شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
كل شيء قبل اللمس تضييع للوقت

كل شيء قبل اللمس تضييع للوقت

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والحريات الشخصية

الأربعاء 25 يناير 202312:02 م

ما الذي نفعله قبل أن نلمس بعضنا، غير تضييع الوقت، وقتنا؟

لست حريصةً على الوقت إلا لأملي أنني قد أحصل في الوقت الذي أضيّعه في الكلام على فرصة أخرى لا أريد تضييعها.

اللمس، ومن بعده الكلام. هذه هي الأصول.

ولكن هذا ليس ما يحصل فعلاً، إنما هو ما يبدو لي أنه ما يجب أن يحصل: اللمس أولاً هو الصواب، لأن لا نفع لكل ما ستقوله وكل ما سأقوله، ولا نفع لكل أفكارك الرائعة وأفكاري الفريدة، ولا نفع لكل النظرات الواعدة والممهدة للّمس، إذا ما اكتشفنا لحظة اللمس أن لمساتنا ليست كما ما وعد به كل الكلام وكل النظرات.

كلمات ومعلومات، كلمات ومعلومات، كلمات ومعلومات.

نعيد شريط الأحاديث كل مرة كي أعرّفك إلى نفسي وتعرّفني إلى نفسك. وسأسمع ضحكتي المزيفة والمفتعلة، وأعيد سماع كل ما قلته سابقاً لغيرك عن أني أفضّل البحر على الجبل، وأحب البيرة والمقاهي ومشاهدة الأفلام... تشرفنا.

نتحجج بالكلام لنؤجل اللمس في حين أن كل ما نريده وكل ما نفكر فيه في أثناء حديثنا، هو اللمس. التأجيل هو ما نتوقعه من بعضنا، ونتواطأ على فعله، ونتفهمه مرغمين، وهو ما يتمنى كلٌّ منّا لو يقوم الآخر بحذفه وبالقفز عنه نحو اللمس

عدا عن أنني سأسمع كلامك الذي تفترض أنه سيعرّفني إليك: لا تحب السوشي!!! معلومة مهمة جدّاً سأسجّلها عندي كما ستسجّل عندك أنني لا آكل الخضروات.

نستحضر كل الكلمات والمعلومات الممكن استحضارها في لقاءاتنا واتصالاتنا، وكل ما نظن أنه سيعطي فكرةً ملخصةً عن شخصياتنا الآسرة، ونستحضر ابتسامات ونظرات وحركات باليدين وبالساق الملتفة حول الأخرى، كحججٍ مؤجِّلة لما يجب أن يكون المحتّم والأصل: اللمس.

نتحجج بالكلام لنؤجل اللمس في حين أن كل ما نريده وكل ما نفكر فيه في أثناء حديثنا، هو اللمس. التأجيل هو ما نتوقعه من بعضنا، ونتواطأ على فعله، ونتفهمه مرغمين، وهو ما يتمنى كلٌّ منّا لو يقوم الآخر بحذفه وبالقفز عنه نحو اللمس. لكننا ننتظر... ونضيّع وقت.

سأسمعك أكثر إذا ما تحدثت في أثناء لمسي.

كل ما تقوله لا يهمّ ولا أسمعه، إلا لكونه جسراً قد يوصلني إلى لمسة؛ لمسة من اليد، من الشفاه، من القدم أو حتى أصابعها، لا يهمّ. لمسة على الخد، على الوجه، على الكتف، على الركبة، بين الفخذين، لا يهم. الجلد على الجلد هذا ما يهم... ولكن ليست أي لمسة، إنما تلك التي وعدت نفسي بها في أثناء تضييع الوقت، وإلا تصبح خسائر تضييع الوقت مضاعفةً.

سأسمعك أكثر إذا ما تحدثت في أثناء لمسي.

فكل ما يسبق اللمس ضبابي، مشوّش، مصحوب بعبسة -وإن غير مرئية- بين الحاجبين، تافه، غير مبرّر ولا علاقة له بالمرجو، ومعظم الوقت نكتشف أنه لا يشبه بوعوده واقع اللمس. فما الداعي لإطالته غير توسيع الخيبة؟

سأفهمك أكثر إذا ما تحدثت بعد لمسي.

لأنني حين تلمسني سأعرفك، لمستك ستعرّفني إليك عكس كلماتك وتعابيرك المستعارة. لمستك لا يمكن أن تكون مستعارةً. لمستك بصمتك، تشبه إلى حد ما نظرتك إلا أن النظرة بالإمكان تزييفها أحياناً، قبل أن تكشفها اللمسة.

وخيبة اللمسة عندما لا يسبقها كلام كثير، تبقى أضيق.

أنت تتحدث، وأنا أتخيل كيف ستكون "بَوسَتُكَ". لمسة شفاهك لشفاهي. لمسة لسانك للساني. لمسة خدك لكتفي. ولكن هيّا تكلّم! ضيّع وقت.

وأنا سأتخيل وأتوقع وأوسّع رقعة خيبتي المنتظرة في هذا الوقت الضائع.

أنت تتحدث، وأنا أتخيل كيف ستكون "بَوسَتُكَ". لمسة شفاهك لشفاهي. لمسة لسانك للساني. لمسة خدك لكتفي. ولكن هيّا تكلّم! ضيّع وقت

طبعاً بإمكاني أن أُخرسك بلمسة، وأقطع بها كلامك ولغوك، وأكون أنا من يقفز فوق الحجج وفوق الكلام وفوق كل هذا الزّيف، ولكني تعبت من المبادرات، ولدي رصيد من توابعها يقف حائلاً بيني وبين قرار التوقف عن إضاعة الوقت، فتراني أتكلم مرغمةً، بل أتعثر في كلماتي وفي الأغلب تراني أستمع، لأن الاستماع أبعد قليلاً عن الزّيف من الكلام، ويعطيني فرصةً أوسع للتخيل.

ولكن إذا ما قررت أنت أن تأخذ هذه المبادرة فـbe my guest وسأستقبل مبادرتك بكل ترحيب. "قوّي قلبك"! وإذا كان الكلام مهماً جدّاً بالنسبة إليك، ولا بدّ منه، فليكن لاحقاً، وهذا وعد. ستسمعني أتكلم، فأنا أتكلم حقاً ولكن ليكن الكلام لاحقاً، وحينها سيكون من دون أي زيف أو ادّعاء، وهذا وعدٌ آخر.

فلا تنتظر مني أن أحدّثك بكل صدقي قبل أن أحب لمستك. ما المبرر؟ لا مصلحة لي في...، سيكون تضييعاً للوقت وللصدق!

يجب أن نستحق هذا الصدق. والاستحقاق يأتي بعد اللمس الذي يخترق جلدنا فيجبرنا على الصدق. اللمس دليلنا إلى الصدق. دليلي على الأقل.

ولا تنتظر مني أن أبالي بك، وبما تقوله مسبقاً، فرصيد الاهتمام عندي محدود ولا أخاطر بتضييعه هباءً.

بعد اللمس إن أخبرتني بأنك لا تحب السوشي، فسنأكل steak... "عادي يعني". أما قبله، فآخر همّي صراحةً.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

خُلقنا لنعيش أحراراً

هل تحوّلت حياتنا من مساحةٍ نعيش فيها براحتنا، بعيداً عن أعين المتطفلين والمُنَصّبين أوصياء علينا، إلى قالبٍ اجتماعي يزجّ بنا في مسرحية العيش المُفبرك؟

يبدو أنّنا بحاجةٍ ماسّة إلى انقلاب عاطفي وفكري في مجتمعنا! حان الوقت ليعيش الناس بحريّةٍ أكبر، فكيف يمكننا مساعدتهم في رصيف22، في استكشاف طرائق جديدة للحياة تعكس حقيقتهم من دون قيود المجتمع؟

Website by WhiteBeard