار منذ ثورة 17 كانون الأول/ ديسمبر 2010.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع