شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"لم نرِث المهنة عن جدّاتنا"... عن دور القابلات القانونيات في لبنان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الاثنين 23 يناير 202301:40 م


 يأتي هذا التقرير كجزء من مشروع "مش عَ الهامش"، 

  والذي يسلط الضوء على الحقوق والحريات والصحّة الجنسيّة والإنجابيّة في لبنان.

لا شك في أن التمييز ضد النساء يظهر جليّاً في مختلف المجالات. في المجال الطبي تحديداً، حصلت النساء على حصتهنّ من التهميش لا سيما القابلات القانونيات منهنّ.

"الداية أم زكي"، هي من تُشبَّه بها القابلات القانونيات في مجتمعاتنا، فعلى الرغم من الإشادة العالميّة بدورهنّ إلا أن ممارسات الإقصاء والتمييز بحقهنّ في لبنان لا تزال قائمةً.

أهمية دور القابلات في لبنان

"دور القابلة القانونية مهم جداً لناحية ترشيد الإنفاق الصحي من جهة، ومن ناحية تحقيق العدالة الطبية للمرضى من جهة أخرى، فنضمن وصول خدمات الصحة الجنسية والإنجابية إلى كافة الأفراد"، هذا ما قالته نقيبة القابلات القانونيات في لبنان، ريما شعيتو، في حديثها إلى رصيف22، عن أهمية دور القابلات في لبنان.

تأسست نقابة القابلات القانونيات في لبنان بناءً على اقتراح قانون مقدّم الى مجلس النواب لتنظيم عملهنّ في العام 2005، وفي هذا الوقت أصبحت للقابلات القانونيات نقابة تدافع عن حقوقهنّ والتهميش الذي يتعرضن له خصوصاً في المستشفيات.

في لبنان يوجد 1،400 قابلة قانونية، 65% منهنّ يعملن في المستشفيات الخاصة والحكومية، وقسم منهنّ يعملن في عياداتهنّ الموزعة على مختلف المناطق اللبنانية.

يحق للقابلات القانونيات تقديم خدمات متعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية للنساء والفتيات، وهنّ في الخطوط الأمامية في هذا المجال.

"الداية أم زكي"، هي من تُشبَّه بها القابلات القانونيات في مجتمعاتنا، فعلى الرغم من الإشادة العالميّة بدورهنّ إلا أن ممارسات الإقصاء والتمييز بحقهنّ في لبنان لا تزال قائمةً

وفقاً للقوانين والمواد اللبنانية، تستطيع القابلة القانونية متابعة حالة المرأة الحامل التي لا تعاني من أي خطر صحي، بالإضافة إلى التوليد الطبيعي ومتابعة صحة الأم ما بعد الولادة، وتقديم خدمات تنظيم الأسرة (لولب هورموني).

بالإضافة إلى ذلك، يحق للقابلة أن تجري الفحوصات الدورية للكشف على سرطان الثدي وفحوصات عنق الرحم والزجاجة، ناهيك عن معالجة الالتهابات المهبلية الموضعية، وفي حال تعرضت المريضة لأي مشكلات أخرى تحوّلها القابلة القانونية إلى طبيب/ ة مختص/ ة.

وعليه، يُعدّ دور الطبيب/ ة مع القابلة القانونية متكاملاً وهو ركن أساسي في رحلة متابعة وضع المريضة الصحي.

المؤسسات الصحية الأولى في التهميش

بحسب نقيبة القابلات، ريما شعيتو، فإن العقبات التي تواجه عمل القابلات القانونيات في لبنان كثيرة، وهي على أكثر من صعيد.

إلى جانب الراتب الشهري المنخفض، تواجه القابلة أحياناً التهميش في بعض المستشفيات، فلا يسمح لها مثلاً بمعاينة المريضة التي تأتي للولادة الطبيعية أو حتى لإجراء عملية ولادة طبيعية خالية من التعقيدات، ودائماً ما تدخل المريضة على اسم الطبيب الذي يجري هذه العمليات.

بحسب نقيبة القابلات، ريما شعيتو، فإن العقبات التي تواجه عمل القابلات القانونيات في لبنان كثيرة، وهي على أكثر من صعيد

وأوضحت شعيتو، أن هذه المشكلة تحدث في المستشفيات الخاصة والحكومية: "على الرغم من أن عمل القابلات متكامل مع عمل الطبيب/ ة، ولا يمكن الاستغناء عن أي منهما، ولكن النظام الطبي يعطي أولويةً قصوى للطبيب/ ة، ولا يوزّع الأدوار بطريقة عادلة"، مشددةً على ضرورة أن يُسمح للقابلات في المستشفيات الحكومية بإجراء عمليات الولادة الطبيعيّة: "هذا الأمر يخفف من الكلفة التي تقع على عاتق النساء من جهة، وتصبح هناك عدالة طبية وتقلّ أيضاً نسبة وفيات النساء بعد الولادة".

وفي السياق نفسه، أشارت ريما أيضاً إلى عائق تواجهه القابلات في بعض الصيدليات التي ترفض إعطاء أدوية للمريضة إذا كانت الوصفة الطبية من قابلة قانونية: "على الرغم من أن القانون اللبناني يسمح لهنّ بكتابة هذه الوصفة، وما يحصل هنا مخالف للقانون"، على حدّ قولها.

وأشارت إلى أن تضارب المصالح هو واقع يفرض نفسه عند الحديث عن القابلات القانونيات، كما أن مصالح المستشفيات المشتركة مع الأطباء تفرض تهميشاً كبيراً على القابلات.

وكشفت شعيتو، أن دور القابلات القانونيات، خلال الأزمة الاقتصادية في لبنان، شهد تطوّراً كبيراً وكانت هناك نقلة نوعية، فبحسب أرقام وزارة الصحة مثلاً، مراكز الرعاية الصحة الأولية تشهد إقبالاً كثيفاً على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية خاصةً في حال كانت هذه المراكز تعمل فيها القابلات.

هذا الواقع يعني أن هناك تغييراً على مستوى الثقافة والصور النمطية المأخوذة عن القابلة القانونية، ولكن بحسب شعيتو فإن الضغط على القابلات في مراكز رعاية الصحة الأولية بدأ أيضاً، إذ إن بعض المراكز بدأت تستبعد القابلات من عملهنّ: "بعض المراكز أرغمت المرأة الحامل على أن تخضع لـ5 كشفيات لدى الطبيب/ ة النسائي/ ة، لزيادة المردود المادي، مع زيارتين فقط للقابلة القانونية، كما أن التغطية الصحية تشمل فقط زيارة الطبيب/ ة النسائي/ ة ولا تغطي كشفية القابلة القانونية، عدا عن منع القابلات من إجراء فحص الزجاجة أو الماموغرافي إلا بوصفة طبية من الطبيب/ ة في المركز".

تأسست نقابة القابلات القانونيات في لبنان بناءً على اقتراح قانون مقدّم الى مجلس النواب لتنظيم عملهنّ في العام 2005، وفي هذا الوقت أصبحت للقابلات القانونيات نقابة تدافع عن حقوقهنّ والتهميش الذي يتعرضن له خصوصاً في المستشفيات

الثقة بالطبيب

إن قرار توجه النساء إلى القابلات القانونيات لمعاينة صحتهنّ الجنسية والإنجابية، ليس قراراً سهلاً، في ظل الأفكار المغلوطة المنتشرة عن عمل القابلات القانونيات في لبنان.

يأتي التمييز تجاه عمل القابلات القانونيات من منطلق التمييز الجندري ضد النساء أحياناً، بحيث يثق جزء من المجتمع بقدرات الطبيب الرجل في المجال الطبي ويستبعد بذلك النساء العاملات في هذا المجال.

"كنت أعيش في السعودية وأرفض المعاينة عند قابلة قانونية أو حتى طبيبة، بسبب ما كنت أسمعه من حولي عن أن الطبيبات لا يمكنهنّ إجراء العمليات"، هذا ما قالته ديانا كركي (43 عاماً)، في حديثها إلى رصيف22، مضيفةً: "تغير الأمر عندما أتيت إلى لبنان وتعرفت من خلال أختي إلى قابلة قانونية في المنطقة نفسها، زرتها وتابعت حملي الثاني لديها، ولكن أنجبت في المستشفى لدى الطبيب بسبب خضوعي لعملية قيصرية".

سمعت ديانا الكثير من الانتقادات من حولها بسبب لجوئها إلى قابلة قانونية، بحجة أن ما تفعله ليس آمناً لصحتها، وأنه يتعيّن عليها أن تذهب إلى الطبيب كونها ستخضع لعملية قيصرية، ولكنها لم تكترث لمثل هذه الأحاديث، وفق ما أكدت: "تعطيني القابلة من الوقت ما يكفي لأشرح كافة عوارض الحمل وغيرها من الأمور. أرشدوني إلى عدد من الأطباء الرجال لأذهب وأتابع حملي لديهم على اعتبار أنهم يقدّمون خدمات في مستشفيات خاصة مرتبة ومشهورة، لكن لم أذهب لأن كشفيتهم غالية أيضاً".

مع الزيارات الدورية لعيادة القابلة القانونية، اكتشفت ديانا قبل شهرين، إصابتها بسرطان الثدي في مرحلة مبكرة وهي الآن تخضع للعلاج: "حوّلتني القابلة إلى الأطباء المختصين، ولكن لا زلت أستشيرها في الكثير من الأمور التي تخص تأثير الأدوية على صحتي الجنسية والإنجابية".

لا تنكر ناديا أن سعر الزيارة لدى القابلة القانونية يختلف كثيراً عن تسعيرة الطبيب/ ة، ولكن الأوضاع الاقتصادية لم تكن السبب الأساسي لتوجهها نحو عيادة القابلة القانونية بل ثقتها بالخدمات المقدّمة.

في لبنان يوجد 1،400 قابلة قانونية، 65% منهنّ يعملن في المستشفيات الخاصة والحكومية، وقسم منهنّ يعملن في عياداتهنّ الموزعة على مختلف المناطق اللبنانية

القابلة القانونية ليست دايةً

"الصور النمطية المأخوذة عن دور القابلة القانونية كثيرة، تبدأ من كلمة ‘الداية’ التي نراها في المسلسلات القديمة، وصولاً إلى التنميط في أشكالنا، بحيث نصوَّر وكأننا نساء قصيرات قامة وممتلئات ونحب الطعام، بالإضافة إلى القيل والقال والتنقل بين البيوت"، هذا قالته القابلة القانونية، فرح كنج، متحدثةً عن أبرز ما يمكن أن تسمعه القابلات القانونيات في المجتمع.

وأضافت فرح لرصيف22: "غالباً ما يستغربون أن القابلات درسن فعلاً في الجامعة، فبعض الأفراد يعدّون أنّ عملنا يقوم على الخبرة أو قد ورثناه من جداتنا".

لا تنكر فرح التقدم الفعلي الذي شهده عمل القابلات القانونيات في لبنان في الآونة الاخيرة، منوهةً بأن هناك وعياً أكثر بدورهنّ في المستشفيات خاصةً في أثناء عمليات الولادة، رابطةً أيضاً هذا الواقع بموضوع الحث على الولادة الطبيعية والتوعية على أهميتها، "ولكن النظام الصحي في لبنان والمصالح المادية لا تزال ضاغطةً"، وفق قولها.

وأضافت كنج: "على الرغم من أن عمليات الولادة الطبيعية التي تقوم بها القابلات القانونية، خالية من أي تعقيدات وعادةً ما تكون ناجحةً أكثر من عمليات الولادة التي تقوم بها الطبيب/ ة، لأن القابلة تكون أكثر صبراً، إلا أن المستشفيات لا تزال تمنع القابلات من إدخال مرضاهن لإجراء الولادة الطبيعية في المستشفى فيُجبرن على إجراء هذه العمليات في عياداتهنّ أو يتم تحويل المريضة إلى طبيب/ ة نسائي/ ة، لتدخل إلى المستشفى، ومن هنا تفضّل بعض النساء أن يذهبن إلى الطبيب/ ة كاختصار لكل هذه الإجراءات".

إن قرار توجه النساء إلى القابلات القانونيات لمعاينة صحتهنّ الجنسية والإنجابية، ليس قراراً سهلاً، في ظل الأفكار المغلوطة المنتشرة عن عمل القابلات القانونيات في لبنان

الولادة في العيادة... خيار؟

"ليه رحتي عند الداية؟ قلة حُكَما بالبلد"؛ هذا ما سمعته مايا كركي، من تعليقات بعدما قررت أن تذهب إلى عيادة القابلة القانونية التي تابعت حملها بأولادها الثلاثة. أنجبت الطفل الأول والثاني في عيادة القابلة، أما الطفل الثالث فاضطرت إلى الخضوع لعملية قيصرية لولادته وحولتها القابلة إلى طبيب مختص.

تعليقاً على هذه النقطة، قالت مايا: "لا توجد لديّ مشكلة في أن أَلِد في المنزل أو حتى في عيادة القابلة. أرتاح للفكرة كثيراً والآن أنا حامل بطفلي الرابع، نقلت سكني إلى منطقة الجنوب (النبطية)، ولكن أتابع حملي مع القابلة القانونية في بيروت، وأزورها كل شهر تقريباً ولا يهمني ما أسمعه من تعليقات سلبية. الأولوية لصحتي وراحتي".

خلال الأزمة الاقتصادية، ارتفعت أسعار خدمات الصحة الإنجابية والجنسية في لبنان، فضلاً عن فقدان بعض المنتجات الصحية الأساسية من الأسواق، ما وضع صحة النساء الجنسية والإنجابية أمام خطر محتم، وكانت مراكز رعاية الصحة الأولية والقابلات القانونيات وجهة عدد كبير من النساء لتلقّي هذه الخدمات.

في هذا الإطار، أوضحت القابلة القانونية، هدى فيصل، لرصيف22، أن الإقبال على عيادتها بعد الأزمة الإقتصادية ارتفع، خاصةً أن بعض النساء الحوامل يفضلن الولادة في العيادات بسبب عدم قدرتهنّ على تحمل كلفة المستشفى، غير أنها رأت أن السبب لا يعود فقط إلى الوضع الاقتصادي وعدم قدرة النساء على تغطية كلفة الطبيب/ ة، بل أصبح هناك وعي بأهمية دور القابلة القانونية: "القابلة متعلمة ومختصة بمجال الصحة الجنسية والإنجابية على عكس ما يُشاع في المجتمع".

خلال الأزمة الاقتصادية، ارتفعت أسعار خدمات الصحة الإنجابية والجنسية في لبنان، فضلاً عن فقدان بعض المنتجات الصحية الأساسية من الأسواق، ما وضع صحة النساء الجنسية والإنجابية أمام خطر محتم

تفتح هدى عيادتها الخاصة في منطقة تحويطة الغدير، منذ 25 عاماً، وهي تقوم بزيارة المستشفى دورياً للولادات الطبيعية، غير أنها لا تنكر أن هناك تمييزاً في بعض المستشفيات تجاه القابلات إذ لا يُسمح للقابلة أن تُدخِل مريضتها للولادة حتى ولو على اسم طبيب/ ة.

باختصار، تواجه القابلات القانونيات في المستشفيات والمراكز الصحية في لبنان العديد من العقبات ويترافق ذلك مع حزمة من الضغوط المجتمعية، كالصور النمطية والأفكار المغلوطة، الأمر الذي قد يعيق عملهنّ، غير أن العديد من المجتمعات باتت تعي أهمية دور القابلات القانونيات خاصةً لناحية مرافقة النساء الحوامل ومتابعة حالاتهنّ بالتنسيق مع الطبيب/ ة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image