على الرغم من الأزمات المتلاحقة والقاسية التي يمر بها لبنان، في معظم المجالات، وانسداد الأفق منذ سنوات حتى اليوم، تحاول الممثلة أنجو ريحان تخطي كل العقبات وكسر الجمود من باب المسرح الذي تعشق، لتعيد تقديم مسرحيتها "مجدرة حمرا" التي تلقت أصداءً كبيرة، حيث تمثل فيها كـ"one woman show" لتقدم من خلالها ثلاثة نماذج عن المرأة التي تتقاذفها أمواج عادات المجتمع وتقاليده، وظلم القوانين، فتتأرجح بين الخضوع والثورة على الظلم لتحرير الذات.
رصيف22 حاور أنجو ريحان، فماذا تقول عن هذا النجاح وعن الرسالة التي أرادت توجيهها، ماذا عن دورها في مسلسل "صالون زهرة" وما الذي تحضره على صعيد التلفزيون، وكيف تصف ما يعيشه لبنان وشعبه حالياً.
"مجدرا حمرا"... صوت الجميلات المضطهدات
أصداء كبيرة تتلقاها عروض مسرحية "مجدرة حمرا" والتي سبق وعرضت قبل سنوات وما زالت تترك أثراً في وجدان كل من يشاهدها، أخبرينا عنها وعن سرها؟
لا أعرف ما هو سرها، كل ما يمكنني قوله أن الفنان عندما يعمل بشغف ويحب ما يقدمه ويعطيه حقه ووقته في أن ينضج ويختمر، لا بد من أن يزهر ويحين وقت قطافه.
العمل مع المخرج والكاتب يحيى جابر بالتحديد ممتع، لأنه يعطي الأولوية للممثل ويزن بميزان عادل بينه وبين النص
كما أن العمل مع المخرج والكاتب يحيى جابر بالتحديد ممتع، لأنه يعطي الأولوية للممثل ويزن بميزان عادل بينه وبين النص، فيبلور معه كافة التفاصيل بعد تقليص الطرق المتعددة التي توصل للهدف، ليبتكر نقطة التقاء. وهذا تطلب منا قرابة 8 أشهر قبل بدء العرض.
تؤدين في المسرحية –وحيدة- نماذجاً نسائية عدة من قلب الواقع، منها من ترضخ للتقاليد وتسكت عن الظلم، ومنها من تناضل للتخلص من القيود في محاولة منها لتحقيق الذات، ما الرسالة التي أردت توجيهها؟
المسرحية تحمل عدة رسائل نعيشها على أرض الواقع، نطرحها من خلال قصص نضيء عبرها على واقع المرأة ومشاكلها ومعاناتها، لكن دون ادعاء بطرح الحلول، فقط نضع الأصبع على الجرح على طريقتنا.
غنى المسرحية الأساسي يكمن في الكوميديا التي تصل من خلالها كل هذه الرسائل، فالقدرة على إضحاك الناس والتأثير بهم حزناً في الوقت عينه، تحتاج إلى نص منسجم محبوك بحرفية يمهد فيه كل مشهد للآخر مع الحفاظ على عنصر المفاجأة.
كيف تصفين هذا التحدي وهذه التجربة التي كنت فيها "one woman show"؟
الحياة من دون تحديات تصبح مملة وخالية من أي حافز. لا شك في أنني سأذكر هذا العمل طوال حياتي، وبصمته ستبقى في قلبي، فهو لغاية هذه اللحظة أحب الأعمال إليّ من دون منازع.
أي متعة للفنان توازي متعة حصوله على مساحة لتقديم عمل يحبه من قلبه، ويؤدي فيه ثلاث شخصيات متنوعة يتحاور بعضها مع بعض في ذات الوقت ولمدة ساعة ونصف، وأن يقنع الجمهور أنها تتحدث إلى بعضها فقط من خلال تغيير نبرة الصوت وحركة الجسد؟
كان تحدياً رائعاً تطلب وقتاً وجهداً كي يسكن ذاكرتي وإحساسي، الأمر الذي انتقل كالعدوى إلى الجمهور، وهو ما لمسته من تعليقاتهم، وما جعلني أشعر بالسعادة والاكتفاء بأن الرسالة قد وصلت.
كم تؤثر هذه المعالجات الدرامية برأيك في تغيير نظرة المجتمع؟
علينا الاستمرار في رفع الصوت ووضع الأخطاء تحت المجهر، فوضعنا سيبقى على حاله طالما نحن غير قادرين أن نميز ما إن كان الذي نمر به صحيحاً أم خاطئاً، لا بل سنورث الأخطاء لجيل كامل. الأم ستورث بناتها الخطأ، وسيعامل أبناؤها نساءهم كما كان والدهم يعامل أمهم. لذا فالمشاكل التي نسلط عليها الضوء من خلال العمل الفني بعيدة عن الفلسفة ونقدمها بلغة تشبه لغة المتلقي، وهذا ما يتميز به يحيى جابر.
المسرحية حملت عدة رسائل نعيشها على أرض الواقع، حيث تلعب أنجو ثلاثة أدوار لثلاث شخصيات نسائية تحاور بعضها بعضاً للإضاءة على واقع المرأة ومشاكلها ومعاناتها
"مجدرة حمرا" لم تكن عملاً ترفيهياً خفيفاً -مع تقديري وإدراكي لأهمية وجود مثل هذه الاعمال-، بل كان عميقاً في المشاعر التي ينقلها لك كمتلقي من دون ادعاء باجتراح الحلول. كثيرات ممن تابعن المسرحية قلن لي بعد انتهاء العروض، "أنا أشبه سعاد، والمسرحية تذهب معنا إلى المنزل".
الوضع واقف على صوص ونقطة
قدمتِ المسرحية منذ سنوات، كم تؤثر هذه العروض المتفاوتة على أداء الفنان، وهل تختلف مشاعره مع كل عرض؟
بالتأكيد.. يستحيل أن تتشابه العروض، فالجمهور يختلف، والأداء يختلف كذلك، كما أن للمكان تأثير كبير على الفنان، فلكل خشبة روحها وصوتها والنغم الخاص بها وعلاقتها مع جمهورها، مما يؤثر على الفنان ويمده بالطاقة. المسرحية عرضت قبل كورونا في "التياترو" لكن مع العروض الحالية التي قدمت في مسرح "المدينة" ومسرح "دوار الشمس" بت أشعر بمتعة مضاعفة، وبتمكن أكبر من مفاتيحها، إذ أن رهبة المسرح وصمْته اللذان يقشعر لهما البدن جعلاني أشعر أنني والجمهور في انسجام تام. أقولها بكل صراحة وتواضع "مجدرة حمرا" في عروضها الحالية باتت معّتقة.
ألا يعتبر العمل المسرحي في لبنان حالياً مخاطرة، لا سيما بعد الأزمات المتلاحقة وفقدان القدرة الشرائية، هل بات المسرح يعتبر من الكماليات؟
كل شيء وكل عمل في هذا الوقت العصيب الذي نعيشه فيه شيء من مخاطرة والتحدي. فكل لبناني يفكر في خطة بديلة "Plan B" وكما يقال في العامية "الوضع واقف على صوص ونقطة"
نعيش محاولات في بلد مؤقت على مبدأ كل يوم بيومه، في حالة لا استقرار وترقب دائمين، لذا لا نبني خططاً ولا أحلاماً طويلة الأمد، ولن يُبنى البلد طالما نفس المسؤولين يتحكمون به.
نعيش في لبنان على مبدأ كل يوم بيومه، لذا لا نبني خططاً ولا أحلاماً طويلة الأمد، ولن يُبنى البلد طالما يتحكم به نفس المسؤولين
بالطبع، التمثيل من أولى المهن التي تصاب بالضرر، فالمسرح في عالمنا العربي للأسف لا زال يعتبر من الكماليات، علماً أنه مرآة للمجتمع ومنه خرجت ثورات، إن أردتِ أت تتعرفي على فكر أي شعب عليك متابعة مسرحه. إلا أن التركيبة اللبنانية التي عجزنا نحن وعجز العالم عن فهمها تسمح لك بهذه المخاطرة وبإيجاد طريقة للعيش والاستمرار رغم كل الظروف. فاللبناني يجهد اليوم لإيجاد رغيف خبزه، ويحارب للاستمرار وتحمل نار الدولار الذي تخطى الـ50 ألفاً، لكن المسرح في أوجه وهناك العديد من العروض التي تقدم حالياً.
من فوق الخشبة إلى خلف الشاشة
في الإطار نفسه تقريباً قدمتِ دور ميسم في جزئي مسلسل "صالون زهرة"، الذي يضيء على إجحاف القوانين بحق المرأة فيما يخص العنف الأسري وسن الحضانة والاغتصاب وغيرها من القضايا، كيف تقيمين تطور الشخصية في الجزء الثاني؟
لا يمكنني تقييم نفسي بل أترك هذه المهمة للمتلقي لأن الفن أذواق، ورد فعل كل شخص يختلف عن الآخر، مهمتي تتركز على تقديم العمل بكل حب وإخلاص ومجهود، وأن أضع نفسي في مكان وظروف كل شخصية أقدمها.
ماذا تقولين لكل امرأة تواجه مصير ميسم؟
لا أدعي توجيه النصائح أبداً... كل ما يمكنني فعله هو الإضاءة على الخطأ والإشارة إلى أن ما نعانيه هو جزء لا يتجزأ من التربية والتعليم والقوانين. فمناهجنا المدرسية التربوية بحاجة إلى نسف عن بكرة أبيها، الطفل بات يجد المعلومة من الإنترت ونحن ما زلنا نعطيه دروساً عن المماليك.
استحداث قانون موحد للأحوال الشخصية وفرض التعليم ومنع الزواج المبكر وبناء منهج تربوي يعتمد على الإنسانية واحترام الآخر ونبذ العنصرية والشعور بالانتماء لهذا البلد، كل هذا يبني دولة عادلة تشعرين فيها أنك بأمان ولست رهينة لطائفة ولا لذكورية مجتمع.
كيف تصفين العمل مع نادين نجيم؟
نادين شخص جميل قلباً وقالباً، محب، معطاء، مجتهد، حرفي، يتقن عمله ويحترم الآخر. العمل معها ممتع، وأتمنى لها كل الخير والنجاح.
أخبرينا عن المسلسل العربي المشترك الذي شاركت به ولم يعرض بعد؟
اسمه المبدئي "حرب الورود" ويتألف من 90 حلقة، وقد استغرق تصويره في تركيا 8 أشهر، وقد ضم مجموعة كبيرة من النجوم، منهم رولا حمادة، ستيفاني عطالله، باميلا الكيك، محمود نصر وغيرهم. التجربة كانت ممتعة وموجعة في الوقت نفسه، من جميل أن نلتقي مع هذا الكم من النجوم، لكن أن تبتعدي فجأة عن بلدك لبلد آخر يحترمك ويوفر لك حقوقك البديهية التي لا يوفرها بلدك هو أمر يجعلك تشعرين بالقهر والغيرة.
ماذا عن تفاصيل الشخصية التي تؤدينها؟
أؤدي شخصية "ندى" التي تتواجد هي و4 فتيات مع النجم ناظم عيسى، التجربة كانت تستحق الوقوف عندها، العمل مشوق وأتمنى أن ينال اعجاب الجمهور.
ماذا عن مشاركتك في الموسم الرمضاني؟
أشارك حالياً في تصوير مسلسل "وأخيراً" مع نادين نجيم وقصي خولي. العمل من إنتاج شركة الصباح ومؤلف من 15 حلقة ولا يمكنني الإفصاح عن تفاصيله أكثر.
إلى ساحات الثورة
كنتِ من الوجوه البارزة في ساحات الثورة كيف تصفين الوضع في لبنان اليوم؟
الوضع الذي نعيشه اليوم سريالي.. فوضى في كل شي، وكل المفاهيم والقيم اليوم معكوسة.. في قضية انفجار مرفأ بيروت مثلاً، تحول جزء من المتهمين إلى قضاة يحاكمون أهالي الضحايا ويقودونهم إلى التحقيق، لكن كل أكاذيبهم ومحاولاتهم انكشفت، لا بد أن تتبدل الأمور، مخطئ من يقول إن الثورة قد فشلت، كل ما حصل ويحصل عبارة عن تراكمات يبنى عليها، فنحن لا نواجه طبقة فاسدة فحسب بل منظومة مترابطة من الأزلام التي تستفيد منها والتي تحميها وتصرخ لها بالروح بالدم.
ما يحصل من تمرد من "نواب التغيير" اعتراضاً على النهج البالي والخَرق المتعمد للدستور هو سابقة لم تحصل أبداً في تاريخنا. نواب جدد يصرخون في وجه زعماء البلد التقليديين ليقولوا لهم "نحن في مواجهتكم، أنتم لستم بآلهة بل أشخاص عادين تعملون في خدمة شعبكم".
هذه المفاهيم لا بد أن تتغير والأمر يحتاج إلى الوقت، نحتاج جيلاً لا يرث دم الحرب الأهلية والاقتتال الطائفي.
الطبقة الحاكمة منذ 40 سنة حتى اليوم تقول لنا أعطوني فرصة أخرى والمزيد من الوقت، وكل حزب يقنع مناصريه بأن الآخر يسعى لإلغائه، وأن المشكلة تكمن عند خصومه وليس عنده، وللأسف هناك من يصدقهم.
هل يستطيع أحد أن يلغي أحداً؟ كيف ذلك؟ بكل فخر أقولها أنني لا أنتمي لأي زعيم سياسي ولا يمون عليّ أحد منهم، وعلى كل المنتمين إلى الأحزاب إجراء نقد ذاتي "حينما توقفت عن رؤية أخطائي، توقفت عن التطور" لا يوجد شخص على هذه الأرض معصوم عن الخطأ، وقد بات من الضروري خلق نهج جديد وإيجاد البديل، وهذا ما فعلته الثورة، وهو النهج الذي يحاول نواب التغيير رغم كل الظروف والانتقادات التي يتلقونها انتهاجه.
هذا هو الخيار الذي يجب أن ينطلق. خيار يعتمد على أشخاص وليس على طائفة أو مجموعة كي أشعر أنني محمي كمواطن. على الدولة أن تحميني. وقد أثبتت التجربة اللبنانية الفردية التي أثمرت نجاحات في لبنان وكل العالم أننا كأفراد إن وضعنا كل نجاحاتنا معاً نستطيع بناء بلد.
كم يخسر الفنان من رصيده لدى دخوله في مسائل السياسة؟
ماذا سأخسر؟ هل تتأثر مهنتي إن قلت يكفي، هناك طبقة حاكمة فاسدة تخنق شعبي وتقتله في قوارب الموت وتمنع عنهم دواء السرطان وحليب الأطفال؟ كيف يمكنني أن أسكت وألا أعلي الصوت أو أن أعبر عن رفضي لهذا الواقع الظالم؟ إن كانت مطالباتي هذه ستمنع شركة إنتاج من عرض عمل علي فليكن، لا يمكنني السكوت وسأبقى أعلي الصوت.
أنجو: بكل فخر أقولها أنني لا أنتمي لأي زعيم سياسي ولا يمون عليّ أحد، وإن كانت مطالباتي بواقع سياسي أفضل ستمنع شركة إنتاج من عرض عمل علي فليكن، لا يمكنني السكوت وسأبقى أعلي الصوت
هل من رسالة توجهينها للشعب والمسؤولين؟
ليست لدي أية رسالة. أحاول بأقصى جهدي أن أكون إنسانية، لقد خرجت من بيت تربيت فيه أنني معنية بما يحدث حولي وأنني أمتلك القدرة على التغيير وهذا فقط ما أنا مقتنعة به.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعتين??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 22 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون